مفتي الجمهورية: ما يحدث في غزة أمر تستهجنه الفطرة الإنسانية والقيم والأخلاق الدينية
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن القادة الدينيين وزعماء الأديان والعلماء والدعاة والمرشدين تقع على عاتقهم مسؤوليات كبيرة في مجال نشر القيم الأخلاقية والروحية التي دعت إليها الأديان السماوية، من أجل وقف العنف والحروب والاعتداءات على الآمنين والمستضعفين.
وأضاف المفتي -في الكلمة الرئيسية التي ألقاها في فعاليات أعمال المنتدى الإسلامي العالمي التاسع عشر الذي يعقد في العاصمة الروسية موسكو- أن ما يحدث في مدينة غزة الفلسطينية من قتل وتهجير للأطفال والنساء والمواطنين الفلسطينيين أمر تستهجنه الفطرة الإنسانية والقيم والأخلاق الدينية التي دعت إلى المحبة والسلام والتراحم، مؤكدًا أن ما يحدث من عنف انتقامي ممنهج من الجانب الإسرائيلي أمر يجب التصدي له إذا ما أردنا أن يعم السلام المنطقة.
وجدد فضيلة المفتي نداءه الإنساني إلى قادة الأديان وعقلاء العالم والمنظمات الدولية ألا يصموا آذانهم عن الهمجية الإسرائيلية، وأن يضغطوا لوقف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة إحياءً للضمير الإنساني وحفظًا لأرواح الأبرياء.
وأوضح فضيلة المفتي أن هذه القيم الروحية والأخلاقية هي الجديرة بنشر الأمن وتعزيز السلام والحد من الصراعات والقضاء على العنف والإرهاب، وهي الجديرة أيضًا بإعادة العالم إلى حالة من السكينة والهدوء والرخاء والخروج من حالة التوترات والصراعات التي نشهدها اليوم والتي تدمي القلوب وتؤثر على العلاقات الدولية.
وأضاف مفتي الجمهورية أن هذه الغاية السامية؛ أعني نشر القيم الروحية والأخلاقية تتطلب من قادة الأديان وزعمائه أن يتعاونوا فيما بينهم وأن يتباحثوا بشكل مستمر بغية الوصول إلى مشروع عمل عالمي مشترك يعزز القيم الأخلاقية والروحية بين أبناء العالم كله.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن الإسلام قد عزز نشر قيم التعاون والتواصل بين كافة الشعوب بغضِّ النظر عن الدين أو اللغة أو اللون أو العرق وصرح القرآن الكريم بذلك، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وقال تعالى أيضًا: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، فالله تعالى خلقنا مختلفين لغة ومختلفين جنسًا ومختلفين أصولًا وأعراقًا؛ أي انحدرنا من أعراق وأوطان كثيرة، ومختلفين أيضًا من جهة اللون، ومختلفين في أوجه كثيرة من الكيفيات التي خلق الله الناس عليها بحكمته البالغة.
وأضاف أن الله تعالى بيَّن لنا أن هذا الاختلاف هو آية من آيات الله تعالى وأمر معجز يدل على كمال خلقه واتساع وطلاقة قدرته وتمام إرادته، وأن هذا الاختلاف غايته عند ذوي العقول الراشدة هو التعارف والتبادل المعرفي، ونفهم من هذا أن التنوع الشديد محفز لنا جميعًا إلى أن يتعرف كل منا على الآخر ثقافة وفكرًا، ويشجعنا على أن يستفيد بعضنا من بعض على مستويات كثيرة مما أنتجته العقول البشرية المختلفة فهذه المعارف والثقافات المنفردة لكل شعب، هي في حقيقتها مِلك خالص للبشرية كلها تستفيد منه وتنتفع به وتطوره لكي تستفيد الشعوب الأخرى منه.
وتابع مفتي الجمهورية: "نحن نستطيع أن نجزم بأن الأديان جميعًا تدعو إلى الفضيلة وإلى مكارم الأخلاق وإلى القيم الروحية ودعم السلام، وإذا رأينا إنسانًا يمارس العنف والإرهاب أو العنصرية أو الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو التهجير باسم الدين فلنعلم يقينًا أنه يمارس الدين بطريقة خاطئة وفهم عنصري معوج".
وأضاف فضيلته أنه ما نزلت الرسالات السماوية وما جاءت الأديان من عند الله وما بعثت الرسل إلا بالسلام والأمن ونشر قيم الرحمة والإخاء، وفي شريعة الإسلام ندعو الله تعالى باسمه السلام، فمن أسماء الله الحسنى في الإسلام اسم الله السلام الذي يفيض بالأمن والسلام والرحمة والخير على مخلوقاته جميعًا، والله تعالى سمى دار الثواب في الآخرة وهي الجنة بدار السلام، فالسلام والأمن من أهم القيم التي دعت إليها الأديان السماوية جميعًا.
وأكد فضيلة المفتي أننا نحتاج إلى تفعيل هذه القيم وإدخالها ضمن برامج عملية قابلة للتطبيق بين الشعوب، فالأخلاق والقيم تمثل في حقيقتها جسور التواصل وحلقات الوصل بين الحضارات والشعوب وكل حضارة عملت على نشر القيم والأخلاق والعلوم والمعارف وما ينفع الإنسانية عاشت في وجدان الناس فما ينفع الناس يمكث في الأرض، وما يؤذي الناس ويضرهم يسقط من ذاكرة التاريخ ويفنى ولا يبقى له ذكر.
وقال مفتي الجمهورية: "إن العالم كله ينتظر من دعاة الأديان وقادة الرأي والفكر أن يعملوا على نشر قيم السلام والأمن، وإننا في دار الإفتاء المصرية انطلاقًا من حضارتنا المصرية المعروفة في التاريخ كله أنها حضارة خير وسلام، وانطلاقًا من ديننا الإسلامي دين الخير والأمن والسلام على أتم الاستعداد أن نمد يد التعاون مع جميع المؤسسات الدينية في العالم من أجل أن يعم السلام ربوع العالم".
وأضاف: دار الإفتاء المصرية بذلت عبر تاريخها الطويل جهودًا كبيرة في تفنيد ومحاربة الفكر الإرهابي المتطرف ومقاومة تيارات العنف والإرهاب بمشاريع توعوية فكرية تصحح المفاهيم والرد على الشبهات التي تطلقها تلك الجماعات الإرهابية وتبرز وتظهر حقائق الإسلام السمحة ومقاصده التي تدعو إلى التسامح ونبذ العنف.
وفي ختام كلمته توجه فضيلة المفتي بالشكر والتقدير للدولة الروسية رئيسًا وحكومة وشعبًا، داعيًا الله أن يكلل جهود منظمي هذا المؤتمر الهام بالنجاح والتوفيق وأن يجنب شعوب العالم كله شر العنف والصراع وأن يتجلى علينا برحمته ورضاه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتی الجمهوریة فضیلة المفتی الله تعالى IMG 20231212 جمیع ا
إقرأ أيضاً:
مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالدوحة يدعو لتكنولوجيا تحترم القيم الإنسانية العالمية
الدوحة– أكد مشاركون في المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان الذي يعقد في الدوحة ضرورة وضع أُطر حوكمة رشيدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، تضمن احترام القيم الإنسانية العالمية وتحول دون استخدامها في المساس بحقوق الإنسان أو تقييد الحريات أو خداع الأفراد.
وخلال جلسة "الحاجة إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي..أفضل الممارسات لاستخدام الذكاء الاصطناعي وفقًا للمعايير الأخلاقية"، شدد خبراء ومتحدثون على أهمية تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تعتمد منذ مراحل التصميم والتطوير وحتى التشغيل على مبادئ الشفافية والمساءلة وعدم التمييز، بحيث تصبح هذه التكنولوجيا قوة مساندة للعدالة والكرامة الإنسانية، ولا تكون أداة تهددها أو تقيدها.
كما تناول المشاركون الجوانب الرئيسية لحوكمة الذكاء الاصطناعي، بدءًا من تقييم مدى استعداد البلدان والمنظمات لتبنيه مع الحفاظ على حقوق الإنسان إلى تطوير استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية المتجذرة في المبادئ الأخلاقية.
دون تقييدوناقش الخبراء أفضل الممارسات من اتفاقيات الذكاء الاصطناعي العالمية، والطرق المتبعة لبناء أنظمة شاملة له، تضمن الوصول العادل، والمشهد المتطور للأطر التنظيمية الدولية والإقليمية والوطنية، محذرين من أن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي يجب ألا يؤدي إلى خداع الأفراد أو فرض قيود غير مبررة على حقوقهم وحرياتهم.
إعلانكما ركزت الجلسة على الأبعاد الحاسمة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مدى جاهزية الدول والمؤسسات لتبني هذه التكنولوجيا مع ضمان احترام حقوق الإنسان وتطوير استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي تستند إلى القيم الأخلاقية، واستعراض أفضل الممارسات من الأطر الدولية، وتعزيز بيئات الذكاء الاصطناعي الشاملة التي تضمن وصولاً عادلاً للجميع.
من جهتها، سلّطت رئيسة لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لورا ماريا كراسيونيان تاتو، الضوء على الأهمية المتزايدة للدور الذي تؤديه وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، كمنظمة العمل الدولية واليونسكو، في صياغة التفسيرات المعاصرة والمتجددة لمفاهيم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يواكب التحولات التقنية والاجتماعية التي يشهدها العالم، وعلى رأسها تطورات الذكاء الاصطناعي.
وأكدت أن حقوق الإنسان، بجميع أبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تُعد متساوية في القيمة والأهمية، ولا ينبغي التعامل معها بتفاوت أو تجزئة موضحة أن هذا التكامل بين مختلف الحقوق يفرض مقاربة شاملة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، تقوم على احترام جميع الحقوق دون انتقاص.
وأضافت أن التفسير المنهجي والمتماسك للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في توجيه جهود حوكمة الذكاء الاصطناعي، بما يضمن أن تبقى هذه التقنية ملتزمة بمبدأ احترام كرامة الإنسان وصونها، ومراعية للعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للفرص والمنافع.
واقعية وواعدةوقال المستشار في أمانة مبادرة الذكاء الاصطناعي في مجلس أوروبا، فاديم باك، إن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يبدو واعدًا من حيث الإمكانات، لاسيما مع القدرة المتزايدة على قياس نتائجه بشكل كيفي وكمي بناءً على التجربة والممارسة.
إعلانوأوضح أنه رغم ذلك، فإننا نواجه اليوم مخاطر حقيقية إذا لم يتم استخدام هذه التقنيات ضمن إطار قانوني وأخلاقي صارم حيث إن التجاوزات المحتملة، خصوصًا فيما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، ليست فرضيات نظرية، بل وقائع ممكنة وواقعية.
ومن هذا المنطلق -يضيف المستشار باك- أنه يجب اعتماد مقاربة واضحة قائمة على تقييم المخاطر، سواء من خلال تطوير سياسات وطنية أو آليات دولية، تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التكنولوجيا، وتحول دون أي توظيف يمس بالكرامة الإنسانية أو يهدد الحقوق الأساسية.
من جهته أكد عبدالرحمن محمد آل شافي، مدير إدارة السياسات والاستراتيجيات للأمن السيبراني في الوكالة الوطنية للأمن السيبراني في قطر، أن الوكالة الوطنية للأمن السيبراني القطري تضم مكتبًا مخصصًا لحماية خصوصية البيانات يتعامل مع جميع الشكاوى المتعلقة بالامتثال القانوني، سواء من الأفراد أو المؤسسات، مضيفا أنهم "فخورون بأن قطر تشارك بنشاط في هذه الحوارات الحيوية، لاسيما فيما يتعلق بحق الخصوصية".
وأكد أنهم يهدفون إلى تعزيز بيئة داعمة في قطر تمكّن الجهات التنظيمية وتُعزز التعاون المشترك بين مختلف القطاعات في قضايا الذكاء الاصطناعي.
وعبر مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيس لجنة الذكاء الاصطناعي في قطر حسن جاسم السيد، عن رؤيته المتفائلة إزاء مستقبل هذه التقنية، قائلاً: إن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته فرصاً هائلة لتعزيز جودة الحياة وتطوير الخدمات في مختلف القطاعات، غير أن ثمة مخاطر حقيقية لا يجوز تجاهلها.
ولفت أنه رغم هذا التحدي، "نؤمن بأن وضع أُطر تنظيمية واضحة ومرنة، ومستندة إلى مبادئ الشفافية والمساءلة وحماية حقوق الأفراد، يمكنه أن يحول دون أي إساءة استخدام للتقنية، ويضمن توجيهها نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع".
إعلانواضاف، في السياق، ستتجاوز فوائد الذكاء الاصطناعي مخاطره بكثير، وستصبح هذه الأنظمة داعماً أساسياً للتنمية المستدامة والتحول الرقمي في قطر والعالم.
وشدد على أن الحوار المستمر بين الجهات الحكومية والخبراء وصنّاع القرار هو حجر الزاوية لوضع سياسات تضمن التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق، مع ضرورة العمل على تدريب الكوادر الوطنية وتعزيز البنية التحتية القانونية والتقنية لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال.