جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-23@22:31:54 GMT

قلم مانديلا.. وسيف اليمن لنجدة فلسطين

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

قلم مانديلا.. وسيف اليمن لنجدة فلسطين

 

حمد بن سالم العلوي

أتعلمون لماذا جنوب أفريقيا هي من عرف الطريق إلى محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية؟ أولًا؛ لأنَّ الزعيم الراحل نيلسون مانديلا كان يقول: إن تحرُّر جنوب أفريقيا من الفصل العنصري، يُعد تحررًا ناقصًا طالما ظلّت فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني، وثانيًا؛ لأنَّ الفصل العنصري قد بدأ عام 1948م وهو نفس العام الذي سلمت فيه بريطانيا فلسطين للعصابات الصهيونية، هذا من حيث الالتزام بالمبدأ.

أما من حيث المشاعر، فإنَّ جنوب أفريقيا قاست من ويلات الفصل العنصري، والسجن والظلم على الشعب في جنوب أفريقيا وزعمائها، وهناك حكمة تقول: "لا يشعر بالشيء شعورًا قويًا إلا من يجربه" إذن؛ فجنوب أفريقيا قد جربت وذاقت الأمرين من المحتل الغربي (بريطانيا)؛ فقد أذاقوا الأفارقة الذل والمهانة، وكافة ضروب القسوة والتنكيل بالسكان الأصليين، ولو أنهم استطاعوا إبادتهم كما فعلوا مع الهنود الحمر في القارة الأمريكية، لما ترددوا لحظة واحدة، ولكن وجدوا أنفسهم وسط بحر متلاطم من الأفارقة، فعندئذ صعب عليهم أمر القيام بالإبادة الجماعية، وحتى الزعيم نيلسون مانديلا لم يستطيعوا التخلص منه، وذلك بمقادير ربانية ليُرينا الله فيهم ملكوته وحكمته وقدرته في تسيير الأمور، فأبقوه في السجن الانفرادي على مدى 27 عامًا، وأُفرِج عنه في 1990م. وفي عام 1994م انتخب رئيسًا لجنوب أفريقيا، وهذا تقدير من الله وحكمة منه لخلقه، بأنه هو المسير لهذا الكون، يحكم بما يريد، ولا دخل للظالمين في ذلك.

المقاطعة الدولية كان لها الأثر الكبير في خلاص جنوب أفريقيا من الفصل العنصري؛ حيث ضاق الخناق على الطُغاة، وتحت ضغط قرارات الأمم المتحدة التي لم يكن مسيطراً عليها أمريكيًا كما هو الحال مع إسرائيل، فقد خرج الزعيم مانديلا من السجن نتيجة لتضافر الجهود الدولية، ورغم أنف بريطانيا "الصغرى" التي هيأت نفسها لقهر شعوب العالم وإذلالهم، ونهب ثروات البلدان بضعف وفرقة منهم، وذلك نتيجة لنهجها المعروف "فرق تسد" وقوتها الغاشمة الغادرة.

جنوب أفريقيا- إذن- بإقدامها على رفع الشكوى أمام المحكمة الدولية ضد إسرائيل، لاقترافها إبادة جماعية، وتطهيرا عرقيا في غزة مع سبق الإصرار والتصميم، تفعل ذلك أولًا لرد الجميل للدول العربية التي ساندتها في شدتها، وكان العرب حين ذاك عربًا غير مدجنين كما هو حالهم اليوم. وثانيًا؛ جنوب أفريقيا تمثل جانب الحياد الدولي اليوم، وهي تنطلق من موقعها ومكانتها الدولية، فهي الأمضى بهذه الشكوى، وهي لن تحاكم إسرائيل وحدها، وإنما تحاكم العالم أجمع، هذا العالم الذي يزعم أنه يحمي حقوق الإنسان، وينشر الديموقراطية والحرية حول العالم، فاتضح كذبه ومزاعمه بأنه مجرد بهرجة إعلامية لا أساس لها من الصحة، فالغرب الذي تتزعمه أمريكا، ورغم أنهم يسمون العرب بالأصدقاء، وأنهم يحمونهم من الأعداء؛ بل يحمون مصالحهم بالسيطرة على الثروات العربية، والحقيقة كانوا يحاصرون العرب ليمنعوهم من الذهاب إلى غيرهم، وذلك عندما يجدون مصالحهم مع روسيا والصين، ولكن عندما يأتي الأمر لإقامة الحق والعدل، فإنه لا حق ولا عدل للعرب في حضور بني صهيون.

إنَّ مجرد صدور حكم المحكمة الدولية، بإدانة الكيان الصهيوني المحمي من عصابة البيت الأبيض، سيمثل إنجازًا كبيرًا سيعوَّل عليه الكثير حول العالم، حتى وإن رفضت إسرائيل الانصياع للحكم، أو تصدّت له أمريكا في الأمم المتحدة، وهذا متوقع في زمن الطغيان، والظلم والاستبداد والاستكبار الأمريكي، فعندئذٍ الصورة التي صورت بها إسرائيل من أنها البلد الوحيد المُتحضِّر والديمقراطي في المنطقة، وأنها الحمل الوديع الذي يريد أن يُلقي به العرب في البحر، فسوف يخالف هذا الحكم كل الذي رَسَخَ في عقول وأذهان الغرب وعلى مدى 75 عامًا مضت، وأن العالم يتغير اليوم، وذلك بعدما بدأت تصله أنصاف الحقائق والمعلومات، وبدأ يُغيِّر مواقفه من إسرائيل، بدليل المظاهرات التي سيطرت على معظم بلدان العالم، فما بال إن صدر الحكم بإدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية والتهجير القسري والفصل العنصري، ومنع الماء والغذاء والدواء عن شعب أعزل محتل من قبل إسرائيل نفسها، لا شك أن شعوب العالم ستقف إلى جانب حكم المحكمة الدولية، وفي صالح تحرر دولة فلسطين.

لقد عرّت ثورة السابع من أكتوبر كذب إنسانية حكومات العالم، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية، وأظهرت هشاشة هذه الحكومات التي لم تستطع أن تدخل الماء والغذاء لشعب غزة البطل، الذي ظل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو يسير في الشهر الرابع من الحرب، وهو في معركة شرسة ليس مع العصابات الصهيونية وحدها، وإنما مع أعتى القتلة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ومن يقبل أن تكون فلسطين هي الثور الأبيض، فإنَّه بعد الثور الأبيض سيأتي الدور على الأسود!

لقد ظلت اليمن غير ملوثة عقولهم، وقد أعتقد بعض العرب أن اليمن الفقير في المال، لكنه غني في كل شيء، فهو شهم لا يعتدي وصبور لا يجزع، وصاحب عقل مبدع، ويعفو عند المقدرة، لكنه لا يغدر ومع ذلك لا يتنازل عن حق، والثأر عنده أمر مقدس.

وليس أدل على ذلك إلاّ أنهم أغلقوا فعلًا ميناء أم الرشراش الفلسطينية (إيلات) وأصبح مهجورًا، وقد تقدَّم قراصنة البحار الأمريكان، وأبناء عمومتهم من القراصنة البريطانيين لنجدة الكيان الصهيوني، فوصلوا إلى محيط السواحل اليمنية من جهة البحر الأحمر، وبدأوا قصف اليمن، بما تيسر لهم من قوة غاشمة، فظنوا بذلك أنهم سيرهبون الشعب اليمني، لكي ينفض عن قيادته، فأتاهم الرد بمسيرات مليونية، تزحف في شوارع صنعاء، وكانت طائرات العدوان تحلق فوق رؤوسهم، مرددين عبارة واحدة "والله لا نبالي" أنَّ الأعداء في نشوة كبرى على أنهم قد ردعوا اليمن، ولكن لم يطِل اليمنيون الانتظار، فهاجموا سفينة حاويات أمريكية في خليج عدن، وطائرات الأعداء تنسج خيوط الجبروت والشّر في الأجواء اليمانية، طبعًا هذه البداية ولن تكون النهاية، فالثأر اليمني مبيت ضد أمريكا وبريطانيا، وقد يهرب الطغاة قبل أن تسكن بوارجهم الحربية في قاع البحر الأحمر بإذن لله.

اليمن السعيد انتزع الزعامة العربية، بقوة وبجدارة، وهي له من قديم الزمان منذ أن كان يحكم الأرض نبي الله سليمان بن داود عليهما سلام الله، وذلك في أرض فلسطين بالشام، وكانت تحكم اليمن الملكة بلقيس ملكة مملكة "سبأ" ولكن اليمانيين كانوا يغضون الطرف عن حقهم في الزعامة، طالما ظل هناك من يستحق الزعامة، ويُعطيها حقها ويذود عنها، أما اليوم وقد خلت الساحة من الزعامات العربية، وقد دَجّن الغرب القادة العرب، ففصلوا لهم ملبوسا يليق بالخونة والمتخاذلين، لكي يكونوا في خدمة إسرائيل، وتوجيههم ليكونوا نصلة خنجر في قلب الدين الإسلامي الحنيف؛ فبدل البعض دين الله بأديان أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

إذن؛ الملك سيف ابن ذي يزن اليماني، يمتشق اليوم سيف الحرب والعزة والكرامة، وينزل الساحة ليسترد ما فرط فيه بعض العرب، وتنازلوا عنه بحجة الخوف من الأمن والجوع والديون، وقد أمسوا في شتات وهلع غير مسبوقين، وأصبح الخوف من أمريكا والغرب، أولى من الخوف من الله العزيز القهار، فحق لليمن السعيد قيادة الأمة العربية، واسترداد الكرامة العربية دون منازعة من أحد..

الله أكبر والنصر من عند لله يؤتيه لعباده المخلصين، وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نكبة العرب في فلسطين ونكبة فلسطين في العـرب 

يمانيون/ بقلم/ أ. عبدالله علي صبري

¨ في 15 مايو الجاري حلت الذكرى 77 لنكبة فلسطين، ففي مثل هذا اليوم من العام 1948 أعلن اليهود الصهاينة عن دولتهم الناشئة في الأراضي العربية التي اغتصبوها وهجّروا أهلها من فلسطين المحتلة. وحظي هذا الكيان باعتراف سريع من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.

لم يغير التدخل العربي شيئا، برغم أن جيوش عدد من الدول العربية قد تحركت بهدف القضاء على دولة الكيان في مهدها، فلم تفلح. ولأن مصيبة العرب والفلسطينيين كانت كبيرة وغير متوقعة، فقد وصفوا ما جرى بالنكبة، على أمل أن يعود الشعب الفلسطيني وتتحرر أراضيه في وقت قريب.

طال زمن النكبة، وتعاظمت خسائر العرب من 48 إلى 67 وحتى اجتياح لبنان في 1982، ومن اتفاق كامب ديفيد، ثم اتفاق أوسلو ووادي عربة، وحتى “اتفاقات أبراهام” الأخيرة. ومع كل ذلك ظلت فلسطين القضية المركزية للأمة العربية شعبيا ورسميا، وظلت الحناجر العربية تصدح بكل قوة دفاعا عن الحق الفلسطيني، في المؤتمرات والندوات والمسيرات، وفي الأعمال الفنية والدرامية، وعلى شاشات وصفحات وأثير الإعلام بوسائله التقليدية والجديدة.

وحين تحرك الشعب الفلسطيني وأطلق الانتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر، ثم الانتفاضة الثانية- انتفاضة الأقصى، كان العرب يتحركون ويدعمون فلسطين في المحافل الدولية، ويحاصرون الكيان الصهيوني وأطماعه التوسعية، ومشاريعه التهويدية.

ولما تبلورت المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم المقاومة في فلسطين بمختلف فصائلها، كان العرب إلى جانب المقاومة ماديا ومعنويا، فقد كان شعور الحكام العرب السابقين برغم العلات التي كانوا عليها، أقرب إلى فلسطين، بل كانوا أحيانا يتنافسون في الخطابات القومية المعادية والمتوعدة لليهود وعصاباتهم التي كانت ولا تزال مدعومة من دول الهيمنة الكبرى.

صحيح أن انحرافا سياسيا طرأ على المشهد العربي، حين اتسعت دائرة المتعاملين والمنادين بالواقعية السياسية، قبل وبعد الحرب الباردة، غير أن أحدا لم يجرؤ أن يقول مثلا أن فلسطين ليست قضيتي، كما حدث في السنوات الأخيرة.

وبرغم تباينات الحكام العرب وخذلانهم لفلسطين والمقاومة، وانخراطهم في التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن الفلسطيني لم يشعر يوما بهذه الدرجة من التواطؤ والخيانة كما يشعر اليوم، وقد أشاح العرب حكاما وشعوبا عن حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة على مدى عشرين شهرا تقريبا، عجزت خلالها حكومات العرب، وجيوشهم، وأحزابهم، ومنظماتهم، ونقاباتهم، وعلمائهم، وعشائرهم، عن تأمين الغذاء والدواء لأهل غزة الذين يموتون على مدار الساعة بالقصف، وبالجوع، وبالتراجع المريع للخدمات الصحية والطبية.

لم يشعر الفلسطيني بهذا القهر وبهذه النكبة كما يشعر اليوم، والطعنات والمؤامرات تتوارى على ظهره، والمواقف المخزية هي عنوان المرحلة. ولم يشعر الفلسطيني بهذه الدرجة من الحسرة وهو يرى حكام العرب بهذا المستوى المخيف من الهوان والانحطاط، بل وصل الحال أن ثلاثة من دول الأعراب الخليجية النفطية قد استقبلت المجرم ترامب ورفدت خزينته بنحو 4 ترليون دولار، _ وهي أرقام فلكية خيالية_، لكن دون مقابل، فلم يذكر أحد منهم فلسطين أو غزة، ولم تستنكر شعوبهم هذه الحالة المتردية من الانبطاح، بل تبارت وسائل إعلامهم في تمجيد حالة التفاهة التي لم يتوقعها حتى ترامب نفسه، وهو يرى المبالغة في الاحتفال بزيارته حد الابتذال، ثم يقال له خذ ما شئت وكيف شئت، فكلنا ” فراشون في بابك “.!

غادر ترامب المنطقة وقد زارها في ذكرى النكبة، محملا بالأموال والعطايا والهدايا، لكنه خلّف وراءه نكبة جديدة، أكبر وأقسى وأخطر من نكبة العرب في فلسطين.

21-5-2025

مقالات مشابهة

  • حقيقة أدلة ترامب ضد جنوب أفريقيا.. هل ضلل الرئيس الأمريكي العالم؟
  • الكاتب سمير أيوب: اليمن يعيد فلسطين إلى واجهة العالم ويكسر احتكار الرواية الصهيونية
  • إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ ثانٍ أطلق من اليمن
  • علاقة ما فعله ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا بالقضية التي رفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة تثير تفاعلا
  • لا أتوقع أي نتيجة'.. ترامب يستهين بقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل
  • ترامب: لا أتوقع نتيجة لقضية جنوب أفريقيا أمام العدل الدولية ضد إسرائيل
  • جنوب لبنان.. إسرائيل تعلن اغتيال قائد في حزب الله (فيديو)
  • إسرائيل تُهين الدبلوماسية الدولية.. جنود الاحتلال يفتحون النار على وفد من السفراء العرب والأوروبيين
  • بالفيديو... إسرائيل تنشر لحظة اغتيالها قائدًا في حزب الله
  • نكبة العرب في فلسطين ونكبة فلسطين في العـرب