الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي.. كيف عبر قطاع الاتصالات نحو المستقبل؟
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
وضعت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خطة مصر الرقمية التى اشتملت على مستهدفات لجذب الاستثمارات بالقطاع، والتحول نحو الحكومة الرقمية، وتقديم العديد من المبادرات التي توفر التدريب ودعم البنية التحتية للقطاع.
اجتمع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، اليوم الثلاثاء، مع الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ من أجل استعراض ملفات عمل الوزارة.
وأكد "مدبولي"، على الدور الوثيق لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الارتقاء بكافة القطاعات الأخرى، وتحقيق أبعاد التنمية المستدامة في مصر.
الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعيوشهد اللقاء مراجعة جوانب المرحلة الثانية من الاستراتيجية فيما يتعلق بحالات استخدام نماذج البيانات الضخمة في قطاعات الخدمات الحكومية والسياحة والصحة والزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بهدف زيادة الناتج المحلي الإجمالي على أساس مساهمة نماذج البيانات الضخمة وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي الواعدة.
كما استعرض المجلس التوجه الخاص بإعداد قانون خاص بالذكاء الاصطناعي. وعلى وجه الخصوص، يتبنى القانون المقترح من المفوضية الأوروبية نموذجًا من ثلاثة مستويات لمخاطر الذكاء الاصطناعي، ويحدد مخاطر الأنظمة من حيث التأثير على الحقوق الأساسية وسلامة المستخدم للأنظمة ذات المخاطر المحظورة، والأنظمة ذات المخاطر العالية، والأنظمة ذات المخاطر العالية. الأنظمة ذات المخاطر المنخفضة، كما تحدد المتطلبات التي يجب توافرها لأنواع الأنظمة المختلفة.
وتطرق اللقاء إلى الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول الذي أطلقه المجلس القومي للذكاء الاصطناعي في إبريل الماضي.
واستعرض وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بعض الجهود المبذولة من قِبل الوزارة فى سبيل النهوض بقطاع التكنولوجيا الواعد فى مصر، مُشيرًا إلى أن وزارة الاتصالات تحرص على تطوير الاستراتيجيات والرؤى بما يتسق والأهداف الوطنية ذات الصلة بتمكين القطاع الخاص، وتطوير القدرات البشرية وتعزيزها، فضلًا عن تعزيز مسارات التعاون الدولى لتبادل الخبرات.
وفى هذا الصدد، أكد الدكتور عمرو طلعت، خلال اللقاء، اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من "الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي"، موضحًا أنه جار إعداد المرحلة الثانية من الاستراتيجية لتتواءم مع التطورات المتسارعة فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث تستهدف تلك المرحلة تحسين مؤشر "الذكاء الاصطناعى الوطني" من خلال تنفيذ مجموعة من المبادرات عبر 6 ركائز محورية تتمثل في: الحوكمة، والبيئة التمكينية، والبنية المعلوماتية، والبيانات، والموارد البشرية، والتكنولوجيا.
كما نوّه الوزير إلى إطلاق مراكز إبداع مصر الرقمية ومركز الإبداع التكنولوجى وريادة الأعمال، شراكة مع غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بهدف دعم أنشطة ريادة الأعمال فى مصر وربطها بالتكنولوجيا والتصنيع؛ وذلك من أجل تحفيز الشركات الناشئة محليًا وتمكينها من مواجهة أية تحديات حتى يتسنى لها سد احتياجات قطاع الصناعة، بما يسهم فى تحقيق رؤية مصر 2030.
ولفت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى بعض المبادرات والندوات والبرامج التى تهدف إلى صقل المهارات التكنولوجية للشباب، ومن ذلك إطلاق مبادرة " شباب مصر الرقمية " من قبل المعهد القومى للاتصالات، وكذا دورة تدريبية مجانية حول "إتقان البرمجة الشيئية بلغة ++C"، يُقدمها معهد تكنولوجيا المعلومات، فضلًا عن "مبادرة رواد مصر الرقمية"، وغيرها.
وأشار طلعت أيضًا إلى أنه فى إطار حرص الوزارة على تبادل الخبرات الدولية، قامت الوزارة، خلال ديسمبر الجارى، بتوقيع مذكرات تفاهم مع 30 شركة عالمية ومحلية لبناء القدرات الرقمية للشباب الملتحقين بمبادرات أجيال مصر الرقمية، بالإضافة إلى استضافة مصر مُمثَلة فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وبالتعاون مع مفوضية البنية التحتية والطاقة بالاتحاد الأفريقى، ورشة عمل لبناء القدرات بشأن تنفيذ الإطار القارى لسياسة البيانات لدول الاتحاد الأفريقي.
توقيع مذكرات تفاهم مع 30 شركة عالميةمن جانبه قال المهندس أحمد طارق خبير أمن تكنولوجيا المعلومات، إن مصر حققت طفرة في المقياس العالمي في التحول الرقمي بشكل كبير جدا وملحوظ على المواطنين، واحتلت مصر عام 2019 المركز 111 بين 194 دولة، وفي 2022 كانت مصر في المركز 56 بما يعني أنها قفزت حوالي 55 مركزا على مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي.
أضاف "طارق" في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن السنوات القادمة لمصر ستشهد استمرارا نحو التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، مع استمرار الحكومة في دعم مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي بما يجعل مصر من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا خاصة مجال الذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أن مصر في السنوات الـ 5 الأخيرة عملت على تحويل الجهات الحكومية إلى جهات حكومية إلكترونية بهدف تقليل الفساد وخدمة المواطنين بشكل أكبر ، وتطوير قاعدة البيانات القومية الموحدة، مؤكدا أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لإنشاء وتطوير المهارات اللازمة لتطبيق الذكاء الاصطناعي من خلال برامج التعليم والتدريب.
وتابع: تستهدف رؤية مصر ٢٠٣٠ تعزيز مكانة مصر على المستوى الدولي والإقليمي، ومحاربة الفساد بكل أنواعه، وتعزيز وتحقيق الشمول المالي، وبناء القدرات وتشجيع الابتكار، وتسهيل الإجراءات وتحفيز الاستثمار.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي إلى استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر. مدة المرحلة الثانية من الاستراتيجية 3 سنوات. وتضمنت جهود إعدادها: دراسة مقارنة لتجربة تطوير الذكاء الاصطناعي في 6 دول رائدة ومماثلة، وتحليل تطور الذكاء الاصطناعي الوطني في ضوء الوضع التنفيذي للمرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية، حيث تم تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لإيجاد حلول لعدد من التحديات التي تواجه المجتمع المصري في عدة مجالات حيوية مثل الكشف المبكر عن الأورام واعتلال الشبكية السكري في قطاع الرعاية الصحية، وفي دعم اتخاذ القرار في التخطيط العمراني والزراعي، بالإضافة إلى علاج اللغة العربية العامية المصرية. وساهمت هذه الجهود في تقدم مصر مؤخرا 7 مراكز في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن شركة تورتويز ميديا المتخصصة.
المرحلة الثانية من الاستراتيجية تستهدف تحسين المؤشر الوطني للذكاء الاصطناعي من خلال تنفيذ عدة مبادرات عبر 6 محاور محورية: الحوكمة، النظام البيئي والبنية التحتية للمعلومات والبيانات والموارد البشرية والتكنولوجيا. مشيراً إلى أن المرحلة الثانية من الاستراتيجية اعتمدت عدداً من المبادرات ذات الأولوية ضمن هذه المحاور والتي تتمثل في تعزيز نطاق الاستثمار، ورفع مستوى الوعي العام بالذكاء الاصطناعي، وجذب الاستثمارات في مجال مراكز البيانات، وتمكين الإدارة لمراحل دورة حياة البيانات المحلية، ومواصلة تطوير القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي وبناء منصة تكنولوجية تعتمد على تطوير تكنولوجيا نمذجة البيانات الضخمة.
جدير بالذكر أنه تم إنشاء المجلس القومي للذكاء الاصطناعي بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي في نوفمبر 2019، بهدف تطوير وحوكمة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي من خلال التنسيق بين الجهات المعنية في المستقبل، باستراتيجية موحدة تعكس أولويات الحكومة وكافة الجهات المعنية باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما يتولى المجلس مسؤولية الإشراف على تنفيذ هذه الاستراتيجية ومتابعتها وتحديثها بما يتماشى مع التطورات العالمية.
ويسهم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 ،2021، وقد ارتفعت تلك النسبة من 4.5 لعام 2019-2020، و4% في العام 2018-2019 وزادت مساهمة القطاع كقيمة في الناتج المحلي الإجمالى من 80.2 مليار جنيه (5.1 مليارات دولار في عام 2018-2017، إلى 93.6 مليار جنيه 5.9) مليارات دولار) في عام 2018-2019، ثم 107.7 مليارات جنيه 6.8 مليارات دولار) في عام 2019-2020، واستمر ذلك الاتجاه الصاعد للمساهمة ليصل إلى 2. 125 مليار جنيه 8) مليارات دولار) في عام 2020-2021 بمعدل نمو بلغ 16.1%.
استثمار بالاتصالاتأما عن الاستثمارات بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فقد شهدت مسارا تصاعديا هي الأخرى إذ نمت لتصل إلى 3.5 مليارات دولار في عالم ومن 202 بزيادة قدرها 35% عن العام السابق عليه.
وأسهم القطاع في خلق 285 ألف فرصة عمل في العام 2020-2021، وقد بذلت الحكومة جهودًا كبيرة في تحسين سرعة الإنترنت؛ إذ أنفقت ما يقرب من ملياري دولار لزيادة سرعة الإنترنت من 6.5 ميجا بت في الثانية في عام 2019 لتصل إلى 42.5 ميجا بت في الثانية في عام 2022، وهي زيادة كبيرة بحوالي 7 أضعاف.
ويضاف إلى ذلك أن جهودا كبيرة قد بذلت خلال السنوات الماضية لتدريب كوادر بشرية على مجالات التكنولوجيا المختلفة، أفضت إلى تدريب 125 الف متدرب وتخريج دفعة من مبادرة Digital Egypt (Cubes Initiative، DECI ، وافتتاح 7 مدارس تكنولوجية تابعة للمصرية للاتصالات تؤهل خريجيها للالتحاق بسوق العمل بشكل مباشر.
وأما عن دور قطاع الاتصالات والذي يعد الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها معظم الشركات الناشئة والتي تقدم خدماتها من خلال تطبيقات الهواتف المحمولة، فقد أسهم القطاع في تعزيز تمويل صفقات بقيمة 608 ملايين دولار أمريكي للشركات الناشئة خلقت 34 ألف فرصة عمل بتلك الشركات وأسهمت المهارات التكنولوجية في تسهيل إمكانية العمل عن بعد من خلال إيجاد وظائف لعدد 13500 مبرمج ومهندس برمجيات توسع استخدام التكنولوجيا.
وتعد مصر واحدة من أكبر أسواق الهواتف الذكية في أفريقيا؛ إذ يصل عدد الاشتراكات بخدمات الاتصالات 93.4 مليون اشتراك بمعدل نفاذ %89.9% وفقا لبيانات عام 2022 وتعد تلك الزيادة كبيرة بالمقارنة بالوضع في مصر عام 2010 على سبيل المثال؛ إذ كانت نسبة من يحصلون على خدمات الاتصالات الخلوية 70.6 مليون مستخدم.
وأظهر سوق استخدام الإنترنت الخاص بالهاتف المحمول نموًا معقولا ليصل إلى 64.9 مليون مستخدم في عام 2022 مقابل 63.4 مليون مستخدم في عام 2021 وحوالي 60.09 مليون مستخدم في عام 2010، وهي تعد قفزة كبيرة للغاية في انتشار خدمات التكنولوجيا بمصر؛ ففي الوقت الذي انخفض فيه عدد الهواتف الذكية التي دخلت إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال وبعد فترة جائحة كورونا كنتيجة لتأثر الاقتصادات المختلفة للدول كان عدد الهواتف التي دخلت مصر في نمو مستمر فنما خلال عام 2020 بنسبة 10.6% ليصل إلى 11.9 مليون هاتف، الأمر الذي يجعل 59.5% من المصريين يحملون هاتفا ذكيا في عام 2021/2020، ويستفيد معظم من لديهم هواتف ذكية من خدمات الإنترنت؛ إذ إن حوالي 85.1% ممن لديهم هواتف ذكية لديهم الوصول إلى خدمات الإنترنت وفقًا لبيانات عام 2022، مقابل 7.36% في عام 2010.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات وزير الاتصالات الاتصالات الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا المعلومات مصر الاتصالات وتکنولوجیا المعلومات الوطنیة للذکاء الاصطناعی الاستراتیجیة الوطنیة تکنولوجیا المعلومات الذکاء الاصطناعی قطاع الاتصالات ملیارات دولار ملیون مستخدم الاصطناعی ا مصر الرقمیة ذات المخاطر من خلال عام 2019 عام 2020 عام 2022 فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
ممالك النمل الطريق لفهم الذكاء عند الإنسان!
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
في مقالنا السابق تحدثنا عن مملكة النمل، ذلك العالم الصغير الذي يحمل في طياته أسرارًا عظيمة عن التنظيم والدقة، وكيف أن نظامه الفريد ينبع من تبادل المعلومات مع المحيط؛ فالنملة، رغم صغر حجمها، تعتمد في نشاطها اليومي على ما تلاحظه في محيطها الضيق، وليس لديها أي فكرة عن الصورة الأكبر التي نراها نحن كمراقبين؛ فالتنسيق الرائع الذي يبدو كلوحة مُتقنة لا يُدركه أي فرد من أفراد مملكة النمل بمفرده؛ بل هو نتاج تفاعل بسيط ومستمر بين آلاف النمل الذين يعملون كخلية واحدة متكاملة.
هذا النظام اللامركزي، الذي يُميِّز ممالك النمل، يكشف لنا سرًا مُهمًا حول المرونة والتكيُّف، فبدلًا من انتظار الأوامر من قيادة مركزية، يتصرف كل فرد بناءً على المعلومات التي يحصل عليها من محيطه المباشر، وهذا الأسلوب في التنظيم يسمح لهذه الممالك بالتأقلم مع بيئات مختلفة ومُتغيِّرة بسرعة، دون الحاجة إلى إدارة عُليا معقدة أو مركزية، ففي مواجهة تغيرات البيئة أو ظهور خطر مفاجئ، لا يتعين على النمل الانتظار حتى تصدر القيادة قرارًا؛ بل كل نملة تتصرف تلقائيًا بناءً على ما تلاحظه، إن هذا النظام اللامركزي يُشبه إلى حد بعيد طريقة انتشار الأخبار أو المعلومات في شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة؛ حيث ينتشر الخبر بسرعة ويؤثر على سلوك الأفراد دون الحاجة إلى سلطة مركزية.
علماء الطبيعة والمهندسون بدورهم، استلهموا من هذه الظاهرة دروسًا قيمة، فقد أدركوا أن النُظُم المُعقدة قد تنبني على قواعد بسيطة جدًا: مراقبة المحيط، والتفاعل معه، والتكيف بناءً على ما يُلاحظ.
وهذه العملية البسيطة في جوهرها، قادرة على حل مشكلات مُعقَّدة، حتى في غياب أي قيادة مركزية، وبناءً على هذه الأفكار، ابتكر باحثو جامعة هارفارد فريقًا من الروبوتات البسيطة نسبيًا، التي يمكنها التعاون والعمل الجماعي لأداء مهام معقدة باستخدام 3 قواعد بسيطة، معتمدين على الضوء بدلًا من المواد الكيميائية التقليدية، وقد أظهر هذا النظام مرونة فائقة؛ حيث استمر العمل بكفاءة حتى عندما توقف أحد الروبوتات عن العمل.
لكن، الإبداع الحقيقي لهؤلاء العلماء يكمن في ربط هذه الأفكار بآلية عمل الدماغ البشري، ذلك العضو العجيب الذي ما زال يحتفظ بأسرار لا تُحصى؛ فرغم الفوارق الظاهرة بين مملكة النمل والدماغ، رأى هؤلاء العلماء أن هناك رابطًا مُشتركًا بينهما، فكلاهما يملك نظامًا معقدًا يتكون من وحدات بسيطة تتفاعل مع بعضها لتنتج سلوكًا جماعيًا ذكيًا؛ ففي الدماغ، تتشابك الخلايا العصبية في شبكة مُعقَّدة من الاتصالات السريعة، ولا توجد جهة مركزية تأمر هذه الخلايا كيف تتصرف، وبدلًا من ذلك، تعتمد كل خلية على المعلومات التي تصلها من محيطها، لتقرر بدورها كيف تستجيب.
فعندما يسقط الضوء على شبكية العين، تُرسل الخلايا البصرية المعلومات التي وصلتها من المحيط عبر إشارات كهروكيميائية إلى الخلايا العصبية في الدماغ، والتي تقوم بدورها بإرسال رسائل إلى خلايا أخرى مجاورة؛ مما يخلق تكاملًا مذهلًا للمعلومات ويسمح باتخاذ قرارات فورية ومعقدة، فكل خلية عصبية تتبادل المعلومات مع خلايا أخرى عبر إشارات كهروكيميائية، وعندما تستقبل إشارة من خلية مجاورة، ترد بإرسال إشارات إلى خلايا أخرى مترابطة، وبهذا الشكل، تبدو العملية على المستوى الخلوي بسيطة للغاية، لكن على مستوى الدماغ ككل تتولد أعمال معقدة تفوق الوصف.
إنَّ هذا التشابه بين ممالك النمل والدماغ البشري يفتح أمامنا نافذة لفهم عميق، فقد يكون سر ذكاء الإنسان لا يكمن في تعقيد كل شبكة عصبية على حدة؛ بل في شبكة العلاقات المعقدة بين هذه الخلايا العصبية، التي تخلق ذكاءً جماعيًا يتفوق على مجموع أجزائه.
فهل دراسة الذكاء الجمعي في مُستعمرات النمل وفَهم آلياته هو الذي سيقودنا لفهم الذكاء عند الإنسان؟ وهل سر ذكاء الإنسان يكمُن في مُستعمرات النمل وممالكها؟!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر