من دون إعلان رسميّ وواضح، ربط كثيرون بين الاستحقاق الرئاسي والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتلك الموازية لها في جنوب لبنان، حيث فتح "حزب الله" جبهة "الإسناد" للشعب الفلسطيني، ربطٌ تفاوتت الآراء بشأن "واقعيّته" بين من اعتبر أنّ الأمن فرض نفسه ملفًا شبه وحيد على الأجندات، وبين من رأى في المقابل أنّ ذلك يفترض أن يكون "سببًا موجبًا" للإسراع في انتخاب رئيس، من بوابة "تحصين" لبنان.


 
هكذا، غُيّب الملف الرئاسي منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، ولو حضر "طيفه" في بعض الأحيان، أو ربما في "الوقت المستقطع" كما يحلو للبعض وصفه، بدليل أنّ المواقف على خطّه راوحت مكانها، من دون أيّ تغيير يُذكَر، في وقت سحبته بعض القوى السياسية من سلّم "أولوياتها"، ليغيب بالمُطلَق عن خطابات قادتها ومسؤوليها، وكأنّه وُضِع "على الهامش" بانتظار ظروف لم تنضج بعد.
 
لكن، مع مرور نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر على بدء الحرب الإسرائيلية في غزة، عاد الحديث عن الاستحقاق الرئاسي ليتصاعد، على وقع الدعوة المتجدّدة للبطريرك الماروني بشارة الراعي، لعقد "جلسات متتالية" تفضي إلى انتخاب رئيس وفق المعايير الديمقراطية، وبحسب ما ينصّ عليه الدستور، يصبح السؤال أكثر من مشروع، فهل حان وقت "الفصل" بين الرئاسة في لبنان، والحرب في غزة؟ وهل يُفضي ذلك، إن حصل، إلى انتخاب رئيس فعلاً؟!
 
مقاربة غير واقعيّة؟
 
يقول العارفون إنّ مثل هذه المقاربة لا تبدو واقعيّة، أولاً لأنّ "الربط" بين الحرب والرئاسة، إن حصل، فمن البوابة السياسية البراغماتية، باعتبار أنّ ظروف الحرب فرضت تغيّرًا في الأولويات، وتركيزًا على الوضع الأمني المرشح للتدهور في أيّ لحظة، وليس من بوابة أيّ "مقايضة مزعومة"، كثُر الحديث عنها، وثبُت بالملموس أنّها لا تستند إلى أيّ أساس، بل إنّها في أحسن أحوال، وإذا ما صفت النيّات، من "محض خيال" المروّجين لها.
 
يسري هذا التغيّر في الأولويات على الداخل، حيث اتجهت الأنظار إلى "جبهة الجنوب" منذ الثامن من تشرين الأول، على وقع القصف المتبادل بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله"، والسيناريوهات المفتوحة حول الحرب الشاملة، لكنّه يسري أيضًا على الخارج، ولا سيما الوسيط القطري الذي كانت الرهانات كبيرة عليه لإحداث "الخرق"، فتحوّل اهتمامه إلى المفاوضات من أجل التواصل لاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
 
وفي السياق، لا يخفى على أحد أنّ ثمّة من "راهن" على تغيير في المعطيات يمكن أن تفرزه نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فهُمّش الاستحقاق الرئاسي بانتظار تبلور هذه النتائج، سواء لجهة رفع أسهم مرشح من هنا، أو خفض أسهم مرشح آخر من هناك، بل إنّ هناك من اعتقد أنّ نتائج هذه الحرب قد تحمل بين طيّاتها اسم "الرئيس العتيد" للجمهورية، حتى إنّ عددًا من المرشحين المُعلَنين وغير المُعلَنين جمّدوا تحرّكاتهم بانتظار اتضاح الرؤى.
 
هل حان وقت الفصل؟
 
استنادًا إلى ما تقدّم، يستنتج البعض أنّ "الربط" بين الرئاسة والحرب حصل بشكل أو بآخر، وإن بقي غير مُعلَن، وهو ما تؤكده العديد من المؤشرات، وبينها قول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته أنّ "لا شيء لديه" ليقوله في الملف الرئاسي، فضلاً عن تراجع "ضغط" الفريق الآخر على رئيس مجلس النواب من أجل الدعوة إلى جلسات مفتوحة ومتتالية، وكأنه اقتنع بأنّ مثل هذه الجلسات غير مجدية، أو أنه هو الآخر ينتظر شيئًا ما.
 
لكن هل حان الوقت للتخلّي عن هذا الربط غير المُعلَن؟ يقول العارفون إنّ معظم الأفرقاء يدعون صراحةً إلى "فصل" الملفّين، بعدما اتّضح أنّ مثل هذا "الربط" قد لا يكون واقعيًا ولا منطقيًا، ولا سيما أنّ كل المؤشرات تدلّ على أنّ الحرب في غزة "طويلة"، في ظلّ إصرار الجانب الإسرائيلي على مضيّه في القتال حتى تحقيق الأهداف المُعلَنة، والتي لم يتحقّق شيء منها بعد، لكنّ السؤال يتمحور حول ما بعد هذا "الفصل"، وإمكانية التخلّي عن "الرهانات" في هذا الإطار.
 
انطلاقًا من هنا، ثمّة من يرى أنّ هذا "الربط" بين الرئاسة والأمن ليس "العقدة" في واقع الأمر، وإن أراد بعض اللبنانيين تصوير الأمر كذلك، لأنّ المأزق الرئاسيّ سابقٌ أصلاً للحرب، وأنّ أحدًا لا يمكنه الجزم بأنّ الاستحقاق كان يمكن أن يُنجَز في الأشهر الماضية لو لم يحصل ما حصل، بل إنّ منطق الأمور يقول إنّ الحرب كان يجب أن "تسهّل" الوصول إلى حلّ، عبر تغليب منطق التفاهم والتوافق، والتخلّي عن الشروط والشروط المضادة.
 
يقول العارفون إنّ لا ربط بين الانتخابات الرئاسية والحرب على غزة، وتلك الموازية لها في جنوب لبنان، لكن لا فصل بينهما أيضًا، ليس فقط لأنّ "الأولوية الأمنية" فرضت نفسها، ولكن أيضًا لأنّ هناك من يعتقد أنّ نتائج هذه الحرب لا بدّ أن تترجَم على مستوى الاستحقاق. بيد أنّ هذه المقاربة قد تبدو "جدلية"، فمتى يتوقف اللبنانيون عن ربط استحقاقاتهم الداخلية، بكل ما يجري في المحيط، بدعوى أن لبنان ليس جزيرة معزولة؟!  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الحرب الإسرائیلیة بین الرئاسة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

حضرموت.. هل يُعيد تقاعس الرئاسي تكرار سيناريو شبوة ؟

تُعيد الأحداث التي تشهدها حالياً مناطق الهضبة في محافظة حضرموت التذكير بما شهدته محافظة شبوة قبل ثلاثة أعوام، وسط اتهامات موجهة إلى مجلس القيادة الرئاسي بتحمّل مسؤولية الفشل في التعامل مع الأزمات التي تعصف بالمناطق المحررة.

>> تصاعد التوترات العسكرية في حضرموت وبترومسيلة تعلن إيقاف إنتاج النفط

ومطلع أغسطس 2022، شهدت مدينة عتق، عاصمة شبوة، مواجهات عنيفة بين تشكيلات عسكرية وأمنية على خلفية قرار المحافظ عوض بن الوزير بإقالة قائد القوات الخاصة العميد عبدربه لعكب، المحسوب على جماعة الإخوان.

ولنحو أسبوع تحولت المدينة إلى ساحة حرب بين تشكيلات عسكرية وأمنية خاضعة لسلطة المحافظ، وأخرى متمردة عليه تدين قيادتها بالولاء لجماعة الإخوان، وانتهت المواجهات بحسم لصالح الأولى وهزيمة الثانية.

تلك الأحداث، التي جاءت بعد أقل من أربعة أشهر على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بديلاً لسلطة عبدربه منصور هادي، مثلت أول اختبار حقيقي للمجلس في قدرته على إدارة الأزمات والصراع داخل المناطق المحررة.

قصر الفترة الزمنية بين تشكيل المجلس وتفجر أحداث شبوة، إلى جانب سرعة السلطة المحلية في الحسم بدعم عسكري جنوبي، صرف الأنظار حينها عن تقييم تعامل المجلس مع الأزمة.

إلا أن حجم التشابه بين ما تشهده حضرموت اليوم وما شهدته شبوة قبل ثلاثة أعوام، وطول مدة الأزمة التي مرت بها المحافظة وصولاً إلى الصدام المسلح، يضع مجلس القيادة الرئاسي في موقف مختلف.

>> تصعيد بن حبريش بحضرموت.. تحدٍّ جديد لخطة الإصلاحات الاقتصادية

الصدام المسلح الدائر حالياً في مناطق الهضبة الغنية بالنفط بين قوات المنطقة العسكرية الثانية (النخبة الحضرمية) والمسلحين بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، جاء بعد صراع امتد لأكثر من عام بين الطرفين.

صراع رُفع في ظاهره تحت لافتة "مطالب أبناء حضرموت"، لكن جوهره يدور حول حقول النفط والتحكم بملف المشتقات النفطية التي تكررها "بترومسيلة"، وهو ما يشبه إلى حد كبير مشهد الصراع في محافظة شبوة الغنية أيضاً بالثروة النفطية.

وإلى جانب حقيقة الصراع على منابع الثروة، فإن ما تعيشه حضرموت اليوم لا يختلف في ظاهره عما حدث في شبوة؛ صراع بين سلطة محلية وتشكيلات عسكرية وأمنية تابعة لها، في مواجهة قوى مسلحة متمردة تشهر السلاح في وجهها.

وكما حدث في شبوة، يأتي التمرد المسلح في حضرموت تحت لافتة انتزاع مطالب أبناء المحافظة وحماية ثرواتها من محاولات نهبها. ومع تفجّر الصدام المسلح، تحوّلت اللافتة إلى شعار "الدفاع عن حضرموت" في مواجهة ما تصفه الأطراف المتمردة بأنه "غزو من مليشيات مدعومة إماراتياً"، وهي التهمة ذاتها التي وُجّهت سابقاً للقوات العسكرية والأمنية الملتزمة بتوجيهات محافظ شبوة، وعلى رأسها قوات دفاع شبوة وقوات العمالقة الجنوبية التي وصلت للمحافظة لتحرير مديرياتها الغربية من مليشيا الحوثي.

>> مؤشرات تقارب بين "الفرقاء".. إجماع حضرمي على تحميل الرئاسي مسؤولية الأزمة

تغليف الصراع والتمرد في حضرموت بشعارات مطلبية يضع مجلس القيادة الرئاسي في دائرة الاتهام، بعد تقاعسه عن تنفيذ خطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة وفق بيانه الصادر في 7 يناير 2025.

وهو ما يجمع عليه طرفا الصراع، وفق تصريحات سابقة حمّلا فيها المجلس مسؤولية عدم حلحلة الأزمة، لتقاعسه عن تنفيذ ما أعلنه قبل عشرة أشهر.

خطة مجلس القيادة الرئاسي، التي أعلن عنها مطلع العام لتطبيع الأوضاع في حضرموت، شملت تلبية أبرز المطالب التي تُستخدم اليوم كغطاء لتبرير التمرد والسيطرة على الثروة النفطية، ما يكشف حجم المسؤولية التي يتحملها المجلس في ما وصلت إليه المحافظة.

مقالات مشابهة

  • تكليف السفير سيمون كرم بتمثيل لبنان في لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار
  • نتنياهو يطلب دعم ترامب بينما يسعى لنيل العفو الرئاسي الإسرائيلي
  • عن الحرب الواسعة… هذا ما نقله زوّار برّي
  • أين الحقيقة؟
  • معاريف: سيناريو الحرب بين إسرائيل وحزب الله وإيران ينتظر الانفجار
  • حضرموت.. هل يُعيد تقاعس الرئاسي تكرار سيناريو شبوة ؟
  • شبيبة لبنان للبابا: هدايا ترمز للجراح والرجاء بعد انفجار المرفأ والحرب
  • شبح الحرب في أفق المنطقة
  • عن الحرب بين لبنان وإسرائيل... ماذا قالت صحيفة؟
  • بين سلام البابا ورسالة حزب الله.. هل تحيِّد زيارة بيروت شبح الحرب؟