هل باتت فرنسا «ولاية أمريكية» جديدة؟
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
هل باتت فرنسا «ولاية أمريكية» جديدة؟
يعرب مسؤولون فرنسيون سابقون عن خيبة أملهم من تراجع فرنسا وتبعيتها للولايات المتحدة، ويعتقدون أن السيل وصل الزبى مع الرئيس الحالي ماكرون.
فقدت فرنسا كل مبادرة سياسة في العلاقات الخارجية، وأصبحت مجرد تابع ومطيع لمبادرات واشنطن، وتفاقم هذا بعد طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023.
فرنسا تنسلخ عن استقلاليتها وتنخرط في تأييد سياسة أمريكا وإسرائيل منذ وصول ساركوزي الصهيوني للرئاسة بينما يبدو ماكرون كأنه عضو في حزب ليكود.
ولهذا، ليس من باب المبالغة القول بأن ماكرون وكأنه عضو في حزب ليكود الإسرائيلي أو جعل من فرنسا «ولاية أمريكية جديدة»، وهذه المرة في قلب أوروبا.
من كان يعتقد في فرنسا العلمانية، أن رئيسها عشية اليوم الوطني للعلمانية الذي يحتفل به بموجب قانون 1905 سيسمح بإضاءة شمعة عيد الحانوكا اليهودي في قصر الإليزيه، تخليدا لذكرى مستوطنين لقوا حتفهم في طوفان الأقصى؟!
* * *
«فرنسا ولاية أمريكية جديدة»، نعم هذا هو العنوان المناسب لسياسة باريس خلال العقدين الأخيرين، منذ رئاسة نيكولا ساركوزي إلى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، حيث فقدت فرنسا كل مبادرة سياسة في العلاقات الخارجية، وأصبحت مجرد تابع ومطيع لمبادرات واشنطن، وتفاقم هذا بعد طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، رسمت فرنسا لنفسها مع رؤساء مثل شارل ديغول إلى جاك شيراك مكانة خاصة في العلاقات الدولية. ورغم انتمائها إلى الغرب، فقد كانت دائما تأخذ مسافة من السياسة التي تنهجها الدول الأنكلوسكسونية، خاصة الولايات المتحدة، وتفضل التميز عبر استقلالية قرارات تسببت لها في مشاكل كبيرة مع شركائها الغربيين.
وحظيت فرنسا باحترام كبير خلال حقبة الرئيس جاك شيراك، لاسيما في حرب العراق عندما وقف وزير خارجيته آنذاك دومينيك دو فيلبان في مجلس الأمن خلال منتصف فبراير/شباط 2003 في وجه واشنطن ولندن، ونفى أن يكون للعراق علاقة بتنظيم «القاعدة» أو يتوفر على أسلحة كيماوية، رافضا الحرب على هذا البلد العربي، ومحذرا من أن «اللجوء المبكر للخيار العسكري ستكون له عواقب وخيمة للبشر وللمنظمة وللاستقرار الدولي».
وتبين للعالم صحة هذا الكلام من تدمير العراق وقتل مليون من أبنائه، وكيف ظهرت الحركات المسلحة والإرهابية منها ليدخل الشرق الأوسط أحد أسوأ فترات تاريخه الحديث.
كما حظيت باحترام الفلسطينيين، لأن موقف باريس كان هو أن أمن إسرائيل مرتبط بحقوق الفلسطينيين، ورفع شيراك هذا الشعار طيلة حياته السياسية، لاسيما عندما كان وزيرا أولا ثم رئيسا للجمهورية.
غير أن فرنسا الرسمية بدأت تنسلخ عن استقلاليتها نحو الانخراط في تأييد السياسة الأمريكية والإسرائيلية بشكل لافت، وحدث هذا منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى رئاسة البلاد، الذي كان صهيونيا في مواقفه، ثم مرحلة التراجع الصامت إبان عهد الرئيس فرانسوا هولاند، بينما يبدو إيمانويل ماكرون وكأنه عضو في حزب الليكود وليس رئيس دولة أوروبية.
تفيد الصحافة الفرنسية ومنها «لوموند» كيف يسيطر القلق وسط الدبلوماسية والاستخبارات الفرنسية من سياسة ماكرون المنخرطة في مخططات رئيس الكيان بنيامين نتنياهو. فمن جهة، ترى كيف تفقد فرنسا كل مصداقيتها أمام الشعوب العربية، بل حتى أمام جزء من العالم، وما قد يترتب عن هذه المواقف من أعمال إرهابية مستقبلا ضد المصالح الفرنسية.
ويبرز خبراء الدبلوماسية والاستخبارات في باريس، أن موقف فرنسا كان يجب أن يكون الدفاع عن هدنة ووقف إطلاق النار، بدل تأييد حرب اتخذت مجرى الإبادة. وارتأى الرئيس ماكرون اتخاذ مواقف مختلفة، من كان يعتقد إقدامه على المطالبة بائتلاف دولي لمواجهة حماس على شاكلة ائتلاف مواجهة «داعش» رغم اختلاف السياق السياسي والتاريخي.
موقف يدل على احتقاره للتاريخ الدبلوماسي والاستخباراتي الفرنسي، حيث كانت الدبلوماسية والاستخبارات، تلحان على ضرورة لعب باريس دور الوسيط والمحاور بين الغرب والفلسطينيين.
من كان يعتقد أنه سيتراجع صاغرا بعد تنبيه من إسرائيل بأن تصريحاته لقناة «بي بي سي» البريطانية بشأن ضرورة تفادي وقوع ضحايا في صفوف المدنيين غير مناسبة، وهو الذي يرى كيف أن الكيان ضرب بشكل همجي المستشفيات والمدارس.
من كان يعتقد أنه في فرنسا التي تدافع عن العلمانية، سيقوم رئيسها عشية اليوم الوطني للعلمانية (الخميس الماضي) الذي يتم الاحتفال به بموجب قانون 1905 سيسمح بإضاءة شمعة عيد الأنوار اليهودي (الحانوكا بالعبرية) وسط قصر الإليزيه، تخليدا لذكرى المستوطنين الذين لقوا حتفهم في عملية طوفان الأقصى، وفي تجاهل لقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني أغلبيتهم من الأطفال.
وعلق المحلل السياسي جان بيير بيران، أن الوقت لم يكن مناسبا للقيام باحتفال كهذا، علما أن «مبدأ الفصل بين الدين والسياسة في فرنسا أمر مقدس للغاية، ويجب عدم المساس به ولا يقبل الاستثناءات مهما كانت الظروف».
والواقع أن تصرفات ماكرون ليست بالمفاجئة، فهو رئيس يفتقر للنضج السياسي العميق، فقد بدّد تراث فرنسا الدبلوماسي، بل لم يتردد في ما يعتبره خبراء فرنسا خيانة بلاده، عندما باع سنة 2014 عندما كان وزيرا في حكومة فرانسوا هولاند للشركة الأمريكية جنرال إليكتريك فرع الطاقة التابع لشركة «ألستوم» الفرنسية.
وهي الشركة التي تصنع توربينات الغواصات النووية وقطع حساسة في الصناعة النووية، وأصبحت الآن رهينة السياسة الأمريكية، كما باع معطيات الفرنسيين لشركات أمريكية، وهي ملفات توجد تحت أنظار القضاء. الحديث عن تراجع فرنسا على المستوى الدولي، هو بالضرورة الحديث عن ضعف الرؤساء الذين تناوبوا على رئاسة الجمهورية منذ ساركوزي إلى ماكرون، وبدوا مثل منتوج "تسويق" سياسي رخيص، حيث افتقدت باريس معهم للاستقرار في رؤيتها للكثير من قضايا العالم.
وأصبح الشغل الشاغل لهؤلاء الرؤساء هو إرضاء أمريكا بعد غضبها الشديد على باريس بسبب موقف جاك شيراك من حرب العراق. ورغم حديث هؤلاء الرؤساء عن ضرورة تعزيز دور فرنسا ودور الاتحاد الأوروبي في المشهد السياسي العالمي، فهم طبقوا سياسة معاكسة.
ويعرب مسؤولون فرنسيون منهم وزير الخارجية الأسبق دومينيك دو فيلبان ومدير الاستخبارات الخارجية آلان جوبيه، عن خيبة أملهم في تراجع فرنسا وتبعيتها للولايات المتحدة، ويعتقدون أن السيل وصل الزبى مع الرئيس الحالي ماكرون. ولهذا، ليس من باب المبالغة القول بأن ماكرون وكأنه عضو في حزب ليكود الإسرائيلي أو جعل من فرنسا «ولاية أمريكية جديدة»، وهذه المرة في قلب أوروبا.
*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا فرنسا إسرائيل ليكود ديغول شيراك ماكرون ساركوزي ولاية أمريكية ولایة أمریکیة طوفان الأقصى عضو فی حزب
إقرأ أيضاً:
الانتهاء من صيانة سد وادي الخب في ولاية دبا بمسندم
العُمانية: أنهت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه أعمال الصيانة الشاملة لسد وادي الخب في ولاية دبا بمحافظة مسندم بتكلفة بلغت 247 ألفا و157 ريالا عمانيًّا، وذلك في خطوة تعزز جاهزية السد وترفع كفاءته التشغيلية وفق أعلى المعايير الفنية، بما يضمن استدامة موارده المائية ودوره الحيوي في حماية المنطقة وتنظيم تدفقات الأودية.
ويُعد سد وادي الخب أحد أهم السدود الركامية في شمال سلطنة عُمان نظرًا لدوره في تعزيز التغذية الجوفية وتنظيم الجريان السطحي خلال المواسم المطرية، حيث يبلغ طول قمته حوالي 500 متر وارتفاعه 4ر17 متر، فيما تصل سعته التخزينية إلى 8ر2 مليون متر مكعب، كما يتضمن مفيضًا بطول 200 متر بطاقة تدفق تصميمية تقارب 3900 متر مكعب في الثانية، إضافة إلى أنابيب تصريف بقطر 300 ملم للتحكم في تدفق المياه من البحيرة.
وأوضح المهندس يوسف بن مسعود المنذري مدير دائرة السدود بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، لوكالة الأنباء العُمانية أن تنفيذ أعمال الصيانة شملت إنشاء برجين خرسانيين أمام فتحات التصريف للتحكم في تشغيل البوابات، وتنفيذ جسرين معدنيين للوصول إلى غرفة التحكم بطولين يقارب أحدهما 15 مترا والآخر 19مترا، إضافة إلى إنشاء غرفتي مراقبة وتزويد السد بأجهزة لقياس منسوب المياه وتركيب بوابتين جديدتين للتحكم في التصريف وتوصيل التيار الكهربائي لغرف المراقبة، إلى جانب تنظيف جسم السد وإزالة الأشجار والمخلفات المحيطة به وإزالة نحو 60 ألف متر مكعب من الترسبات في بحيرة السد لتعزيز كفاءتها التخزينية، إضافة إلى تركيب لوائح تعريفية وتحذيرية وإرشادية في محيط السد، وتزويده بأنظمة مراقبة عبر تركيب كاميرات لرفع مستوى السلامة والمتابعة التشغيلية.
وأكد مدير دائرة السدود، أن هذه المشاريع تعكس اهتمام سلطنة عُمان بصيانة السدود الاستراتيجية باعتبارها إحدى الركائز الأساسية في منظومة الأمن المائي، حيث لا يقتصر دور الوزارة على إنشاء السدود فحسب، بل يمتد إلى ضمان استدامتها وتطويرها بما يتناسب مع المعايير الهندسية الحديثة.
ونوّه المهندس يوسف المنذري أن هذه الأعمال تسهم في تعزيز قدرة سد وادي الخب على تغذية الخزان الجوفي وتقليل الفاقد من المياه السطحية، إضافة إلى حماية التجمعات السكانية والزراعية في محيط الوادي من مخاطر تدفقات الأودية خلال الحالات المناخية المختلفة.