فى عيدها العالمى.. لغة الضاد.. بحر يتلألأ بالدر
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
«إن الذى ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره فى الضاد».. قالها يوما أحمد شوقى ليوجز بها وصفًا بليغًا للغتنا العربية، تلك اللغة التى تعد سجلًا للتاريخ والفنون والآداب ومجمعًا للبلاغة، واختيار الله لتكون كلمته على أرضه، تصدح الألسنة وتتبتل إلى الخالق بحروفها التى شرفت بحمل كتابه للعالمين.. إنها اللغة العربية، أقدم اللغات السامية، بحر يتلألأ الدر كامنًا فى أحشائه فلا يصل إليه إلا كل غواص عليم.
يقول جورج سارتون، فى حق العربية: «لقد حقق العرب عباقرة الشرق أعظم المآثر فى القرون الوسطى فكتبوا أعظم المؤلفات قيمة وأكثرها نفعًا باللغة العربية التى كانت فى منتصف القرن الثامن لغة العلم الراقي»
لأن الإلمــام باللغة العربية يساعـد أبناءنا على الاستمتاع بما تصفه من روائع وكنوز فى تراثهـا القديم.
* دور العربية فى عصر النهضة
ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التى تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التى تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً لإنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا فى عصر النهضة. وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقى.
* لغة الخطاب السياسي
ولأن اللغة أساس الهوية؛ لذلك كانت اللغة العربية صلب الهوية المصرية وأساسها، فاللغة العربية لها مكانتها العالمية المُعتَرَف بها فى المحافل الدولية، وفى هيئات الأمم المتحدة، فقد كان أول خطاب سياسى أُلقِى باللغة العربية فى الأمم المتحدة هو خطاب الرئيس المصرى جمال عبد الناصر فى أكتوبر عام 1960م، ثم تلته خطابات السادة رؤساء الدول العربية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، مستخدمة اللغة العربية الفصحى، ومن ذلك: كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى باللغة العربية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 24 سبتمبر 2019م.
* اليوم العالمى للغة العربية
ولهذا كله، ولأنها تُعدّ ركناً من أركان التنوع الثقافى للبشرية، وإحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً فى العالم، إذ يتحدث بها يومياً ٤٥٠ مليون نسمة من سكان المعمورة؛ لذا فقد خصص يوم للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وهو الثامن عشر من ديسمبر من كل عام.
وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذى اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1973 قرارها التاريخى بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة فى المنظمة، ومنذها والعالم يحتفل بلغة الضاد بشكل دورى.
* لغة إعلامية
تعد العربية الفصحى اللغة الرسمية للخطاب الإعلامى فى البلاد، سواءً فى القنوات الإعلامية المكتوبة أم المسموعة أم المرئية، ذلك أنها تتوفر بها خصائص اللغة الإعلامية بأبنيتها وتراكيبها اللغوية التى تسهم بنصيب كبير فى التأثير على المتلقي، سواءً أكان قارئًا أم مشاهدًا؛ لذا يحرص الإعلاميون على السلامة اللغوية، وضبط الخطاب الإعلامي، مما يساعد فى صنع منتج إعلامى متميز فى بناء مادته اللغوية ومحتواه الفني، لا سيما مع تقدم التقنيات التكنولوجية التى أتاحت الوصول إلى المحتوى الرقمى للخطاب الإعلامى فى أى وقت، فاللغة العربية الفصحى التى تحملها أجهزة الإعلام هى التى يفهمها من يتكلمون العربية على كافة الأصعدة وفى مختلف المستويات وبين الشعوب العربية، فاللغة العربية الفصحى هى اللغة الوحيدة التى يلتقى عندها أهل العربية فى جميع أقطارهم يتكلمون ويكتبون بها.
وتعتمد البرامج التلفزيونية على فن الحوار القائم على جماليات اللغة، وتداولية استعمال الجمل والعبارات من قِبَل المتحاورين، وكذلك النشرات الإخبارية تهتم فى المقام الأول بإذاعة الأخبار السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية التى تنهض فى بنائها اللغوى على الأساليب الخبرية، وتعتمد فى المقام الأول على بلاغة الكلمة وفصاحتها، وعلى جماليات فن الإلقاء من قِبَل المذيعين؛ مما يُعَبر عن حضور اللغة العربية وهيمنتها على لغة الخطاب الإعلامي، سواءً المسموع أو المرئي، فاللغة (بألفاظها وتراكيبها) هى الوسيلة الأولى فى الوسائل الإعلامية للتأثير على المتلقي؛ ولذلك باتت العربية الفصحى هى الأكثر تداولًا والأشهر رواجًا فى وسائل الإعلام؛ لاعتمادها على قوة الكلمة، وتأثيرها فى نفوس المستمعين؛ ولذلك نلحظ اهتمام بعض الإعلاميين بانتقاء اللفظ الذى يتسم بالفصاحة والبلاغة وقوة التأثير لجذب انتباه المتلقى.
* ضعف الأداء.. الازوداجية.. أهم المشكلات
وتعد ظاهرة ضعف الأداء اللغوى وشيوع الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية واللجوء إلى العامية وعدم سلامة النطق وازدواجية اللغة وشيوع ما يسمى بالفرانكواراب بين الشباب، من أهم المشكلات التى تواجه الخطاب الإعلامى المعاصر، لذا فإنه يجب قصر اللغة الإعلامية على الفصيح من الأساليب العربية، من أجل الحفاظ على الهوية الحضارية للدولة المصرية، والتأكيد على عربيتها، والحد من الغزو اللغوى الذى يهيمن على معظم الوسائل الإعلامية، فعلى الرغم من حرص معظم الإعلاميين فى قنوات الخطاب الإعلامى المختلفة على التحدث بالعربية الفصحى (فى كثير من الأحيان)، فإننا نجد مستوى لغويًّا مغايرًا تمامًا للفصحى، يتسم بالمزج بين معيارى الفصحى والعامية؛ مما يبرز التداخل بينهما فى لغة الخطاب الإعلامي، ومن هنا تقع على مؤسسات الدولة -خاصة مجمع اللغة العربية- مسؤولية مراقبة اللغة الإعلامية فى وسائلها المختلفة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للإعلام.
ذلك أن فصاحة الاستعمال اللغوى فى وسائل الإعلام -سواءً المقروء أو المسموع– تساعد فى تيسير دخول الفصحى إلى كثير من المنازل بكل سهولة ويسر؛ ومن ناحية أخرى فإن وسائل الإعلام تُسهِم بنصيب كبير فى نشر الفصحى من خلال إعداد الكوادر الإعلامية، وتدريبها على التحدث بالفصحى، وتشجيعها على استعمال الفصيح من الأبنية والتراكيب اللغوية فى خطابها الإعلامى الذى يصل إلى كثير من البيوت دون استئذان.
* دور الجامعات فى الحفاظ على اللغة
تضطلع كليات الإعلام وأقسام الإعلام بكليات الآداب فى الجامعات المصرية المختلفة بدور مهم فى تدريس مقررات اللغة العربية، نحوًا وصرفًا وبلاغةً ونقدًا، ضمن برامجها الدراسية، واشتراط جودة التحدث بالعربية الفصحى ضمن شروط القبول بها، وأن يكون الإعلامى الذى يتصدر المشهد الإعلامى متحدثًا جيدًا باللغة العربية الصحيحة فى بنائها وأسلوبها اللغوى. كذلك يجب الاهتمام بالبرامج اللغوية ضمن مخرجات أقسام الإعلام؛ لضمان جودة الخطاب الإعلامي، ووضع ميثاق شرف لغوي، وأن يكون فى كل برنامج مجموعة من الإعلاميين الأكفاء الماهرين فى قواعد اللغة العربية؛ لتصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة أولًا بأول، والحد من استعمال اللغات الأجنبية فى البرامج الإعلامية الوطنية.
* دور المؤسسات الأخرى
ولا يقتصر الأمر على دور المؤسسات الإعلامية الفاعل فى الحفاظ على اللغة، بل إن للبيت دورا مهما فى تعليم الأطفال قبل سن الدراسة أهمية الفصحى والحفاظ عليها، من خلال إكسابهم مهارات القراءة والاطلاع، مما يجعل اللغة يسيرة جارية على ألسنتهم منذ الصغر، ثم يحين دور المدرسة والمناهج الدراسية التى يجب انتقاؤها بعناية، وغربلتها من الحشو والتلقين، واستخدام وسائل تكنولوجية متطورة فى تدريسها، حتى يصبح تعليم اللغة محفزا لا منفرا، وحتى نعيد للفصحى مجدها الذى نبتغيه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عصر النهضة الخطاب الإعلامی العربیة الفصحى باللغة العربیة وسائل الإعلام اللغة العربیة العربیة فى العربیة ا
إقرأ أيضاً:
شاب متعدّد اللغات يحصد الملايين من المعجبين عبر الإنترنت.. ماذا قال عن اللغة العربية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- "المعذرة، من أين أنت؟ أراهن أنني أستطيع تخمين لغتك".
عندما يتجول يوجي بيليزا في شوارع العاصمة النمساوية فيينا، فإنه لا يرى الحشود فحسب، بل يرى تحديًا وفرصةً للتواصل.
خلال مقابلات عفوية في الشوارع، يُفاجئ الشاب الياباني الأيرلندي متعدّد اللغات المارة بإلقاء التحية عليهم بلغتهم الأم.
بابتسامته العريضة ومهاراته اللغوية السريعة، أصبح بيليزا نجمًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتمتع بأكثر من 2.7 مليون متابع على "إنستغرام"، و3.6 مليون على "تيك توك"، و388 ألف متابع على "يوتيوب".
قال الشاب البالغ من العمر 27 عامًا: "إذا قلتَ بضع عبارات فحسب، فإن ذلك طريقة رائعة لكسر الجليد".
"لا أعرف إلى أين أنتمي"اكتشف بيليزا موهبته في اللغات في وقتٍ مبكر من حياته، بفضل نشأته في بيئة متعددة الثقافات.
نشأ الشاب في كيوتو باليابان مع أم أيرلندية تُدرّس اللغة الإنجليزية وتتحدث أربع لغات، وهي الإنجليزية، والأيرلندية، واليابانية، والإسبانية، وأب ياباني يعمل كحارس أمن.
التحق بيليزا بالمدارس الحكومية المحلية في كيوتو، حيث كان طالبًا مجتهدًا، ولعب كرة السلة، وتمتع بأصدقاء.
لكنه لم يشعر قط بأنه مقبول تمامًا، إذ أوضح: "كانوا يشيرون إلي بعبارة أجنبي دائمًا لأنّي كنت الطفل الوحيد في المدرسة من عرق مختلط. شعرتُ وكأنني لا أعرف إلى أين أنتمي".
في السادسة عشرة من عمره، أمضى بيليزا عامًا تكوينيًا في تيبيراري بقلب أيرلندا، للتواصل مع ثقافة والدته.
لكن لم يُنظر إليه كأيرلندي بالكامل أيضًا في الجهة الأخرى من العالم.
انجذب بيليزا نحو مجتمع المهاجرين المحلي، حيث التقى بأشخاصٍ من ليتوانيا وبولندا يتحدثون لغتهم المشتركة، أي الروسية.
وفكّر الشاب آنذاك: "إذا أردتُ تكوين صداقات أكثر، يجب عليّ تعلم الروسية أيضًا. هذا ما حفّزني حقًا".
التواصل من خلال اللغةألهمته تجربته في أيرلندا لدراسة اللغة الروسية في الجامعة وقضاء عام في برنامج تبادل طلابي في سانت بطرسبرغ بروسيا.
أثناء تعلم لغات جديدة، يعتمد بيليزا على مجموعة من الاستراتيجيات، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت، وتدوين الملاحظات في دفتره، والتدرب مع الأصدقاء، والاستماع إلى المذكرات الصوتية على هاتفه، ودراسة الكتب التقليدية.
بما أنّه كان مهتمًا بتطوير لغته الألمانية بشكلٍ خاص، قرّر الشاب الالتحاق ببرنامج ماجستير في العلوم السياسية في فيينا بالنمسا، حيث يمكنه مواصلة ممارسة اللغة.
عاش بيليزا في المقاطعة العاشرة بفيينا، المعروفة بكثرة المهاجرين، وكان يسمع باستمرار محادثات بالتركية، والصربية، والعربية، والكردية حوله، ما أتاح له فرص عديدة لتنمية مهاراته اللغوية.
وجد بيليزا نفسه عند مفترق طرق عندما تخرج من برنامج الماجستير في عام 2023، وكان طموحه العمل في مجال الشؤون الدولية.
وبينما كان ينتظر ردودًا على طلبات التوظيف، عاد إلى اليابان بحثًا عن فرصة عمل.
لكن مع مرور الأشهر من دون ظهور أي فرص في الأفق، قرر المخاطرة والعودة إلى فيينا.
تحويل المحادثات إلى مهنةبدأ بيليزا باستكشاف فكرة إنتاج مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال: "سليمان من تركيا من أعز أصدقائي. وقد شجعني على البدء بنشر مقاطع فيديو لنفسي وأنا أتحدث اللغة التركية".
من ثمّ بدأ المعلقون يشجعونه على التحدث باللغة الكازاخستانية أكثر، وانخرط بيليزا في الأمر.
لذا بدأ الشاب بتصوير مقاطع فيديو باللغة الكازاخستانية.
وأوضح بيليزا، الذي عُيّن مؤخرًا سفيرًا رسميًا للسياحة الكازاخستانية: "تراكمت الأمور تدريجيًا منذ ذلك الحين"، لافتًا إلى أن "مقاطع الفيديو الكازاخستانية لم تكن برعاية أي جهة، بل كانت نابعة من حب حقيقي وفضول تجاه الثقافة الكازاخستانية".
أكسبته مقاطع الفيديو الطريفة في البداية بعض الكباب المجاني هنا وهناك، لكنه الآن يتعاون مع مجموعة واسعة من الجهات الراعية، من تطبيقات اللغات، إلى شركات الاتصالات، والعناية بالأسنان، ما مكّنه من تحويل حبه للغة إلى مهنة.
كسر الجليديتحدث بيليزا الآن خمس لغات بطلاقة (اليابانية، والإنجليزية، والروسية، والألمانية، والتركية)، كما أنّه يستطيع إجراء محادثات بعشر لغات أخرى تقريبًا.
عند مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة به، يتّضح مدى سرعة تعرّفه إلى اللغات واستجابته لها، في غضون ثوانٍ فقط غالبًا.
40 لغة ولا يزال العدّ مستمرًا View this post on InstagramA post shared by Yuji Beleza (@yuji_beleza)