مع استمرار الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة، بات خطر تصاعد الصراع في الشرق الأوسط الحلقة الأحدث في سلسلة أزمات لم يكن العالم مستعدا لها على المستوى الاقتصادي، وذلك بعد جائحة كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا. 

ضربت هذه الأحداث، مثل مخلب دب، فتركت ندوبا وتسببت في تفاقم أزمات الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل.

وأبرز مثال على ذلك حاليا، التأثير المتوقع للهجمات التي يشنها الحوثيون المتمردون في اليمن على حركة الشحن الحيوية في البحر الأحمر، في امتداد مباشر للحرب بين إسرائيل وحركة حماس.

لكن يبدو أن المزيد من التقلبات تنتظر العالم على هيئة موجة قياسية من الانتخابات التي قد تكون تداعياتها عميقة وطويلة على الاقتصاد العالمي، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز". 

50 دولة تجري انتخابات في 2024

وسيتوجه إلى صناديق الاقتراع أكثر من ملياري شخص في حوالي 50 دولة، بما في ذلك الهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة والدول السبع والعشرين الأعضاء في البرلمان الأوروبي. 

وتمثل الدول التي ستشهد انتخابات عام 2024 ما نسبته 60 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي.

تداعيات اقتصادية

وكما هو منتظر، سيحدد الفائزون قرارات السياسات التي تؤثر على دعم المصانع، والإعفاءات الضريبية، ونقل التكنولوجيا، وتطوير الذكاء الاصطناعي، والضوابط التنظيمية، والحواجز التجارية، والاستثمارات، وتخفيف الديون، وانتقال الطاقة.

ويمكن أن تأتي سلسلة من انتصارات الشعبويين في الانتخابات بحكومات تشدد الرقابة على التجارة والاستثمار الأجنبي والهجرة، وهي سياسات قد تدفع الاقتصاد العالمي إلى "عالم مختلف تماما عن العالم الذي اعتدنا عليه"، بحسب أستاذة السياسة العامة في جامعة كامبريدج، ديان كويل. 

وتوضح أن "العالم الذي تتقلص فيه التجارة هو عالم يتقلص فيه الدخل، ومن المرجح أن يؤدي انتخاب القوميين اليمينيين إلى مزيد من إضعاف النمو العالمي وإلحاق الضرر بالثروات الاقتصادية". 

وأحيانا ما تبدأ التداعيات الاقتصادية حتى قبل الانتخابات. 

وعلى سبيل المثال، اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرارا هذا الخريف يطالب المصدرين بتحويل العملات الأجنبية إلى الروبل، وذلك بهدف دعم العملة الوطنية وخفض الأسعار في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجرى في مارس.

انتخابات في 50 دولة

أكبر انتخابات العام المقبل ستجري في الهند، صاحبة الاقتصاد الأسرع نموا في العالم حاليا، وهي تتنافس مع الصين، إذ تحاول أن تكون مركز التصنيع في العالم. 

ومن المحتمل أن تؤدي الانتخابات الرئاسية في تايوان في يناير إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. 

وفي المكسيك، سوف يؤثر التصويت على نهج الحكومة في التعامل مع قضايا الطاقة والاستثمار الأجنبي. 

ومن الممكن أن يغير الرئيس الجديد في إندونيسيا السياسات المتعلقة بالمعادن المهمة مثل النيكل.

الانتخابات الأميركية

أما في الولايات المتحدة، فإن الانتخابات الرئسية فيها، ستكون الأكثر أهمية على الإطلاق بالنسبة للاقتصاد العالمي. 

والأسبوع الماضي، اتفقت واشنطن وبروكسل على تعليق الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم الأوروبيين، مقابل الويسكي والدراجات النارية الأميركية، إلى ما بعد الانتخابات.

أما الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل بانتخابات 2024، فقد دافع عن السياسات التجارية الحمائية واقترح فرض تعريفة بنسبة 10 في المئة على جميع السلع القادمة إلى الولايات المتحدة، وهي خطوة من شأنها أن تدفع الدول الأخرى حتما إلى إجراءات "انتقامية".

كما أشار ترامب، إلى أنه سيتخذ خطوة إلى الوراء في مسألة شراكة الولايات المتحدة مع أوروبا، وسيتبع موقفا أكثر تصادميا تجاه الصين.

وخلصت شركة الاستشارات "إي واي بارثينون" في تقرير حديث إلى أن "نتائج الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى تحولات بعيدة المدى في قضايا السياسة الداخلية والخارجية، بما في ذلك تغير المناخ والتحالفات العالمية".

وتبدو التوقعات الاقتصادية العالمية في العام المقبل مختلطة حتى الآن. 

فمن جانب، لا يزال النمو بطيئا في أغلب أنحاء العالم، وتتعرض العشرات من البلدان النامية لخطر التخلف عن سداد ديونها السيادية. 

وعلى الجانب الإيجابي، فإن الانخفاض السريع في التضخم قد يدفع محافظي البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة أو على الأقل وقف ارتفاعها. ويعد انخفاض تكاليف الاقتراض بشكل عام حافزا للاستثمار.

مخاوف أمنية

ومع استمرار العالم في الانقسام إلى تحالفات غير مستقرة وكتل متنافسة، فمن المرجح أن تخيم المخاوف الأمنية على القرارات الاقتصادية بشكل أكبر مما كانت عليه حتى الآن.

وتعد الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ في البحر الأحمر من قبل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران علامة أخرى على ذلك الأمر، وعلى عدم اليقين بشأن المستقبل. 

ومع تهديد حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تضم أكثر من 20 دولة لحماية السفن.

وقالت المحللة الجيوسياسية، كورتني ماكافري، إنه "خلال الشهرين الماضيين، كان هناك ارتفاع في عدد المشاركين الأصغر مثل اليمن وحماس وأذربيجان وفنزويلا الذين يسعون إلى تغيير الوضع الراهن".

وأضافت: "حتى لو كانت هذه الصراعات محدودة، إلا أنها لا تزال قادرة على التأثير على سلاسل التوريد العالمية بطرق غير متوقعة، وهذا يزيد من التقلبات". 

وأدت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر إلى ارتفاع أسعار الشحن والتأمين وأسعار النفط مع تحويل حركة المرور البحرية لكثير من الشاحنات إلى طريق أطول وأكثر تكلفة حول أفريقيا.

وتشير الصحيفة إلى أن "عدم اليقين له تأثير مثبط على الاقتصاد، إذ تميل الشركات إلى تبني موقف الانتظار والترقب عندما يتعلق الأمر بالاستثمار والتوسعات والتوظيف". 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها

"حينما ينام العالم"، هو عنوان لكتاب صدر قبل أسابيع، للمقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، وصدرت ترجمته إلى الفرنسية، بالتزامن مع صدوره بالإيطالية، وهو تشخيص لما أسمته الكاتبة بـ"إغفاءة العالم"، أو نوعٍ من اللامبالاة، والإخلال في التعاطف مع الفلسطينيين.

غزة ليست شأن الفلسطينيين وحدهم ولكنها امتحان للضمير الإنساني، واختبار للقانون الدولي، وللمؤسسات الدولية، وضرورة وضع حد لهيمنة الأحكام المسبقة، والمَعْبر لمستقبل البشرية، يعيد الأمل بعد اليأس.

العالم تكلس، وينبغي -وفق ألبانيزي- أن يستلهم من الفلسطينيين الدروس: الكرامة رغم المعاناة، والجمال رغم الخراب، والحقيقة رغم التسييج والحصار.

في مستهل الكتاب، تستشهد ألبانيزي بامرأة، كنسية أميركية، أليسا وايز، إذ تقول إن التضامن هو الشكل السياسي للمحبة. تعرف ألبانيزي قضايا الشرق الأوسط، وقضايا الفلسطينيين؛ لأنها كانت مقررة للأمم المتحدة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 2022، واشتغلت قبلها مع وكالة الأونروا، وعرفت ما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة من سلب ممتلكاتهم، وحرمانهم وإخضاعهم.

اصطدمت في مسرى مهامها، بسلاح الأحكام المسبقة، والتمثلات، والقراءات المغرضة، وبناء الآخر، ولذلك وظفت في كتابها إدوارد سعيد عن الاستشراق حول بناء الآخر والتمثلات، والسرديات الموجهة، واستنجدت بالمفكر الإيطالي الكبير "أنطونيو غرامشي"، وكيف أن الثقافة تدعم السلطة.

ولذلك استشعرت الحاجة إلى إعادة النظر في السرديات، من أجل أن تكون الشاهد الحق، حسب تعبير لإدوارد سعيد. وكما تقول، مما أترجمه عن النص الفرنسي: " فالحياد لا يعني اللامبالاة، و(النزاهة) تفترض التنقيب بصرامة، ومواجهة الأحداث بالقانون، وقول الحقيقة للسلطة، ولو أزعجت، وفي فلسطين يتعين كشف عدم التوازن بين المحتل، ومن هو ضحية الاحتلال، بين المستعمِر والمستعمَر، وكيف أن عقودا من سلب الحقوق أضحت أمرا طبيعيا من قِبل منتظم دولي عاجز".

إعلان

الرهان أمس كما اليوم، ليس بروفة غائمة وغامضة حول إحلال السلام، بل في احترام القانون الدولي بإنهاء الاحتلال، والمستوطنات، وإيقاف الضم.

ترى ألبانيزي أن السلم ممكن، ولكن وفق شروط، من شأنها أن تجعل المنتظم الدولي يكتشف معنى التضامن، في إطار أسرة واحدة.

اختارت الكاتبة أن تتحدث، بعد هذه المقدمة، من خلال فصول عشرة، عبر أشخاص، التقتهم في مسرى حياتها، ويرتبطون بمأساة الفلسطينيين، وكل فصل يحيل إلى جانب منها.

أول فصل هو عن "مَلك معطر" الفتاة التي التقتها في القسم الثانوي 2010 وأحدث اهتمامها رسوما تعبق بحب الحياة أو شوق الحياة، لكن شوق الحياة لا ينفصل عن الحدث المؤسس الذي يسكن وجدان الفلسطيني ألا وهو النكبة، ولذلك أفردت في الكتاب مقطعا أوليا عن النكبة، قبل أن تقف عند مَلك، من تحمل مأساة الفلسطينيين، وتُعبر عنها برسوماتها، ومنها اختارت رسما لغلاف كتابها.

تختار ثلاثة أصوات فلسطينية من الداخل، منها الطفلة هند ذات الست سنوات، من وُجدت قتيلة في سيارة، عليها آثار 300 قذيفة أثناء الحرب على غزة، وقرب السيارة، سيارة إسعاف، مع مسعفين قتيلين، ومن خلال هند تستحضر وضع طفولة الفلسطينيين، وتذكر ما قالته لها وديعة الفتاة ذات الـ 14 سنة: "الخوف من الموت لا يمنعك من الموت، يمنعك من الحياة".

أبو حسن دليل مدينة القدس، التقته ألبانيزي، هي وزوجها ماكس، منذ أن حلت بالقدس سنة 2010، حيث يأخذهما إلى أوجه الحياة، وأوجه المعاناة، في مخيم بلاطة، وجنين، والمستوطنات، وأزقة القدس، ولكن أكثر ما علمته من الدليل أبو حسن هو الاعتقال، والمعاناة اليومية، والثقل البيروقراطي.

جورج، مهندس فلسطيني من القدس، قدِم من الولايات المتحدة سنة 2000 لكي يسهم في بناء الدولة الفلسطينية، ولكنه لا يستطيع أن يشتغل مع المنظمات غير الحكومية الغربية التي تشترط عليه عدم إثارة الاحتلال، والأبارتيد، ولا يمكنه العمل مع الإسرائيليين، مَن يُبدون مركب استعلاء حيال الفلسطينيين.

"الحياة في القدس، بالنسبة للفلسطينيين، تقول ألبانيزي، هي التعرض للدونية البنيوية التي تفرضها إسرائيل". تتحدد الهوية، في القدس، ليس بين فلسطيني وإسرائيلي، ولكن بين عربي ويهودي.

وتلحظ ألبانيزي الاستحواذ الثقافي، أو تبني الطبخ الفلسطيني، والمزج مع موروثات أوروبا الوسطى، وهو أمر مقبول، وطبيعي، لولا أنه يقترن بالأبارتيد. كيف تأخذ نتاج من ترفضه أصلا، أو تزري به؟

من الضفة الأخرى، أو الشهود الحق، تختار ألبانيزي ألون كونفيو، وهو إسرائيلي إيطالي يُدرّس في الولايات المتحدة، من يختص في تاريخ الإبادات عبر التاريخ. تقف عند إنغريد من تنتصب ضد الأبارتيد، وتعيش في بيت جالا، مع زوجها محمد جاردات.

تستشهد بغسان أبو ستة، وهو طبيب جراح، وُلد بالكويت من أسرة فلسطينية، وزاول الطب في غزة، إلى أن اضطر للمغادرة في 2023، إذ يرى أن الإبادة هي الجانب الظاهر من الجبل الثلجي، وأن هناك ما لا يظهر، من تواطؤ إعلام دولي.

هناك من الشهود الحق إيال ويزمان، وهو مهندس معماري إسرائيلي بريطاني، من يقف على أسلوب القضاء على الآخر، من خلال إخراجه من بيته. غابور ماتي، وهو طبيب نفسي، كندي من أصول هنغارية، يلح على ضرورة حفظ الذاكرة. يرى أن ديانته اليهودية تم توظيفها، باسم أيديولوجية تمييزية. يتولد عن واقع الاحتلال كدمة، ولتجاوزها يلزم الوعي، والتعاطف، ويبقى المهم هو حفظ الذاكرة.

إعلان

والفصل الأخير، عن ماكس، شريك حياة ألبانيزي من عاش معها المغامرة، في القدس، والضفة وغزة، حمل معها عبء أسرة، وشاطرها توجهها.

تُنهي ألبانيزي سردها بأشعار من الشاعر الفلسطيني، رفعت العرعير، من قُتل في غزة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وحين ينام العالم، تقول ألبانيزي: إنه مع اللامبالاة أو سيادة الأحكام المسبقة، يتوجب أن توقظه الشعوب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • إيرواني: يجب على العالم أن يتحرك بحزم لإنهاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة
  • النائب عارف السعايدة ينتقد الموازنة ويدعو لإصلاحات اقتصادية شاملة
  • من هي المرأة التي أيقظت العالم بموقفها ؟
  • المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها
  • نورة الجسمي: انطلاقة عالمية للريشة الطائرة من شاطئ خورفكان
  • الصين: العواقب المدمّرة لـ«الرسوم» تزداد وضوحاً باضطراب الاقتصاد العالمي
  • وسط تقلبات عالمية محتملة.. النفط والذهب يحافظان على الاستقرار
  • ترامب يحذر الدول التي تغرق الولايات المتحدة بالأرز الرخيص
  • بنداري: عدد الدوائر الانتخابية التي تجرى بها الانتخابات هي 30 موزعة على 10 محافظات
  • تقلبات اقتصادية والهيدروجين الأخضر