شمال سوريا- لا يزال الحزن يخيم على منزل عائلة الشاب السوري ابن مدينة إدلب شمال غربي سوريا زيد معتوق، بعد أن قضى في قصف مدفعي لقوات النظام، خلال الساعات الأخيرة من عام 2023، وباتت صورة ورقة امتحان خط أجوبتها قبل رحيله حديث الأهالي.

و"زيد" الطالب في الثانوية الصناعية بإدلب، كان كتب في أجوبة الامتحان عن أهمية مقارعة المحتل والدفاع عن الوطن، وعدم الخشية من المنية قبل أن يواجهها أخيرا.

وبدلا من التفاؤل والأمل، استقبل السوريون في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا العامَ الجديد بالجنائز والعزاء والحزن، بعدما أمطرت قوات النظام مدينة إدلب آخر معاقل المعارضة بالمدفعية والصواريخ، عشية رأس السنة الميلادية.

ورقة امتحان شاب سوري خطها قبيل رحيله بقصف قوات النظام على مدينة إدلب (مواقع التواصل) جرح مفتوح

وارتفعت حصيلة ضحايا القصف المدفعي، السبت الماضي، إلى 4 قتلى بينهم طفل، كما أسفر قصف أمس الأحد، عن إصابة 8 أشخاص بجروح، بعضها بليغة.

وبات التصعيد العسكري من قوات النظام السوري وحليفته روسيا يؤرق مئات الآلاف من المدنيين السوريين في شمال غربي البلاد، بعد أكثر من 13 عاما على بدء الثورة التي تحولت أخيرا إلى صراع دامٍ.

ومنذ مطلع العام الحالي وحتى الأحد الماضي، وثق الدفاع المدني السوري (القبعات البيضاء) أكثر من 1276 هجوما لقوات النظام وروسيا والمليشيات الموالية للنظام على مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، أسفرت عن مقتل 160 شخصا، بينهم 46 طفلا و23 امرأة، وإصابة 688 آخرين.

ويرى منير المصطفى نائب مدير الدفاع المدني أن حملة التصعيد المستمر على شمال غربي سوريا مرتبطة بالأزمة السياسية التي يواجهها النظام.

وأوضح أن هذا التصعيد يُستخدم كوسيلة، لخلط الأوراق، وفرض وجود النظام السوري كفاعل قادر ويمتلك زمام المبادرة، وخاصة في ظل الانتكاسات الأخيرة التي تواجهه، بما فيها الحراك الشعبي في السويداء وعدم إحراز تقدم ملموس في المبادرة العربية.

ويصف المصطفى -في حديث للجزيرة نت- الحال السورية بـ"الجرح المفتوح" منذ 13 عاما، بدون بوادر حقيقية في الأفق لحل سياسي، مؤكدا أن غالبية الاستجابة الإنسانية للسوريين خلال السنوات الماضية كانت طارئة وتعتمد على تقديم سلل غذائية، بدون وجود مشاريع تنموية حقيقية تساهم في تأمين فرص عمل وتحقيق استدامة.

الدفاع المدني السوري أحصى مقتل 160 شخصا في قصف لقوات النظام السوري وروسيا على مدينة إدلب (مواقع التواصل) لماذا إدلب؟

وتتعرض مدينة إدلب وأحياؤها السكنية على وجه الخصوص إلى حملة تصعيد عنيف من قوات النظام وروسيا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تركز القصف فيها على المرافق العامة والتعليمية والمشافي والمراكز الصحية، وفق الدفاع المدني السوري.

ويربط محللون القصف بحالة ثبات مناطق السيطرة بين قوى الصراع العسكري في سوريا وعدم تحقيق أي تغيير على الأرض، في حين يرى آخرون أنه محاولة لتصدير الأزمات التي تعصف بمناطق سيطرة النظام السوري.

ووفق الباحث في مركز "جسور للدراسات" رشيد حوراني، فإن التصعيد الذي طال مدينة إدلب يدل على عجز النظام السوري على الخروج من حالة المراوحة، وعدم تحقيق أي تقدم ميداني منذ عام 2020، بسبب التفاهمات الروسية-التركية.

وقال حوراني -للجزيرة نت- إن النظام يركز قصفه على شمال غرب سوريا، بهدف إضعاف المنطقة، والضغط على تركيا بما يشكله هذا القصف من تحميلها المسؤولية باعتبارها الضامن.

ويعتقد الباحث أن التركيز على قصف مدينة إدلب تحديدا لسببين: الأول محاولة تدعيم رواية النظام بأن من يقف وراء استهداف حفل التخرج في الكلية الحربية في بداية أكتوبر/تشرين الأول الفائت، هم الفصائل في إدلب، وأنه يقتص منهم، وبالتالي يستمر في تخويف حاضنته من السنّة الموجودين فيها وتصديرهم كعدو.

أما السبب الثاني، بحسب حوراني، فهو أن فصائل المعارضة في إدلب تمكنت خلال الفترة الماضية من شن عمليات عسكرية خلف خطوط قوات النظام، وأحبطت العديد من محاولات التسلل التي يقوم بها، وسببت له خسائر مادية وبشرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شمال غربی سوریا النظام السوری الدفاع المدنی قوات النظام مدینة إدلب

إقرأ أيضاً:

هكذا ينكر الإعلام المأساة السورية

إنكار الجريمة: إعادة قتل الضحية

لنتخيل معًا أمًّا قضت ثلاث عشرة سنة تنتظر خبرًا عن ابنها المختفي قسرًا، تعيش على أمل واهن بأن يكون على قيد الحياة، وحين تفتح المعتقلات بعد سقوط النظام ولا تجده تبحث عن رفاته في مقبرة جماعية اكتشفت قرب أحد السجون، وعندما تحاول استيعاب الصدمة، يظهر شخص ما على شاشة التلفاز ليقول لها إن هذه الجرائم لم تحدث، وإن النظام كان يحافظ على الاستقرار، وإن كل ما يُقال مجرد مبالغات سياسية. ما الذي ستشعر به هذه الأمّ؟

في تلك اللحظة، يُسحب منها آخر ما تبقى لها من حقوق، وهو اعتراف العالم بمظلمتها. وستشعر أن معاناتها محل تشكيك، وأن ما يُطلب منها هو أن تصمت لأنها مجرد جزء من رواية مبالغ فيها. هنا، يتحول الإنكار إلى امتداد للجريمة نفسها. فإذا كان النظام قد قتل ابنها وأخفاه، فإن المنكرين يقتلون ذكراه ويحاولون دفن الحقيقة معه.

إنكار الجرائم جريمة في حد ذاته

في كل ظهور إعلامي، تواصل بعض الشخصيات العامة أسلوبها المستفز، مستهترة بمشاعر الضحايا وأهاليهم. هؤلاء الأشخاص لا يترددون في إنكار الجرائم الموثقة، ولا يرون في صور التعذيب والتصفية في سجون النظام السابق سوى مبالغات، رغم أن العالم كله شاهدها.

فكيف يمكن لمن يتجاهل الحقائق أن يكون شاهدًا على الحق؟ هذا الإنكار العلني ليس فقط طعنة في جراح الضحايا، بل هو محاولة لتحويل المجرم إلى ضحية، وإعادة إنتاج الدعاية التي لطالما استخدمها النظام.

إعلان

إن إنكار المجازر في صيدنايا، والتغطية على عمليات الاغتصاب في السجون، والتشكيك في وجود آلاف المعتقلين الذين لا تزال أمهاتهم يقفن أمام السجون بانتظار بصيص أمل، لا يمكن أن يكون مجرد وجهة نظر، بل هو امتداد للجريمة نفسها، وهو ما يستوجب إيقافها وإخضاعها للمحاسبة والمساءلة.

الممثلة السورية سلاف فواخرجي، على سبيل المثال، التي تظهر في الإعلام وتدافع عن روايات النظام السابق، هي واحدة من الشخصيات التي تحاول تلميع صورة هذا النظام، رغم ما تحمله الحقائق من إثباتات دامغة على الجرائم المرتكبة.

تظهر فواخرجي على شاشة التلفاز بملامحها المتناسقة وابتسامتها المصطنعة، ويراها البعض رمزًا للجمال والأناقة، لكن خلف هذا الوجه الذي يبدو وديعًا، تختبئ أيديولوجيا ملوثة تبرر واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها العصر الحديث.

هذا التناقض الصارخ بين شكلها الخارجي وبين خطابها المستفزّ ليس مجرد مفارقة شخصية، بل هو انعكاس لكيفية توظيف بعض الشخصيات العامة للإنكار والتضليل، وكأن الكاميرات والمكياج يمكن أن يحجبا حقيقة المجازر والمقابر الجماعية.

وكم من شخصيات في التاريخ تمتعت بمظهر جذاب لكنها كانت تحمل في داخلها فكرًا دمويًا، تستخدم مظهرها لتضفي على خطابها طابعًا مقبولًا، لكن مهما كانت الملامح جذابة، فإنها لا تستطيع تغطية بشاعة الفكر الذي تدافع عنه. لم يكن الجمال يومًا معيارًا للأخلاق، ولم يكن الوجه الحسن حجة تبرر تبرئة نظام قتل مليون إنسان.

فالحقيقة لا تتغير مهما حاول أصحاب المظاهر المصطنعة تجميلها بالكلمات المزيفة، ومهما استخدموا الكاميرات والشاشات لفرض واقع مشوه لا وجود له إلا في مخيلتهم.

وقد تحاول شخصيات مثل سلاف فواخرجي أن تخدع بعض السطحيين بمظهرها، لكنها لن تخدع الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، ولن تخدع الناجين من سجون الموت، ولن تخدع كل من شاهد المقابر الجماعية تكتشف يومًا بعد يوم. فالتاريخ لا يرحم، والحقيقة لا تُطمس بمكياج الكاميرات، ولا بمقابلات الاستفزاز والإنكار.

إعلان التواطؤ الإعلامي بقصد أو بغير قصد

هذا الظهور الإعلامي لا يمكن أن يكون مجرد لقاء عابر مع ممثلة سورية، بل هو مشهد جديد في مسلسل طويل من تبرير الجرائم وإنكار الحقيقة.

هي ليست وحدها في هذا الدور، فوسائل الإعلام التي تستضيف مثل هذه الشخصيات المنكرة لجراح السوريين وتمنحها مساحة للحديث عن مظلومية النظام السابق، بينما المقابر الجماعية لا تزال تُكتشف، تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية. إذ لا تكتفي هذه المنصات بإيذاء الضحايا نفسيًا، بل تساهم في تطبيع الإنكار، وكأن دماء الشهداء ليست إلا رواية قابلة للنقاش.

من هنا فإن استضافة شخصيات تدافع عن الجريمة دون مساءلتها، هو شكل من أشكال التواطؤ. فالإعلام الذي يحترم الحقيقة لا يمكنه أن يسمح بتمرير الأكاذيب على أنها روايات متساوية مع الحقائق الموثقة. لذلك، لا بد من أن يتحمل الإعلام مسؤوليته في مواجهة الإنكار، لا في الترويج له.

ولكن رغم الدور السلبي الذي تلعبه وسائل إعلامية في مثل هذه الحالات، فإن استخدام شخصيات عامة في لقاء متلفز للدفاع عن الجريمة وتبريرها، يكشف في كثير من الأحيان قبح تلك الشخصيات الداخلي للجمهور.

فكلما تحدثت، زاد وضوح تناقضها بين المظهر المصطنع والكلمات المليئة بالكراهية والتبرير. وهذا النوع من الظهور الإعلامي، وإن كان مؤلمًا، يفضح هؤلاء أمام الرأي العام، ويجعلهم مجرد أدوات مكشوفة لخدمة الاستبداد.

كيف يمكن إنكار ما هو موثّق؟!

الجرائم التي ارتكبها النظام السابق لم تكن خيالات أو مجرد ادعاءات سياسية، بل وقائع مثبتة بشهادات الناجين، بالصور المسربة، وبالتقارير الحقوقية، وحتى بالوثائق التي كشفتها المؤسسات الدولية. آلة فرم المعتقلين في صيدنايا، والاغتصابات التي وُلد بسببها أطفال لا يعرفون آباءهم، فضلًا عن، الجثث المكدسة في المقابر الجماعية، كلها أدلة دامغة على أن هذا النظام لم يكن مجرد سلطة قمعيّة، بل كان ماكينة قتل جماعي، تعمل بلا رحمة وبلا محاسبة.

إعلان

كيف يمكن لإنسان يملك قلبًا وعقلًا أن يتجاهل كل هذه الأدلة القاطعة؟ كيف يُمكن لمن رأى جثثًا مكدّسة في مقابر جماعية أن يدّعي أن كل هذا لم يحدث؟ إنه عمى اختياري، بل ولاء متجذر للاستبداد يمنع صاحبه من رؤية الحقيقة، حتى بعد سقوط النظام.

ومن هنا، نجد أن بعض الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق تمثل جزءًا من شبكة واسعة ممن يدينون له بالولاء المطلق، ويسعون إلى التشكيك في المأساة السورية وتطبيع الإنكار. هؤلاء الأفراد يستخدمون وسائل الإعلام كمنصات لتبرير الجرائم أو التقليل من حجم المعاناة، وكأنهم يراهنون على أن التاريخ لن يحاسبهم.

من هنا تأتي ضرورة محاسبة كل من يحاول تبرير الفظائع التي ارتكبها النظام باسم التعبير عن الرأي بحرية. لا سيما أن الإعلان الدستوري يضع حدًا لمثل هذه الممارسات ويجرم إنكار جرائم النظام، تمامًا كما هو الحال مع إنكار جرائم النازية أو المجازر الجماعية في العالم. وهذا التشريع ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو اعتراف بأن إنكار الجرائم هو في حد ذاته جريمة جديدة، لأنه يعيد إنتاج الظلم ويهيئ الأرضية لعودة العنف تحت أي ذريعة مستقبلية.

أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الضحايا لا يطلبون الشفقة، بل يطالبون بالحقيقة والعدالة. يريدون أن ترفع الأقنعة عن الوجوه الملوثة بالدماء.

لن تكون العدالة أبدًا إلا عندما يُجبر الجميع على مواجهة حقيقة ما حدث، ولا مكان للإنكار في عالم يتطلع للعدالة. والعدالة لا تتحقق حين يسمح للمجرمين السابقين وأنصارهم بطمس ما حدث، بل تتحقق حين يجبر المجتمع على مواجهة ماضيه بشجاعة، دون مجاملات أو مواربة.

من حق كل أمّ أن تعرف مصير ابنها، ومن حق كل ناجٍ من التعذيب أن يسمع صوته، ومن حق كل طفل وُلد في السجن بسبب اغتصاب والدته أن يعرف الحقيقة كاملة، لا أن يُقال له إن ما حدث لم يكن سوى حرب على الإرهاب.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مايكروسوف تحظر رسائل البريد التي تحتوي على كلمات فلسطين وغزة
  • قتلى جراء هجوم مسلح استهدف قاعدة حميميم الروسية غربي سوريا
  • حملة لإزالة العقارات التي تهدد المواطنين بالدخيلة غربي الإسكندرية
  • افتتاح مدينة مستقبل مصر.. برلماني: رسائل السيسي تدعم القطاع الخاص وتعظم الصناعة
  • عصام هلال: رسائل السيسي خلال افتتاح مدينة مستقبل مصر تدعم الإنتاج المحلي
  • هكذا ينكر الإعلام المأساة السورية
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • الرئاسة السورية تنفي إدعاء سفير أمريكي سابق حول الشرع (شاهد)
  • الرئاسة السورية تكذّب تصريحات سفير أميركي سابق عن الشرع
  • الإعلان الدستوري السوري.. كيف تُبنى العدالة على أنقاض الانتهاكات؟ (3)