صورة قاتمة للأوضاع المعيشية في ولاية الخرطوم، وفي حال استمرار الحرب لفترة قادمة فإن الكارثة قادمة لا محالة، ومن لم يمت بالقصف كثيرون سيموتون بسب الجوع".
الحرب تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الخرطوم
ارتفاع أسعار المواد الغذائية وندرة السلع يضاعفان معاناة المواطنين في الخرطوم

الجريدة: الخرطوم: امتثال عبد الفضيل
فاقمت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من معاناة سكان ولاية الخرطوم الذين رفضوا مغادرة منازلهم منذ اندلاع الصراع المسلح في منتصف أبريل الماضي، وإلى جانب تصاعد القتال وما يترتب عليه من قصف عشوائي ورصاص طائش، فضلاً عن عمليات السلب والنهب، تدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانحدرت نحو الكارثة.


وتشهد الأسواق وبعض المحال التجارية ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية وصل إلى نسبة 400 في المئة، في وقت يعاني فيه آلاف المواطنين من نفاد المدخرات المالية بسبب توقف الأعمال اليومية وعدم صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من تسعة أشهر.
تكاليف وأزمات
يقول المواطن عبدالرحمن عثمان الذي يسكن جنوب الخرطوم لـ (الجريدة): أسهمت الحرب في مضاعفة أسعار المواد الغذائية لمستويات قياسية ليس بمقدور سكان العاصمة مجاراتها نظراً لعدم وجود مبالغ مالية بحوزتهم، لأن الأسر ظلت تعتمد على موارد نقدية شحيحة خلال الأشهر التسع الماضية.
وأضاف: عمليات السلب والنهب للمحال والأسواق والمصانع أجبرت التجار على إغلاق الدكانين والطبالي داخل الأحياء السكنية الأمر الذي أسهم في ندرة السلع والاحتياجات الضرورية خصوصاً السكر والزيوت والبصل والدقيق والأرز، ويضطر كثيرون للجوء إلى الأسواق الكبيرة لشراء المواد الغذائية بأسعار خرافية دون مراعاة لظروف المواطن في الظروف الحالية.
وتابع عبد الرحمن: هناك ندرة في الخضروات وبعض الفواكه التي كانت تأتي من ولاية الجزيرة لكن مع الاشتباكات الأخيرة وعدم أمان الطرق توقف نقلها، رغم أن الغالبية يرون أن الفواكه نوع من الكماليات في ظل الأوضاع الحالية وليست ذات ضرورة.
ورسم المتحدث صورة قاتمة للأوضاع المعيشية في ولاية الخرطوم، وقال أنه وفي حال استمرار الحرب لفترة قادمة فإن الكارثة قادمة لا محالة، ومن لم يمت بالقصف كثيرون سيموت بسب الجوع.
ارتفاع الأسعار
من جانبها بينت المواطنة إحسان فضل لـ (الجريدة) أن هناك ندرة في السلع الغذائية وارتفاع في الأسعار وعدم توفر المال لدي كثير من سكان العاصمة لأن أعمالهم توقفت منذ فترة طويلة، كما أن الموظفين في كافة المجالات لم يتقاضوا رواتبهم لأكثر من تسعة أشهر.
وتضيف: الأسواق الصغيرة داخل الأحياء السكنية توفر بعض من الاحتياجات، لكن التجار يضاعفون الأسعار بصورة كبيرة في استغلال واضح لظروف الناس.
وأشارت إلى أن القصف المدفعي والجوي لم يؤثران في طبيعة حياة سكان الخرطوم، ويشرع المواطنين يومياً في الذهاب للأسواق لشراء المواد الغذائية والأدوية.
وناشدت احسان فضل طرفي الصراع بوقف الحرب من أجل توقف معاناة السودانيين الذين أصبحوا ما بين نازحين ولاجئين داخل البلاد وخارجها.
توقف حركة الاقتصاد
في السياق يقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي لـ (الجريدة) إن الحرب أثرت على مناحي الحياة كافة، وأوقفت حركة الاقتصاد ودفعت بملايين السودانيين إلى هاوية الجوع والاعتماد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية، كما تسببت في تفاقم معاناة المواطنين نتيجة شح المواد الغذائية والخدمات الأساسية.
وأشار إلى أن عدد كبير من المواطنين فقدوا مصادر رزقهم، سواء في الأعمال الخاصة أو الحكومية، ومع ارتفاع معدلات التضخم وتدهور العملة المحلية ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية لأعلى معدل الأمر الذي أسهم في توقف حركة البيع وعدم قدرة الآلاف على توفير الاحتياجات اليومية.
ولفت فتحي إلى أن خروج عدد كبير من مناطق السودان المنتجة أثر على الدورة الاقتصادية، إذ كانت تشكل إضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى جانب تعطل حركة وصول الثروة الحيوانية للأسواق.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المواد الغذائیة ولایة الخرطوم

إقرأ أيضاً:

عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته

الخرطوم في 9 مايو 2025- (راديو دبنقا) - البعد عامين من لهيب الحرب الذي اكتوى به السودان، تتجلى فصول كارثة إنسانية متفاقمة، لا تقتصر فصولها المؤلمة على قصص الضحايا والنازحين الذين عصفت بهم رياح الصراع. ففي العاصمة القومية الخرطوم، يبرز وجه آخر للمأساة، يتمثل في الدمار الشامل الذي لحق بجميع المؤسسات الإعلامية والصحف السودانية التي كانت يوماً نبضاً للحقيقة ومنبراً للمعرفة، مُسهمةً في ترسيخ قيم التعايش المشترك والديمقراطية. باستثناء مبنى الإذاعة والتلفزيون القوميين الذي سقط تحت سيطرة قوات الدعم السريع لرمزيته السيادية، تحولت هذه الصروح الإعلامية إلى مجرد أطلال صامتة، شاهدة على حجم الخراب الذي طال حتى صوت الكلمة.
يتضح من خلال هذا المشهد المأساوي، كيف لم يسلم من نيران الحرب حتى حراس الحقيقة وناقلوها، ليضاف فصل جديد ومؤلم إلى سجل الخسائر الفادحة التي تكبدها السودان وشعبه. نحاول في هذا التقرير استعراض نماذج للدمار الذي تعرضت له هذه المؤسسات، بعد ان اصبح الوصول لدور ومقار هذه المؤسسات ممكنا عقب اعادة الجيش السيطرة على الخرطوم.

إذاعة "هلا"... صمتٌ يلف الأثير
ياسر أبوشمالة، مدير إذاعة "هلا" التي كانت نبض الشباب السوداني وأحد أكثر المنابر الإذاعية شعبية، حبس أنفاسه وهو يشاهد للمرة الأولى صوراً ومقاطع فيديو لمبنى الإذاعة العريق في قلب العاصمة الخرطوم. "الخسارة فادحة ومؤلمة"، قالها بصوت يخنقه الأسى.


يضيف أبوشمالة، واصفاً حجم الكارثة: "لم يكن الأمر مجرد تدمير لمبنى، بل هو تدمير ممنهج لاستوديوهات البث والإنتاج بالكامل. كانت هذه الاستوديوهات مجهزة بأحدث التقنيات الرقمية: مازجات صوت متطورة، سيرفرات ضخمة، مكتبات صوتية لا تقدر بثمن، أرشيف برامجي يوثق لتاريخنا، ميكروفونات، كوابل، وحتى جهاز الإرسال الرئيسي الذي كان يحمل أصواتنا عبر الأثير إلى المحطات الأرضية لإعادة البث". يؤكد أبوشمالة أن كل تلك المعدات الثمينة "أتت عليها نيران الحرب ويد النهب، ولم تسلم الملحقات الأخرى، بما في ذلك أنظمة البودكاست الصوتية والمرئية المتطورة، شبكة الحواسيب، وأجهزة لا حصر لها". قُدّرت الخسائر المادية الأولية لإذاعة "هلا" بأكثر من 350 ألف دولار.
مركز "أرتكل"... حلمٌ تحوّل إلى أنقاض
مشهد الخراب لم يقتصر على "هلا"، بل امتد ليطال مركز "أرتكل" للإنتاج الإعلامي، الذي كان يُعد منارة إعلامية واعدة وصرحاً إنتاجياً ضخماً في السودان، مبنىً ومعنى. عثمان فضل الله، مدير المركز، عبّر عن صدمته بصوت كاد يغيب من فرط الألم: "ليتني لم أرَ تلك الصور القاسية... الدمار الذي لحق بالمركز جعلني أشعر وكأن خمسين عاماً من عمري قد سُحقت، وأن 25 عاماً من مسيرتي المهنية تحولت إلى مجرد ركام."
يتحدث عثمان عن "أرتكل" بحرقة، كأنه يتحدث عن كائن حي فُجع فيه: "المركز لم يكن مجرد مبانٍ ومعدات تُقدّر بمئات الآلاف من الدولارات، بل كان قصة حياة، مشروع حلم راودني طيلة مسيرتي المهنية، سكبت فيه عصارة فكري وجهدي، وكل ما أملك من خبرة وعلاقات وتفانٍ."
ويستطرد قائلاً: "كل قطعة أثاث، كل جهاز، كان يمثل لي جزءاً من كياني، ومساحة من ذاكرتي. كان طموحنا كبيراً، أردنا لـ"أرتكل" أن يكون نقطة ضوء حقيقية تشع في سماء الإعلام السوداني."
يكشف فضل الله أن المركز، الذي أُنشئ عام 2022 بُعيد ثورة ديسمبر المجيدة، حمل في طياته رؤية طموحة ليتجاوز كونه مجرد مركز إنتاج، ويصبح مدرسة للصحافة. "نظمنا العديد من الدورات التدريبية المتخصصة في صحافة السلام، ومكافحة خطاب الكراهية، وتعزيز النسيج الاجتماعي. كان المركز منصة لتوثيق فعاليات الثورة وملتقى للحوارات البناءة بين الصحفيين والصحفيات."
من الناحية الفنية، كان "أرتكل" صرحاً متكاملاً لإنتاج البرامج التلفزيونية، يضم استوديوين من أفخم الاستوديوهات المتكاملة، وخمس وحدات صوت مجهزة بتقنيات متنوعة، وثماني وحدات إضاءة حديثة، وثماني كاميرات احترافية، من بينها ثلاث كاميرات من طراز Canon 5D. كما كان يحتوي على ثلاثة حواسيب "ماك" متقدمة بأنظمة مونتاج وأرشفة متكاملة، ووحدة طباعة حديثة، وقاعة مؤتمرات شهدت العديد من الفعاليات الهامة، بالإضافة إلى قاعتين تدريبيتين مجهزتين بأحدث الوسائل.
"كنا نطمح لتحويله إلى أكاديمية تخرّج أجيالاً من الإعلاميين القادرين على مواكبة التطورات المهنية باحترافية عالية"، يقول فضل الله بحسرة، ثم يتنهد بعمق: "لكن كل ذلك الطموح أمسى حطاماً."
الدمار الشامل... ورغم الجرح، يبقى وميض الأمل
لم يسلم شيء من آلة الدمار؛ فالأجهزة والمعدات والأثاث وشبكات البث، وحتى السيارة الخاصة بإدارة المركز، كلها إما سُرقت أو دُمّرت بالكامل. ورغم هول الفاجعة، يقول فضل الله بنبرة يمتزج فيها الأسى بالإصرار: "لا أريد أن أبدو محبطاً أو يائساً، فذلك ليس من شيمنا، ولكن إعادة بناء المركز بنفس المواصفات والمعايير تبدو مهمة بالغة الصعوبة في ظل الظروف الراهنة." ومع ذلك، يختتم حديثه بلمحة أمل: "سنبذل قصارى جهدنا لإعادة الحياة إلى "أرتكل" قدر المستطاع... فالأمل، رغم كل شيء، ما زال يراودنا."

 

مقالات مشابهة

  • ولاية الخرطوم تنفي وضع خطة زمنية لعودة المؤسسات الاتحادية
  • ارتفاع الحد الأدنى لاحتياج الأسرة للإنفاق على الأساسيات الغذائية 2%
  • تفاقم أزمة الغاز المنزلي تزيد من معاناة المواطنين في شبوة
  • ارتفاع الحد الأدنى لاحتياج الأسرة للإنفاق شهريا على الأساسيات الغذائية إلى 2% خلال مارس الماضي
  • عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته
  • لجنة أمن ولاية الخرطوم تتخذ عدد من التدابير لضمان تدفق المواد البترولية في اعقاب استهداف المليشيات للنفط
  • عضو شعبة المواد الغذائية: الأسواق تشهد حاليًا توافرًا كبيرًا في السلع
  • ضبط كمية من المواد الغذائية الفاسدة في إمبابة .. صور
  • عبر تطبيق البلاغ الالكتروني مباحث شرطة ولاية الخرطوم تسترد سيارتين مدون بشانهما بلاغات وتوقيف 5 متهمين
  • شاهد بالفيديو.. بعد غياب دام أكثر من عامين.. الميناء البري بالخرطوم يستقبل عدد من الرحلات السفرية و”البصات” تتوالى