ارتفاع قياسي في الانبعاثات يثير المخاوف من تفاقم الاحتباس الحراري
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
أظهرت بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ارتفعت بكمية قياسية في عام 2024، مما أدى إلى تعميق أزمة المناخ، التي تسبب تداعياتها فعليا خسائر فادحة في جميع أنحاء العالم.
ويشعر العلماء بالقلق من أن الأحواض الطبيعية للأراضي والمحيطات التي تزيل ثاني أكسيد الكربون من الهواء تضعف جراء الاحتباس الحراري العالمي، وهو ما قد يشكل حلقة مفرغة ويدفع درجات الحرارة إلى الارتفاع بشكل أسرع.
وأشارت البيانات إلى أن متوسط تركيز ثاني أكسيد الكربون ارتفع بنحو 3.5 جزء في المليون إلى 424 جزءا في المليون بحلول عام 2024، وهي أكبر زيادة منذ بدء القياسات الحديثة في عام 1957.
وساهمت عدة عوامل في ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، منها استمرار حرق الوقود الأحفوري، رغم تعهد دول العالم عام 2023 بالتخلي عن الفحم والنفط والغاز.
وتفاقمت حرائق الغابات في ظل ظروف أكثر حرارة وجفافا بسبب الاحتباس الحراري. ووصلت انبعاثات حرائق الغابات في الأميركيتين إلى مستويات تاريخية عام 2024، الذي كان الأكثر حرارة على الإطلاق منذ بدء تسجيل البيانات.
كما يخشى العلماء احتمال أن تبدأ أحواض الكربون في الكوكب بالفشل، حيث تعيد امتصاص حوالي نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا من الغلاف الجوي عن طريق إذابتها في المحيط أو امتصاصها بواسطة الأشجار والنباتات.
وحسب البيانات، تزداد المحيطات حرارة وتحمضا، وستمتص بالتالي كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون، بينما على اليابسة، تؤدي الظروف الأكثر حرارة وجفافا، وتزايد حرائق الغابات، إلى انخفاض نمو النباتات، وتحول الغابات من أحواض للكربون إلى مصدر للانبعاثات.
كان من المعروف بالفعل أن أحواض الكربون أقل فعالية في سنوات النينيو، مثل عامي 2023 و2024، عندما تؤدي التغيرات في رياح المحيط الهادي وتياراته إلى ارتفاع درجات حرارة الهواء العالمية.
إعلانلكن الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن الأنشطة البشرية قد رفع بالفعل متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو 1.3 درجة مئوية، ويخشى الباحثون، الذين سجلوا "فشلًا غير مسبوق في أحواض الكربون" في عامي 2023 و2024، أن يُضعف دور هذا الأحواض.
وقالت الدكتورة أوكسانا تاراسوفا، المسؤولة العلمية البارزة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "هناك قلق من أن أحواض ثاني أكسيد الكربون الأرضية والمحيطية أصبحت أقل فعالية، مما سيزيد من كمية ثاني أكسيد الكربون المتبقية في الغلاف الجوي، وبالتالي يُسرّع الاحترار العالمي".
وتؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لا يؤثر على المناخ العالمي اليوم فحسب، بل سيستمر في ذلك لمئات السنين بسبب العمر الطويل للغاز في الغلاف الجوي.
وقال كو باريت، نائب الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "إن الحرارة المحتبسة بثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة تُفاقم مناخنا وتؤدي إلى طقس أكثر تطرفا. لذا، فإن خفض الانبعاثات أمر ضروري ليس فقط لمناخنا، بل أيضا لأمننا الاقتصادي ورفاه مجتمعنا".
كما ارتفعت أيضا تركيزات الميثان وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي، إلى مستويات قياسية في عام 2024، وهما يمثلان ثاني وثالث أخطر غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالأنشطة البشرية.
ويأتي حوالي 40% من انبعاثات الميثان من مصادر طبيعية، لكن العلماء قلقون من أن الاحتباس الحراري يؤدي إلى زيادة إنتاج الميثان في الأراضي الرطبة، وهو ما يُمثل حلقة مفرغة محتملة أخرى، حسب العلماء.
أما الباقي فيأتي من استغلال الوقود الأحفوري، وتربية الماشية مثل الأبقار، والنفايات المتعفنة في مكبات النفايات، وحقول الأرز. وتشمل انبعاثات أكسيد النيتروز الناتجة عن الإفراط البشري في استخدام الأسمدة من قِبل المزارعين وبعض العمليات الصناعية.
وأصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية نشرتها السنوية حول غازات الاحتباس الحراري قبل شهر من انعقاد قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 30) في مدينة بيليم البرازيلية، حيث سيسعى ممثلون من دول العالم إلى تكثيف الجهود المناخية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات تغي ر المناخ المنظمة العالمیة للأرصاد الجویة ثانی أکسید الکربون الاحتباس الحراری فی الغلاف الجوی حرائق الغابات فی عام عام 2024
إقرأ أيضاً:
حمّى الذهب العالمية.. إلى أين؟
في طوكيو، كانت الساعة بالكاد قد تجاوزت التاسعة صباحًا حين أغلقت أبواب متجر "نيهون ماتيريال" أمام طوابير من المشترين للذهب، لم تمضِ سوى ساعة واحدة على افتتاحه حتى أعلن العاملون أن الكمية المخصصة لليوم قد نفدت.
كان بينهم كينجي أونوكي، المهندس المعماري الأربعيني، الذي شعر بنشوة الانتصار بعد أن نجح في شراء سبيكته الذهبية الأولى، وإن كان عليه أن ينتظر شهرا كاملا لتسلمها، قال وهو يبتسم للصحفيين: "أردت شيئا حقيقيا، شيئا يمكنك أن تمسكه بيدك".
لكن ما بدأ كلحظة فردية في متجر ياباني أصبح ظاهرة عالمية مدهشة.
من آسيا إلى أوروبا وأميركا، يعيش العالم -ما تصفه فايننشال تايمز بـ"حمّى الذهب الكبرى"- موجة شراء محمومة لا تقتصر على المستثمرين المحترفين، بل تشمل الأفراد العاديين أيضًا، إنها عودة الملاذ الأقدم في التاريخ إلى صدارة المشهد المالي الحديث، في وقت يتقاطع فيه الخوف مع الجشع، والسياسة مع الأسواق.
العالم يتزاحم على المعدن الأصفروتقول فايننشال تايمز إنّ الذهب "أعاد سحره القديم إلى عقول وقلوب المستثمرين" بعد ارتفاع استمر 3 سنوات متواصلة، تقوده هذه المرة البنوك المركزية للدول النامية التي تبحث عن ملاذ بعيد عن الدولار الأميركي.
لكن ما فاجأ المراقبين هو الانفجار المفاجئ في الطلب المؤسسي والشعبي معًا، حيث تدفق ما يزيد على 26 مليار دولار إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب خلال الربع الثالث وحده، وهو أعلى رقم مسجّل في التاريخ الحديث.
وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع أسعار الذهب بأكثر من 50% منذ بداية العام، لتتجاوز 4 آلاف دولار للأونصة، في أفضل أداء له منذ عام 1979 عندما تضاعفت الأسعار بفعل مخاوف التضخم.
هذا الارتفاع المذهل، كما تشير الصحيفة، لا يمكن تفسيره بالعوامل التقليدية مثل أسعار الفائدة أو التضخم أو الاضطرابات الجيوسياسية فحسب، بل بشيء أعمق: "الخوف من انهيار مالي شامل".
إعلانيقول ديفيد تيت، الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي: "المحرّك الأساسي لهذا الصعود هو الخوف من انهيار مالي كامل، من سيناريو ديون خارجة عن السيطرة. الخوف هو الكلمة المفتاح في قصة الذهب اليوم".
اليابان تشهد اندفاعة تاريخيةوفي اليابان، تَحوّلت السوق المحلية إلى حالة من الهوس بعد أن تجاوز السعر المحلي 20 ألف ين (نحو 131 دولارا) للغرام الواحد في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، وهو رقم لم تعرفه البلاد من قبل.
وتصف فايننشال تايمز المشهد بأنه "انفجار ذهبي" أدخل اليابانيين، الذين عاشوا 3 عقود من الانكماش، في علاقة جديدة مع التضخم.
الذهب أصبح فعليا الأصل الاحتياطي المهيمن في العالم خارج أميركا، وهو ما اعتبره بعض المحللين عودة رمزية لنظام ما قبل الدولار
فبعد سنواتٍ كانت فيها النقود تُخزّن بلا خوف من فقدان قيمتها، أصبح الين يتآكل بسرعة، ما دفع العائلات إلى تحويل مدّخراتها إلى سبائك معدنية.
ويقول بروس إيكيمازو، مدير جمعية سوق الذهب اليابانية: "سلوك المستثمرين تغيّر 180 درجة. الناس يشعرون بتأثير التضخم وضعف الين، ويدركون أن عدم فعل شيء يعني خسارة حقيقية".
البنوك المركزية تعيد تشكيل النظام النقديوبحسب الصحيفة، فإن في خلفية هذا الجنون الشعبي، هناك تحوّل إستراتيجي عالمي صامت تقوده البنوك المركزية.
فمنذ عام 2022، شرعت عشرات الدول -خاصة في آسيا والشرق الأوسط- في شراء كميات قياسية من الذهب لتقليص اعتمادها على الدولار في احتياطاتها الرسمية.
وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي التي نقلتها فايننشال تايمز، ارتفعت حصة الذهب من احتياطيات البنوك المركزية العالمية من 10% قبل عقد إلى نحو 24% بحلول منتصف 2025، أي ما يعادل 3.93 تريليونات دولار من القيمة السوقية، متجاوزة لأول مرة قيمة السندات الأميركية المحتفظ بها خارج الولايات المتحدة.
هذا التحوّل، وفقًا للصحيفة، يعني أن "الذهب أصبح فعليا الأصل الاحتياطي المهيمن في العالم خارج أميركا"، وهو ما اعتبره بعض المحللين عودة رمزية لنظام ما قبل الدولار.
ترامب والديون الأميركية.. شرارة جديدة للرالييُجمع المحللون على أن تزايد التدخل السياسي في عمل الاحتياطي الفدرالي الأميركي زاد من اشتعال الأسعار.
فالرئيس دونالد ترامب، كما تذكر فايننشال تايمز، يضغط على البنك المركزي لخفض الفائدة لتقليل كلفة خدمة الدَّين العام الأميركي الذي تجاوز 34 تريليون دولار.
الضغوط بلغت ذروتها عندما هاجم ترامب علنًا عضوة مجلس الاحتياطي ليزا كوك، ملوّحًا بعزلها، ما تسبب في قفزة فورية في الأسعار.
وتقول روث كرويل، الرئيسة التنفيذية لرابطة سوق لندن للسبائك: "رأينا ارتفاعا فوريا في سعر الذهب بعد الهجوم على ليزا كوك. مجرد الشك في استقلال الفدرالي يكفي لدفع المستثمرين إلى الاحتماء بالذهب".
ويرى ديفيد تيت من مجلس الذهب العالمي أن "ترامب قد يوقف الارتفاع فقط إذا تمتع بحظ اقتصادي استثنائي: نمو مرتفع وتضخم منخفض في آنٍ واحد”.
الرهان على الخوفورغم أن هذا الارتفاع "يتحدى المنطق" على حد تعبير تيت، فإن دوافع المستثمرين أصبحت تتجاوز التحليل المالي إلى سيكولوجيا القلق.
ويقول غريغ فريث، مدير تجارة المعادن في شركة غنفور: كلما انخفض السعر قليلا، تدفقت موجات جديدة من الشراء المؤسسي. لا أحد يريد أن يفوّت القطار.
وتصف الصحيفة هذا السلوك بظاهرة "فومو المطلي بالذهب"، أي الخوف من تفويت الفرصة في سوق تتسابق فيها حتى المؤسسات الكبرى.
علامات الفقاعة تلوح في الأفقلكن فايننشال تايمز تحذر من أن الاندفاع الجماعي نحو الذهب قد يخلق فقاعة مالية جديدة.
إعلانفبحسب بيانات بنك أوف أميركا، أصبح الذهب الآن أعلى من متوسطه المتحرك لـ200 يوم بنسبة تفوق 20%، وأعلى من متوسط 200 أسبوع بنسبة 70%، وهو وضع لم يحدث إلا 3 مرات منذ السبعينيات، وتلاه دائمًا تصحيح قاسٍ تراوح بين 20 و33%.
ويقول غاي ميلر من شركة زيورخ إنشورنس: الاستثمار في الذهب بات مزدحما جدا، والمخاطرة تكمن في أن يخلق المستثمرون بأنفسهم الفقاعة التي يخشون منها.
صعود الذهب هذه المرة لا يشبه أي موجة سابقة. فالأمر لا يتعلق بالتضخم وحده، بل بتآكل الثقة في النظام المالي العالمي، وفي العملة الأميركية نفسها
السوق على وشك تجاوز العقلوفي أوروبا، تضاعفت مبيعات دار سك العملة الملكية البريطانية 5 مرات مقارنة بذروتها السابقة في 2022، مسجلة صفقة قياسية تجاوزت 50 مليون جنيه إسترليني في شراء مشترك للذهب والفضة.
وفي تركيا، التي يشكل الذهب فيها خُمس ثروة الأسر، ترى مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" أن ارتفاع الأسعار "قد يعزز الاستهلاك المحلي عبر تأثير الثراء".
أما في هونغ كونغ، فالمشهد معكوس: الأسر القديمة التي خزّنت الذهب لعقود بدأت تبيعه لجني الأرباح عند القمة.
والفضة بدورها لم تبقَ بعيدة عن الموجة، إذ ارتفعت إلى أكثر من 52 دولارًا للأونصة في أعلى مستوى تاريخي، مع نقص واضح في المعروض في لندن، ما دفع دار السك البريطانية إلى تعليق بيع عملات "بريتانيا" الفضية.
ما وراء الهوس.. أزمة ثقة في النظام الماليوتقول فايننشال تايمز إن صعود الذهب هذه المرة لا يشبه أي موجة سابقة. فالأمر لا يتعلق بالتضخم وحده، بل بتآكل الثقة في النظام المالي العالمي، وفي العملة الأميركية نفسها.
ولخص المستثمر الأميركي مات ماكليلان من "فيرست إيغل" الظاهرة بقوله: "حين ترتفع أسعار الأصول الدفاعية كالذهب في الوقت نفسه مع الأسهم، فهذه إشارة إلى أن قيمة المال نفسه بدأت تتراجع".
أما دانيال تايلور، من شركة "مان نوميريك"، فيرى أن الديون الأميركية بلغت "مستوى لا مخرج منه إلا عبر نظام تضخمي أطول عمرا مما اعتدناه"، مضيفًا: "الناس يشترون الآن أصولًا ذات معروض محدود -كالذهب وربما البيتكوين- لأن الورق لم يعد مطمئنًا".
الذهب لا ينتج شيئا، ولا يدر دخلا، لكنه بات مرآة لقلق العالم. وكلما ازداد القلق، ازداد بريق المعدن الأصفر
تاريخ يعيد نفسهورغم الاندفاع المحموم، يذكّر المحللون بما حدث في الماضي، فبعد الارتفاع الأسطوري في سبعينيات القرن الماضي، انهار الذهب مطلع الثمانينيات مع تراجع التضخم، وتكرر السيناريو بعد ذروة 2011.
لكنّ ديفيد تيت يرى أن المقارنة اليوم مع تلك الفترات قد تكون مضلّلة، لأن "العالم يعيش الآن مزيجًا فريدًا من الديون، والاضطرابات الجيوسياسية، وانعدام الثقة بالعملة".
ويختتم التقرير بما يشبه التحذير والاعتراف في آنٍ واحد: "الذهب لا ينتج شيئا، ولا يدر دخلا، لكنه بات مرآة لقلق العالم. وكلما ازداد القلق ازداد بريق المعدن الأصفر".