قامت مؤسَّسة "نساء من أجل العدالة" -وهي إحدى مؤسسات الدياسبورا المصرية- بعقد حلْقتها التشاورية الأولى، أوائل هذا الشهر، تحت عنوان: "سلسلة حوارية حول تأثير الحرب في غزة على الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في مصر والإقليم". حضر اللقاء 15 مشاركًا؛ تنوّعوا بين عاملين ومديرين لمنظمات حقوق إنسان، وباحثين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.

من المتوقع أن تنتقل هذه الحلقات إلى المستوى الإقليمي العربي؛ تمهيدًا لامتدادها بين المعنيين بهذه المسائل على المستوى الدولي.

جاءت هذه المبادرة اللافتة كمحاولة لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسائل حقوق الإنسان، التي تبعثرت أشلاؤُها، وامتزجت بأشلاء كل طفل ورجل وامرأة من الفلسطينيين، الذين استشهدوا تحت القصف الإسرائيليّ المنفلت من الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، والمدعوم من بعض الحكومات الغربية.

شهدت الديمقراطية وحقوق الإنسان تراجعًا كبيرًا قبل الحرب. وجد تقرير فريدوم هاوس الأخير "الحرية في العالم" أن 80% من سكان العالم لا يعيشون في بيئة حرة. الصراعات الجيوسياسية الآخذة في التوسع، والحروب الأهلية، والتراجع الديمقراطي في الديمقراطيات الكبرى، وتزايد الاستبداد، وكراهية الأجانب، وزيادة العنف السياسي، والتمييز المتزايد ضد الأقليات، وتصاعد اليمين الشعبوي.. كلها أمور تشكل اختبارًا لأهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمبادئ والقيم التي يكرّسها.

جاءت الحرب على الفلسطينيين لتبرز هذه الاتجاهات، وتضيف إليها: ازدواجية المعايير، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، والاستهداف الممنهج للصحفيين والمستشفيات …إلخ؛ ما يجعل العالم مكانًا غير قابل للعيش الآمن فيه، ومرتعًا للفوضى.

أدرك المجتمعون في الندوة التشاورية الأولى هذه التحديات، واقترحوا التعامل معها من مدخلَين: نظري وعملي.

 استعادة لحظة الإنشاء 1948: عالمية حقوق الإنسان

برغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وُلد في أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية؛ فإنه جسّد اللغة المشتركة للإنسانية. كان في منشئه يوصف بأنه يجمع بين حكمة الحضارات الشرقية والغربية. ساهم عددٌ من الفقهاء والخبراء -الذين يمثلون تشكيلات حضارية متنوعة- في صياغته. هناك الآن أكثر من 70 معاهدة سارية لحمايته على المستويَين: العالمي والإقليمي، ويظلّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قلب هذه البنية المعقدة من القواعد والمؤسسات وآليات الحماية.

كان الإعلان بمثابة تطور عميق في السياسة العالمية. أعلن أن الأفراد -وليس مجرد الدول ذات السيادة- هم حاملو الحقوق "غير القابلة للتصرف"، كما أن كيفية تعامل أي حكومة مع سكانها -بعد الآن- ستكون مسألة تدقيق دولي مشروع.

كانت حقوق الإنسان والديمقراطية واحدة من الأسس المعيارية الرئيسية للنظام الليبرالي الدولي القائم على القواعد في مرحلة ما بعد الحرب الثانية (1939-1945). استفادت منه أيضًا حركات التحرّر الوطني من الاستعمار التي تصاعدت في التوقيت نفسه، لكن للأسف تم احتلاله في مرحلة ما بعد الحرب الباردة -أوائل التسعينيات من القرن الماضي- من الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وجرى توظيفه لتحقيق المصالح الغربية.

وإذا كانت مسائل حقوق الإنسان جزءًا من مصالح الدول؛ فالمتوقع أن تصاب بالشلل، كما يظهر في عجز الأمم المتحدة عن أن تصدر قرارًا في مجلس الأمن يوقف الحرب في غزة. الأمر الأكثر إضرارًا بمنظومة حقوق الإنسان هو الترويج الانتقائي لها خارج الدول الغربية؛ الأمر الذي يعرضها لاتهامات بالنفاق والمعايير المزدوجة. تأثرت المنظومة أيضًا بفكرة "الاستثناء الأميركي" الذي امتد لربيبتها إسرائيل.

يفترض هذا الاستثناء أن الولايات المتحدة لديها الكثير لتعلمه للعالم، ولكنها لا تستطيع أن تتعلم منه سوى القليل، وهي بذلك تخضع لقواعدها القانونية والدستورية الداخلية فقط، ولا تلتزم بما هو خارجه. ينتج هذا في النهاية تفلتًا من القواعد والقوانين كما نشهد في الحرب الدائرة على الفلسطينيين الآن.

تعتمد حركة حقوق الإنسان في المنطقة بشكل كبير على التمويل والدعم الأجنبي؛ الذي يأتي جزء كبير منه من البرامج الحكومية الغربية يقوض هذا في أحايين جهود حركات حقوق الإنسان الوطنية في المنطقة التي قامت بتطبيع علاقاتها بالحكومات الغربية

أوصى المشاركون في الورشة بأنه ينبغي بذل جهد على المستويَين: النظري والفكري للتأكيد على عالمية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى لو لم تلتزم بها الحكومات الغربية. أضافوا: "ليس من مصلحتنا تصوير المسألة باعتبارها حربًا ثقافية أو حضارية، أو التخلي عن مرجعية حقوق الإنسان؛ لأننا سنكون بإزاء حالة فوضى". كما أكد المجتمعون: على ضرورة إعادة تقديم المبادئ القانونية الدولية المتعلقة بعدم شرعية الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، وكذلك حق مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير ، وهي أسس معترف بها في القانون الدولي، لكنها تحت الضغوط الإسرائيلية لا تلقى آذانًا مصغية في الدوائر الغربية.

 نبّه المشاركون على الحركة الدائبة الآن للربط بين معاداة السامية وبين الصهيونية؛ لذا فقد اقترحوا ثلاث توصيات:

جعل معاداة العرب المتصاعدة في الغرب بعد الحرب في قلب معاداة السامية؛ لاشتراكهم في نفس الجذر العرقي. استحضار أفكار وحجج المفكرين اليهود المناهضين للصهيونية، أمثال إلين بابيه وغيره من المؤرخين اليهود الجدد. ضرورة تعميق الخطاب العربي والإسلامي الذي يميز بين اليهود والصهيونية. من المفيد التمييز في يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول بين حق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة، وبين ما جرى فيه من تجاوزات في حق المدنيين.

دعت التجاوزات التي جرت يوم 7 أكتوبر المقاومة إلى التبرؤ منها ورفض نسبتها إليها -كما صرح نصر الله أمين عام حزب الله في خطابه- الجمعة 3 نوفمبر، أو التراجع عنها -كما في مسألة قتل رهينة مقابل كل مذبحة تقوم بها إسرائيل، أو إعادة توصيف المدنيين المحتجزين باعتبارهم ضيوفًا.

تصاعد -وإن كان لايزال مرتبكًا- تأسيسُ خطاب المقاومة على مناهضة الصهيونية والاحتلال والانتهاكات في حق الأسرى والمدنيين لا على معاداة اليهود. نحن بإزاء تطور يجب أن يُلتقط، ويُبنى عليه، ويتم التحاور بشأنه، موقنين أن الانتهاكات التي تقوم بها الأطراف المختلفة يغذي بعضها بعضًا، وتقدم مبررًا للطرف الأقوى نحو مزيد من الانتهاكات.

تعلمنا من تراثنا: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"، ويقتضي منا ذلك: "اعدلوا هو أقرب للتقوى".

من الناس إلى الناس.. إستراتيجيات عمل جديدة

برغم نشأة الحركة الحقوقية العربية في الثمانينيات من القرن الماضي بمبادرة ذاتية -ووفقًا لمقتضيات الواقع العربي أساسًا الذي شهد انتهاكات شرسة وتجاوزات كبيرة- فإن قوة الدفع الأساسية كانت في التسعينيات؛ وبالتالي فإنها لم تخلُ من التأثر الدولي الذي كان وقتها يشهد صعودًا لقواعد النظام الليبرالي الدولي.

تعتمد حركة حقوق الإنسان في المنطقة بشكل كبير على التمويل والدعم الأجنبي؛ الذي يأتي جزء كبير منه من البرامج الحكومية الغربية. يقوض هذا في أحايين جهود حركات حقوق الإنسان الوطنية في المنطقة التي قامت بتطبيع علاقاتها بالحكومات الغربية باعتبارها الوسيلة الأكثر فاعلية لممارسة الضغوط على السلطات العربية لتحسين حالة حقوق الإنسان. لا يعني هذا أنّها باتت رهينة للدعم الغربي.

كما اعتمدت عدة إستراتيجيات عمل -مستقلة عن الدعم الدولي- بما في ذلك رفع مستوى الوعي لدى المواطنين، والسعي إلى إقامة تحالفات مع صانعي السياسات ذوي التفكير المماثل في البرلمانات، وتفعيل الآليات الدولية، خاصة التي أتاحتها الأمم المتحدة، واللجوء إلى آليات التقاضي الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية، والحوار مع الأنظمة الحاكمة …إلخ.

فكّ الارتباط بالحكومات الغربية، يستدعي ضرورة مراجعة نظرية التغيير المعتمدة من قبل المنظمات الحقوقية العربية. أشار المجتمعون في الحلقة التشاورية إلى عدد من المقترحات في هذا الصدد، أبرزها:

توجيه جهود المناصرة والتشبيك لقطاعات أخرى كالمجتمع المدني، والحركات الشعبية، وأحزاب الأقلية خارج التحالفات الحكومية، بالإضافة إلى الحكومات التي لم يتلوّن موقفها في هذه الحرب، مثل: النرويج وإسبانيا وبلجيكا وغيرها؛ وهذا لاكتساب مزيد من الحلفاء. ينبغي عدم التخلي عن القانون الدولي الإنساني وآليات العمل الدولية، رغم كونها محل تشكيك اليوم؛ فهي مساحات للحرية موجودة للبحث عن حلفاء في نضالنا الجماعي من أجل العدالة. التمييز في إدراكنا لمختلف الفاعلين وتنويعاتهم الداخلية. هذا التمييز هو خطوة أولى لفهم التباينات، والبدء في بناء خرائط تفصيلية لمختلف الفاعلين. وفي السياق ذاته، ينبغي الالتفات لأدوار الفاعلين من غير الدول التي باتت تلعب دورًا متناميًا في لحظة التحول الدولي الراهن. البحث عن حلفاء غير تقليديين خارج الدوائر الرسمية الغربية. تشمل القائمة المحتملة: منظمات المجتمع المدني، والحركات الشعبية في الغرب، اتحادات الطلاب ذات الميول اليسارية، اليهود غير الصهاينة (Jews for Peace for example)، مجتمعات الـ( LGBTQ)، نشطاء البيئة، ومجموعات الدفاع عن السكان الأصليين، وحركة "حياة السود مهمة"، بخلاف الجاليات العربية والمسلمة وحلفائنا في دول الجنوب. الاستثمار في ربط الحركة والخطاب الحقوقي بحاضنة شعبية جماهيرية تحميها من تقلبات الأنظمة. أما من حيث الاستقلالية؛ فإن الاعتماد الكلي على التمويل الأجنبي للمجتمع الحقوقي يضعه في مأزق حقيقي، خاصة أن بعض الحكومات الغربية تراجعه الآن لتمنحه وفق الموقف من إدانة ما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين أول.
هناك ضرورة للعمل على تعدد مصادر التمويل، والتفكير في أشكال بديلة ومستدامة، مثل: التمويل الذاتي، أو التمويل المحلي، أو زيادة عدد المتطوعين على حساب المحترفين. ضرورة الاستثمار في التشكل التنظيمي للجاليات العربية والمسلمة في العواصم الغربية المؤثرة؛ وهذا لتيسير التنسيق والتعبئة بما يسمح بالتأثير على صانع القرار.

إن الطبيعة الحقيقية لحقوق الإنسان مرتبطة بكفاح الناس العاديين ضد إساءة استخدام السلطة والقوة والثروة، وهذا يستدعي التفكير فيها من أسفل لأعلى وليس من أعلى لأسفل -أيًا كان مَن في الأعلى: حكومات أو نظام دولي ليبرالي أو رجال أعمال؛ حتى لا يساء استخدامها من الأقوياء ضد الناس العاديين.

إن التوحش الإسرائيلي المدعوم من بعض الحكومات الغربية، هو فرصة لإعادة اختراع حقوق الإنسان من داخل المنطقة وبمبادرتها، والتحرر من استعمارية المفهوم. هو اختراع منفتح على العالم؛ لأنه يدرك عالميته لا غربيته، ويعيد بناء تحالفاته في أرض جديدة، ومن مادة جديدة لا ترتكز على الأقوياء؛ ولكن تستند إلى الحركات الشعبية التي انحازت لمفهوم العدالة باتساع معانيه.

سمحت لنا هذه الكارثة بإعادة اكتشاف فاعلية جيل "زد" (z) الذي وُلد آواخر القرن الماضي ومطلع هذا القرن، وهي فرصة للحركة الحقوقية العربية لتجديد شبابها من خلال الانفتاح وتضمين واستدعاء أصوات هذا الجيل، وهو ما يعزز فكرة البدائل والتجديد في الآليات ومراجعاتها.

وأخيرًا؛ فلن يكون لهذا الانفتاح -على العالم والتحالفات الجديدة ومشاركة الأجيال الجديدة- معنى من دون تجذير للحركة برمتها في تربتها المحلية، من خلال حركات شعبية داعمة ومساندة وضاغطة من أجل الإنسان الذي يتمتع بالحقوق غير القابلة للتصرف.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحکومات الغربیة حقوق الإنسان فی وحقوق الإنسان لحقوق الإنسان فی المنطقة الإنسان ا

إقرأ أيضاً:

خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول قيمة الوقت في الإسلام.

نعم الله لا تعد ولا تحصى

قال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأول هذه النعم التي أنهم الله تعالى على الإنسان أن أوجده من العدم وسواه وأحسن خلقه، وركبه في أحسن صورة، فجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأصبح إنساناً مكرماً أتت من أجله الشرائع، وأرسل الله بها الرسل حتى لا يترك الإنسان في الحياة هملاً، ولا يدعه سدىً، فالإنسان مكرم وهو غالي على خالقه ومولاه، ومن هنا اعتنى به خلقاً وتنشئةً وتربيةً.

وأوضح أن الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الكون كله، وأسبغ عليه نِعمهُ ظاهرة وباطنه، فالإنسان مركز دائرة الكون؛ الكل في خدمته يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هكذا قال المولى عزَّ وجلَّ، ونطق به كتابه، لكن وعينا وإدراكنا قد أصيب بالشلل فتعطلت وظائفه، فلم يدرك هذا الإنسان المكرم فضل الله عليه، ونعمه التي حباه بها، فكان لابد من تنبيهه وإيقاظه من غفلته، فتتلى عليه آياته التنزيلية لتلفت نظره إلى آيات الله الكونية، لعله يفوق من غفلته ويتوب ويعود إلى رشده.

نعمة الوقت والزمن

وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن، وأوجد له الزمن ليرقب ما هو مطلوب منه في أمور معاشه، وتحقيق مصالحه وما تحتاجه حياته في دنياه، كما أوجد له الزمن فربط به جميع تكاليفه التي هو مطالب بها يؤديها ويقوم بها، فجميع التكاليف من صلاة وزكاة وصوم وحج، كل هذه العبادات إنما هي مرتبطة بزمن، وتقع من الإنسان في زمن فلا يمكنه أن يخرج شيء منها دون ارتباط بزمن ووقت.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وواصل: يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي يخلف بعضهم بعضاً. يأتي النهار فيخلفه الليل، ويأتي الليل فيخلفه النهار. ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتأمل ويتدبر في دلائل قدرة من أوجده من العدم، وفي عظمة قدرة من يقول للشيء كن فيكون. يتنبه الإنسان فيعرف نعم ربه عليه بالزمن فيشكره ويثني عليه بما هو أهله، فهو صاحب النعم وصاحب الفضل على الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. محى الله آية الليل بالظلام وعدم الوضوح، ليسكن الإنسان ويستريح. وجعل آية النهار مبصرة ليسعى فيها الإنسان ويحقق معاشه، ويؤدي واجباته التي كُلِفَ بها. فإذا لم يؤديها، فليس له حق.

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الله أوجد للإنسان نعمة النهار مبصرة منتشرة الضياء تطلع شمسها فيسعى الناس في جنبات الأرض محصلين أمر معاشهم قائمين بمصالحهم ليس سوى لحكمة وهي أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه في كل ما يحقق له مصالح الدنيا، فهو ليس قاصر على شيء دون شيء. ومن هنا أتى التعبير نكرة ليعم الجميع، وكذلك ليعلم الإنسان عدد السنين والحساب.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وأكد خطيب الجامع الأزهر أهمية أن يحاسب  الإنسان نفسه ويسألها ماذا قدمت؟ وما الذي حققته؟ حينما تعود إلى رب كريم يُوقفها للحساب، أقسم المولى عز وجل بالزمن ليلاً ونهاراً، ضحاً وعصراً، حتى يعلم الإنسان قيمته، المتأمل في كتاب الله يرى القسم، والله لا يقسم إلا بعظيم. فهل وعى الإنسان ذلك وهو يقرأ كتاب الله الذي أنزله من أجله، وجعل نبياً من أنبيائه يبلغه آياته؟ ماذا فعل في هذا الزمن؟ ماذا لو ترك الله الإنسان بلا تعاقب في الزمن فيعيش هكذا؟ لو جعل الله الزمن متساوق غير متفاوت، ماذا كان يصنع الإنسان؟ يقول تعالى مخاطباً عباده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾. من غير الله يأتينا بضياء! هلا سمعنا ووعينا، ومن غيره يأتينا بليل نسكن فيه.

ودعا الدكتور العواري أولي الأبصار إلى التدبر والتأمل في نعمة الوقت ونعمة الزمن. فهو عمر الإنسان وسيُسأل عنه يوم القيامة. يقول النبي ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، ويقول أيضاً: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، الغبن معناه الغفلة وعدم الوعي. الإنسان في تيه غير مستيقظ، والنعمة محيطة به.

وشدد على أننا في حاجة ماسة إلى أن نستيقظ من غفلتنا، فقد فات الكثير من العمر وما بقي إلا القليل. علينا أن نحدث مع الله توبة، وإليه أوبة ورجوع، حتى يتقبل منا ما تبقى من زماننا ووقتنا، ونعود إليه وهو راض عنا. فنعمة الزمن ونعمة الوقت حينما يراجع الإنسان نفسه يوقن يقيناً تاماً أنه قد فرط في هذه النعمة وأهدرها وضيعها، ومضى من عمره الكثير في اللهو واللعب، دون إدراك منه أن الزمن هو عمره، وأن الوقت هو حياته. يقول تقي الدين الحسن البصري رضي الله عنه: "اعلم أن الوقت عمرك، فإن ضاع يوم ضاع بعضك". فابن العشر سنين غداً لا يمكن أن يكون ابن عشر، وابن الثلاثين لا يمكن أن يكون غداً ابن الثلاثين. موصياً الجميع بضرورة أن يعاهدوا ربهم، وأن ينتبهوا إلى ما تبقى من عمرهم، وألا يضيعوا زمنهم سدى، فالله سوف يسألنا جميعاً ويحاسبنا على نعمة الزمن.

طباعة شارك خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر الأزهر عبدالفتاح العوارى قيمة الوقت في الإسلام الإسلام

مقالات مشابهة

  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • "دروب مصر ".. مبادرة جديدة لإعادة قراءة الجمالية في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ
  • دروب مصر.. مبادرة جديدة لإعادة قراءة الجمالية في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ
  • توقف حركة الملاحة الجوية في مطار البصرة الدولي وانقطاع شبه تام للكهرباء بالمحافظة
  • إسرائيل تعيد فتح معبرالكرامة بين الضفة الغربية والأردن أمام حركة الشحن لأول مرة منذ سبتمبر
  • مقررة أممية: الجوع الذي يعانيه الأطفال في فلسطين نتيجة خيارات” تل أبيب” ودعم العواصم الغربية
  • حرب وانتهاكات جسيمة: السودان.. واقع مظلم في يوم حقوق الإنسان
  • قومي حقوق الإنسان: الكرامة الإنسانية هي الأساس الذي يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي
  • القومي لحقوق الإنسان يشارك في المؤتمر الترويجي لمعرض الدول العربية والصين
  • تحليل: أداة ذكاء اصطناعي تخفّض بشكل كبير الوقت الذي يخصصه الأطباء للأعمال الورقية