الجارديان: ضربات الغرب ضد الحوثيين ستعيد تشكيل الصراع بالشرق الأوسط
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
من البداية، كان تفاعل الحوثيين مختلفا وجريئا مع العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، والآن، وبعد أن وضعتهم الضربات الغربية الأخيرة على عرش المتضامنين مع قضية القرن من المتوقع أن يزدادوا جرأة وسيطرة على الميدان داخل اليمن وخارجها في الممر المائي الأكثر حساسية بالمنطقة، باب المندب، بشكل قد يغعيد تشكيل الصراع في الشرق الأوسط.
ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه الصحفي البريطاني البارز باتريك وينتور ونشرته صحيفة "الجارديان".
اقرأ أيضاً
هل توقف أمريكا الحوثيين؟.. الإجابة في نقاط قوتهم وضعفهم
الهجمات الغربية هدية كبرىويقول وينتور إن الحوثيين يتعاملوت مع الهجمات الأمريكية البريطانية ضدهم على أنها "هدية كبرى"، و "أمر تجنيد"، وبالفعل وفرت تلك الضربات لهم تصورا مريحا لوصف أنفسهم بالمقاومين لإسرائيل التي تثير غضب العرب والمسلمين هذه الفترة بشكل غير مسبوق.
وبالتالي، فإن أول النتائج ستكون تعزيز سيطرة الحوثيين ومكانتهم داخل اليمن، وبالنسبة لخارجها، من المهم الإشارة إلى أن تردد القوى الإقليمية البارزة، مثل السعودية والإمارات ومصر (صاحبة قناة السويس والمتضررة من هجمات الحوثيين) في الانضمام إلى هجمات الغربيين ضد الجماعة اليمنية هو دليل نجاح آخر.
اقرأ أيضاً
هل تستدرج الهجمات الأمريكية البريطانية على الحوثيين إيران إلى حرب؟
أيدولوجية حقيقيةوينقل التحليل عن ميساء شجاع الدين من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، قولها إن تهديدات الحوثيين للشحن الإسرائيلي ليست عذراً أو محاولة لصرف الانتباه عن إخفاقاتهم، إنه أمر عميق في أيدولوجيتهم والتي تتحدث عن "لعن اليهود والموت لأمريكا".
وقد بدأ مؤسسهم، حسين الحوثي، محاضراته في وقت قريب من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والغزو الأمريكي للعراق، وكانت تدور حول صراع الحضارات، فالأمر صراع ديني وليس قومي.
ومدفوعين بهذا الهدف، طور الحوثيون بسرعة استراتيجيتهم للإضرار بدولة الاحتلال الإسرائيلي، من إطلاق الصواريخ على إيلات، والتي تبين أنها غير فعالة، إلى مهاجمة السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي، والآن باتوا يهاجمون كل السفن المتوجهة إلى إسرائيل.
ومنذ 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على الأقل، وفقاً لمركز صنعاء، "أجرت قوات الحوثيين تدريبات للمجندين من فرق الهجوم البرمائية، من خلال تدريبات شملت إطلاق صواريخ وهمية تستهدف السفن البحرية الخادعة ومحاكاة غارات السفن. كما قاموا بتوسيع أهدافهم تدريجياً من السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي إلى السفن التي تتاجر مع إسرائيل".
اقرأ أيضاً
السعودية تواجه وضعا صعبا بعد ضربات أميركية وبريطانية على اليمن.. لماذا؟
الداخل اليمني مؤيدويقول التحليل إن الداخل اليمني فخور بما فعله الحوثيين، تضامنا مع غزة، قد تزايد هذا الشعور إلى مستويات غير مسبوقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وفي حين ترددت الجماعات الأخرى، أظهر الحوثيون جرأة، بينما أنتجوا مقاطع فيديو دعائية مثل هبوط طائرة هليكوبتر ترفع العلم الفلسطيني على سطح سفينة "جالاكسي ليدر"، وهي سفينة شحن تبحر في البحر الأحمر.
كان الحوثيون فخورين بشكل خاص عندما سأل أحد محاوري بي بي سي محمد علي الحوثي، عضو المجلس الأعلى للحوثيين، عن السبب الذي يجعلهم يرون أنه من المناسب التدخل في فلسطين "على بعد أميال وأميال"، فأجاب: "أما بايدن، فهل هو جار لنتنياهو؟ هل يعيشون في نفس الشقة، وهل يعيش الرئيس الفرنسي في نفس الطابق ورئيس الوزراء البريطاني في نفس المبنى؟".
اقرأ أيضاً
ستراتفور: 8 نتائج مباشرة متوقعة للضربات الغربية ضد الحوثيين في اليمن
خصوم الحوثيين مذهولونويقول عبدالغني الإرياني، من مركز صنعاء أيضاً، إن المعسكر المناهض للحوثيين داخل اليمن مذهول.
وقد تعرضت التصريحات القليلة التي صدرت ضد الحوثيين منذ بداية عمليتهم لدعم فلسطين لانتقادات شديدة من قبل الجمهور اليمني.
يتم التعبير عن هذا الشعور في عبارة شائعة: "أنا وأخي ضد ابن عمنا، وأنا وابن عمي ضد الغريب".
وطالب المواطنون من جميع المشارب المتحدثين باسم الجماعات المناهضة للحوثيين "بإغلاق أفواههم".
وبالفعل، فقد تواصل بعض قادة الحوثيين بالفعل مع خصومهم السياسيين على المدى الطويل في "حزب الإصلاح" لمعرفة ما إذا كانوا سيوحدون قضيتهم ضد إسرائيل.
اقرأ أيضاً
كل ما نعرفه عن هجمات أمريكا وبريطانيا على اليمن وقدرة الحوثيين على الرد
لديهم المهارة والصبروتؤكد ميساء شجاع الدين أن الهجمات الغربية لن تردع الحوثيين، فهم بارعون في امتصاص الخسائر، وقد حققوا خبرة واسعة من فترة الحرب مع التحالف العربي الذي قادته السعودية والإمارات.
وتضيف: إنهم ليسوا جيشًا كلاسيكيًا بقواعد عسكرية ثابتة، ومن المعروف أن الميليشيات تغير قواعد الحرب، وبمساعدة إيران أصبح لديها الآن القدرة والخبرة اللازمة لتصنيع الطائرات بدون طيار داخل البلاد.
وترى أن الضربات الغربية ضد اليمن ستجعل الحوثيين يعتقدون أنهم لم يعودوا لاعبين محليين، بل لاعبين إقليميين يتمتعون بالشرعية في مواجهة أمريكا بشكل مباشر.
بدوره، يحذر فارع المسلمي، من برنامج الشرق الأوسط في "تشاتام هاوس"، من أن "الحوثيين أكثر ذكاءً واستعداداً وتجهيزاً بكثير مما يعتقده العديد من المعلقين الغربيين".
ويردف: إن تهورهم واستعدادهم للتصعيد في مواجهة التحدي يتم الاستهانة بهم دائمًا.
اقرأ أيضاً
الولايات المتحدة.. تظاهرات احتجاجية ضد الضربات الأمريكية على اليمن
دول المنطقة لا تريد مواجهتهموهم يعلمون أيضًا أن التحالف البحري العسكري الذي يدعم أمريكا ضعيف.
فمصر، على الرغم من حصولها على دخل من قناة السويس، رفضت دعم الضربات الجوية الأمريكية.
ولا يوجد أي بلد عربي، باستثناء الإمارات، لديه الجرأة لتحدي الصورة الحوثية لليمنيين الشجعان الذين يتنافسون ضد القوة الأمريكية.
وتشعر السعودية بالقلق بشكل خاص من تمزيق تذكرة خروجها من اليمن.
وربما ينظر الغرب إلى الهجوم الصاروخي على أنه الخيار الوحيد، لكنه ليس بلا تكلفة.
فطائرات الحوثي بدون طيار رخيصة الثمن، وعلى النقيض من ذلك، ينفق الغربيون ما يقرب من مليون يورو على كل صاروخ من طراز "أستر 15" يستخدمونه لصد الطائرات الحوثية بدون طيار.
المصدر | باتريك وينتور / الجارديان - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الحوثيين البحر الأحمر مضيق باب المندب غزة ضربات غربية اليمن داخل الیمن اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
الحرب النفسية: اليمن يُعيد تعريف معادلة الصراع
في قلب الحروب الحديثة، قد تصبح الكلمة أكثر فتكاً من القذيفة. الحرب النفسية، التي كانت تاريخياً أحد أذرع القوى الكبرى، باتت اليوم في متناول الفاعلين غير التقليديين، ليس فقط كوسيلة ردع، بل كأداة لبناء توازنات معنوية وميدانية جديدة.
في هذا السياق، برز اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من معركة الإسناد لغزة، كحالة لافتة في تطوير وتوظيف أدوات الحرب النفسية، ليس فقط عبر استنساخ أساليب العدو، بل عبر تنويعها وإعادة تشكيلها ضمن منظومة ردع متكاملة.
من أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار في الأداء الإعلامي والعسكري للقوات المسلحة اليمنية كان استخدام أسلوب التحذير المسبق، بطريقة تعكس ما اعتادت إسرائيل فعله مع خصومها.
فبينما كانت تل أبيب ترسل رسائل تحذيرية عبر الناطقين باسم جيشها موجهة إلى سكان مناطق مثل غزة أو جنوب لبنان واليمن، بدأ الأخير بتوجيه تحذيرات مشابهة -شكلاً لا مضموناً- إلى مطارات ومواقع استراتيجية إسرائيلية، مثل مطار بن غوريون.
هذه الصيغة لم تكن مجرد محاكاة بل تمثل نقلة في الخطاب النفسي: تحويل التحذير من أداة تحييد إلى أداة تهديد. بذلك، لا يكون التحذير اليمني عملاً أخلاقياً بقدر ما يكون رسالة صلبة: نحن نملك القدرة على الإيذاء، ونمنحكم وقتاً للتفكير في العواقب.
من أدوات الحرب النفسية الأكثر بروزاً، اللجوء إلى تسمية العمليات العسكرية بأسماء ذات رمزية، كالإصرار اليمني على تسمية المدن والبلدات الفلسطينية بأسمائها الأصلية، لا تلك اليهودية، وهي خطوة تعكس رسالة محمّلة بدلالات دينية وتاريخية وسياسية.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن اليمن بما يمتلك من قدرات، إلا أنها ليست كافية -كقدرة نارية واسعة نتيجة البعد الجغرافي- للتأثير الفعلي الكبير على المرافق الحيوية في الكيان، ولذلك، كان استهداف البنية التحتية للملاحة الجوية الاسرائيلية خياراً عمليّاً، وبصاروخ واحد. وبهذا استطاعت صنعاء أن تثبت في وعي الاحتلال ومستوطنيه أن السماء لم تعد آمنة، وأن المعركة اقتربت من العصب الحيوي للكيان. وهنا تتضح القوة النفسية للتسمية: إنها تجعل من كل إعلان عن عملية، تهديداً مركّباً يتغلغل في الإدراك الجمعي للمستوطنين.
يُعد التوقيت في الضربات اليمنية أيضاً جزءاً من تكتيك الحرب النفسية، لا مجرد قرار عسكري. فقد اختارت صنعاء توقيتات دقيقة لتنفيذ ضرباتها، غالباً ما تكون متزامنة مع أحداث إسرائيلية داخلية أو تطورات إقليمية حساسة. في بعض الأحيان، كان التوقيت يحمل رسالة مبطّنة: «نحن نراقب، ونستطيع مفاجأتكم في اللحظة التي تظنون فيها أنكم في أمان».
هذا الاستخدام الذكي للتوقيت لا يسبب فقط أذى ميدانياً، بل يبني حالة من الترقب والقلق الدائم. كل ساعة تمر، هي احتمال لصفعة نفسية جديدة.
بيانات القوات المسلحة اليمنية تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتصبح أداة حرب نفسية قائمة بذاتها. اللغة المستخدمة في هذه البيانات واثقة، حادة، تنطوي على تهديد مباشر ومدروس. لم تعد البيانات مجرد إعلانات بل رسائل موجهة لا إلى الداخل اليمني فحسب، بل إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى جمهورها، وإلى محيطها الإقليمي.
يضاف إلى ذلك نشر مشاهد مصورة للعمليات أو لمرحلة ما بعد التنفيذ، كتوثيق استهداف سفن في البحر الأحمر أو لقطات لطائرات مسيّرة في الأجواء. هذه الصور لا تكتفي بالإخبار، بل تبث رسائل ميدانية ذات طابع نفسي صارم: نحن نملك اليد، والعين، والسلاح.
من أكثر التحولات اللافتة في الحرب النفسية اليمنية، الاتجاه نحو مخاطبة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مباشرة، أحياناً باستخدام اللغة العبرية أو رموز معروفة في الخطاب الإسرائيلي. هذا النوع من الخطاب يكسر الحاجز النفسي التقليدي بين المقاتل العربي والشارع الإسرائيلي، ويضعه وجهاً لوجه مع خصم يعرفه، ويخاطبه، ويهدده بلغته.
إنها رسائل قصيرة، لكنها موجّهة بدقة: «نحن نراكم»، أو «نحن نعرف مفاتيح التأثير عليكم». وهذا النوع من التواصل يشكل ضغطاً على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تجد نفسها ملزمة بالرد أمام جمهور بات يشعر أن جبهته الداخلية لم تعد بمنأى عن الخطر.
في معركة الإسناد لغزة، أثبت اليمن أن الحرب النفسية ليست فقط سلاحاً تكميلياً، بل ركيزة استراتيجية في بناء معادلة ردع جديدة. لقد تجاوزت صنعاء مرحلة استنساخ أدوات العدو إلى مرحلة إعادة إنتاج أدوات نفسية متعددة الوظائف: تهدد، وتربك، وتحفّز، وتخترق.
وإذا كان ميزان القوى العسكري ما زال يميل لصالح إسرائيل، فإن المعركة النفسية باتت مفتوحة، وقابلة للتطوير، وبعيدة عن الحسم. في هذا السياق، يمثل اليمن اليوم مختبراً متقدماً في الحرب النفسية السيادية، يعيد تعريف معادلة الصراع في المنطقة.