ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل الاحتفال ببداية السنة الميلادية، بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال كتعليق الزينة يُعدُّ حرامًا شرعًا؟

دعاء استقبال السنة الميلادية .. احرص على هذه الابتهالات ما معنى الاحتفال برأس السنة الميلادية وما حكمه؟.. دار الإفتاء توضح

وقالت دار الإفتاء، إن الاحتفال ببداية السنة الميلادية المؤرخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال والفرح جائزٌ شرعًا، ولا حرمة فيه؛ فهو من جملة التذكير بأيام الله، وصار مناسبة اجتماعية ومشاركة وطنية، وما دامَ أنَّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات تخالف عقائد الإسلام أو يشتمل على شيء محرم فليس هناك ما يمنعه من جهة الشرع.

وأضافت، أن الاحتفال برأس السنة الميلادية مناسبة تتناولها مقاصد: اجتماعية، ودينية، ووطنية؛ فإنَّ الناس يودِّعون عامًا ماضيًا ويستقبلون عامًا آتيًا حسب التقويم الميلادي الـمُؤَرَّخ بميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، والاختلاف في تحديد مولده عليه السلام لا يُنَافي صحَّة الاحتفال به؛ فإنَّ المقصودَ إظهار الفرح بمضي عام وحلول عام، وإحياء ذكرى المولد المعجز لسيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، مع ما في ذلك من إظهار التعايش والمواطنة وحسن المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد، ومن هنا كان للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة عدة مقاصد، وكلُّها غيرُ بعيد عن قوانين الشريعة وأحكامها.

فأما المقصد الاجتماعي: فهو استشعار نعمة الله في تداول الأيام والسنين؛ ذلك أنَّ تجدُّد الأيام وتداولها على الناس هو من النعم التي تستلزم الشكر عليها؛ فإن الحياة نعمة من نعم الله تعالى على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني ككلّ، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس، ولا يخفى أن التهنئة إنما تكون بما هو محلّ للسرور.

ونص الفقهاء على استحباب التهنئة بقدوم الأعوام والشهور؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه: أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى] اهـ.

أما المقصد الديني: فهو يوافق مولد نبي من أنبياء الله تعالى وهو سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولمولده منزلة وقدسية خاصة في الإسلام؛ فإنه المولد المعجز الذي لا مثيل له في البشر؛ حيث خُلِقَ من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، وقد صاحب مولدَه من الآيات الكونية والمعجزات الإلهية ما لم يتكرر في غيره؛ حتى ذكروا أن الله تعالى أجرى النهر في المحراب للسيدة البتول مريم عليها السلام، وأوجد لها التمر في الحال من جذعٍ يابس في الشتاء في غير وقت بدوِّ ثمره؛ كي يطمئن قلبها وتطيب نفسها وتَقَرَّ عينها، بعد ما ألجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة تستند إليه وتستتر به.

وبهذا يُرَدُّ على منكري الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام متعلِّلين بأنه في غير وقته؛ لأن بدوَّ التمر إنما يكون في الصيف وهو وقت تأبير النخل، لا في الشتاء، متناسين أن الإعجاز الإلهي قد احتف بهذا المولد المبارك المجيد في زمانه وأوانه، كما حف به في ملابساته وأحواله.

وذكرت دار الإفتاء، أن الفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ فإن القرآن الكريم قد خلّد ذِكْرَه بتفاصيله في سورة مريم، وأمر حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بتذكُّرِه فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 16-33]، والمسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، وهم كما يفرحون بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يفرحون بأيام ولادة الأنبياء والرسل أجمعين، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنهم أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام وبركة على العالمين، وقد نص الله تعالى على ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33].

كما أن في الاحتفال به امتثالًا للأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى وما فيها من نعم وعبر وآيات؛ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5].

فإنّ مِن أيام الله التي تستلزم الشكر عليها ويُشرَع التذكير بها: أيامَ ميلاد الأنبياء عليهم السلام، وفي هذا ردٌّ واضح وبرهان لائح على من يمنع الاحتفال بذكرى يوم المولد تحت دعوى أنه يوم لا يتكرّر، وهذا باطل؛ لأنه يستلزم تعطيل الأمر الإلهي بالتذكير بأيام الله؛ إذ الأمر بالتذكير بها هو في حقيقته أمرٌ بتجديد تذكرها، ومن بداهة العقول أن تجدد الذكرى التي مضت لن يكون في ذات يومها، بل في يوم لاحق عليها؛ ضرورة أن المعنى الشخصي لا يبقى زمانين ولا يقوم بمحلين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده صلى الله عليه وآله وسلم واحتفالًا بيوم ميلاده الشريف؛ فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.

وأما المقصد الوطني: فهو عيدٌ لشركاء الوطن من غير المسلمين، وقد أقرّ الإسلام أصحاب الديانات السماوية على أعيادهم؛ كما جاء في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ».

وأكدت أن الشركة في الوطن تستلزم التلاحم والتشارك بين أفراده حتى لو اختلفت أديانهم ومعتقداتهم، وقد جاء الشرع بعوامل استقرار الأوطان؛ فإن الوطنية معنًى كليٌّ جامع يحوي العديد من حلقات الترابط الإنساني؛ كالجوار، والصحبة، والأخوة، والمعاملة، ولكل رابطة حقٌّ تصب مراعاتُه في صالح استقرار الأوطان والتلاحم بين أهل الأديان، وقد حثت الشريعة على كل حق منفردًا، وكلما زادت الروابط والعلاقات كلما تأكدت الحقوق والواجبات، فإذا اجتمعت هذه الروابط كلها في المواطنة كانت حقوقها آكد وتبعاتها أوجب.

وبناءً على ذلك: فالاحتفال برأس السنة الميلادية الـمُؤَرَّخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال جائز شرعًا، ولا حرمة فيه ما دام أنّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات عبادية تخالف عقائد الإسلام.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء السنة الميلادية الاحتفال الزينة مظاهر الاحتفال صلى الله علیه وآله وسلم دار الإفتاء علیه السلام الله تعالى تعالى على ام الله

إقرأ أيضاً:

محافظ بورسعيد يشهد الاحتفال بحلول العام الهجري الجديد 1447 بالمسجد العباسي

شهد اللواء أ ح محب حبشي، محافظ بورسعيد، الاحتفال الرسمي الذي أقامته مديرية الأوقاف بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة 1447 هـ، بالمسجد العباسي، بحضور الدكتور عمرو عثمان نائب المحافظ ، واللواء عمر الشافعي السكرتير المساعد،  والعميد أ ح  مظهر الهيبان المستشار العسكري، و الدكتور مختار عيسي مدير مديرية الأوقاف ببورسعيد و قيادات المحافظة التنفيذية و الدينية

محافظ بورسعيد يستقبل مجلس إدارة النادي المصري برئاسة كامل أبو عليخلال مؤتمر صحفي محافظ بورسعيد يستعرض مشروعات التنمية وخطة المحافظة الاستثماريةاستكمال مشروع الإسكان الاجتماعي.. تفاصيل اجتماع مجلس تنفيذي بورسعيدآلاف الوحدات للشباب. بورسعيد توافق على تخصيص قطعة أرض بالحي الإماراتيإحالة 4 مسؤلين بمحافظة بورسعيد للتحقيقبـ 244 درجة كمرحلة أولى.. محافظ بورسعيد يعتمد تنسيق الثانوى العامالمحافظ يوجه بالمرور الدوري بطول شاطئ بورسعيد لرصد أي حالة غرق أو طوارئ .. صورضبط مواد غذائية منتهية الصلاحية بسوبر ماركت في بورسعيدرئيس جامعة بورسعيد يجتمع باللجنة التنسيقية العليا للتصنيفخلال ساعات من حادث بورسعيد.. ضبط المتهم بإنهاء حياة شاب وإصابة والده

بدأت فعاليات الاحتفال بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، تلاها كلمة لمديرية الأوقاف تناولت الدروس المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة، وما تحمله من معاني التضحية والصبر والإيمان بالله، وأهمية الاقتداء بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بناء المجتمعات وتحقيق قيم التسامح والتراحم.

محافظ بورسعيد يشهد الاحتفال بحلول العام الهجري الجديد 1447 هـ  بالمسجد العباسي و يقدم التهنئة لأبناء المحافظة

ومن جانبه، تقدم  المحافظ بالتهنئة لأهالي بورسعيد بهذه المناسبة العطرة، داعيًا الله أن تكون السنة الهجرية الجديدة عام خير وأمان على مصر وشعبها، ومؤكدًا أهمية التمسك بالقيم الدينية والوطنية التي تبني الإنسان وتسهم في تحقيق التنمية والازدهار.

وفي ختام الاحتفالية، قدمت فقرات دينية متنوعة ابتهاجًا بالمناسبة، وسط أجواء من الروحانية والبهجة بين الحاضرين.

طباعة شارك بورسعيد محافظ بورسعيد محافظة بورسعيد السنة الهجرية مصر

مقالات مشابهة

  • سياسيون ومسؤولون يهنئون برأس السنة الهجرية
  • محافظ بورسعيد يشهد الاحتفال بحلول العام الهجري الجديد 1447 بالمسجد العباسي
  • حكم صيام أول محرم وهل هو بدعة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • هل التهنئة برأس السنة الهجرية بدعة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز صيام شهر المحرَّم كاملًا؟.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم الخروج من المسجد بعد الأذان.. الإفتاء تجيب
  • حكم اختصار الصلاة على النبي عند الكتابة إلى (ص) أو (صلعم).. الإفتاء تجيب
  • ما حكم القنوت في صلاة الفجر وهل هو بدعة؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز صلاة الاستخارة قبل طلاق الزوجة؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز إعطاء بطاقات التموين لشخص غير مستحق؟.. دار الإفتاء تجيب