لماذا تعثرت الدبلوماسية بشأن السودان، كابوس أفريقيا الدائم؟
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
إن أحد أمراء الحرب سيئي السمعة يحقق الفوز في حرب العلاقات العامة إضافة للحرب الحقيقية
17 يناير 2024 - نيروبي
مجلة الإيكونوميست
إعداد الترجمة: حسام عثمان محجوب
من الصعب أن نتصور مفارقة أعظم من الترحيب برجل متهم بارتكاب جريمة إبادة جماعية في جولة رسمية في متحف تذكاري لتلك الجريمة الأكثر بشاعة. ولكن هذا ما حدث بالضبط في السادس من يناير، عندما قام محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، وهو أشهر أمراء الحرب في السودان، بزيارة متحف ضحايا الإبادة الجماعية في كيجالي لإحياء ذكرى كارثة رواندا عام 1994.
تشن قوات الدعم السريع، وهي الجسم شبه العسكري التابع للسيد دقلو، حرباً حتى الموت ضد الجيش النظامي السوداني، القوات المسلحة السودانية، من أجل السيطرة على الدولة. منذ اندلاع القتال في أبريل الماضي، أُجبر أكثر من سبعة ملايين سوداني على ترك منازلهم؛ فر 1.4 مليون منهم إلى البلدان المجاورة. دمرت العاصمة الخرطوم، بينما أصبحت أجزاء من الريف على حافة المجاعة.
لا يوجد في هذه الحرب جانب ملائكي. قصفت القوات المسلحة السودانية المدنيين واضطهدت نشطاء السلام. لكن قوات الدعم السريع هي وحدها التي تواجه مزاعم موثوقة بارتكاب إبادة جماعية. وهي تقوم بالتعاون مع الميليشيات العربية المتحالفة معها بشن حملة تطهير عرقي ضد الأفارقة السود في دارفور، وهي منطقة تقع في الغرب، دامية إلى حد أن كثيرين يخشون تكرار الإبادة الجماعية التي حدثت هناك قبل عقدين من الزمن.
وهذا يجعل الترحيب الذي حظي به حميدتي في عواصم أفريقيا أكثر إثارة للقلق بالنسبة للعديد من السودانيين العاديين. لقد قوبل مؤخراً بسلسلة من حفلات الاستقبال الرسمية التي تليق برئيس دولة أكثر من أمير حرب يمارس الإبادة الجماعية. ابتداءً من 27 ديسمبر في أوغندا، قام منذ ذلك الحين بالتجول عبر إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وجنوب إفريقيا، قبل زيارته المثيرة للجدل إلى رواندا.
في نيروبي، تم استقباله على السجادة الحمراء مع عناق من ويليام روتو، رئيس كينيا، الذي أثنى عليه على جهوده لإنهاء الحرب. وفي تدوينة على موقع "إكس"، تويتر سابقاً، حُذفت لاحقاً، أشار مكتب رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا، إلى ضيفه بـ"فخامة رئيس السودان محمد دقلو". ومنذ ذلك الحين، طلبت منه الهيئة الحكومية للتنمية (المعروفة باسم إيجاد)، وهي كتلة إقليمية لشرق أفريقيا تضم ثماني دول، حضور قمة يوم 18 يناير، مما دفع منافسه الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يقود القوات النظامية، ورئيس الأمر الواقع للسودان للانسحاب من المفاوضات احتجاجاً.
الاعتراف الدبلوماسي الذي منحه الزعماء الأفارقة لدقلو قد يعكس جزئياً رضوخاً عملياً للواقع. تقول انتصار عبد الصادق من منظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة غير حكومية مقرها في واشنطن وبروكسل: "حميدتي يفوز". وفي ديسمبر، استولت قواته على مدينة ود مدني، إحدى أكبر مدن السودان، والتي كان من المفترض أن تكون حصناً قوياً للجيش الوطني. ومنذ ذلك الحين هددت بالتقدم شرقاً نحو بورتسودان، حيث تتمركز حكومة البرهان منذ طردها من الخرطوم في أغسطس. وقد حاولت إيجاد ترتيب وقف إطلاق النار، وهو ما يعني أن أعضاءها قد يعتقدون أنه يجب عليهم استقبال السيد دقلو من أجل الحفاظ على حياد الكتلة كوسيط.
لكن "الأمر لا يقتصر على أن [القادة الأفارقة] التقوا بحميدتي فحسب، بل إنها الطريقة التي التقوه بها"، كما تقول خلود خير من مؤسسة كونفلونس الاستشارية، وهي مؤسسة فكرية سودانية. على سبيل المثال، يحافظ الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني على بروتوكولات التباعد الاجتماعي بسبب فيروس كورونا، ومع ذلك فقد التقط لنفسه صورة وهو يصافح السيد دقلو بدون قناع. ولعل موسيفيني لم يغفر للجيش النظامي السوداني دعمه السابق لجيش الرب للمقاومة، وهي جماعة متمردة أرهبت شمال أوغندا في الفترة من عام 1987 إلى عام 2006. ومثل العديد من زعماء شرق أفريقيا الآخرين، قد ينظر موسيفيني إلى قوات الدعم السريع باعتبارها تحمل "تركةً تاريخيةً أقل" من القوات المسلحة السودانية، كما تلاحظ السيدة خلود. ويمكن للجنرال البرهان الاعتماد على مصر وجنوب السودان فقط كحليفين يمكن الاعتماد عليهما في المنطقة.
الميزة الرئيسية التي يتمتع بها حميدتي في ساحة المعركة هي دعم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يقال إنها كانت تزوده بالأسلحة والمركبات المدرعة والطائرات بدون طيار. وقد يساعد دعم الإمارات في تفسير نجاح جولاته الدبلوماسية الأخيرة. وتحرص العديد من الدول الإفريقية على تعزيز العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الغنية بأموال النفط والطامحة إلى توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة. حميدتي، الذي يمتلك مناجم ذهب مرتبطة بالإمارات في دارفور، ويتنقل عبر القارة على متن طائرة مسجلة في دبي، هو عضو في كتلة ناشئة تقودها الإمارات، تشمل إثيوبيا وتشاد ودولة أرض الصومال الانفصالية غير المعترف بها دولياً. ويُعتقد أيضاً أن الإماراتيين دفعوا العديد من السياسيين المعارضين السودانيين، بما في ذلك عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، إلى توقيع اتفاق مع حميدتي في أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا، في الثاني من يناير.
وهذا هو ما يمثل كوابيس بالنسبة للقوات المسلحة السودانية، التي هددت بـ "التحقيق" مع أولئك الذين تصافحوا في مودة مع حميدتي في أديس أبابا. في هذه الأثناء، زار الجنرال البرهان مؤخراً إيران، التي يقال إنها أعطته الأسلحة. وعلى الرغم من إدانة الآخرين لمعاملة قائد قوات الدعم السريع على قدم المساواة معه، إلا أن قائد القوات المسلحة يقول إنه أيضاً مستعد شخصياً للقاء حميدتي، لكنه يصر على ضرورة انسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم والمدن الأخرى كشرط مسبق للمفاوضات. ومن جانبه، يشم دقلو انتصاراً صريحاً. وهكذا تستمر الحرب.
(ملاحظة من المترجم: لا يوجد تأكيد لخبر زيارة البرهان لإيران، هناك صورة منتشرة للبرهان مع الرئيس الإيراني على أنها في إيران، ولكنها كانت أثناء اجتماعهما في الرياض في نوفمبر الماضي).
ظهر هذا المقال في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا من النسخة المطبوعة تحت عنوان "أسوأ أمراء الحرب هو المنتصر".
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2024/01/17/why-diplomacy-over-sudan-africas-enduring-nightmare-is-stuck
husamom@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع القوات المسلحة حمیدتی فی
إقرأ أيضاً:
“الخارجية السودانية” تكشف محاولات دولة الإمارات لعرقلة صدور إدانات دولية ضد الدعم السريع
متابعات ـ تاق برس
استنكرت وزارة الخارجية السودانية ما وصفتها بـ (المساعي العدائية المحمومة)، لنظام أبوظبي في الدفاع عن قوات الدعم السريع في المحافل الدولية، ووقوفها ضد السودان ودولته الوطنية ومقدراته الاقتصادية والثقافية والتاريخية، عبر مساندة هذه القوات.
وقالت الوزارة فى بيان لها اليوم أنها رصدت في هذا الصدد التحركات البائسة لوفد نظام أبوظبي في اجتماعات حركة عدم الإنحياز الأخيرة على مستوى الخبراء، بنيويورك الأسبوع الماضي، من أجل استبعاد النص الخاص بالتضامن مع السودان في مسودة البيان، وعدم وصف قوات الدعم السريع بأنها كيان متمرد على الشرعية الوطنية.
ولفتت الخارجية، أنها أيضا رصدت محاولة الوفد المذكور إدخال فقرة تشير إلى مفردة “الحكومة الموازية” التي تسعى بلاده إلى إقامتها في تحد فاضح للشرعية الدولية، ممثلة في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، والإتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، التي أجمعت على رفض وإدانة إعلان ذلك الكيان الزائف الذي ولد ميتا، ولفظه الشعب السوداني منذ أول يوم.
واعتبر بيان الخارجية السودانية هذه التحركات المفضوحة علاقة عضوية بين نظام أبوظبي وقوات الدعم السريع وتبرزه كنظام مارق على الأعراف والقوانين الدولية، وتقاليد وأخلاقيات الدبلوماسية الجماعية، وتقدم دليلا إضافيا على إصرار ذلك النظام على تدخلاته الشريرة في الشؤون الداخلية للسودان.
واضافت :” تعضد هذه المساعي ما كشفته الصحافة الدولية حول احتضان نظام أبوظبي لقيادة الدعم السريع وإشرافها بشكل كامل على كل أنشطتها، كالتحقيق الاستقصائي لصحيفة نيويورك تايمز الأخير في هذا الخصوص”.
وتابعت :” لقد بات الدور التخريبي لنظام أبوظبي في اللقاءات متعددة الأطراف، فيما يلي السودان، ماثلا للعيان. إذ تكررت مثل تلك المساعي في اجتماعات عديدة مثل اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول في يونيو الماضي، واجتماعات مجلس جامعة الدول العربية”.
وأشارت الخارجية في بيانها إلى أن الهدف الرئيس لمشاركة نظام أبوظبي في هذه اللقاءات يظل هو منع صدور إدانات ضد هذه القوات والهروب من مسؤوليته المباشرة عما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية وارهاب وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، والدعوة لانتهاك سيادة السودان.
ودعت الوزارة المجتمع الدولي بدوله ومنظماته كافة لعدم السماح لنظام أبوظبي باستخدام المحافل الدولية لتشجيع الإفلات من العقاب وحماية الإرهاب، والإبادة الجماعية اللذين تجسدهما قوات الدعم السريع وراعيتها الإقليمية.
وذكرت بأن قوات الدعم السريع، وبرعاية ودعم كامل من نظام أبوظبي لا تزال تصر على استمرار عدوانها على الشعب السوداني، ودولته الوطنية وكل مقومات حياته، وأنها تمثل تهديدا للأمن والسلم الإقليميين.
الخارجية السودانيةالدعم السريعدولة الإمارات