ليس لديهم إيمان بالأرض.. سر مرض ينتشر بين المستوطنين يرعب إسرائيل
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
ما تزال أصداء عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، تتردد بقوة بين الإسرائيلين، خاصة المستوطنين الذين يقطنون في منطقة غلاف غزة أو تل أبيب، حسبما ذكرت مؤسسة مكابي للخدمات الصحية Maccabi health maintenance organization الإسرائيلية.
وبحسب المؤسسة الإسرائيلية، فإن عدد وصفات المهدئات الطبية والأدوية النفسية الخاصة بعلاج الاكتئاب ومضادات القلق والصدمات، ارتفعت نسبتها إلى أكثر من 20% خلال شهر أكتوبر الماضي، مقارنة بالشهر الذي يسبقه، وهو ما يؤكد إصابة الإسرائيلين بالاكتئاب.
كبيرة أطباء الأمراض النفسية في المؤسسة، أكدت في تصريحات لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن ارتفاع نسبة طلب وصفات المهدئات، يؤكد أن الأعداد الفعلية لمن يعانون من أزمات نفسية داخل المجتمع الإسرائيلي، تفوق بكثير تلك النسب المعلنة.
لم تكن مؤسسة «مكابي» للخدمات الصحية الإسرائيلية، وحدها التي أعلنت ارتفاع عدد مصابي الاكتئاب في إسرائيل، بل أعلنت مؤسسة «كلاليت»، وهي أكبر مؤسسة خدمات صحية في إسرائيل، والتي عالجت أكثر من نصف الإسرائيليين، أن زيادة طلب مضادات الاكتئاب والهلع والقلق، يؤكد إصابتهم بالاكتئاب.
أدوية سيتالوبرام وسرترالين وفلوكسيتين، وهي الأدوية المنتمية إلى عائلة «مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية - SSRI، وكذلك ألبرازولام وكلونازيبام، هي الأكثر طلبا بين الإسرائيلين وهي الأدوية المعنية بعلاج مرض الاكتئاب، وفق مؤسسة الخدمات الصحية، بينما نشرت صحيفة «هآرتس»، في 27 نوفمبر الماضي، تقريرا بعنوان «Use of Anti-anxiety Medicine Soars in Israel Amid War With Hamas in Gaza Strip»، أي استخدام الأدوية المضادة للقلق يرتفع في إسرائيل وسط الحرب مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
إصابة المستوطنين الإسرائليين بالاكتئابلم تكن الصحف ولا المؤسسات الإسرائيلية وحدها، التي تتحدث عن إصابة المستوطنين الإسرائليين بالاكتئاب، بل كشف دراسة عرضتها جامعة يافا الإسرائيلية، عن إصابة 60% من المجتمع الإسرائيلي باضطرابات التوتر الحاد والاكتئاب، بعد عملية طوفان الأقصى.
سفيتلانا فيزالينسكي المشرفة على الدراسة، قالت لصحيفة «يديعوت أحرنوت»، إن المعدل المذكور من حالات التوتر الحاد غير مسبوق عبر مختلف الحروب التي دخلتها إسرائيل، وأن الفئة الأكثر إصابة هي من غير المتأثرين مباشرة بالحرب، إذ لم يسقط أحد أقاربهم بين القتلى أو تعرضت ممتلكاتهم للدمار.
الدراسة ذكرت أن من أعراض التوتر الحاد، هي الكوابيس، ومحاولات الهروب من الواقع، الاكتئاب، حيث تؤدي إلى الإصابة بمرض اضطراب ما بعد الصدمة خاصة بين الشباب، بينما أكدت دراسة من جامعة تل أبيب ارتفاع معدلات التوتر الشديد إلى 7% بعد طوفان الأقصى والتوتر المتوسط بنسبة 19%، مقارنة بعام 2014.
طبيب يوضح سبب انتشار الاكتئاب في إسرائيلقال الدكتور عاصم حجازي أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، لـ«الوطن»، إن السبب الرئيسي لانتشار الاكتئاب يعود إلى انخفاض مستويات الصلابة النفسية ومعاناة الفرد من الهشاشة النفسية، ويكون مستوى الصلابة النفسية مرتفعا عادة، بسبب ما يمتلكه الفرد من بنية معرفية قوية ومعتقدات دينية وعقائدية وفكرية داعمة، بالإضافة إلى أساليب التربية الخاطئة التي تكون عادة مصحوبة بحالة من الشك وعدم اليقين، والذي يولد لدى الفرد شعورا بعدم الثقة في النفس.
لدى الإسرائليين شعور عام بعدم التقبل وعدم الانتماء الأصيل للمكان، ولديهم يقين أن أصحاب الأرض لن يتركوا أرضهم ولن يتخلوا عن وطنهم، ولذلك فإنهم يعانون من كثير من التناقضات في بنيتهم المعرفية والتشوهات الإدراكية التي أفقدتهم ثقتهم في أنفسهم وجعلتهم أكثر عرضة للاكتئاب، وفق «حجازي».
الوقاية من الاكتئاب تكون بالعمل على تقوية البنية المعرفية للفرد والجانب الروحي والمعتقدات الدينية بالإضافة إلى تنمية ثقة الفرد بنفسه وكذلك ثقته في أفكاره ومعتقداته وقياداته إلى جانب التواصل الجيد والفعال مع الآخرين القائم على الاحترام المتبادل والعدالة والتسامح وهذه كلها مبادىء غير موجودة لدى الإسرائيليين بحسب أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة.
وبحسب «حجازي»، تتعدد طرق علاج الاكتئاب وفقا لشدته ما بين العلاج السلوكي والمعرفي وأحيانا الدوائي، ويبدأ السلوك الاكتئابي بالميل نحو العزلة والانطواء ثم يتطور إلى إيذاء الذات وقد يتطور إلى مشكلات سلوكية أخطر واعتقد لذلك يجب الانتباه الشديد إلى مقدماته.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: جنود الاحتلال الاكتئاب مرض الاكتئاب
إقرأ أيضاً:
السعي والطموح في ضوء علم الاجتماع
كيف يشكل المجتمع أهداف الفرد؟
عمر المعمري
كثيرًا ما نسمع من حولنا أنَّ فلانًا لم يجدْ عملًا وآخر توظف، فلانٌ يسعى ويُحاول، وآخر يُقاوم ويسقط ثم ينهض من جديدٍ، تتكرر المحاولات، وتتوالى العثرات، لكن غالبًا ما تكون النهاية الوصول إلى المبتغى، فكل تلك الخطوات، بما فيها السقوط والنهوض، ما هي إلا جزء من رحلة السعي فلا شيء ينال بسهولة، ولا نجاح يولد من فراغٍ؛ إذ يقال: "من رحم التعثرات تولد النجاحات".
ومن هذا المنطلق، أتناول في هذا المقال قضية السعي والطموح من منظور علم الاجتماع، فالسعي ليس مجرد صفة فطرية يُولد بها الإنسان، بل هو ثمرة تفاعلٍ بين الفرد وبيئته الاجتماعية المحيطة، وبين أشخاصٍ ومواقفٍ وتجاربٍ وصعوباتٍ تسهم جميعها في رسم ملامح تطلعاته وتحديد مستوى طموحه.
وكما قال الطغرائي: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"؛ فالسعي هو تلك الفسحة التي تمنح الحياة معناها، وتجعل الطريق رغم وعورته يستحق أن يُسلك. إن السعي والطموح مفهومان متلازمان، فلا سعي بلا طموحٍ، ولا طموح بلا سعيٍ، فالسعي هو الجهد الذي يبذله الإنسان للوصول إلى غايةٍ أو هدفٍ محددٍ، أما الطموح فهو الإيمان الداخلي العميق بقدرة الإنسان على تحقيق الأفضل، وتجاوز الواقع نحو ما هو أسمى.
ويتجلى دور البيئة الاجتماعية في تغذية هذا الطموح أو إضعافه، فهي المحرك الخفي الذي يدفع الفرد نحو الإنجاز، أو يقيده بسلاسل من الإحباط والخوف من الفشل، فالدعم الأسري، والتحفيز المجتمعي، ووجود القدوة، جميعها عوامل تسهم في تشكيل اتجاه الفرد نحو السعي المستمر لتحقيق ذاته، وعلى النقيض الآخر قد تؤدي ضغوط المجتمع وتوقعاته العالية إلى إضعاف الدافعية أو إلى سعيٍ مشوب بالقلق والتوتر.
وقد تناول علم الاجتماع هذه الظاهرة بوصفها نتاجًا للتفاعل بين البنية الاجتماعية وطبيعة الفرد، فكل طموحٍ شخصي هو انعكاسٌ لثقافة المجتمع وقيمه، فالمجتمعات التي تشجع روح المنافسة والابتكار، تنشئ أفرادًا طموحين يسعون للتغيير، بينما المُجتمعات التي تقيد الأفراد بالعادات والتقاليد الصارمة قد تحد من فرص السعي والتقدم وهناك فرق بين المجتمعات الصارمة والمجتمعات المحافظة، فالأولى مُحافظة بدرجةٍ شديدةٍ وقد تُمارس قوى قهرية على أفرادها مسببةً عائقًا أمام النجاحات، بينما الثانية هي محافظة بدرجة معينة ضمن إطار العادات والتقاليد المتعارف عليها.
وكما قيل: "النجاح لا يُقاس بما حققته؛ بل بما تغلبت عليه من صعوباتٍ في طريقك إليه". وهذا القول يُلخص جوهر السعي، إذ لا قيمة لطريقٍ يخلو من التحديات، ولا لمعنى للطموح إن لم يختبر بالصبر والمثابرة، فهما وجهان لعملةٍ واحدةٍ تسمى "الحياة"، فبهما تتحرك عجلة التطور الإنساني، وبهما يكتشف الفرد ذاته وقدراته، ويدرك أن الوصول ليس غاية بقدر ما هو استمرارٌ في طريقٍ لا يتوقف.
كما إنَّ للأسرة دورًا محوريًا في تشكيل السعي والطموح لدى الأفراد؛ فهي المؤسسة الأولى التي تغرس في النفوس القيم والمبادئ والاتجاهات الفكرية؛ فالأسرة التي تشجع أبناءها على التعلم والإنجاز وتنمي لديهم روح المسؤولية، تزرع فيهم طموحًا عاليًا يدفعهم نحو تحقيق أهدافهم وعلى العكس من ذلك، فإنَّ غياب الدعم الأسري قد يضعف دافعية الفرد ويحد من طموحه.
ولذلك نجد أن كثيرًا من الناجحين في مجتمعاتنا ينحدرون من أسرٍ تضع التعليم والمعرفة في مقدمة أولوياتها، غير أن النجاح لا يقتصر على هذه الفئة فحسب؛ إذ نرى أحيانًا أشخاصًا نشأوا في بيئاتٍ محدودة الموارد وضعيفة التعليم، ومع ذلك استطاعوا أن يصنعوا الفارق ويرتقوا إلى أعلى المراتب، وقد يعود ذلك إلى عدة عوامل منها: الصعوبات التي واجهوها منذ الصغر- أو ما يعرف بـ"صدمات الحياة"- والتي صقلت شخصياتهم ومنحتهم القوة والإصرار، أو إلى احتكاكهم بزملاءٍ ذوي فكر وتعليم مرتفع أسهم في توسيع مداركهم وإلهامهم للسعي نحو الأفضل.
كما تؤدي البيئة التعليمية دورًا لا يقل أهميةً في هذه المسألة؛ فالمعلمون الذين يلتقي بهم الطالب خلال مسيرته الدراسية يمكن أن يكونوا نقطة التحول في حياته، فهناك معلمون يمتلكون روح القيادة والإلهام، يغرسون الثقة بالنفس في طلابهم، ويشجعونهم على التفكير والإبداع، فيسهمون بذلك في بناء شخصياتٍ ناجحةٍ قادرة على مُواجهة تحديات الحياة، وهنا تبرز أهمية أساليب التعليم الحديثة القائمة على التحفيز والمشاركة الفاعلة.
أما من الناحية الاجتماعية الطبقية، فإنَّ الطبقة التي ينتمي إليها الفرد تؤثر أيضًا في مستوى السعي والطموح، فالفرد الذي يعيش في طبقةٍ اجتماعيةٍ ذات موارد وفرص أكبر، غالبًا ما تتاح له إمكانيات تساعده على تطوير ذاته وتحقيق طموحاته، بينما قد يواجه من ينتمي إلى طبقاتٍ محدودة الدخل تحدياتٍ أكبر في طريقه، إلّا أن هذه التحديات قد تكون في كثيرٍ من الأحيان وقودًا للسعي ومصدرًا للتحفيز الذاتي.
وفي وقتنا الحاضر، لا يمكن إغفال دور وسائل الإعلام في تشكيل وعي الأفراد وتوجيه طموحاتهم، فالإعلام الذي يقدم محتوى هادفًا ويعرض نماذج ناجحة لشخصيات بدأت من الصفر وحققت إنجازاتٍ كبيرة، يزرع في نفوس الشباب الأمل والإصرار، بينما الإعلام الذي يروج لمحتوى سطحي يتسبب في تشتيت الانتباه وإضاعة الوقت؛ مما يُضعف التركيز ويثبط روح السعي الحقيقي، فالسعي والطموح لا يبنيان في فراغ؛ بل هما نتاج منظومة متكاملة من الأسرة، والتعليم، والبيئة الاجتماعية، والإعلام، التي تعمل جميعها في انسجامٍ أو تضاد لتشكيل شخصية الإنسان ودافعيته نحو النجاح.