لجريدة عمان:
2025-05-11@15:51:13 GMT

متفائلًا بالماضي

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

لا مقاعد شاغرة في الغد المزدحم بالأقوياء والمنتصرين كي نذهب معهم إلى هناك لنلتقي بأنفسنا غدا، كي نحلم معا أو على حدة، لنشرع من بعدها في الخصام -إن كان لابدَّ- كأنداد متكافئين وبحرية أكبر حول آلية الانتقال من الحلم إلى موضع القدم الأول على أرض المستقبل المشترك. لكنهم لا يريدوننا معهم. فأينما تلفتنا من حولنا كان الغد محجوزا باسمهم أو باسم الغيب.

وكأن المستقبل قطعة مسيجة من سراب الصحراء المحتكرة تحت أقدام كبار الإقطاعيين الذين يقتسمونها فيما بينهم ثم يساوموننا على متر منها بمزيد من الأعمال الشاقة والخضوع وبذل الطاعة.

لا بيت لنا إذا، نحن المهزومين، سوى في الأمس المشاع، الماضي الذي لا سلطان عليه، حتى لو بات هذا الماضي نفسه «بلدًا أجنبيًا» كما كتب الروائي البريطاني ليسلي بولز هارتلي. ربما نحن أكثر سعادة في الماضي، ربما نحن أكثر انتشاءً واحتفاءً بالكسل الجميل من غيرنا؛ لأن مقياس الزمن في مناخنا الحزين يبدو أكثر تراخيًا مما هو عليه في تلك البلاد التي تطبع العملة وتبيعنا إياها. لا بأس، فلعلنا بذلك قد نجد الفسحة الكافية من الوقت لنتفرَّغ لكتابة الشعر، الشعر الذي يثير غيرة المنتصر من قدرتنا على إبداعه وتوليده من أعماق الهزيمة فينا، حتى لو كان لا يفهمه أو لا يجد وقتًا لقراءته.

إن إقامتنا في الماضي تمنحنا امتيازًا آخر يحسدنا عليه المنتصرون الأشقياء، ففي وسعنا أن نستريح من هوس الانتباه الدائم، بينما لا يستطيع المنتصر أن يغفل عن شاشات الرادار وكاميرات المراقبة لثانية واحدة، يخاف من أن يتمادى مع غفوة صغيرة أثناء نوبة الحراسة، وإلا فالنتيجة ستكون فقدان السيطرة والموت، أو الفضيحة على الأقل. وفي إسرائيل، بعد صبيحة السابع من أكتوبر الماضي، عبرة للمنتصرين المهووسين بالعقلية الأمنية، فضيحة تذكر بما حدث قبلها في صبيحة السادس من سبتمبر عام 2021 عندما اخترق ستة سجناء فلسطينيين بملاعق الطعام أكثر السجون الإسرائيلية تحصينا.

فبخلاف من يهربون إلى المستقبل خوفا من الماضي، هنا نحن في ماضينا، حيث يمكننا أن نتخفف من دروع الوقاية ومن هواجس الاغتيال والتربص، نحيا أقلَّ تحفظًا ضد زمننا الدائري السخي، الزمن الزائد أبدا عن حاجة الحالمين الذين يولدون في الماضي، ويكبرون في الماضي، ويحلمون في الماضي بحقهم في الحلم. فما أكثر الماضي إذا! ما أكثر الماضي الذي جربناه دون أن نشعر بأنه يدور علينا ويستدير.. ما أكثر الماضي الذي ما زال في وسعنا أن نكتشف مناجمه وأن نحمله معنا خردةً وخامًا طيعًا إلى مَخادع الأحلام!

الآن يحدث الماضي لنا ولهم، في سياقين منفصلين قد يتقاطعان عند مفرق ما من التاريخ، يحدث ببطء أخطر من الزلزال، ويتراكم كطبقات الجيولوجيا في ذاكرة البشر والشجر والحجر. أما الزمن فيتدفق مع نبضات القلب نهرا محايدا لا يجري لمصلحة أحد، ولا يعمل إلا موظفا منتظما ودؤوبا في خدمة الفناء، فناؤنا كلنا... وما التاريخ سوى موجز أنباء سريع لفعل الماضي المضارع.

هكذا يبدو لي أن لدى بعض الدول الصناعية المهيمنة، ذات الماضي الاستعماري الدموي، مشكلة أزلية في علاقتها بماضيها، أشبه بوسواس قهري تحاربه بالمهدئات المؤقتة. إنها «الدول الكبرى التي تفسد حديقة الشاعر» على حد تعبير هنري ميلر، والتي يتضح اضطرابها عندما تقع بين ثنائية الماضي والمستقبل، كأمريكا على سبيل المثال، الدولة التي تطور واقعها المادي عملا بعقلية ضمنية تقوم على استراتيجية الهرب إلى المستقبل من شبح الماضي النائم في كل شبر من جغرافيا ذاكرة المكان والسكَّان، وكأنها دولة محكوم عليها تاريخيا، بخلاف الأمم والشعوب «الحزينة» التي لم يكن ماضيها جميلا بالضرورة، إلا أنها تتفاءل عبر العودة إلى الماضي، بل تعيش وتقاوم وتحلم من خلال تصعيد الحنين واستثماره كطاقة روحية لا تنضب.

وأنا أحب الشاعرة الصينية الأمريكية، مارلين تشين، حينما تكتب بالنيابة عني، وعن كل «المهزومين» هذا الشعر مثلا:

«بالرغم من أن البلد قد فُقد

الأنهار والجبال ستبقى...

وسوف نحيا دائما

في هذا الشِّعر الذي نحبه،

من أجل أمي».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الماضی

إقرأ أيضاً:

الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة يحتفي بـ42 عامًا من التميز ويمهد طريق المستقبل

شهد أمس الأربعاء الموافق 7 مايو انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي للاتحاد المصري لطلاب الصيدلة EPSF وسط أجواء احتفالية تعكس عراقة هذا الكيان الطلابي الذي يمتد تاريخه لما يزيد على أربعة عقود منذ تأسيسه عام 1982. وجاءت انطلاقة المؤتمر بحضور لافت من الطلاب والمهتمين بمجال الصيدلة، إضافة إلى عدد من الشخصيات المؤثرة في القطاعات الأكاديمية والمهنية والتقنية.

بدأت الفعاليات بكلمات افتتاحية مؤثرة تحت عنوان "رحلة طلبة"، استعرضت مسيرة طلاب أسسوا كيان EPSF، ليكون منصة تجمع طلاب كليات الصيدلة على مستوى الجمهورية وتُسهم في تمكينهم وتطويرهم مهنيًا وشخصيًا. أعقب الكلمات تلاوة مباركة من آيات القرآن الكريم، تلاها عزف النشيد الوطني لجمهورية مصر العربية، في مشهد يعكس روح الانتماء الوطني والاعتزاز بالهوية المصرية.

وفي كلمته، أكد الدكتور محمد حازم، رئيس الاتحاد المصري لطلاب كليات الصيدلة EPSF، أن النجاح لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة عمل جماعي وتخطيط دقيق ورؤية واضحة. وأشار إلى أن الاتحاد يُعد نموذجًا يُحتذى به في العمل الطلابي المنظم، حيث نجح في تقديم نموذج شبابي واعد قادر على خدمة المجتمع الصيدلي ودعم الطلاب في مختلف المراحل الدراسية.

كما ألقت الدكتورة سما غزلان، ممثلة الاتحاد العالمي لطلبة الصيدلة IPSF، كلمة أشادت خلالها بمستوى التنظيم والتفاعل الذي تشهده فعاليات الاتحاد المصري، مؤكدة على أهمية مواكبة طلاب الصيدلة للتطورات العالمية في التعليم الصيدلي، ومشددة على ضرورة تعزيز التبادل المعرفي والخبرات بين مختلف دول العالم لضمان جودة التعليم وتكامل المنظومة الصحية.

وشهدت الفعاليات مشاركة مجموعة من الشخصيات البارزة من قطاعات الصناعة والنقابات والمجتمع المدني وصناعة المحتوى، حيث قدموا رؤى ملهمة وتجارب واقعية ساعدت في توسيع آفاق الحضور من الطلاب.

فقد تحدث الدكتور أحمد عبد ربه، ممثل شركة Epico للأدوية، حول أهمية التعلم من الأخطاء واكتساب الخبرات من خلال الاحتكاك المباشر بسوق العمل، مشيرًا إلى أن النجاح في مجال الصناعات الدوائية يتطلب استعدادًا دائمًا للتعلم والتطور. وقدم عبد ربه عرضًا مصورًا عن مصانع الشركة بمدينة العاشر من رمضان، استعرض خلاله إمكانيات الإنتاج والتصنيع المحلي الدوائي.

من جانبه، أكد الدكتور عمرو مغربي، عضو نقابة الصيادلة، أن مهنة الصيدلة باتت تتيح أكثر من 35 تخصصًا يمكن للصيدلي التميز فيها، داعيًا الطلاب إلى الاعتزاز بمكانتهم وعدم الالتفات إلى الشائعات السلبية التي تنتقص من قيمة المهنة، بل الاستمرار في تطوير الذات والبحث عن الفرص الحقيقية التي تثبت أن الصيدلي عنصر أساسي في المنظومة الصحية.

أما صانع المحتوى أحمد المهدي، فقد تناول مفهوم "The Dip"، وهو مصطلح يشير إلى المرحلة التي تعقب الحماسة الأولى وتسبق التمكّن، مؤكدًا أن الفشل المؤقت لا يعني نهاية الطريق بل هو جزء من رحلة التعلّم. وشدد على ضرورة أن يكون الطالب رحيمًا بنفسه خلال هذه المرحلة، متقبلًا التحديات كفرص للنمو.

وقدّم الدكتور محمد سيد، ممثل شركة HPG، خطوات عملية لتأهيل الصيدلي لسوق العمل، من بينها معرفة نقاط القوة الشخصية، كتابة سيرة ذاتية احترافية، والعمل على ربط المهارات الفردية بالوظائف المناسبة، مؤكدًا أن تأهيل الصيدلي لا يتوقف عند التخرج بل يبدأ قبله بسنوات.

في السياق ذاته، دعا محمود برافو من أكاديمية Utopia، الطلاب إلى اغتنام فترة الدراسة الجامعية لخوض التجارب الجديدة والمشاركة في الأنشطة الطلابية، لما لها من أثر بالغ في صقل الشخصية وتعزيز مهارات القيادة وتنظيم الوقت، قائلًا: "مستقبلكم يبدأ الآن وليس بعد التخرج".

واختتم الدكتور وائل علي، ممثل الاتحاد الدولي للصيادلة FIP، سلسلة الكلمات بالتأكيد على أن رؤية الطالب منذ اليوم الأول يجب أن تكون منسجمة مع متطلبات سوق العمل، وأن الصيدلي يمكنه أن يلعب دورًا محوريًا ليس فقط في المؤسسات الصحية بل أيضًا في مجالات البحث والتطوير، التصنيع، والسياسات الدوائية.

يُذكر أن الاتحاد المصري لطلاب كليات الصيدلة EPSF يُعد من أكبر الكيانات الطلابية في مصر، ويحمل عضوية الاتحاد العالمي IPSF، ويمثل آلاف الطلاب من مختلف الجامعات المصرية، ويُسهم في إعداد أجيال من الصيادلة القادرين على قيادة مستقبل المهنة.

مقالات مشابهة

  • مؤسس عايز حقي: قانون الإيجار القديم عفا عليه الزمن
  • العراق ثالث أكبر مصدر للنفط إلى أمريكا خلال الأسبوع الماضي
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • نائب يهدد بالانسحاب من تحالف” نينوى المستقبل الإطاري”
  • بالصورة.. فنانة سودانية شهيرة تهنئ زوجها وتبارك له الخطوبة بعد عزمه على الزواج والجمهور يتفاعل: (المرأة الصاح في الزمن الغلط وبنت أصول وربنا يكبرك بعقلك)
  • نائب من نينوى المستقبل يهدد بالانسحاب بسبب التهميش: التحالف سيبقى أعرجاً وضعيفاً
  • القاهرة وأولوية المستقبل الآمن للسودان
  • بين حائك السجاد والتاجر.. منهج إيران والأميركيين في التفاوض
  • محمد بن راشد: «طيران الإمارات» جسر تنموي ينقلنا نحو المستقبل
  • الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة يحتفي بـ42 عامًا من التميز ويمهد طريق المستقبل