محللون: واشنطن يمكنها وقف الحرب لكنها لا تريد وهي ليست جادة في حل الدولتين
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
يرى محللون أن الولايات المتحدة الأميركية ليست راغبة في وقف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، رغم قدرتها على القيام بهذا الأمر بل وعلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويعزون ذلك إلى سيطرة المصالح السياسية الداخلية على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن.
فقد أثبتت واشنطن خلال الشهور الثلاثة الماضية، أنها لا تريد وقف الحرب وأنها متورطة ومتآمرة فيما يجري، وفق أستاذة الدبلوماسية وإدارة الصراعات دلال عريقات، التي تقول إن الرئيس الأميركي يمكنه وقف الحرب فورا إذا أراد ذلك، لكنه يواصل توفير الحماية لدولة الاحتلال.
وخلال مشاركتها في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قالت عريقات إن الجميع يعرف أن الحديث عن عجز واشنطن عن إقناع حكومة بنيامين نتنياهو بإدخال المساعدات، أو تقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين، ليس صحيحا، مؤكدة أن واشنطن هي الوحيدة القادرة على لجم هذه الحكومة المتطرفة ووقف إطلاق النار.
بايدن لا يريد وقف الحرب
وأضافت عريقات "الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر هو الوحيد الذي سبق له التأثير على إسرائيل، ثم جاء دونالد ترامب واعترف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل مخالفا بذلك كل القوانين الدولية، وبالتالي فإن بايدن يمكنه أيضا فعل ما يريد مع تل أبيب من خلال الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها، لكنه لا يريد".
وحتى التغير البسيط في التعامل الأميركي مع ما تقوم به إسرائيل سواء في غزة أو الضفة الغربية، فإنه يعود إلى عوامل من بينها الانقسام المتزايد داخل إسرائيل، والذي تخشى واشنطن واللوبي الصهيوني أن يهدد بقاء إسرائيل في المنطقة، كما تقول عريقات.
إلى جانب ذلك، فإن عريقات تعزو التغير البسيط في تعامل واشنطن مع نتنياهو، إلى التراجع المتزايد لحظوظ بايدن أمام ترامب في الانتخابات المقبلة.
الرأي نفسه ذهب إليه المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية السفير باتريك ثيروس، بقوله إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في معظمها "تبدو مرهونة إلى حد كبير بسياستها الداخلية، وهو ما أثبتته هذه الحرب".
البحث عن مصالح خاصة
وأضاف ثيروس أن "تمسك أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ باستمرار الحرب طلبا لمصالح انتخابية تؤكد أن القائمين على الأمور في واشنطن ينظرون إلى مصالحهم الضيقة، وهم يتعاملون مع هذه الأزمة".
وأبدى ثيروس استغرابه من إصرار بايدن على عدم الضغط بجدية على نتنياهو، مؤكدا أن واشنطن "يمكنها فعل هذا لو أرادت".
وثمة خطأ آخر في السياسة الأميركية -كما يقول ثيروس- وهو أنها تمزج بين شخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي وإسرائيل، وبالتالي فإن واشنطن تدعم رئيس الوزراء على حساب مصلحة إسرائيل، كما فعلت في السابق.
ويعتقد ثيروس أن على الولايات المتحدة النأي بنفسها عن كارثة غزة وقادة إسرائيل المتطرفين، وأن تعمل على وقف الحرب من أجل وقف هجمات جماعة الحوثيين اليمنية في البحر الأحمر، ومنع وصول الحرب إلى لبنان.
لكن الدبلوماسي الأميركي السباق يعتقد أن السياسيين في واشنطن لا يقفون عند حدود المصالح الداخلية ومصالحهم الخاصة، وبالتالي فإنهم لن يتحركوا لوقف الحرب فعليا إلا إذا امتدت إلى دول أخرى بالمنطقة، من وجهة نظره.
والدليل على تعامل الولايات المتحدة مع الحرب من منظور المصالح الداخلية هو أن وسائل الإعلام الأميركية لا تنقل شيئا مما يحدث في غزة، وتبدأ القصة كلها مما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (طوفان الأقصى)، كجزء من حملة دعاية تخلق بيئة لا تدعم مطالب وقف الحرب، كما يقول ثيروس.
محاولة استغلال الحرب
جانب آخر أشارت إليه عريقات، ويتعلق برغبة واشنطن في تمرير مشروع التطبيع بالمنطقة وخصوصا مع المملكة العربية السعودية مقابل وقف الحرب كثمن لحقن دماء الفلسطينيين، وهو أمر لم يعد ينطلي على أحد، حسب قولها.
وترى عريقات أن إدارة بايدن تلعب اللعبة نفسها التي تضع الاعتراف بإسرائيل في المقدمة، في حين تكون إقامة الدولة الفلسطينية في ذيل كل اتفاق.
وأكدت أن على العرب والفلسطينيين أن يطالبوا واشنطن وكل من يدعم فكرة التطبيع مقابل وقف الحرب وتطبيق حل الدولتين بأن يبدأ التنفيذ من إنهاء الفوري للاحتلال وتحديد حدود هاتين الدولتين ثم المضي قدما في بقية التفاصيل، لا العكس.
وأضافت عريقات "نحن مقصرون في استخدام أوراق ضغطنا القانونية والدبلوماسية، وعلى القادة العرب أن يذكروا الأميركيين أن المفاوضات هي ورقة واحدة من بين عدة أوراق، والدول العربية لديها كثير مما يمكنها القيام به اقتصاديا ودبلوماسيا".
إلى جانب ذلك، فإن على السلطة الفلسطينية العمل من اليوم على إعادة وحدة الصف الفلسطيني بشكل جدي، والبحث عن حل شامل يضم كافة اللاعبين، ويضمن كافة حقوق الفلسطينيين.
وختمت بالقول "إن هذه الألعاب القديمة التي تمارسها واشنطن منذ 4 عقود لتحقيق مصالح إسرائيل مقابل وعود لا تنفذ بإقامة دولة فلسطين باتت مكشوفة للجميع" مؤكدة أن على الجميع الاعتراف بحقيقة أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ودولة قطر لا بد أن تكونا جزءا من أي خطة مقبلة، خصوصا بعد ما أكدت الدوحة مكانتها كوسيط موثوق، ويمكنه التوصل لحلول مضمونة التنفيذ مع كل الأطراف.
وأضافت "إدارة بايدن تحاول إيهام الدول العربية بأن التطبيع هو سبيل لوقف شلال الدم الفلسطيني، وسبق لواشنطن أن لعبت الأدوار نفسها في أفغانستان وفنزويلا، من خلال الحديث على إعادة الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب".
وقد أيد ثيروس هذا الحديث بقوله إن الحل الحقيقي للأزمة هو أن تكون البداية من إقامة دولة فلسطين لا العكس، لكنه يرى أن من يقومون على الأمر في واشنطن "اعتادوا سياسة معينة منذ عقود، وسيكون من الصعب تغييرها".
كما أن اليمين المتطرف في إسرائيل لا يريد لدولة قطر أي دور في مفاوضات المستقبل، ويشنون عليها حملات واسعة لإبعادها، لأنهم يعتقدون أنها ستكون سببا في قيام الدولة الفلسطينية التي لا يريدونها.
وختم ثيروس بالقول إنه لا يرى أي مؤشر على أن بايدن سيغير موقفه من الحرب الحالية ما لم تمتد إلى دول أخرى بالمنطقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وقف الحرب لا یرید
إقرأ أيضاً:
اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
مثّلت الحرب الشاملة التي شُنّت على اليمن في مارس 2015، التدشين العملي والأخطر لمؤامرة دولية مركبة، حيكت خيوطها بعناية فائقة في الغرف المظلمة بين واشنطن وتل أبيب؛ فالموقع الجيوسياسي لليمن، الحاكم على رئة العالم في باب المندب، جعل منه هدفاً دائماً لأطماع قوى الاستكبار التي ترى في استقلال هذا البلد تهديداً وجودياً لمشاريعها في المنطقة، ولعل المتأمل في مسار الأحداث يدرك بيقين أن ما يجري هو عقاب جماعي لشعب قرر الخروج من عباءة الوصاية.
إن القراءة المتأنية للرؤية الأمريكية والإسرائيلية تجاه اليمن تكشف تحولاً جذرياً في التعامل مع هذا الملف، فمنذ نجاح الثورة الشعبية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، أدرك العقل الاستراتيجي في البيت الأبيض والكيان الصهيوني أن اليمن قد غادر مربع التبعية التي كرسها “سفراء الدول العشر” لسنوات طويلة، وأن القرار اليمني لم يعد يصاغ في السفارات الأجنبية. لقد كانت تلك اللحظة بمثابة زلزال سياسي دفع بنيامين نتنياهو مبكراً للتحذير من أن سيطرة القوى الثورية الوطنية على باب المندب تشكل خطراً يفوق الخطر النووي، وهو ما يفسر الجنون الهستيري الذي طبع العدوان لاحقاً. وقد تجلت هذه الرؤية بوضوح صارخ في المرحلة الحالية، وتحديداً مع انخراط اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، حيث سقطت الأقنعة تماماً، وانتقلت أمريكا من إدارة الحرب عبر وكلائها الإقليميين إلى المواجهة المباشرة بالأساطيل وحاملات الطائرات، بعد أن أدركت أن أدواتها في المنطقة عجزت عن كبح جماح المارد اليمني الذي بات يهدد شريان الحياة للاقتصاد الصهيوني.
وعند النظر إلى الخارطة العملياتية للمؤامرة، نجد أن العدو اعتمد استراتيجية خبيثة تقوم على تقسيم الجغرافيا اليمنية وظيفياً، والتعامل مع كل جزء بأسلوب مختلف يحقق غاية واحدة هي “التدمير والإنهاك”. ففي المناطق والمحافظات الحرة التي رفضت الخضوع، لجأ التحالف الأمريكي إلى استراتيجية “الخنق والتجويع” كبديل عن الحسم العسكري المستحيل؛ فكان قرار نقل وظائف البنك المركزي في سبتمبر 2016 الضربة الاقتصادية الأخطر التي هدفت لضرب العملة الوطنية وتجفيف السيولة، مترافقة مع حصار مطبق على الموانئ والمطارات، في محاولة بائسة لكسر الإرادة الشعبية عبر لقمة العيش، ومؤخراً محاولة عزل البنوك اليمنية عن النظام المالي العالمي، وهي ورقة ضغط أخيرة تم إحراقها بفضل معادلات الردع الصارمة التي فرضتها صنعاء.
أما في الجانب الآخر من المشهد، وتحديداً في المحافظات الجنوبية والمناطق المحتلة، فتتجلى المؤامرة في أبشع صورها عبر استراتيجية “الفوضى والنهب”، حيث يعمل المحتل على هندسة واقع سياسي وعسكري ممزق يمنع قيام أي دولة قوية؛ فمن عسكرة الجزر الاستراتيجية وتحويل “سقطرى” إلى قاعدة استخباراتية متقدمة للموساد وأبو ظبي، وبناء المدارج العسكرية في جزيرة “ميون” للتحكم بمضيق باب المندب، إلى النهب الممنهج لثروات الشعب من النفط والغاز في شبوة وحضرموت، بينما يكتوي المواطن هناك بنار الغلاء وانعدام الخدمات. إنهم يريدون جنوباً مفككاً تتنازعه الميليشيات المتناحرة، ليبقى مسرحاً مفتوحاً للمطامع الاستعمارية دون أي سيادة وطنية.
وأمام هذا الطوفان من التآمر، لم يقف اليمن مكتوف الأيدي، بل اجترح معجزة الصمود وبناء القوة، مستنداً إلى استراتيجية “الحماية والمواجهة” التي رسمتها القيادة الثورية بحكمة واقتدار. لقد تحول اليمن في زمن قياسي من وضع الدفاع وتلقي الضربات إلى موقع الهجوم وصناعة المعادلات، عبر بناء ترسانة عسكرية رادعة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة التي وصلت إلى عمق عواصم العدوان، بل وتجاوزتها لتدك “أم الرشراش” وتفرض حصاراً بحرياً تاريخياً على الكيان الصهيوني، مسقطة بذلك هيبة الردع الأمريكية في البحر الأحمر. هذا المسار العسكري وازاه مسار اقتصادي يرفع شعار الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الزراعة لكسر سلاح التجويع، ومسار تحصين الجبهة الداخلية عبر ترسيخ الهوية الإيمانية التي كانت السد المنيع أمام الحرب الناعمة.
خلاصة المشهد، أن اليمن اليوم، وبعد سنوات من العدوان والحصار، لم يعد ذلك “الحديقة الخلفية” لأحد، بل أصبح رقماً صعباً ولاعباً إقليمياً ودولياً يغير موازين القوى، وأن المؤامرة التي أرادت دفن هذا البلد تحت ركام الحرب، هي نفسها التي أحيت فيه روح المجد، ليصبح اليمن اليوم في طليعة محور الجهاد والمقاومة، شاهداً على أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من ترسانات الإمبراطوريات.