فلكيون يجسّدون خريطة للمجالات المغناطيسية بدرب التبانة
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
توصّلت دراسة حديثة إلى رسم مفصّل ثلاثي الأبعاد للمجالات المغناطيسية التي تتخلل في مجرتنا درب التبانة، والتي لا تنشأ من الأجرام السماوية مثل النجوم والكواكب فحسب، بل أيضا من السُّدم والغبار الكوني ومن غاز الهيدروجين المنتشر بين النجوم.
وعلى الرغم من أن إدراك العلماء لوجود هذه المجالات المغناطيسية قديم، فإن التحدي الأكبر كان في رسم خريطة شاملة للمجرة كلها.
وعلى نقيض النجوم والكواكب، فإنّ المجالات المغناطيسية لا تصدر انبعاثات ضوئية بشكل مستقل، مما يجعل رؤيتها بصريا أمرا مستحيلا عن طريق التلسكوبات المرئية. وللتغلّب على هذه المشكلة، يبحث العلماء عن آليات مختلفة للعثور على المجالات المغناطيسية كدراسة تفاعلها مع الجسيمات المشحونة أو دراسة تغير سلوك الضوء المار عبرها.
وفي حالة النجوم والكواكب، فغالبا ما تُخطَّط المجالات المغناطيسية من خلال مراقبة الجسيمات المشحونة، مثل الأيونات التي تسير بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي، فيصدر عنها الضوء في هذه العملية. وكانت هذه الطريقة هي التي رُسم بها المجال المغناطيسي لكوكب المشتري أول مرة، وذات الأمر ينطبق على الثقوب السوداء.
ولكن على مستوى عموم المجرة والمجالات المغناطيسية المنتشرة والبعيدة، فإن الأمر يزداد صعوبة في مراقبة الجسيمات المشحونة لأنّها أضعف وأكثر انتشارا، وبالتالي يكون الضوء الصادر خافتا للغاية. وبدلا من ذلك، يستعين الباحثون بتقنية الضوء المستقطب الذي يتفاعل مع الغاز المتأيّن بسرعات مختلفة بناء على تردده، مما ينتج عنه شعاع ضوئي مستقطب يدور ويسير اعتمادا على كمية الغاز المتأين الذي يجتازه. وبحكم أنّ الغاز المتأين يكون عالقا ضمن الحقول المغناطيسية، فيسهل بذلك رسم المجال المغناطيسي بالنظر إلى مختلف مصادر الضوء المستقطبة.
والضوء المستقطب هو ضوء تتذبذب أمواجه في اتجاه معين، بدلا من التذبذب بشكل عشوائي في اتجاهات مختلفة. وتُستخدم هذه التقنية في أشياء عدّة مثل النظارات الشمسية المستقطبة التي تقوم بتصفية الضوء المنتشر عن الأشياء اللامعة، وفي الماء إذ يساعد في التخلص من التموّجات. وأما في الفضاء فهناك العديد من الأجرام السماوية التي ينبعث منها ضوء مستقطب مثل النجوم النابضة "النبّاضة".
وتذهب الدراسة الحديثة إلى ما هو أبعد من ذلك عبر دمج البيانات القادمة من المركبة الفضائية "جايا"، إذ توفر خريطة مفصلة لتوزيع وانتشار النجوم والسدم في المنطقة المحلية لمجرة درب التبانة. وبدمج تلك البيانات مع نتائج الاستقطاب للذراع الحلزوني لبرج القوس، تَمكّن الباحثون من رسم خريطة مفصلة ثلاثية الأبعاد للمجال المغناطيسي للمجرة.
وقد أظهرت النتائج أنّ المجالات المغناطيسية في المجرّة ليست منتشرة بانتظام، ولا تقع على امتداد مستوى المجرة، بل إنها تأخذ أشكالا معقدة في الكثير من الأماكن الواقعة بين النجوم. ووجد الباحثون أن هذه المجالات المغناطيسية يمكن أن تتفاعل بشدة مع الحاضنات النجمية وتخترقها وتؤثر على حركة الغاز والغبار الكوني فيها.
ولا تكشف النتائج الصادرة عن كيفية تكوّن النجوم الجديدة وولادتها فحسب، بل أيضا تمنح فهما أوسع لبنية وهيكل المجرات وكيفية تطورها مع مرور الوقت.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
خريطة فلسطين لفحص العيون في مخيم الوحدات بالأردن
عمّان- أمام لوحة تحمل رموزا للقضية الفلسطينية وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، يقف أخصائي البصريات إحسان ياسين، لإجراء فحص النظر الأخير لأحد مراجعيه بمركزٍ للبصريات في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين بالأردن.
وبعد تركيب نظارة طبية جديدة له، يطلب ياسين من ابن مخيمه إبراهيم قراءة أسماء المدن والقرى المكتوبة على خريطة فلسطين "عن بعد"، فيقرأ من أقصى الشمال "صفد، عكا، طبريا، يافا..". يجيبه ياسين "نظرك أصبح أكبر من 6 على 6.. أنت الآن ترى الوطن أروع وأقرب".
تحمل اللوحة إلى جانب خريطة فلسطين الطولية، رموزا تعني ياسين بصورة شخصية كما يقول؛ إذ يعتليها شعار "العودة حق مقدّس"، وعليها علّق مفتاح منزل عائلته "الحقيقي" الذي هجّرتها العصابات الصهيونية منه في قرية "سَلَمة" قضاء يافا في نكبة عام 1948. إلى جانب صورة الثائر الأممي "جيفارا"، والأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، و"المثلث الأحمر" الذي بات رمزا لعمليات المقاومة في غزة منذ طوفان الأقصى.
يقول ياسين، باعتباره فلسطينيا يعيش ويعمل في أحد أقدم مخيمات اللاجئين بالأردن منذ النكبة، إن "العودة حق مصيري وضروري كي يستطيع الشعب الفلسطيني أن يرجع ليحيا بصورة طبيعية".
اختار إحسان ياسين افتتاح مركز البصريات في أحد أزقة مخيم الوحدات المكتظة شرقي العاصمة الأردنية عمان، حيث تتشابك تفاصيل الحياة اليومية بين المعاناة والأمل، وقد تحوّل في السنوات الأخيرة إلى وجهة صحية لكثير من السكان اللاجئين هنا.
إعلانولم يغادر ياسين (55 عاما)، ابن المخيم الذي حمل من اسمه نصيبا، المكان رغم الصعوبات، بل عاد إليه بعد تخرجه في تخصص البصريات، ليؤسس مشروعا يصفه الأهالي بأنه "أقرب للمبادرة الإنسانية منه إلى النشاط التجاري".
ولد إحسان وترعرع بين أزقة المخيم، وعرف سكانه عن قرب، فاختار أن يبقى إلى جوارهم، موفرا لهم ما يعجزون عن تحمله من تكاليف الفحص والعلاج في العيادات الخاصة، فكانت البداية من الحاجة.
ومع خدماته الصحية، سعى ياسين إلى تجذير قضية النكبة الفلسطينية، وحق العودة إلى الوطن في عقولهم وأذهانهم من خلال فحص نظرهم على خريطة فلسطين بمشاهدة أسماء القرى والمدن الفلسطينية كبديل عن الأحرف المعروفة لفحص النظر كما جرت العادة.
ومن يجتاز الاختبار بمشاهدة أسماء تلك المدن والقرى بحجم الخط المعروض على الخريطة، يكون بذلك قد نجح أو فشل في فحص النظر، كما يقول.
نشط إحسان في تحويل مركزه إلى محطة خدمات صحية بعدما لاحظ حجم المعاناة التي يتكبدها سكان المخيم، خصوصا المسنين وطلبة المدارس، في الوصول إلى خدمات البصريات. ومع ضيق ذات اليد وصعوبة الانتقال إلى العيادات خارج المخيم، قرر أن يفتتح مركزا صغيرا داخل المخيم لتقديم فحوصات النظر وبيع النظارات بأسعار رمزية.
يقول إحسان للجزيرة نت، إن بدايات المركز لم تكن سهلة، فقد واجه صعوبات عديدة في تأمين المعدات الأساسية والعدسات الطبية، إلى جانب التحديات المالية والإدارية، لكنه تمسك بفكرته، مستندًا إلى دعم مجتمعي، منح المشروع دفعة قوية للانطلاق.
ويشير إلى أن الظروف المعيشية القاسية داخل المخيم، كانت دافعا لتوسيع نشاط المحل، ليصبح أشبه بمركز بصري مجتمعي يُجري فحوصات مجانية دورية لكبار السن وطلبة المدارس، ويوفر خصومات خاصة للأسر المحتاجة، ويتعاون مع جمعيات خيرية ورسمية لتوفير نظارات طبية مجانية لمن لا يستطيع الدفع.
لم يعد "إحسان للبصريات" مجرد محل تجاري، بل صار مساحة إنسانية لرعاية سكان المخيم البصرية. ويقول إحسان إن هدفه من بيع النظارات الطبية ليس الربح، بل التخفيف عن الناس "كي يروا أزقة مخيمهم بوضوح أكبر"، ويضيف أن المحل بات أيضا محطة تدريب لعدد من طلاب البصريات والمتطوعين الشباب، الذين أبدوا رغبة في المشاركة بخدمة الناس.
إعلانكما حاز مشروعه على إشادة من مؤسسات صحية وتنموية محلية، وبدأت بعض الجمعيات تطرق بابه لتنسيق حملات صحية مشتركة، تعنى برفع الوعي بأهمية فحص النظر الدوري، خاصة للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
وتعاون إحسان مع العديد من الجمعيات الخيرية والإنسانية، كجمعية مرضى السرطان، وجمعية المكفوفين الأردنيين، والروابط والدواوين الفلسطينية في الأردن، كما يقوم بشكل دوري بتنظيم يوم طبي مجاني لفحص النظر لأبناء المخيمات الفلسطينية.
ومنذ افتتاح المركز في عام 1998، لم تتوقف أحلام إحسان عند حدود المحل الصغير. إذ يطمح اليوم إلى إنشاء مركز بصريات متكامل داخل المخيم، يضم عيادات مجهزة وفريقا طبيا متكاملا، يكون مرجعا بصريا لسكان المخيم والمناطق المجاورة.
ويأمل إحسان الحصول على دعم من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الصحية لتحقيق هذا المشروع، الذي يرى فيه طوق نجاة حقيقيا لآلاف اللاجئين الذين يعانون من غياب الرعاية الصحية الكافية.
يُعتبر مخيم الوحدات من أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في الأردن، وقد أُنشئ عام 1955 على مساحة لا تتجاوز نصف كيلو متر مربع، جنوب شرقي العاصمة عمّان.
وهو واحد من 4 مخيمات تأسست بعد النكبة عام 1948، لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من بلادهم قسرا. ويقدر عدد سكان المخيم اليوم بأكثر من 100 ألف لاجئ، يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.