جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-23@09:54:06 GMT

فرص إدانة إسرائيل وتداعياتها

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

فرص إدانة إسرائيل وتداعياتها

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

نلسون مانديلا، والحائز على جائزة نوبل للسلام، مناضلٌ عظيمٌ من جنوب إفريقيا عاش حياة صعبة؛ إذ حُكم عليه بالسجن مدى الحياة وقضى 27 عامًا فيه قبل أن يُطلق سراحه ليكون رئيسًا لبلده، وكان رفيقًا لجمال عبدالناصر بالفكر، لأن الاثنين لم يلتقيا في الحياة، وفي خطبة له في جامعة القاهرة أثناء تكريمه له ذكر "إنِّه كان لديه موعد تأخر ربع قرن مع رجل رفع رأسه من بعيد لكي يراه، ثم حالت ظروف قاهرة بينه وبين لقياه، وحين جاء إلى مصر فقد كان من سوء حظه أن جمال عبد الناصر لم يعد هناك".

جنوب أفريقيا لم تنس مشاعر الدعم لنضالها ضد التمييز العنصري من البلدان العربية ومنها مصر والعراق وسوريا والجزائر، ولذلك لابُد من توجيه شكر خاص لجنوب إفريقيا بسبب رفعها دعوة لمحاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وسيسجل التاريخ موقفها بأحرف من نور. واستمرار إسرائيل في ارتكاب الجرائم المختلفة هو إحساسها بأنها "دولة" فوق القانون"، بسبب التخاذل الغربي، وعدم اتخاذه أية خطوات عملية لمحاسبتها وإلزامها بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وإمدادها بشتّى أنواع الأسلحة الفتّاكة والدعم السياسي والمالي والاقتصادي والاستخباراتي.

تجد إسرائيل نفسها اليوم أمام معضلة قانونية ضخمة، بسبب رفع جنوب إفريقيا دعوة لمحاكمتها بتهمة ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية وما قد ينجم عنها من عواقب عديدة في حالة إدانتها، علامات القلق واضحة على مسؤوليها خوفًا من إدانتها. ولحين البت في القضية، طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة الدولية، إصدار أمر مؤقت عاجل لإسرائيل بتعليق فوري لعملياتها العسكرية في غزة.

لكن ما هي فرص قيام المحكمة الدولية بإصدار قرار إدانة إسرائيل بطريقة صريحة لا لبس فيها ولا غموض ولا يمكن تأويله؟

بعض وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن وجود ضغوط قوية خلف الكواليس على قضاة المحكمة تصل إلى حد التهديدات الصريحة ضدهم إذا أدانوا إسرائيل. الإدانة تضع الغرب في مأزق، لأن الغرب يسلح إسرائيل ويقدم كل أنواع الدعم لها ويمنع صدور أي قرار لوقف إطلاق النار، ولذلك فإن الغرب سيستخدم نفوذه لمنع صدور حكم قاطع ضد إسرائيل لأنه سيحمله المشاركة في الإبادة الجماعية، علما بأنه ذاته الذي يمطرنا بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

رئيسة محكمة العدل الدولية هي القاضية الأمريكية "جوان دونوغيو"، الموظفة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، وقد تتعرض إلى ضغوط قوية من الخارجية الأمريكية لاستخدام نفوذها لصالح إسرائيل ومعارضة إدانتها.

الأكاديمي الإسرائيلي " فينكلشتاين" أوضح في مداخلة له عبر قناة الجزيرة أنه يعتقد أن ضغوطًا قوية ستُمارس على كل عضو من طرف دولته، ومن اللوبيات اليهودية رغم أن مصداقية المحكمة وقضاتها سوف تتأثر إذا لم يصدر حكم واضح ضد إسرائيل. ولذلك فربما ستقوم المحكمة بإصدار حكم مليء بعبارات مطاطية مثل "دعوة إسرائيل إلى بذل كل الجهود لحماية المدنيين" أو "بوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن" أو "بذل جهود إضافية لإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة".

هذه الأحكام مطاطية، وتتمكن كل جهة تفسيرها بطريقتها الخاصة.

المحكمة الجنائية الدولية ومنذ عام 2009، رفضت إصدار أحكام بخصوص القضايا المرفوعة ضد إسرائيل، وفي ظل ثلاثة مدعين عامين مختلفين، ومنذ ذلك التاريخ، تلطخت أيدي المحكمة الجنائية الدولية بدماء جميع الفلسطينيين الذين قتلوا بالرصاص الإسرائيلي.

صدور قرار يتلاعب بالكلمات، يعطي المجال لكل جهة بتفسيره حسب مصلحتها، مثلما حصل لقرار مجلس الأمن الدولي المشهور رقم 242 الذي تم اعتماده بعد حرب حزيران 1967. ولاطلاع القارئ حول ذلك القرار، فقد وردت عبارة واحدة في القرار حوّله من «حل» إلى "مشكلة" وهي «انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتلت" بدلاً من استعمال عبارة " الانسحاب من الأراضي المحتلة". والعبارة انطوت على أهداف بعيدة المدى لإعفاء إسرائيل من الانسحاب من "كل الأراضي المحتلة" وليس أراضي محتلة، ومنحها هامشاً للمناورة في أية مفاوضات مع الفلسطينيين والعرب، أو في أية تحرّكات دبلوماسية دولية.

في كتابه «مكان تحت الشمس» الذي صدر عام 1993، ذكر بنيامين نتانياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي) أن «إسرائيل» نفّذت فعلاً القسم الأكبر من القرار، عبر انسحابها من شبه جزيرة سيناء، وهي ضعفا مساحة فلسطين كاملة.

أداة التعريف المكونة من ثلاثة حروف "the"  (أل التعريف) توازي على الأرض كل أراضي فلسطين، طالما أن التفسير متروك لإسرائيل والغرب، وإسرائيل تعتبر أن حدودها تنتهي حيث يقف آخر جندي إسرائيلي. وإسرائيل في «وثيقة الاستقلال»، لا تُلزم نفسها بأية حدود، أي أن فلسطين والمنطقة بين نهري النيل الفرات (شيك على بياض) بالنسبة لها.

وسيكون مشروعًا التساؤل عمّا سيحصل إذا كسبت جنوب إفريقيا الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل؟

المحامي الأمريكي البارز في مجال حقوق الإنسان "فرانسيس بويل" الذي ساهم في إعداد لائحة الاتهام ضد الرئيس الصربي السابق (سلوبودان ميلوسيفيتش) المتهم بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، يعتقد بوجود احتمال كبير بأن تكسب جنوب إفريقيا دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل. وأكد فرانسيس بويل خلال مقابلة مع وكالة "الأناضول" التركية عن اعتقاده بأن جنوب أفريقيا ستكسب الدعوى القضائية ويضيف: صدور قرار بإدانة إسرائيل سيكون له عواقب وخيمة للغاية عليها، لأن العالم سيعرف أنها ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

وتتهم جنوب إفريقيا إسرائيل بأنها تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 وتمارس الإبادة الجماعية الذي يستوجب المعاقبة حسب تلك الاتفاقية.

فما هي السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تنشأ إذا صدر قرار لا يمكن تأويله يدين  إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية؟

أحد التداعيات المحتملة هو توجه جنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن الدولي لتنفيذ القرار وتعليق مشاركة إسرائيل في أنشطة الأمم المتحدة، والملاحقة القضائية، والعقوبات الاقتصادية إضافة إلى توجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين أمامها، مؤديًا ذلك إلى الإضرار بمكانة إسرائيل الدولية، وخلق رأي عام دولي مناهض لها والمقاطعة الدولية وفرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها. ويقول المحامي الأمريكي فرانسيس بول إن "إسرائيل تدرك أن أي قرار من المحكمة الدولية ضدها سيسبب لها جروحا خطيرة لا تندمل". ويضيف: "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن متواطئة بالتأكيد في الإبادة الجماعية الصهيونية ضد الفلسطينيين، وتساعد وتحرض على ذلك، وهذا يتعارض مع قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية الذي أصدرته الحكومة الأمريكية"، وأنه "قد تم فعلا رفع دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس بايدن في الولايات المتحدة بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية، وهذه القضية الآن في المحاكم الأمريكية".

ومن جهة أخرى، أعلن معهد "ديمقراطية إسرائيل" أن اتهامات جنوب أفريقيا تمثل تحديا كبيرا لإسرائيل، وتتعامل تل أبيب معها بجدية، وتستثمر موارد قانونية ومالية كثيرة. كما أشار المعهد "ان الدعوات التي تطلقها شخصيات عامة اسرائيلية من وقت لآخر يمكن تفسيرها حرفيا على أنها دعوات للإبادة الجماعية. وأوضح أن "خسارة القضية يمكن أن تضع إسرائيل في موقف إشكالي للغاية على الساحة الدولية" وأن الخسارة ستكون مثل "كرة ثلج خطيرة"، محذرا أن "أعداء إسرائيل سيستغلونها بالتأكيد في وسائل الإعلام المختلفة والجامعات لخلق رأي عام مناهض لاسرائيل".

كما أن صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية ذكرت أنه على الرغم من أن محكمة العدل لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، إلّا أن "إجراء مثل الأمر بوقف الحرب فورًا، من شأنه أن يُثبت أن إسرائيل ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية، مما يتسبب في عزلتها ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها وعلى شركاتها". واعتبرت الصحيفة أن إدانة إسرائيل يمكن أن تؤثر حتى على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن "الداعم لتل أبيب في عدوانها على غزة إلى درجة أنها قد تقيد مبيعات أنظمة الأسلحة لإسرائيل".

إسرائيل تخشى من أنها سوف تواجه- في حالة إدانتها- تداعيات عديدة من ضمنها: الإضرار بمكانتها الدولية، وخلق رأي عام دولي مناهض لها، وزيادة المقاطعة الدولية لها، والامتناع عن تزويدها بالأسلحة، وفرض عقوبات سياسية وعسكرية واقتصادية، والنظر إليها كدولة منبوذة.

إسرائيل تجد نفسها لأول مرة في تاريخها في قفص الاتهام بتهمة الإبادة الجماعية، وهذه المحاكمة مثلما قال السفير البريطاني السابق في أوزبكستان كريج موراي إن "إسرائيل لا تواجه المحاكمة وحدها؛ بل في الواقع فإنَّ المحكمة الدولية أيضًا أمام المُحاكَمَة".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

علاقة ما فعله ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا بالقضية التي رفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة تثير تفاعلا

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)— أشعلت صورة استلام الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا، لأوراق طبعت عليها مزاعم "الإبادة الجماعية" من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وتوزيعها على الوفد المرافق له، ضجة وتفاعلا واسعا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط ربط البعض بين أسلوب ترامب الصادم بالتعامل مع الوفد الجنوب إفريقي مع القضية التي سبق ورفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة.

وفي تعليق لـCNN عقب انتهاء اللقاء مع ترامب، قال رامافوزا إن إعادة ضبط العلاقات كانت ضرورية بعد أن "لوثت" الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا بالخلافات حول اتهام جنوب إفريقيا لإسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة أمام المحكمة الدولية.

والتقى الرجلان على انفراد في المكتب البيضاوي بعد أن تحدثا إلى الصحفيين مسبقا، وخلال الجزء العلني من اللقاء الذي شهد مواجهة محتدمة بعدما كرر ترامب نظريات المؤامرة حول "الإبادة الجماعية البيضاء" في جنوب إفريقيا، وفي المقابل، رد رامافوزا على هذه المزاعم، وأقر بوجود "جرائم"، لكنه أصرّ على أن "الأشخاص الذين يقتلون، للأسف نتيجة أنشطة إجرامية، ليسوا فقط من البيض، بل غالبيتهم من السود".

ورد رامافوزا أثناء مغادرته البيت الأبيض على سؤال لشبكة CNNعما إذا كان يعتقد أن ترامب سمعه، أجاب "نعم، لقد سمعني".

وكانت جنوب إفريقيا قد اتهمت إسرائيل العام الماضي بانتهاك القوانين الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية خلال حربها في غزة وطلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بوقف الحرب، وقالت الرئاسة الجنوب إفريقية إن الأدلة "تظهر كيف انتهكت حكومة إسرائيل اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال تعزيز تدمير الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، وقتلهم جسديا بمجموعة متنوعة من الأسلحة المدمرة، وحرمانهم من الوصول إلى المساعدات الإنسانية".

وقد دحضت إسرائيل بشدة ادعاءات جنوب إفريقيا، وقالت إن هذا "استغلال فاحش" لاتفاقية الإبادة الجماعية "المقدسة"، وقالت إنها منخرطة في صراع مسلح "صعب ومأساوي"، وهو أمر ضروري "لفهم الوضع".

وكانت مارغو مارتن، المساعدة الخاصة ومستشارة الاتصالات للرئيس الأمريكي قد نشرت مقطع فيديو لهذه اللحظة بتدوينة على صفحتها الرسمية بمنصة إكس (تويتر سابقا) بتعليق كتبت فيه: " الرئيس (دونالد ترامب) يعرض على رئيس جنوب أفريقيا مقالاتٍ عن قتل المزارعين البيض.. ’الموت، الموت، الموت‘".

مقالات مشابهة

  • بعد ضجة ترامب ورامافوزا.. إليكم مفهوم الإبادة الجماعية بالأمم المتحدة وإن كان ينطبق بجنوب أفريقيا
  • كواليس هتاف أقتل المزارع أقتل الخنزير بفيديو ترامب لرئيس جنوب أفريقيا ومزاعم الإبادة الجماعية للبيض
  • صور تلتقط تعابير الوفد المرافق لرئيس أفريقيا لحظة عرض ترامب مزاعم الإبادة الجماعية
  • الصحة في غزة: 343 طفلا ولدوا واستشهدوا بعد لحظات خلال جريمة الإبادة الجماعية
  • ترامب يكرّر مزاعم "الإبادة الجماعية ضد البيض" بجنوب إفريقيا ويروّج لخمس روايات مضللة
  • علاقة ما فعله ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا بالقضية التي رفعتها الأخيرة ضد إسرائيل حول غزة تثير تفاعلا
  • تحليل لغة جسد رئيس جنوب افريقيا لحظة عرض ترامب فيديو أمامه عن مزاعم الإبادة الجماعية يشعل تفاعلا
  • ترامب عن قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل: لا أتوقع شيئا
  • ترمب: لا أتوقع أي شيء بشأن قضية جنوب إفريقيا ضد تل أبيب في محكمة العدل الدولية
  • الإبادة الجماعية والحرب الديموغرافية الإسرائيلية