أحرصُ كثيرًا على الاستماع إلى محاضرات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سالم بن خلفان الراشدي المتوفرة على «انستجرام» وبقية المنصات؛ إذ تروق لي سلاسته في نقد الواقع وتوظيفه اللهجة العُمانية دون تكلّف أو افتعال مستفيدًا من تجربته الحياتية الطويلة والمواقف التي مرّت عليه بحكم وظيفته الرسمية كقاضٍ وبصفته واعظًا ومربيًا له مُريدوه حتى بعد رحيله.
في إحدى محاضراته التي لم تمر عليّ مرور الكرام تطرّق الشيخ سالم الراشدي إلى حال الناس الذين يحضرون دفن موتاهم في المقابر وما يأتون به من تصرفات تتنافى والموقف الجَلل وتتقاطع معه في ذلك المكان القَفر الموحِش حيث سُجّي الآباء والأجداد.. الأغنياء والفقراء.. الزعماء والمهمشون وناموا نومتهم الأبدية التي لن يقوموا منها سوى يوم البعث.
يقول الشيخ الراحل ويكاد الدمع يطفرُ من عينيه إنه في الوقت الذي يُوارى فيه الميت التراب وقد كان بين الناس قبل ساعة، ينتحي البعض جانبًا ولا يجدون أي غضاضة في فتح نقاشات صاخبة يُفترض ألا مكان لها في ذلك المكان.
يأتي الناس وهم يحثُون الغبار المُتطاير عن وجوههم ولحاهم ساعة الدفن على مختلف شؤون الحياة.. منهم من يجادل في سعر شراء أو بيع أرض وآخر يعاتب صاحب شركة مقاولات في تفاصيل بناء منزله، وثالث يُحدد موعدًا للسفر مع مكتب للطيران، وجميعهم لا يعلمون هل بقي لهم من العُمر ما يُمكِّنهم من تحقيق رغباتهم وأرواحهم قبضة إلهِ قادر على استرجاعها متى شاء؟
أفزعني حديث الشيخ عن غفلة الإنسان وضآلة عقله وضعفه أمام الدنيا ومغرياتها في مشهدٍ يدرك أنه سيكون بطله ذات يوم.. كيف له في مكان جاء إليه لأخذ العِبرة قبل الأجر أن يتناسى الموت ويوم حضوره بيته الدائم ساكنًا مُقيمًا في حفرة ضيقة مفارقًا منزله الدنيوي ومزارعه وأملاكه.
ما يثير الدهشة أنه يحضر موقف الدفن أخوان متخاصمان نفِدت كل الحِيل لحل خلافاتهما.. أُخوة يفكرون كيف تُقسّم تركة المُتوفَّى وهل خلَّف قبل رحيله إلى ربّه بحسناته وسيئاته أي وصية.
يثير الشفقة هذا الإنسان الشقي الحريص على التفكير والتخطيط لكل صغيرة وكبيرة «إلا لحظة الموت» وهو يجمع حُطام الدنيا بالحلال أو الحرام والحيلة.. بالجهد أو بإذلال النفس وإراقة ماء الوجه وهو لا يدري أنه يجمع الدنيا ليهنأ بها غيره وأن النسيان سيطويه عاجلًا أم آجلًا.
آخر نقطة ..
يقول أبو العلاء المعري:
صاحِ هذي قُبورُنا تملأ الرُّحْبَ
فأين القبور من عهد عادِ
خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الأرضَ
إلا من هذه الأجسادِ
وقبيحٌ بنا وإِنْ قَدُم العهدُ
هوانُ الآباء والأجداد
سِرْ إن استطعت في الهواءٍ رُوَيداً
لا اختيالاً على رُفات العباد.
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مجهول يشعل النيران في مقابر الخارجة بالوادي الجديد
سادت حالة من الغضب بين أهالي مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، بعد تداول فيديو لنشوب النيران بعدد من القبور.
أشعل أحد الأشخاص، النيران بمخلفات الجريد والنباتات القديمة المتواجدة بجوار المقابر، ما أدى إلى امتداد النيران للمخلفات التي تقع فوق القبور مباشرة واحتراق أكثر من 4 قبور قبل أن يتم إخماد النيران.
ويلجأ أهالي الوادي الجديد كل يوم خميس، إلى وضع جريد النخيل على قبور أقاربهم وذويهم وبعد فترة يتم جمع هذا الجريد وحرقه في مكان آمن بعيدا عن المقابر، إلا أن هناك عدد من المواطنين والقائمين على نظافة المقابر يقومون بحرقه داخل حرم المقابر.