المفتي لقناة الناس: الأكل من ذبائح أهل الكتاب جائز شرعا
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
كتب - محمود مصطفى أبوطالب:
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: يجوز للمسلم الأكل من ذبيحة أهل الكتاب ولو لَم يسموا عليها؛ وعليه أن يسمي قبل الأكل منها؛ فقد سُئِلَ عن ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «سَمُّوا الله أنتُمْ وكُلُوا».
وأضاف في لقائه الأسبوعي في برنامج "للفتوى حكاية" مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس خلال استكمال الحديث عن الفتوى الترانسفالية للإمام محمد عبده، أن مجيء الآية الكريمة: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5] بعد آية تحريم الميتة وما أُهِلَّ لغير الله به، بمنزلة دفع ما يتوهم من تحريم طعام أهل وقد أطلق القرآن الكريم حِلَّ ذبائح أهل الكتاب لَنَا دُونَ قَيْدٍ؛ فقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: 5].
وعن خشية وتشكك البعض في المعلومات المقدمة عن الذبح عندما يكون في دولة غير مسلمة، أكد أنه نَهَى اللهُ تعالى المؤمنين عن التنقيب والتفتيش المُتَكَلَّف.
وأضاف أن هذا فيما يتعلق بالحلال والحرام، أما عن الوَرَعِ فهو واسع، فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أنَّ حَدَّ الوَرَعِ أَوْسَعُ مِن حَدِّ الحكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يَترُكُ كثيرًا مِن المباح تَوَرُّعًا، ولكن هذا لا يعني أنْ يُلزِم غيرَه بذلك على سبيل الوجوب الشرعي فيدخل في باب تحريم الحلال، ولا أن يعامل الظني المختلف فيه معاملة القطعي المجمَع عليه فيدخل في الابتداع بتضييق ما وسَّعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليه أنْ يَلْتَزِمَ بِأَدَبِ الخِلَافِ؛ كَمَا هو مَنهَجُ السَّلَفِ الصالح في المسائل الخلافية الاجتهادية.
واستشهد بما قاله الإمام محمد عبده في هذا السياق عند رده على أحد أسئلة الفتوى الترانسفالية نسبة لبلدة ترانسفال بلد السائل قائلًا: " وأما الذبائح، فالذي أراه أن يأخذ المسلمون في تلك الأطراف بنص كتاب الله تعالى في قوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5]، وأن يعولوا على ما قاله الإمام الجليل أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسيهم وعامتهم، ويُعدُّ طعامًا لهم كافة، فمتى كانت العادة عندهم إزهاق روح الحيوان وكان يأكل منه بعد الذبح رؤساءُ دينهم: ساغ للمسلم أكله؛ لأنه يقال له: طعام أهل الكتاب. ولقد كان النصارى في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- على مثل حالهم اليوم".
وأشاد بحصافة وإدراك الإمام محمد عبده للواقع وحثه المسلمين على مد جسور التعاون والعمل على تكامل البناء مع غيرهم وفق سمات الإحسان ومقتضيات الرفق والرعاية ومظاهر العناية، من أجل استقرار المجتمعات الإنسانية وتنظيمها على أسسٍ مستقرةٍ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، حيث إن هذه المعاني الراقية يجمعها مفهوم "التعايش" المنضبط بأبعاده العميقة ومضامينه الدقيقة.
وأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة احترموا هذا التعايش والتنوع، ونظروا إليه نظرة تقدير واحترام، وكذلك العلماء والفقهاء فوضعوا قواعد وضوابط كثيرة، منها قاعدة "لا يُنكر المختلف فيه وإنما يُنكر المتفق عليه"، فلا يصح بأي حال من الأحوال أن أعتبر صحة رأيي فقط وخطأ رأي غيري، فكل المجتهدين يجتهدون من أجل الوصول إلى مراد الله عز وجل، وكلٌّ له مقدماته وأدلته وبراهينه بما يغلب على الظن.
المصدر: مصراوي
كلمات دلالية: أسعار الذهب كأس العالم للأندية الطقس مخالفات البناء سعر الدولار انقطاع الكهرباء طوفان الأقصى الحرب في السودان فانتازي سعر الفائدة رمضان 2024 مسلسلات رمضان 2024 الدكتور شوقي علام طوفان الأقصى المزيد أهل الکتاب
إقرأ أيضاً:
معنى الظلم في دعاء سيدنا يونس .. الإفتاء توضح
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ما معنى الظلم في دعاء سيدنا ذي النون يونس عليه السلام حينما قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾؟ وهل هذا الدعاء له فضل؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن معنى الظلم في دعاء سيدنا يونس عليه السلام، محمول على معانٍ تليق بمقام النبوة العظيم.
ومن هذه المعاني: أنه حمَّل نفسه أكثر مما تطيق، أو أنه تصرف بغير إذن ربه، أو أنه تَرَكَ الأولى والأفضل، أو أنه من جملة تسبيح الله سبحانه وتعالى وذكره له، وهذا الذكر من جملة الدعاء المستجاب الذي له فضلٌ عظيمٌ؛ فمن دعا به طالبًا النجاة من شيءٍ نجاه الله تعالى.
ولا يصح أن يُفهم أنه من معاني الظلم المذمومة، فالأنبياء معصومون عن الذنوب كبائرها وصغائرها.
الظلم: هو التعدي عن الحق إلى الباطل، وقيل: هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد، واستعمال القرآن الكريم لهذا اللفظ يفيد أن له أنواعًا كثيرة كلها مذمومة.
ولا مراء في أن الظلم بأيِّ نوع من أنواعه أو شكلٍ من أشكاله لا يمكن تصور صدوره ونسبته إلى أحد السادة الأنبياء والرسل العظام جميعًا عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام؛ لأن الظلم بكل معانيه يعد ذنبًا، وهم معصومون عن الذنوب كبائرها وصغائرها، بل حتى عن المكروهات، كما قرره علماء الأمة. ينظر: "حاشية البيجوري على جوهرة التوحيد" (ص: 200-201، ط. دار السلام).
وأما ما ورد من نسبة سيدنا يونس عليه السلام الظلم إلى نفسه فيما حكاه على لسانه القرآنُ الكريم: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] فليس المراد منه أي معنى من المعاني المذمومة، بل هذا محمول على معان تليق بمقام النبوة العظيم.
- ومن هذه المعاني: أنه عليه السلام حمَّل نفسه فوق ما ينبغي أن تتحمل وأرهقها، أو أنه تصرف تصرفًا ما بخروجه عن قومه بغير إذن ربه.
قال الشيخ أحمد ابن عجيبة في "البحر المديد" (3/ 493، ط. الدكتور حسن عباس زكي) في قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي: [لنفسي بخروجي عن قومي قبل أن تأذن لي، أو من الظالمين لأنفسهم بتعريضها للهلكة] اهـ.
وقال الإمام ابن جزي في "التسهيل" (2/ 28، ط. دار الأرقم): [والظلم الذي اعترف به كونه لم يصبر على قومه وخرج عنهم] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "تفسيره" (3/ 467، ط. دار الكتب العلمية): [يعني لنفسي في الخروج من غير أن تأذن لي، ولم يكن ذلك عقوبة من الله؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان تأديبًا، وقد يُؤَدَّبُ من لا يستحق العقاب] اهـ.
- ومنها أيضا: أنه من جملة تسبيح الله سبحانه وتعالى.
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (4/ 47، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: فلولا أنه كان من المسبحين في بطن الحوت؛ قال سعيد بن جبير: يعني قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]] اهـ.
- ومنها: أنه ترك الأفضل والأولى، فاعتبر نفسه ظالمًا؛ قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (22/ 179-181، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، والظلم من أسماء الذم؛ لقوله تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18]... لا شك أنه كان تاركًا للأفضل مع القدرة على تحصيل الأفضل فكان ذلك ظلمًا] اهـ.
وجاء في "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" للنيسابوري (1/ 388، ط. دار الكتب العلمية): [الظلم فيه محمول على ترك الأولى؛ كما في حق آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23] لا على الكفر والفسق] اهـ.
فحاصل ما ذُكر: أن معنى الظلم الذي نسبه سيدنا يونس عليه السلام إلى نفسه كما في الآية المذكورة أنه شق على نفسه ولم يرفق بها في سبيل طاعة الله، وأهل الكمال يعاملون أنفسهم كما يعاملون نفوس الخلق، فهم مطالبون بالرفق عليها، كرفقهم على سائر نفوس الخلق، أو هو فعل خلاف الأولى مطلقًا، أو هو خروجه عن قومه بغير إذن ربه.
ولا يصح أن يُفهم على نحوٍ فيه انتقاص من مقامه الرفيع؛ إذ المقرر عند علماء المسلمين أنه يجب تأويل مثل هذه الألفاظ التي يوهم ظاهرها خلاف الواجب عقلًا فتُحمل على معنًى لائق بمقام النبوة العظيم؛ كما قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (4/ 13، ط. دار ابن عفان): [ولك في التأويل السعة بكل ما يليق بأهل النبوة ولا ينبو عنه ظاهر الآيات] اهـ.
هذا وقد ورد في السنة النبوية الحثُّ على هذا الدعاء والتضرع به إلى الله تعالى، وبيان فضله العظيم؛ فمن دعا الله تعالى به نال الإجابة كما نالها يونس عليه السلام.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ:لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» رواه الترمذي في "سننه"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه على الصحيحين".
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 6، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(إلا استجاب الله له) لما كانت مسبوقة بالعجز والانكسار ملحوقة بهما صارت مقبولة] اهـ.
وقال الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (2/ 520، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب): [ثم قال: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾؛ يعني: كلُّ من قال من المؤمنين -إذا أصابه غمٌّ، أو استقبله أمر مهم- مثلما قال ذو النون نجيناه كما نجينا ذا النون] اهـ.
وبناءً على ما سبق وفي السؤال: فمعنى الظلم في دعاء سيدنا يونس عليه السلام، محمول على أنه حمَّل نفسه أكثر مما تطيق، أو أنه تصرف بغير إذن ربه، أو أنه تَرَكَ الأولى والأفضل، أو أنه من جملة تسبيح الله سبحانه وتعالى وذكره له، وهذا الذكر من جملة الدعاء المستجاب الذي له فضلٌ عظيمٌ؛ فمن دعا به طالبًا النجاة من شيءٍ نجاه الله تعالى، ولا يصح أن يُفهم أنه من معاني الظلم المذمومة، فالأنبياء معصومون عن الذنوب كبائرها وصغائرها.