الجزيرة:
2025-12-14@14:48:58 GMT

الجيوش والمواقف.. إن لم يكن الآن فمتى؟

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

الجيوش والمواقف.. إن لم يكن الآن فمتى؟

ما زالت إسرائيل تقوم بإبادة جماعية أمام أعين العالم كله. جزء من العالم- الذي يشهد كل هذا- يثور ضد هذه الأحداث، لكنها مشاهدة تتسم بالعجز الشديد، الذي ينبع من عدم القدرة على وقف هذه الوحشية ومشاهدتها كل يوم، وهي تحدث أمام أعيننا، وكأننا على وشْك أن نفقد عقولنا.

عدم قدرة العقول على استيعاب ما يحدث، ليس فقط بسبب رعب الهجمات الوحشية، ولكن أيضًا بسبب موافقة بقية العالم على هذه الإبادة بكل وحشيتها وبربريّتها.

إنه عجز يجعل العقل في حالة ذهول، إذ فجأة تنكشف حقيقة أن كل هذه الانتقادات والمناشدات من قبل المعارضين، وكل هذا التنديد، وكل هذه المواقف من المؤسسات والأفراد لا تكفي لإيقاف إسرائيل والقوى التي تقف خلفها، أو حتى لجعلهم يترددون أو يتراجعون عن هذا النمط من الوحشية والجنون.

في وقت لم يستطع فيه أحد أن يقول لإسرائيل: "كفى"، كانت خطوة أردوغان الثورية في "دافوس"، حين واجه شيمون بيريز بالقول: "أنتم تعرفون كيف تقتلون جيدًا!"، كان تحرُّكه هذا تحركًا جريئًا جدًا في ذلك الوقت

مواصلة إسرائيل جرائمها- دون أن تأبه بجميع الانتقادات، والإدانات والاحتجاجات، بل حتى المقاطعات الموجهة ضدها – تجعل هذه الأعمال بعد فترة -للأسف – تفقد معناها.

هنا يطرح السؤال نفسه: هل يمكن الوصول لطريقة أكثر فاعليَّة؟ هل من نقاط قوة يمتلكها العالم الإسلامي ويمكن بها أن يوقف هذه المجازر؟

اتّضح لنا أن إسرائيل لا تعترف بالقانون، ولا بالإنسانية، ولا النقد، ولا الاحتجاج. الولايات المتحدة الأميركية- التي تدعم إسرائيل بكل قوتها- لا تهتم أيضًا بما يقوله العالم، ولا تكترث حتى لحالات التناقض مع مزاعمها وادعاءاتها كراعية للقيم الإنسانية والحرية والديمقراطية. لذلك، تذكيرها باستمرار بقيمها وقواعدها الخاصة، لا يعود بأي معنى أو نتيجة. هي في حالة عَمِيت فيها بالدماء، وفقدت العقل، وأظلمت الضمير.

لذلك، حتى ردود الفعل الشديدة من الأشخاص الذين ينتقدون إسرائيل بشدّة – بما في ذلك ردود الفعل الواضحة دائمًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه القضية- أصبحت تُرى على أنها غير كافية من قبل أولئك الذين يبحثون عن حل أكثر فاعلية لفلسطين. الجميع أصبح مدركًا أن هناك ما هو أكثر من المناشدات، ويجب فعله على الفور؛ لإيقاف إسرائيل والولايات المتحدة التي تدعمها بلا حدود.

في وقت لم يستطع فيه أحد أن يقول لإسرائيل: "كفى"، كانت خطوة أردوغان الثورية في "دافوس"، حين واجه شيمون بيريز بالقول: "أنتم تعرفون كيف تقتلون جيدًا!"، كان تحرُّكه هذا تحركًا جريئًا جدًا في ذلك الوقت، وقد خلق صدمة في إسرائيل وحول العالم؛ لأنه حتى ذلك الوقت لم يجرؤ أحد على الذهاب إلى هذا الحد.

لذلك، كان هذا الموقف بمثابة نقطة تحول حقيقية في السياسة المتعلقة بإسرائيل، وأدّى إلى ظهور وعي وحالة روحية جديدة في العالم الإسلامي بأسره. حتى إن هذه الخطوة قد بوَّأت أردوغان مكانةً فريدة في قيادة العالم الإسلامي. واليوم، الجميع مرة أخرى ينتظرون خطوة فعّالة ضد هذه الإبادة الرهيبة، ويتوقعونها من أردوغان مرة أخرى، ومن زعماء العالم الإسلامي الحقيقيين.

في هذا الشأن ليس فقط تركيا هي من يجب عليها التحرك وأخذ موقف، بل كل العالم الإسلامي، وخاصة دوله الكبرى ذات الحضور الإقليمي، يجب أن تشارك في هذه العملية. قد تكون الإمكانات محدودة وغير كافية لكل من تلك الدول بمفردها، لكن عليها أن تعلمَ أنه لا يوجد شيء لا يمكنها فعله معًا. هناك أزمة حقيقية موجودة، وأولئك الذين يمكنهم إيجاد طريقة للخروج من هذه الأزمة، سيكونون قد فتحوا لأنفسهم مجالًا حقيقيًا لقيادة العالم الإسلاميّ.

لنتذكر أنَّ الملك فيصل بن عبد العزيز- الذي دعا إلى مؤتمر القمة الإسلامي عقب الهجوم على المسجد الأقصى في عام 1969- قد حصل على مكانة مهمة جدًا ليس في السعودية فقط، بل في العالم الإسلامي كله. وقد وصل إلى هذه المكانة بشكل خاص بعد الحظر النفطي الذي بدأه في عام 1973؛ ردًا على الدعم غير المشروط، وغير المحدود الذي قدمته أميركا لإسرائيل خلال الحرب العربية- الإسرائيلية.

بفضل الثقة الكبيرة التي أعطاها لمسلمي العالم- بأنهم ليسوا بلا حماية ولا يائسين- اكتسب الملك فيصل مكانة مرموقةً جدًا في العالم الإسلامي باسمه وباسم بلده المملكة العربية السعودية.

قام هنري كيسنجر أحد مهندسي السياسة الخارجية الأميركية، والمركزة على إسرائيل في الولايات المتحدة – الذي تُوفي مؤخرًا عن عمر يناهز المائة عام، وكان له تأثير كبير على علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب- بزيارة الملك فيصل خلال استمرار الحظر النفطي، وكان الحوار الذي دار بينهما خلال الاجتماعات أسطوريًا، عندما قال الملك فيصل: "إذا توقّفتم عن دعم إسرائيل، ينتهي الحظر"، هدد كيسنجر بقصف آبار النفط، فردّ عليه الملك فيصل بهذا الرد المفحم الذي لن ينساه التاريخ ولا الأجيال المتعاقبة:

"بالطبع يمكنكم قصف آبار النفط لدينا. لكن لا تنسوا أننا وأجدادنا كنا نعيش في الخيام، نتغذى على التمر وحليب الإبل، ويمكننا العودة والعيش في الخيام مرة أخرى؛ لكنكم الآن لا تستطيعون العيش بدون النفط".

مهما كانت الأشياء التي تخيف القادة في العالم الإسلامي من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، يجب على هؤلاء القادة التغلب على هذه المخاوف، وأن يدركوا أنه لا ضرر يمكن أن يأتي منهما يستحقّ الخوف. الخوف لا يأتي من قوة العدو، بل من الاعتمادية الذاتية للإنسان والمجتمعات.

لذا يجب أن نتمعَّن في الدروس العظيمة التي يقدمها أهل غزة هذه الأيام لكل البشرية، لنتعلم كيف لا نخاف من أحد سوى الله. بهذه الطريقة يمكن للجميع التغلب على الخوف غير المبرر. يجب أن ندرك أن الحساب الذي سيقدمه لكم الآلاف من الأطفال الفلسطينيين- الذين قُتلوا بوحشية في المهد، والذين لم يعيشوا طفولتهم- سيكون أثقل وأدوم، وهو الحقيقة الوحيدة، مقارنة بأي حساب قد تقدمه لكم الولايات المتحدة، أو إسرائيل.

لا يمكن لأحد أن يجلس في تلك المقاعد بكرامة دون أن يتعرض للكلمات المتعجرفة لقاتل الأطفال نتنياهو: "إذا كنتم تريدون حماية مقاعدكم، اخرسوا وشاهدوا ما يحدث".

على قادة هذه الدول الكبرى في العالم العربي- بحضورها السكاني والتاريخ المتجذّر في الأرض – أن يدركوا أن التصدي لهذا العدوان الإسرائيلي والقوى التي تدعمه يمكن أن يضعهم على مسرح التاريخ بين الزعماء الكبار.

وإلا فإن عليهم أن يتساءلوا: متى سيدخلون التاريخ؟ ولأي غرض سيتم استخدام الجيوش والأسلحة والأموال التي جمعوها حتى الآن، إذا لم يكن اليوم، متى؟ وماذا لو لم يكن لحماية العرب المسلمين الذين تعرضوا للإبادة الجماعية؟ إن لم يكن من أجل القدس أو المسجد الأقصى، فماذا إذن؟

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی العالم الإسلامی الولایات المتحدة الملک فیصل لم یکن

إقرأ أيضاً:

لماذا استهدفت إسرائيل الرجل الثاني في القسام الآن؟

أعلنت إسرائيل استهداف قيادي بارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال عملية عسكرية في قطاع غزة، في خطوة أثارت تساؤلات حول توقيتها ودلالاتها السياسية والأمنية، لا سيما أنها جاءت في ظل سريان اتفاق وقف إطلاق النار.

ورغم أن البيان الرسمي للجيش الإسرائيلي خلا من ذكر اسم القيادي المستهدف، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تداولت على نطاق واسع اسم رائد سعد، وقدمته بوصفه "الرجل الثاني" في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ونائب قائدها العام.

وفي هذا السياق، أوضح مراسل الجزيرة إلياس كرام أن عدم ذكر الجيش الإسرائيلي للاسم يعكس على الأرجح، عدم التيقن الكامل من نتائج محاولة الاغتيال، لافتا إلى أن البيانات الرسمية غالبا ما تتأخر إلى حين التأكد الاستخباراتي من نجاح العملية.

وبحسب كرام، فإن البيان الإسرائيلي اكتفى بالإشارة إلى استهداف "شخصية قيادية بارزة" في حماس، قال إنها كانت تعمل على إعادة تأهيل بنى عسكرية موجهة ضد الجيش الإسرائيلي، وهو الوصف ذاته الذي تبنته التسريبات المنسوبة لمصادر أمنية.

وتزامنا مع ذلك، حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على إبراز دور رائد سعد، مقدمة إياه باعتباره اليد اليمنى لقائد القسام الراحل محمد الضيف، وأحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في محاولة لتبرير عملية الاغتيال.

وفي السياق، أفاد مصدر في الإسعاف والطوارئ في قطاع غزة بارتقاء 4 شهداء وإصابة 10 آخرين حالة بعضهم خطرة جراء قصف الاحتلال سيارة مدنية جنوب غربي مدينة غزة.

انتهاك للاتفاق

ويشير مراسل الجزيرة إلى أن هذا الخطاب الإعلامي يأتي في وقت يفترض أن وقف إطلاق النار لا يزال ساريا، لكنه يتعرض، وفق توصيفه، لانتهاكات متكررة من جانب إسرائيل عبر عمليات قصف واغتيال وهدم منازل داخل القطاع.

وتبرز أهمية هذه العملية، إن ثبت نجاحها، من كونها قد تكون أرفع عملية اغتيال تطال قياديا في غزة منذ بدء العمل باتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خاصة إذا صح توصيف سعد كمسؤول مركزي عن إعادة التصنيع والتسليح داخل الحركة.

إعلان

وفي هذا السياق، أشار كرام إلى أن إسرائيل تعتبر جميع قيادات حماس، السياسية والعسكرية، أهدافا مشروعة، ولا ترى في اتفاق وقف إطلاق النار أي حصانة لهم، سواء داخل قطاع غزة أو خارجه، وهو ما يفسر استمرار دائرة الاستهداف.

لكن توقيت العملية يكتسب بعدا سياسيا إضافيا، مع تزايد الحديث عن ضغوط أميركية للانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وهو ما قد تسعى إسرائيل إلى عرقلته أو إعادة صياغته بشروطها الخاصة.

ويؤكد كرام أن إسرائيل، عبر هذا التصعيد، تحاول فرض نموذج أمني مشابه لما تطبقه في لبنان، حيث نفذت مئات عمليات الاغتيال ضد كوادر حزب الله منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار هناك في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

تضارب الروايات

وبشأن تضارب الروايات حول نجاح الاغتيال، أوضح كرام أن التسريبات الصادرة عن "مصادر أمنية" إسرائيلية تعود في جوهرها إلى الجيش نفسه، الذي يفضل التريث قبل إعلان رسمي، تفاديا لإحراج محتمل في حال عدم تأكيد النتائج.

وتستند هذه التسريبات إلى سرد موسع عن شخصية رائد سعد، ودوره المفترض في إعداد وثيقة "جدار أريحا"، التي تتهمه إسرائيل بوضعها كخطة لهجوم "السابع من أكتوبر"، رغم أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد اطلعت عليها سابقا دون التعامل معها بجدية.

كما تشير الروايات الإسرائيلية إلى أن سعد كان يتولى في المرحلة الأخيرة مهمة إعادة بناء القدرات العسكرية لحماس، وهو ما تستخدمه تل أبيب كمبرر مباشر لتنفيذ عملية الاغتيال، بزعم إحباط تهديدات مستقبلية.

وتحدث كرام عن محاولات سابقة لاغتيال سعد خلال الأسابيع الماضية، ألغيت في اللحظات الأخيرة لأسباب عملياتية أو استخباراتية، إلى أن اعتبرت إسرائيل أن "الفرصة الميدانية" باتت مؤاتية لتنفيذ العملية.

وفي خلفية المشهد، يربط كرام بين هذا التصعيد واستعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن، حيث يتوقع أن يواجه ضغوطا أميركية للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، مع سعيه لفرض شروط أمنية مشددة.

مقالات مشابهة

  • أمين رابطة العالم الإسلامي: الرابطة الأممية في حاجة إلى نتائج ملموسة لترسيخ الصداقة بين الشعوب
  • رابطةُ العالم الإسلامي تُدين الهجومَ الإرهابيَّ قرب تدمُر السورية
  • الفظائع التي تتكشّف في السودان “تترك ندبة في ضمير العالم”
  • من هو رائد سعد القيادي في "حماس" الذي أعلنت إسرائيل اغتياله؟
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
  • لماذا استهدفت إسرائيل الرجل الثاني في القسام الآن؟
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟