غزة.. بابٌ للخروج من التيه
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
اعتقد جازمًا أني لست الوحيد المهوس بملحمة الشرف والجهاد في مدينة غزة، وبما يمثله مقاوموها من بسالة على الأرض، رجال مثقلون بظلم المعتدي الصهيوني، نساء لا يملكن سوى الدعاء لفلذات أكبادهن، في أجواء أمّة تاهت في سراديب عالم يكيل بأوزان الشر والظلم، مقاومون تمردوا على رتابة خطوات التيه المكررة، أثارت في نفوسهم الضجر فعادوا لفطرة الدفاع عن الأرض والعرض، دقوا طبول الحرب ضد المعتدي، وأسمعوا أزيز رصاص بنادقهم، فامطرتهم أمتهم ملامة وتوبيخًا.
نعم .. مهوس بهذه المدينة، وما تمثله من ذكريات لملاحم الأمة قبل أن تسير في نفق التيه، من رحم شعب مثقل بالهموم، وأمهات لا يملكن سوى الدعاء لأطفالهن الذين خرجن بهم إلى الدنيا، اعتدن أن يرينهم بقربهن طوال الوقت، كبر الأطفال، وتعودوا على قضاء جل وقتهم دفاعاً عن الحمى، تمردوا على رتابة وجه أمتهم المكرر الذي يثير في نفسهم الضجر، وهي تأخذهم إلى أرض أخرى ليذوبوا مثل سكر في تيهها.
إن مضمون ما أكتب هو إحساس بأن كل من يعيش في غزة يسير بخطى وئيدة وسط ركام جرائم الصهيونية، يراقب مشدوهًا مواقف الأمة، حين يراها بصورة لم ير مثيلا لها من قبل، هي في تيه يحمل سيلا من الخذلان، تتركه في غابة مليئة بالوحوش تنهش في جسده، وتنبش في أرضه.
كل ما في حلم الأمة بيت أو ملجأ يأوي أبناء غزة متى أحسوا بالتعب من قسوة الغاصب المحتل، وأقصى ما تطرحه لتخليصهم من مخالب الوحش الجاثم على حياته، هي مبادرات الهجرة، سميت بأسماء سمتها وحوش الغابة، في ظل هذا التيه، كتب أبناء غزة بدمائهم وأشلائهم بيان عريضتهم "جهاد أو استشهاد"، لكن أمتهم ظلت تناقش مع من سلبهم حريتهم مُسميات مبادرات تشريدهم، وتركتهم دون بيت في وطن مستباح، على زاوية بشارع غير مُعبد يحتسون التنكيل والعذاب.
أخذ رجال المقاومة في غزة، بما أمر به ربهم، ليسطّروا ملحمة تاريخية تخرج الأمة من التيه، فتحوا باب الجهاد، سقطت الأقنعة على الأرض، حينما فتح باب الخروج من التيه، استشاطت وحوش الغابة غيظًا، لكن رجال المقاومة في غزة، لم يقولوا: إنَّ فيها قومًا جبارين، بل دخلوا من الباب وهم واثقين بالغلبة، متوكلين، مؤمنين بنصر الله، فأفرق الله بينهم وبين القوم التائهين من أمتهم، أسرعوا الخطى خوف التخلف عن الجهاد، لإدراكهم أن عقوبة التيه تشمل كل من فعل فعلة بني إسرائيل من الأمم من بعدهم، قال تعالى "فكلًا أخذنا بذنبه" (العنكبوت: 40)، حاشى الله أن يحابي أحدا من خلقه، والشرع لا يفرق بين متشابهين، ولا يساوي بين مختلفين، لقد أبصر رجال غزة أنه مع أننا خير أمَّة أخرجت للناس، إلّا أن الأمة دخلت تيهاً أكبر مما دخله بنو إسرائيل، بتخلفها عن أمر من أوامر الله؛ عندما تركت الجهاد ونصرة المظلومين فيها، فكان عليها حقًا أن تدخل ذلك التيه، بنو إسرائيل دخلوا التيه في واد واحد وهو سيناء، إلّا أن أمّة المليار دخلت في أودية متفرقة.
لقد دخلت تيها في العلمانية، والاشتراكية، والرأسمالية، ومع الأسف، أخذ كل تيه أكثر من أربعين سنة، ومازالت في التيه، وربما يطول بقاؤها في التيه لسنوات، أراد رجال غزة تمكين الأمة بإرضاء الله؛ قال تعالى "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور: 55)، كان التيه للأمة عندما ابتعدت عن وعد التمكين الذي وعدها به الله في الأرض، وتركها للجهاد، وإدخال الدين الإسلامي لكل بيت كان من مدر أو وبر، فكتب عليها التيه كعقاب تربوي رباني، لأجل الامتثال لأمره عز وجل، كانت مدة التيه لبني إسرائيل حينما هاموا على وجوههم في الصحراء أربعين سنة، انقطعت بهم السبل، لا ظل، لا طعام، لا شراب، وكان المصدر الوحيد لهذه الضروريات هو الله سبحانه وتعالى، بمعجزات ظاهرة، لترسخ عندهم عقيدة التوكل على الله، وأن الله على كل شيء قدير، وقد تعلق رجال غزة بالتمكين كمعجزة ظاهرة ليعطوا درسًا للأمة، فكان التمكين أول أسباب نصرهم، فيسر لهم الله الأسباب رغم توهان أمتهم، ومع هذه الأسباب أتت أيضا الابتلاءات لتقيم صبرهم نتيجة فتحهم لباب الخروج من التيه، بمقارعتهم طاغوت العصر، وهم موقنون بأن قلّتهم ستغلب كثرة الظالم بإذن الله.
إنَّ طول مدة تيه الأمة وقصرها، والخروج منها، متوقف على مدى امتثالها لأمر الله عز وجل، وسعيها لذلك، بكل ما أوتيت من قوة، والعمل على مناصرة أهل غزة في جهادهم للآخذ بترباس باب الجهاد الذي فتحه رجالها الأشاوس، وأن لا تحزن للابتلاءات، فما هي إلا اختبارات لإظهار مدى استجابتها لأوامر ربها، والصبر عليها، بل عليها السعي المستمر، للتأمل في الفتن التي يحيكها لها عدوها، والبحث عن ما يرأب صدعها، والخروج من التيه عبر باب غزة المشرع، والعودة إلى مكانتها التي وصفها بها الله تعالى في قوله: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران: 110).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مسيرات مليونية بصنعاء تبارك انتصار ايران وتؤكد مواصلة دعم غزة
وباركت الحشود الهادرة، للجمهورية الإسلامية في إيران قيادة وشعباً وجيشاً انتصارهم العظيم على العدو الصهيوني والأمريكي، والذي يعتبر انتصاراً للأمة ولكل أحرار العالم.
وهنأت الأمة العربية والإسلامية بحلول العام الهجري الجديد.. سائلة المولى عز وجل أن يجعله عام النصر والتمكين على قوى الهيمنة والاستكبار العالمي.
وجددت الحشود العهد لله تعالى، ولرسوله الكريم، ولقائد المسيرة القرآنية، بالثبات على الموقف المساند والمناصر لغزة والشعب الفلسطيني والدفاع عن قضايا الأمة والمقدسات الإسلامية.
وأكدت أن هذه المناسبة الدينية تمثل محطة مهمة للمضي في طريق الجهاد والبذل والتضحية في سبيل الله ونصرة الإسلام والمقدسات، وردع أعداء الأمة.. مجددة البراءة من الخونة والعملاء جواسيس أمريكا وإسرائيل.
وحيت الحشود، الصمود الأسطوري لأبطال المقاومة في قطاع غزة وما ينفذونه من عمليات نوعية وضربات موجعة للعدو الصهيوني المجرم، وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
ودعت الشعوب العربية والإسلامية إلى استلهام الدروس والعبر من هذه المناسبة الدينية في تعزيز وحدة الصف والكلمة والتحرك الجاد في مواجهة التحديات والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة ومقدساتها ونصرة الأشقاء في غزة الذين يتعرضون لجريمة إبادة وتجويع لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
وهتفت الحشود بعبارات (نفتتح العام مع الله.. وجهاداً بسبيل الله)، (انتصرت إيران بعزة.. والعقبى بالنصر لغزة)، (انتصرت إيران انتصرت.. وربيبة أمريكا انكسرت)، (انتصر الشعب الإيراني.. وانهزم المجرم والجاني)، و(إيران انتصرت للأمة.. عرفت الصهيوني حجمه).
ورددت الجماهير (يا عالم يكفيك سكوت.. غزة بالتجويع تموت)، (أين دعاة الإنسانية.. من إجرام الصهيونية)، (أمريكا جاءت لتساعد.. فابتكرت للموت مصائد)، (غزة تفخيخ وكمائن.. لن تترك محتلاً آمن)، (في غزة لله رجال.. معجزة في الاستبسال)، (مع غزة موقف متكامل.. دعم تصعيد متواصل)، (يا غزة واحنا معكم.. أنتم لستم وحدكم)، و(فوضناك يا قائدنا فوضناك.. أيدناك أيدناك.. واحنا سلاحك في يمنك).
وأوضح بيان صادر عن المسيرة المليونية ألقاه رئيس الهيئة العامة للأوقاف العلامة عبدالمجيد الحوثي أنه واستجابة لله سبحانه وتعالى، ولرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولدعوة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله)، خرج الشعب اليمني اليوم في مسيرات مليونية نصرة للشعب الفلسطيني ومجاهديه، ومباركة للجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادة وشعباً، مجددين العهد لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الثبات على نهج الإيمان والجهاد، ونصرة الرسول والرسالة والإسلام.
وبارك للأمة العربية والإسلامية حلول العام الهجري الجديد.. سائلاً الله تعالى أن يجعله عام جهاد وانتصار وخير للأمة كلها وللمستضعفين في العالم.
وأضاف "وبهذه المناسبة المرتبطة بوجدان الشعب اليمني، وتاريخه الإيماني المشرف من أسلافه العظماء، أنصار رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، إلى حاضرهم المجيد المنتمى للمسيرة القرآنية والحامل الأول لها، نجدد العهد والوعد لله تعالى، ولرسوله صلوات الله عليه وعلى آله، ولقائد مسيرة القرآن وحامل راية الجهاد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بأننا على عهد الجهاد، والبذل، والعطاء، والوفاء، والولاء، سنمضي بهذه المسيرة دون تردد، أو تراجع، أو تخاذل، متوكلين على الله، ومعتمدين عليه، وواثقين به، حتى يحقق الله لأمتنا النصر المبين والفتح الموعود بإذن الله".
وبارك للأشقاء في جمهورية إيران الإسلامية قيادة وشعباً ولمجاهديها الأعزاء -في الجيش والحرس الثوري- انتصارهم العظيم على العدوان الصهيو أمريكي الظالم والذي حدد غايته المجرم السفاح ترامب بضرورة استسلام إيران غير المشروط وبعد تلقيه وشركائه الضربات الساحقة أذعن هو بنفسه ليعلن وقفا غير مشروط لعدوانهم على إيران الشموخ والعزة، بعد أن تكبد كيان العدو ضربات مدمرة لم يعرف لها مثيلا على مدى تاريخه الملطخ بالعار والقماءة.
وأكد البيان أن هذا ثمرة من ثمار التوكل على الله، والاعتماد عليه، والاستجابة له في الإعداد، والاستعداد والبناء القوي للأمة، وتبني خيار الجهاد والمقاومة، ورفض خيار الاستسلام والخنوع، والتطبيع والولاء للأعداء، وهو ما ينبغي أن يكون أملاً ونموذجاً وأسوة لبقية دول العالم العربي والإسلامي لو كانوا يعقلون.
كما بارك للإخوة في المقاومة الفلسطينية الباسلة ضرباتهم الموجعة للعدو الصهيوني التي تثلج الصدور، وثباتهم وصبرهم ومواصلتهم للجهاد برغم الصعوبات الهائلة.. مجددا لهم "الوعد والعهد ولكل الشعب الفلسطيني في غزة وكل فلسطين بمواصلة الدعم والمساندة، والوقوف إلى جانبهم، والدفاع معهم عن المقدسات، بكل ما نستطيع، حتى يكتب الله لهم ولنا النصر القريب بإذن الله سبحانه".