مفهوم التخلية والتحلية في الإسلام.. انزع الغل من قلبك
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
شرح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، مفهوم التخلية والتحلية الذي ينبغي على كل مسلم العمل به في حياته الدينية.
وقال علي جمعة، في منشور، إن عملية التخلية من القبيح والتحلية بالصحيح أمر ينبغي أن نسعى إليه، وأن نفهمه، وأن نطبقه حتى ننال رضى الله عنه.
وأضاف علي جمعة، أن تخلية القلب من الغل عمل يؤدي بالإنسان إلى حالة التوازن، يؤدي بالإنسان إلى أن يرى الحقائق على ما هي عليه؛ لا يُغَبِّشُ عليه غلُّه شيئًا من الحقائق، بل ينظر إلى ما حوله بقلب صافٍ، يتخلى حينئذ عن الكبر وعن الأنانية وعن الحقد وعن الحسد وعن الظلم ، يتخلى حينئذ عن التصرفات الهوجاء التي قد يرتكبها في حق نفسه، أو في حق غيره، أو في حق أمته.
وأشار إلى أن الغل يؤدي إلى اختلال الميزان في يد الإنسان، يأكل قلبه ويغبش عليه طريقه، ونحن ندعو الله كل يوم في صلواتنا دائمًا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} والصراط المستقيم هو طريق الله، وطريق الله لا يعرف الغل ، فإذا تخليت عن الغل من قلبك ودربت نفسك على ضبطه، وعلى تخلية قلبك منه فإنك ستسعد ، وهو أمر قد لا يلتفت إليه كثير من الناس، ويظن أن التخلي عن الغل إنما هو محض خلق راق رائق عالٍ ! أبدًا.
وتابع: إنه أيضًا يسبب لك السعادة في الدنيا، وجعله الله - تعالى - علامة على السعادة في الآخرة، بل جعله - سبحانه وتعالى - جزاء للمتقين على تقواهم { إِن الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} ساقها الله - سبحانه وتعالى - في سياق المنّة التي يمنّ الله علينا بها في الجنة جزاءً وفاقًا لما سبق أن قدمناه من التقوى ؛ ولم يسقها في سياق التكليف الذي يتكلف فيه الإنسان المشقة لإزالة هذا الأمر من قلبه طلبًا لرضوان الله -تعالى-.
وأكد أن تخلية القلب من الغل أمر قد يحتاج إلى وقت ؛ فالتربية تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى همة، وتحتاج إلى استمرار، وتحتاج إلى نقل لمن بعدنا في أولادنا ؛ فالتربية تحتاج إلى سن صغيرة نربي فيها أبناءنا على ما قد يكون فاتنا، لابد عليك أن تفعل هذا بهمة وبديمومة، و(كانَ عَمَلُهُ دِيْمَة).
ويقول: (أحَبُّ الأعْمَالِ إلى اللهِ أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ) سيطِر على نفسك، وحاول أن تقاوم الغل في قلبك تجاه إخوانك وتجاه العالمين، وتجاه هذا الكون الذي هو مخلوق لرب العالمين، حاول أن تضبط هذا الغل، وألا تجعله كبِرًا أو ظلمًا أو أنانية تملأ القلوب، فسوف تسعد في الدنيا ثم تنقلب إلى ربك وهو راض عنك، إذا أنت خليت قلبك من ذلك القبيح فإن الله لا يترك القلب فارًغا أبدا ؛ فالعالم لا يعرف الفراغ ، فإنه سوف يحليه بالرضا والتسليم والسماحة والبصيرة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة هيئة كبار العلماء الازهر الشريف التحلية
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: لا نقرأ السيرة النبوية للبركة فقط.. بل لنحيا بها
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الأمة الإسلامية منذ بداياتها لم تكتفِ بمعرفة سطحية عن رسول الله ﷺ، بل أرادت أن تعيش معه، وتحيى سيرته بكل تفاصيلها، لتجعل منه القدوة والأسوة الحسنة في كل شؤون الحياة.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، اليوم الخميس، أن المسلمين لم يكتفوا بمعرفة نسب النبي ﷺ أو قبيلته أو من حوله فقط، كما يفعل المستشرقون أو غير المسلمين، بل أرادوا أن يذهبوا أعمق من ذلك ليجيبوا عن السؤالين الكبيرين: "لماذا؟" و"كيف؟"، وهما مفتاحا اكتشاف الحقائق، قائلًا: "السؤال عن الكيفية والسبب هو الذي يقودنا لفهم أعماق الأحداث، وليس مجرد سردها".
وأضاف أن فكرة توثيق السيرة النبوية ظهرت مبكرًا، وكان من أوائل من فكروا فيها العالم موسى بن عقبة، أحد كبار الثقات، الذي ألّف كتابًا في السيرة لم يصلنا كاملًا، لكن الله أذن أن نرث بعضًا منه، ثم جاء ابن إسحاق فجمع مغازي النبي، وتلاه تلميذه ابن هشام الذي استفاد من كل ما سبقه، وقدم لنا سيرة نبوية شاملة، ربط فيها بين حياة النبي ﷺ وأيام العرب الأولى، لفهم عمق الأحداث لا مجرد ملابساتها.
وأشار د. علي جمعة إلى أن بعض العلماء، مثل السهيدي، لم يكتفوا بقراءة نصوص ابن هشام، بل وقفوا عند كل كلمة، وبحثوا أصولها ومعانيها، وفرقوا بين التمثال والصنم والنُصُب والوثن، مستعينين بعلوم اللغة والتاريخ والحديث، في دلالة على حضارة إسلامية تبني علومها لبنة لبنة، بدقة وصبر.
وفي السياق ذاته، ذكر أن الدكتور صلاح المنجد قد ألّف كتابًا بعنوان "معجم ما أُلِّف في رسول الله ﷺ"، أحصى فيه أكثر من 450 كتابًا عن النبي، كانت مطبوعة قبل 20 عامًا فقط، مشيرًا إلى أن العدد الآن قد يتجاوز 500 عنوان، بخلاف ما لم يصلنا أو فقده الزمن.
وشدد د. علي جمعة على أن علم السيرة لم يكن هدفه فقط معرفة النبي ﷺ أو حتى الإيمان به، بل أن نرتقي لمرحلة "معايشته" كقدوة وأسوة حسنة، قائلاً: "نحن أمة اهتمت برسولها، وجعلت من سيرته علمًا مستقلًا، لا لنقرأه للبركة فقط، بل لنعرف كيف نحيا به، ونفهم به العالم، ونتعامل مع واقعنا كما تعامل هو مع واقعه بكل تعقيداته وتفاصيله".
وأكد على أن قضية توثيق السيرة ستكون محورًا مهمًا للحديث لاحقًا، لكن الأهم الآن هو الفكرة نفسها: كيف نعيش مع رسول الله ﷺ ونجعل سيرته أداة لفهم الحياة والارتقاء بالروح والعقل والواقع.