مأساة تصدم بريطانيا.. رضيع مات من الجوع وحيدا بجانب جثة والده
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
أحدثت وفاة الطفل البالغ من العمر عامين برونسون باترسبي الذي تُرك لأيام بجوار جثة والده، صدمة في بريطانيا، مثيرة تساؤلات حول إخفاقات محتملة من جانب الشرطة أو الخدمات الاجتماعية.
وعُثر على جثة الطفل في 9 يناير بجانب جثة والده كينيث (60 عاما) في شقتهما في منطقة سكيغنيس الساحلية في شمال إنكلترا. وكان قد شاهده آخر مرة قبل أسبوعين أحد جيرانه.
وبحسب الصحف البريطانية، توفي كينيث باترسبي بنوبة قلبية بعد أيام قليلة من عيد الميلاد، ووجد الطفل الصغير نفسه وحيدا، من دون ماء أو طعام.
وقالت سارة بيسي، والدة الطفل الأشقر الذي انتشرت صورته في وسائل الإعلام، إن ابنها توفي بسبب الجوع، ملقية باللائمة على الخدمات الاجتماعية في مقاطعة لينكولنشر.
وصرّحت الوالدة في مقابلة مع صحيفة "ذي صن" البريطانية "لو قاموا بعملهم، لكان برونسون لا يزال على قيد الحياة"، مضيفة أن كينيث باترسبي توفي بحدود 29 ديسمبر تقريباً.
وقالت والدة الطفل، التي لم تكن تعيش معه ولم تره منذ نوفمبر، إنها "مسكونة" بفكرة بحث ابنها اليائس عن الطعام بعد وفاة "كيني"، شريكها السابق الذي انفصلت عنه وأنجبت منه طفلين آخرين.
وكان الطفل برونسون ووالده قيد المتابعة من الخدمات الاجتماعية المحلية، وكان آخر اتصال للأم بطليقها في 27 ديسمبر.
Deeply upsetting. A young life, let down by a broken system, a system which continually fails.
He starved to death, alone, curled up next to his dead father. He was vulnerable, but no one bothered. No one cared.
Tragic doesn’t even cover it.
Bronson Battersby RIP ???? pic.twitter.com/RQpNXCqLxk
وقالت مديرة الخدمات الاجتماعية في مقاطعة لينكولنشر هيذر ساندي "إننا ندرس القضية حالياً مع شركائنا من أجل فهم الظروف بشكل أفضل، وننتظر أيضاً نتائج التحقيق" الذي تجريه المحاكم.
ظروف "مروعة"تقول الخدمات الاجتماعية إنها أخطرت الشرطة مرتين: الأولى في الثاني من يناير، عندما ذهبت مساعدة اجتماعية إلى منزل باترسبي لتحديد موعد لكنها لم تتلق أي رد.
وبعد "البحث عن عناوين أخرى يمكن أن يكون فيها الطفل"، عادت المساعدة الاجتماعية إلى عنوان الطفل ووالده الأساسي بعد يومين وقدمت بلاغاً جديداً إلى الشرطة، بسبب عدم تلقيها أي رد أو ملاحظة أي حركة في المكان.
وبعد خمسة أيام، قيل إنها حصلت أخيراً على مفتاح من صاحب الشقة، فدخلتها وعثرت على الجثتين. هذه المساعدة الاجتماعية التي ستخضع ردة فعلها للتقويم، أخذت إجازة بعد هذه "التجربة المؤلمة".
وقد أحيلت القضية إلى الشرطة البريطانية التي أكدت الخميس أنها تجري تحقيقاً في الإخفاقات المحتملة من جانب عناصرها في لينكولنشر.
وقال القائد الإقليمي للشرطة ديريك كامبل "إن الظروف المروعة التي توفي فيها كينيث وبرونسون أقل ما يقال عنها إنها صادمة"، مضيفاً "سنرى ما إذا كانت الشرطة قد فوتت أي فرصة للتحقق من حالة باترسبي (الأب) وبرونسون (الطفل) في وقت سابق".
وعلق مات وارمان، النائب المحافظ عن مدينة سكيغنيس، قائلاً "تسلط هذه المأساة الضوء على أهمية دور الجيران. سكيغنيس مكان تسود فيه روح مجتمعية حقيقية وأعرف مدى الحزن الذي يشعر به السكان".
وحاولت ميلاني باترسبي، أخت برونسون غير الشقيقة، تهدئة الأمور الجمعة، قائلة إن عناصر الشرطة والخدمات الاجتماعية "فعلوا ما في وسعهم" وليسوا مسؤولين عن المأساة.
وقالت في مقابلة مع "بي بي سي" إنها "راضية" عن إجراء السلطات المحلية تحقيقاً داخلياً "لتقويم ما إذا كان هناك أي تقصير أو إخفاقات" قبل وفاة برونسون.
وقالت ميلاني باترسبي (37 عاماً) إن والدها كينيث أصيب بالفعل بنوبة قلبية قبل أشهر قليلة من وفاته.
وأضافت أن الأخير "كان يعشق" برونسون و"بذل قصارى جهده من أجل هذا الطفل الصغير حتى أنفاسه الأخيرة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الخدمات الاجتماعیة
إقرأ أيضاً:
النّمور في اليوم الـ٧٢٢
النّمور في اليوم الـ٧٢٢
د. #جودت_سرسك
في الحكاية التي يتغنى بها #الأدباء و #كتاب #السرديات_الأدبية، يُقال إنّ مروّضًا ماكرًا واجه نمرًا قويًا لم يستطع قهره بالقوة، فاختار أن يقهره بالجوع.
أغلق عليه #القفص ولم يرمش له جفن، وقال له: لن تُطعَم حتى تقول لي: أنا جائع.
مقالات ذات صلةظلّ #النمر أيامًا يزمجِر، يرفض أنْ يكسر كبرياءه، يرفض الكلمة التي ستفتح له باب الذل.
لكنّ #الجوع حين يشتدّ، ينهش ما تبقّى من الإرادة، اهتزّ صوتُ النمرِ وقالها: أنا جائع.
استغلّ المروّض لحظة الانكسار، وصار يطلب منه كلّ يومٍ ما هو أذلّ:
أن يأكل العشب كخروف يساق إلى حتفه، أن يموء كقطة، ومرة أن ينهق كحمار.
وكلّما أذعن النمرُ أنعم المروّض عليه بقطعة من اللحم.
وفي اليوم العاشر، اختفى النمر واختفى القفص ولم يعد النمر نمرًا…
صار مواطنًا، وصار القفص مدينة، وصار صوت الغابة مجرد ذكرى.
إلا أنّ هناك حكاية أخرى لا تشبه حكاية النمر والمروّض.
حكاية نُقشت في قلب الأرض، تحت تراب #غزة الذي تسبّح الملائكة بين جنباته استغفارا لمن خطى فوقه بصدره العاري ولم يموء أو ينهق، حكاية نُقشت في أنفاق دام نظمها 114 يومًا من الجوع والعتمة والخذلان.
تحت تراب غزة، في شبكة أنفاق ضيّقها الظلام ووسّعها الإيمان، عاش أهلها ٧٢٢ يومًا بلا طعام يكفي، بلا ماء يروي، بلا ضوء يهدي، بلا سماء تظلّل.
عاشوا كما تعيش الأرض نفسها: صامتة، متماسكة، تقاوم كلّ ما يُثقلها.
في نفق رفح، لم يقف مروّضٌ أمام مقاومٍ؛ ولم يكن هناك صوتٌ يقول: قلْ أنا جائع لأعطيك لقمة.
بل كان هناك جوعٌ يفترس الأجساد، وظلامٌ يزداد ثِقَلًا يومًا بعد يوم، ولم يقل أحد منهم كلمة تكسِر هيبتَهم، لم ينحنِ لهم ظهٌر، لم يهتزّ لهم إيمان.
استسلم النمر في الحكاية في اليوم العاشر.
أمّا رجال الأنفاق فكلما مرَّ يوم جديد، زادهم الجوعُ صلابة، وزادهم الخذلان شموخًا، وزادهم الظلام نورًا من الداخل، لبثوا في أنفاقهم مائة يوم وازدادوا تسعا وخمساً عددَ سورِ القرآن، بدأت بالفاتحة وانتهت بالناس وبدأوا بمحمّد الضيف وانتهوا بأبي عبيدة.
في اليوم العاشرفقد النمرُ عنفوانه، وفي اليوم الـ٧٢٢ أصبج رجال غزة العنفوان نفسَه.
حين أعيى الجوعُ النمرَ وأثقله التعب، صار قفصُه مدينةً وهمية.
وأهل غزة حين صبروا، صار نفقهم وطنًا يجوب العالم يهتف لأجلهم الطفل والكهل والإفريقي والآسيوي والأوروبي والأمريكي واللاتيني، صار نفقهم رمزاً يحمل نبض الأرض وكرامة السماء.
حين جاع النمرُ تنازل عن زئيرِه، وحين جاع أبطالُ غزة ازدادت قبضتُهم قوة،
وكلما اشتدّ عليهم الليل اشتدّت عزيمتهم، وكلما حاول العالم محاصرتهم ازدادوا اتساعًا.
في أسطورة النمر، الهزيمة تبدأ بكلمة: أنا جائع.
وفي أسطورة غزة، البطولة تبدأ بكلماتٍ: لن ننحني.
في غزة، لم تكن المسألةُ صراعَ بقاء فقط، بل كانت فنّاً من فنون الصّبر، ونسخة إنسانية من تلك الحكايات، لكنّها أوسع وأرحب وأكثر نقاءً.
في اليوم الـ٧٢٢ من الحرب والحصار في أنفاق العزة والله أعلم بما لبثوا، لم يتحولوا إلى مواطنين في قفص، بل إلى أيقونات في تاريخٍ لا يكتبه إلا الأحرار.
إلى رجالٍ علّموا العالم أن الجوع لا يروّض الشرفاءَ، وأنّ الظلامَ لا يطفئ مَن رفعوا جذوة النور والأمل، وأنَّ القفصَ لا يمْكن أنْ يصير مدينة إلا لِمن فقد روحَه.
وأهلُ غزة أرواحُهم أكبرُ من كلِّ الأقفاص.
في غزة لا تكتب الحكاية بالحبر بل بوميض عيون المقاومين الذين لم يكشفوا وجوههم المباركة سبعمائة يوم أو يزيد.
سيشهد لهم القاصي والداني والشريف والدنيء أنّهم أعادوا تعريف المعجزة، لا بالانتصار في معركة، بل بالبقاء واقفين في معاناة تفوق أخدود نجران في الجزيرة العربية ولا تشبه أي أخدود.