لجريدة عمان:
2025-10-13@03:23:03 GMT

الشباب.. والبحث عن اليقين

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

16 سبتمبر 2023م.. بدعوة كريمة من لجنة كُتّاب وأدباء محافظة الداخلية بالجمعية العمانية للكُتّاب والأدباء، شاركت في جلسة حوارية بعنوان «الفكر الصوفي.. مقاربات بين التراثيات والأدبيات الحديثة» في متحف عمان عبر الزمان بولاية منح؛ الذي يُعنى بالتثقيف الحضاري والتنوير الفكري.

وهذه الأنشطة ينبغي تشجيعها وشكر القائمين عليها، لأنها تلامس نفس الإنسان -خاصةً جيل الشباب- الذي يعيش حالة خطرة من حياته؛ وهي «حالة التشظي» التي أحدثها العصر الرقمي.

إنه تشظٍ حادّ نتاج مدنية مادية جافة، أصاب الإنسان في كل مفاصل حياته: قلبه وعقله وأسرته ومجتمعه ودولته وفلسفته وأنظمته، وقد اتضح هذا مع الربيع العربي. بل الربيع نفسه من أهم أسبابه التشظي الذي دخلت فيه البشرية، والذي نرى آثاره في الاحتجاجات ببقاع مختلفة من الأرض. إن إقامة هذه المناشط مهمة للوقوف على وضع الإنسان النفسي والاجتماعي، ومحاولة تقديم رؤى تسهم في لملمة النفس البشرية من تشظيها، بالصلة بالله مدبّر أمر الإنسان وناظم فلك الكون.

خلال السنوات العشر الأخيرة.. تواصل معي العديد من الشباب، وهم محمّلون بأطباق من الاستفسارات بحثا عن «الطريق إلى الله»، ومن الشكوك حول الأساليب التقليدية للتدين، وقد اعتنيت بهذه الظاهرة لكي أفهمها، ولعلي أستطيع أن أفيد الشباب في وعيهم بواقعهم. لقد أحدث الربيع العربي شروخا عميقة في النفس العربية، ونحن في سلطنة عمان؛ لم نكن بمنأى عنه، فكما وصلت إلينا بعض هزاته الارتدادية؛ أصاب كثيرا من شبابنا بشظايا من اللا يقين، خاصةً الفتيان الذين وعوا على الدنيا بحالة من الصدمة، ولم يجدوا مَن يخفف عنهم أثرها، لعدم عناية المجتمعات والحكومات العربية بذلك، بل إنها هي نفسها تعيش الصدمة. بالإضافة؛ أن التفكير الإسلامي الذي تشكّل بأجندة وبرامج «الإسلام السياسي»، الذي كان مهتما بالتربية النفسية والاجتماعية للشباب -بغض النظر عن صحة مساره وخطئه- كان يجيبهم على تساؤلاتهم، ويجدون فيه ملاذا عن شكوكهم المتولدة من سعيهم في الحياة، هذا التفكير هو الآخر دخل مرحلة المراجعة والانحسار منذ هجمات 11 سبتمبر 2001م على واشنطن ونيويورك، وازداد تشظيا مع الربيع العربي، فلم يعد قادرا على إمداد جيل الألفية الجديدة باليقين الروحي والسكينة النفسية، بل إن أعمال «جماعات العنف» التي تجتاح العالم الإسلامي بعمى منذ بداية التسعينيات شكلت لدى الناس قلقا وخوفا من مآلات الطرح التقليدي للفكر الإسلامي، وإن لم يعترف بفشله في التخفيف من أثر ظاهرة التشظي لدى الشباب، والتي دفعت ببعضهم إلى الانتحار، بل إنه هاجم محاولات فهم الظاهرة ونقد العلاج التقليدي لها، وأطلق تجاهها خطاباته الإقصائية، ووزع على الناس ألقاب النسوية والعقلانية والإلحاد.

من هنا.. نفهم أن البحث عن «مخرج صوفي» لظاهرة التشظي النفسي الذي نلحظ تزايده هذه الآونة ليس مقلقا، بل هو أمر إيجابي، فعلينا أن نساعد أبناءنا للوصول إلى حال اليقين، وكما أدركنا أن التيار التقليدي للتفكير الديني آخذ في التصدع؛ علينا أن ندرك أيضا أنه غير قادر على إيجاد الحلول، فهو يبحث عن عوامل لبقائه من خلال المعارك الوهمية في المجتمع، وهذا متوقع منه؛ لأن النظرية المعرفية لتفكيرنا الإسلامي بالأساس نشأت تحت أسنة الصراع.

أدرك لماذا يبحث الشباب في التصوف عن حل لأزمتهم الروحية، ولماذا هم منصرفون عن الأطروحات الفقهية والفكرية التقليدية، ولكن أخشى أن التوجه نحو التصوف الطرقي والفلسفي ليس هو الحل الناجع، لأنه ليس مبرأ من «الشطح» الذي لم يعد له في عصرنا محل من المنطقية: العقلية والواقعية والاجتماعية، كما أنه ذو حمولة تأريخية سلبية، فقد وُجِّهت إليه «ضربات قاصمة» فيما «يخالف الشريعة»، وفي تجربته الشخصية، ولغته المنغلقة، وممارسات سالكيه، وطرقية أتباعه، وإخفاقاته السياسية والاجتماعية، وهذا لا يعني أنه كله سلبي، بل له جوانب مهمة فيما يرسمه لعلاقة الإنسان بربه، وهو ما أراهن عليه وأرى تمثّله. إن الولوج في التصوف بحمولته التاريخية لا يمكن أن يكون مخرجا، بل قد يكون أزمة أخرى تضاف إلى أزمات الشباب، لاسيما إن جرى استغلاله سياسيا من قِبَل بعض الحكومات.

التصوف.. الذي يحتاج إليه الإنسان؛ هو الكشف عن الروح المستقرة في النفس؛ تلك النفخة الإلهية التي وهبنا الله إياها لمّا استوينا في الخِلقة: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:29]، وهي المعبَّر عنها بالفطرة: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم:30]؛ والتي انبثق منها: الإيمان والأخلاق والوعي. فالفطرة.. هي أن يكون الإنسان مع الله بالمحبة واليقين، ومع أخيه الإنسان بالكرامة والإحسان، ومع الكائنات بالاعتبار وعدم الإفساد.

والتصوف.. سلوك الإنسان متصلا بالله كالصبر والزهد والتخلص من علائق البشر وأوضار الدنيا، وهو المعبّر عنه بالمقامات، و(المقام ثابت).. لابد للساعي إلى الله من إطناب خيمته في عرصاته، ومَن سلك مقاما عليه أن يطمح إلى آخر. والنفس تكلّ أثناء كدحها، فعلى الإنسان أن يذكي جذوتها بمقام المجاهدة كلما فترت، وإن رأى منها تفلتا عن مراعي الخير عَقَلَها بمقام الورع. وهذا لا يعني البُعد عن الناس، ولا التخلي عن العمل وكسب الرزق، ولا النفرة عن الثراء، بل كل هذا مطلوب، وبه يتقرب إلى الله، فهو من إعمار الكون الذي خُلِق لأجله الإنسان، فالسعي إلى الله.. ينبغي أن يصحبه الغنى والرضا، لا الفقر والشقاء: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) [طه:1]. فالمحرّم.. هو الظلم والغش ونقض العقود ومجانبة الأخلاق. وفي المقابل.. ينبغي للإنسان ألا يبذّر ثروته، وإنما يصرف على نفسه بما يجعله عزيزا مكرما، وعلى مَن يعول بقدر ما يصونهم عن الذِّلة والمسكنة، وما فاض أنفقه في وجوه الخير ومصالح الناس، وألا يدع سبيلا يرى فيه خيرا إلا أنفق فيه، بحيث يصبح المال معراجا إلى الله، والنعمة تذكيرا به، والإحسان كمالا للصلة به.

والتصوف.. هو أيضا العرفان أو العلم اللدني أو الإلهام، أي ما يتلقاه الإنسان من ربه، فليس للإنسان يد فيه، بل هو حال يهبه الله عبده بقدر علمه به، و(الحال متحوّل) بحسب لغة الصوفية. وقد حصل كثير من الادّعاء فيه، حتى زُعِم تلقي العلم الشرعي والعلم الدنيوي من عند الله، وأن الله ينقض سننه ونواميس كونه لأجل مَن يسمّونه «الولي»، وهذا لا علاقة له بالعرفان، ولذلك؛ قيّده الفقيه العماني أبو سعيد محمد بن سعيد الكدمي (حي:361هـ) بألا يخالف العقل والقرآن. وإلا كان وسوسة ووهما.

العرفان.. هو اللطف الإلهي الذي يمنحه الله عبده متساوقا مع سنن الكون، فيشعر أنه في معيّة الله، يسجد له مع الكون: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) [الأنبياء:18]. والإنسان.. كلما كانت عروة عرفانه بالله أوثق انفتحت له أبواب ملكوت الله، فلا يرى شيئا غيره، فيأنس قلبه ببرد اليقين، ويشعر بألا تنافر بين الكائنات، ولا تضاد بين قوانينها وسنن الله. فيعيش مطمئنا في حياته بفيوض الله عليه من لطفه الخفي وعرفانه الجلي.

إن إعادة بناء مفهوم التصوف لدى الشباب ضروري لكي يزول عنهم الشك القاتل، فالحياة.. تميل للاتزان وتمقت الاضطراب، وإن كان الشاب ينفر من الطرح التقليدي النافر عن فطرة الله؛ فمن باب أولى سيجد نفورا من الممارسات الصوفية النشاز عن سنن الله ونواميس كونه.

إن ما يحتاجه الشاب اليوم هو ضبط بوصلته باتجاه الله وهو سالك إليه على مركبة الأخلاق، وليس إثقال كاهله بالطقوس والأوهام.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى الله الذی ی

إقرأ أيضاً:

فتاوى وأحكام| هل وفاة الجنين تشفع لوالديه؟.. ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟.. كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟

فتاوى وأحكام

هل وفاة الجنين يشفع لوالديه؟ 

ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟

كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟

نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى والأحكام التى يتساءل عنها عدد من المسلمين، نستعرض أبرزها فى التقرير التالى.

هل وفاة الجنين يشفع لوالديه؟ 

هل وفاة الجنين يشفع لوالديه؟ ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال يقول صاحبه: “هل وفاة الجنين في بطن أمه يشفع لوالديه أم لا؟”.

هل وفاة الجنين يشفع لوالديه؟

وأجاب الشيخ محمد عبد السميع، أمين الفتوى في دار الإفتاء، عن السؤال بأن وفاة الجنين في بطن أمه يشفع لوالديه لو كان الروح نفخت فيه، أما إذا لم يتخلق بعد أو لم تنفخ فيه الروح فللوالدين الثواب على هذا الجنين لأن هذا من باب الابتلاء ولا يشفع لهما لأنه لم يتخلق بعد.

ما حكم الزكاة في الذهب الذي تتزين به المرأة؟.. دار الإفتاء تجيبهل يجوز الصيام بنية التخسيس وليس التعبد ؟.. الإفتاء تجيبما حكم الإنفاق من أموال الزكاة على ذوي الهمم لتعليمهم؟.. الإفتاء تجيبسبب دخول والد البنات الجنة .. الإفتاء توضحوفاة الطفل بعد الولادة

وورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال يقول صاحبه: “وفاة الطفل بعد الولادة مباشرة وما هي مكانة الطفل الرضيع المتوفى؟”.

وأجابت دار الإفتاء عن وفاة الطفل بعد الولادة مباشرة، بأنه عصفور من عصافير الجنة ولم يجرِ عليه القلم.

وأشارت إلى أن هذا الطفل الرضيع المتوفى سيكون ذخرًا لوالده في الجنة ويستقبل الطفل الرضيع المتوفي، بيد والديه يوم القيامة ويشفع لهما.

الأطفال أهل الجنة

ورد عن الإمام مسلم في (صحيحه) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ صَبِيٌّ، فَقُلْتُ: طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ لَا تَدْرِينَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ، فَخَلَقَ لِهَذِهِ أَهْلًا، وَلِهَذِهِ أَهْلًا».

وأكد الإمام النووي أنه مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أجمعوا، عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ (اهـ)

واستشهد بما روى الإمام البخاري في (صحيحه) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ... فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ.

ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا تقول صاحبته:ما حكم ترك المرأة المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟ فأنا كنت متزوجة، وبعد 20 يومًا من زواجي توفي زوجي، وكنت أعيش معه في منزل العائلة، وكان يسكن معنا إخوته الشباب، ولهذا السبب تركت المنزل قبل أن أُتمَّ عِدَّتي. فهل عليَّ إثم؟ وما كفارة ذلك؟ وبالنسبة لقائمة الأثاث ومؤخر الصداق ما حقي الشرعي فيهما؟

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة:يجوز للمرأة المتوفَّى عنها زوجها أن تنتقل من مسكن الإحداد إن لم تكن آمنةً فيه، أو خافت الريبة، إلى مسكن آخر تأمن فيه على نفسها ومالها، ولا إثم عليها في ذلك ولا كفارة.

وتابعت: وأما فيما يختص بقائمة الأثاث فإنها حقٌّ لكِ لا تدخل في تَرِكة زوجك أصلًا؛ لأنها من مقدَّم الصداق عُرفًا، وكذلك مؤخر الصداق هو حقٌّ لكِ يُعَدُّ دَيْنًا يؤخذ من التركة قبل توزيع الميراث.

حكم الزوجة التي تترك بيتها أو منزل الزوجية غاضبة

ما حكم الزوجة التي تترك بيتها أو منزل الزوجية غاضبة؟ إن الزوجة إذا تركت منزل الزوجية؛ لأنها لا تستطيع البقاء فيه بسبب مشكلة مع الزوج، وخشيت أن تتفاقم إن بقيت، فذهبت إلى بيت أهلها حتى تهدأ الأمور ويتم الصلح بينهما؛ فلا مانع من ذلك، أما إذا كانت الأمور بينهما عادية ومستقرة وقرر أي من الزوجين ترك البيت بدون سبب مقنع ومبرر واضح؛ فهذا حرام ويعد بمثابة تخلٍ عن المسئولية، وهذه مشكلة تكاثرت في الفترة الأخيرة، وهي في حقيقتها تتنافى مع العقل والشرع واستقرار الأسر".

وقال الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء لمصرية، إن المشاكل كثيرة لكن ترك المنزل بدون سبب حرام، واستشهد أمين الفتوى بما روى عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنها- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: « كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيتِهِ»، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.

حكم ترك الزوجة عند أهلها

قال الدكتور مبروك عطية، الداعية الإسلامي، إن وعد الرجل زوجته بالطلاق لا يُعد طلاقًا، مؤكدًا أن تعليقه لامرأته وتهربه من الإنفاق عليها، ينزع البركة من صلاته وصيامه.

وأضاف أن الوعد بالطلاق ليس طلاقًا، وأن تهرب الزوج من نفقة زوجته وتركها كالمُعلقة، ينتزع البركة من صيامه وصلاته، مشيرًا إلى أن الله سبحانه وتعالى نهى عن تعليق الرجل لزوجته، مؤكدًا أن الشرع لا يعرف ذلك ولا يقبله.

واستشهد بما جاء في قوله تعالى: «فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ» الآية 129 من سورة النساء، منوهًا: الشرع لا يعرف الأشياء المُعلقة إلا في الحسناوات من المعاني فقط، والجنة مُعلقة على التوحيد وإكرام الجار وأداء الأمانات وما نحوه.

كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: كيف يتطهَّر المريضُ الذي يركّب قسطرةَ البول، وما حكم صلاته؟

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة:هذا المريض له حالتان: إما أَنْ يخرج مِنه البول بدون تَحَكُّم منه أو لا.

فإن خرج منه البول دون تَحَكُّم منه فهذا ما يعرف عند الفقهاء بـ«السَّلَس»؛ فيُعفَى عنه حينئذٍ، وحكمه في هذه الحالة: وجوب غسل محل النجاسة، ثم الربط على عضو التبول، ثم الوضوء، ويصلِّي مَنْ هذا حالُه بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات، وينتقض وضوؤه بانتهاء وقت الصلاة المفروضة التي توضأ لها.

أما إذا خرج منه البول في الكيس المعلَّق خارج جسده بتَحَكُّمٍ منه: فإنه يجب عليه الطهارة للعبادات التي تحتاجها؛ فيتوضأ للصلاة بخروج شيء من البول، ويُصَلِّي عقب وضوئه.

وبخصوص صحة الصلاة؛ فإذا استطاع إزالة هذا الكيس أثناء الصلاة فلا تصح الصلاة في هذه الحالة إلا بعد إزالة هذا الكيس، وإن لم يستطع إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة للمشقة البالغة في ذلك فهذا من المعفو عنه؛ لأَنَّ الشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين.

المقصود بـ"قسطرة البول" وبيان نواقض الوضوء

وأوضحت ان «قسطرة البول»: هو كيس خارج البدن يوجد به بعض الأنابيب ليخرج منها البول المحتبس في جسم المريض.

وهذا البول الخارج من الجسد الأصل فيه شرعًا أَنَّه من نواقض الوضوء، فمن النواقض: خروج شيء من السبيلين -القُبُل والدُّبُر-، ويشمل ذلك البول والغائط وغيرهما؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [النساء: 43].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، رواه مسلم.

وعن صفوان بن عسّالٍ المُرادِي رضي الله عنه قال: "أَمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا كُنّا سَفْرًا ألَّا نَنْزعَ خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ بِليَالِيهنَّ، إلا من جنابة، ولكن من بولٍ، أو غائطٍ، أو نومٍ" رواه الترمذي.

فدلّ هذا الحديث على أن النقض بالبول، والغائط، والنوم.

وروى الإمام عبد الرزاق في "المصنف" عَنْ عبد اللهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ".

ومعنى انتقاضِ الوضوء في كلام الفقهاء: أنَّه لا يصح فعل أي شيء من العبادات التي اشترط الشرع الشريف لها الطهارة.

كيفية طهارة مريض القسطرة وحكم صلاته والأدلة على ذلك

لكن هذا المريض والحالة السابقة له حالتان في العبادات المشترطة للطهارة؛ كالصلاة، والطواف؛ إما أَنْ يخرج مِنه البول بدون تَحَكُّم منه أو لا.

فإن خرج منه البول دون تَحَكُّم منه فهذا من الأحوال التي وَضَّح الفقهاء أنه يُعذَر فيها الشخص من اشتراط الطهارة، وهو ما يعرف عند الفقهاء بـ«السَّلَس»؛ فيُعفَى عنه حينئذٍ، سواء في كل الطهارة أو في بعضها؛ ومعنى السَّلَس: استدامة انفلات الحدث من القُبُل أو الدُّبر مع العجز عن التحكم في منعه، ولو في فتراتٍ متقطعة، فيكون حكمه في هذه الحالة حكمَ المرأة المستحاضة التي يسيل منها الدمُ مرضًا ونزيفًا لا حيضًا، وهو: وجوب غسل محل النجاسة، ثم الربط على عضو التبول، ثم الوضوء، ويصلِّي مَنْ هذا حالُه بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات، وينتقض وضوؤه بانتهاء وقت الصلاة المفروضة التي توضأ لها، ويتوضأ لفرض آخر بدخول وقته.

أما إذا كان الشخص يخرج منه البول في الكيس المعلَّق خارج جسده بتَحَكُّمٍ منه: فإنه يجب عليه الطهارة للعبادات -كالصلاة مثلًا- المحتاجة إليها بخروج شيء من البول، ويُصَلِّي عقب وضوئه.

لكن يُفَرَّق بين حالين في صحة الصلاة؛ حال كون الكيس المحمول الذي في البول -سواء تَحَكَّم الشخص في الخارج منه أو لا- على الشخص، فقد يَقْدِر الشخص على إزالة هذا الكيس أثناء الصلاة أو لًا؛ فإن قَدَر على إزالة هذا الكيس فلا تصح الصلاة في هذه الحالة؛ وذلك لأن مِن شروط صحة الصلاة طهارة الثوب والبدن من النجاسة.

أما إذا لم يَقْدِر الشخص على إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة للمشقة البالغة في ذلك فهذا من المعفو عنه؛ ذلك أَنَّ الشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، وقد دَلَّ على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والقواعد الفقهية:

1- فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].

2- ومن السنة المطهرة: عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» رواه أحمد.

3- ومن القواعد: قاعدة "المشقة تجلب التيسير" وغيرها.

وفي ذلك دليل على رفع الحرج والمشقة الزائدة عن المكلفين.

طباعة شارك فتاوى وأحكام هل وفاة الجنين يشفع لوالديه العدة المريض قسطرة البول الصلاة الشفاعة

مقالات مشابهة

  • جامعة مدينة السادات تشارك في الملتقى الطلابي "قادة الغد"
  • أمين عام البحوث الإسلامية: الإيمان والعلم طريقان متكاملان
  • أمين البحوث الإسلاميَّة: الإيمان والعِلم طريقان متكاملان والدِّين لا يتعارض مع حقائق الكون والعقل
  • أمين البحوث الإسلاميَّة: الإيمان والعِلم طريقان متكاملان
  • فتاوى وأحكام| هل وفاة الجنين تشفع لوالديه؟.. ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟.. كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟
  • كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟..الإفتاء تجيب
  • حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله.. عالم أزهري
  • ما الذي يقوي العلاقة بين الزوجين؟.. احرصا على هذا الأمر ولو مرة يوميا
  • مفتي الجمهورية: بناء الإنسان أساس بناء الأوطان
  • بنعمة النظر والإمعان.. خطيب المسجد الحرام: الله خلق الإنسان وحلاه