فتاة إماراتية في ربيعها الـ 23 يغيّبها الموت فجأة، فيضج المجتمع حزناً وتعاطفاً لسماع نبأ الرحيل المُبكر، تتداول محطات وحسابات كثيرة أعمالها الجليلة التي تخفى على الكثيرين ولا تخفى على الله تعالى، عمل إنساني عظيم قامت به تلك الفتاة البطلة التي حققت التفوق في ميدان الرياضة وريادة الأعمال، هذه الهوايات التي أحبتها وعلّمتها كيف تُحب الإنسان، وتصون حياته بعد أن كانت فتاة متهورة في سرعتها، كما تقول في أحد اللقاءات.


حمدة تريم، لأول وهلة تقف عند الاسم، مَن هي حمدة التي بكاها الناس ورُفعت الأيادي تضرعاً لله بأن يغفر لتلك الابتسامة الصافية الجميلة، ذاك القلب الرحيم الذي هزّه خبر وفاة امرأة في الطريق في أوغندا، فقررت بناء مستشفى يحفظ حياة النساء والأطفال، مشروع لم تنفذه دول، ولكن فتاة صغيرة تحب السيارات وتهوى ركوب الدراجات، فكّرت فيه فاشترت أرضاً وبدأت في الخطوات التأسيسية للمستشفى الذي استقبل النساء الحوامل في تلك البقعة الأفريقية التي أحبّت.
اليوم 46 طفلة، وربما أكثر، يحملن اسم أيقونة العطاء والعمل الإنساني، حمدة تريم، في تلك البقعةِ من العالم، أفريقيا التي يختبر فيها العالم المُتقدّم الأمراض والأوبئة والفيروسات، تذهب إليها حمدة لتزرع الفرحة وتُشيّد للحب والرحمة منازل ما بناها غيرها، هناك يعرفون حمدة ويسمون بناتهم باسمها تيمّناً بها ونحن لا نعرفها، لم تسلّط على أعمالها الإنسانية والخيرية كاميرات الإعلام وأضواء الاستوديوهات وحسابات بيّاعي الوهم في وسائل التواصل، أولئك الذين يركضون خلف الموضة، ويمارس بعضهم أبشع السلوكيات التي خرجت على السّنع والمذهب والذرابة التي تعرفها مجتمعاتنا في تصرفاتهم، غير خجلين من أعمارهم المتقدمة ومكانتهم كآباء وأمهات.
رحيل حمدة المُبكر يحيلني بالذكرى إلى رحيل أميرة بن كرم، وعلياء بنت غدير، بناتنا الشابات الحبيبات اللائي خطفهن الموت في أوقات لم نتوقعها، رحلنَ وتركنَ في قلوبنا غصّةٌ لم تقوَ الأيام على شفائها، ولم نكد نقترب منهُ حتى يرحل الأحبة ونروح نسحُّ الدمع، ونُغرق المآقي، ونسأل الله تعالى لهم الرحمة والغفران ولقلوبنا مزيداً من القوة على تحمل لوعة الرحيل.
رحلت حمدة الجميلة صاحبة المبادرات الإنسانية التي لا نعرفها، ولكننا تعرّفنا إليها بعد فوات الأوان، نعرف أنها من أسرة كريمة نبيلة، وعرفنا أن هذه الأسرة قد أصيبت في فلذة كبدها فيا رب اربط على قلوبهم، كما دعائي بأن تربط على قلب أمي وقلوبنا بعد رحيل أخي الحبيب، يرحلون ويتركون في أرواحنا حنيناً لا ينقطع، وشوقاً لا تسعهُ الكلمات، رحم الله حمدة وأمواتنا جميعاً وغفر لهم.

أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: في المنتصف من الوقت شيخة الجابري تكتب: احترسوا من البعوض

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال

إقرأ أيضاً:

هند عصام تكتب: الملك لير

نتحدث هذا الأسبوع عن أسطورة لا هي مصرية فرعونية ولا هي يونانية كما أعتدنا وأعتاد القارئ إنما هي قصة شهيرة لملك شهير و كانت مادة دسمة أذهلت عقول الكتاب والأدباء وأشهرهم الكاتب المسرحي ويليام شكسبير عندما قرر عمل  مسرحية تراجيدية عن الملك لير تتكون من خمسة فصول، كتبت في 1605 ونشرت في 1608. قدمت على المسرح لأول مرة سنة 1606. تدور احداث القصة في بريطانيا القديمة، حيث يقرر الملك المسن لير التخلي عن ملكه وتقسيم مملكته على بناته الثلاث، كورديليا، ريغان، وغونريل
و كان الملك  لير، وهو أحد ملوك بريطانيا فيما مضى، و كان للملك ثلاث بنات هنّ (جونوريل وهي البنت الكبرى)، و(ريجان وهي البنت الوسطى)، و(كورديليا وهي البنت الصغرى)، وجميعهن متزوجات ما عدا البنت الصغرى كورديليا.

وبدأت قصة الملك لير عندما قرر الملك في يومٍ من الأيام  أن يتنازل عن العرش لبناته نظرًا لتقدّمه في العمر، وعدم قدرته على تحمّل مسؤوليات الحُكم والشعب.
وجاء لقاء الملك لير ببناته لاطلاعن على قراره و استدعى الملك جميع بناته، وطلب أن تعبر كل واحدة منهن عن مدى حبها له، وعلى قدر ما سيخبرهن به تعبيرًا عن الحب والولاء له،وعلى ذلك الأمر  سيُعطي لواحدة منهن عرش المملكة، وبدء الملك لير بالبنت الكبرى جونوريل التي كانت على قدر كبير من الدّهاء والذكاء والمَكر، وكانت تُجيد تنميق الكلمات والعبارات الجميلة. فأخبرت الملك بأنه تحبه لدرجة كبيرة وأنه أغلى ما تملك، بل وأنه هو النظر لعينيها والنبض لقلبها، وأنها لا تستطيع وصفه حتى بالكلمات، وكذلك فعلت أختها الوسطى، وأما الأخت الصغرى كورديليا فقد كانت تحب الملك حبًّا كبيرًا، ولكنها لا تستطيع التعبير عمّا بداخلها ولا تُحسن انتقاء الألفاظ.

فطلب منها الملك أن تعود مرّة أخرى وتنتقي كلمات تتناسب مع مقام الملك وتعود إليه من جديد. لكنها لم تستطع أن تقول أكثر مما قالته له في المرّة الأولى. وكان  أثر هذا اللقاء على علاقة الملك ببناته هي أن الملك  لم يعطِ  لابنته الصغرى شيئًا، وقسّم مُلكه مناصفة بين ابنتيه الكُبرى والوسطى، وشمل ذلك تنازله عن سلطاته كملك للبلاد، على أن يبقى لقب ملك البلاد له، وأن يقيم طوال حياته لمدّة شهر بالتناوب بين قصري ابنتيه الكُبرى والوسطى مع عدد من فرسانه.
أما  مصير ابنة الملك الصغري كورديليا، فقد شَعَرَ الناس في محيط القصر بالحزن الشديد على الأميرة كورديليا؛ لأنهم كانوا يعلمون مدى حبها وتعلّقها بوالدها، ومن أبرز هؤلاء النبيل أيرل الذي كان شديد الإخلاص للملك، فتكلم معه فيما يخص ابنته الصغرى، فغضب الملك غضبًا شديدًا ونفاه من المملكة.
وفي هذه الفترة كانت كورديليا على وشك الزواج من الدّوق برجاندي، لكنه عندما علم بحرمان الملك لها من المُلك تراجع عن الزواج وتركها وحيدة، وكان ملك فرنسا معجبًا بالأميرة كورديليا، ولكن لم يثنه فعل والدها الملك لير عن التقدّم لها وخطبتها، فتزوّجها وبعد فترة وجيزة، وأصبحت كورديليا ملكة لفرنسا. 
وبعد مرور فترة زمنيّة على استلام بنات الملك المملكة، بدأ يشعر الملك لير بخيبة أمل تتسرب إلى أعماقه، فقد تبيّن له أن ابنته الكُبرى لا تحب إقامته معها هو وفرسانه، بل صرّحت له أيضا بهذا الأمر، وطلبت من الجنود والخدم عدم الاكتراث لوالدها وتجاهل أوامره وطلباته .

وعند ذلك  غضب الملك غضبًا شديدًا نتيجة لاستمرار سوء معاملة ابنته الكبرى، ثم ذهب قاصدًا قصر ابنته الوسطى، وفي هذه الأثناء بقي إيرل في بريطانيا متخفيًا بلباس أحد الخدم المُقرّبين من الملك والذي يسمى كايوس، فطلب الملك من كايوس أن يذهب لابنته الوسطى ويطلب منها أن تجهّز مكانًا لاستقباله حَدَث عراك بين كايوس وأحد الجنود الذين أهانوا الملك عندما كان في قصر ابنته الكبرى.

وعندما سمعت ابنة الملك الوسطى بأمر الشجار، اعتقلت كايوس في السجن وعذَّبته، وحين وصل الملك قصر ابنته الوسطى، وجد الحرس يعذّبون خادمه كايوس عند بوابة القصر على آلة التعذيب، فغضب غضبًا شديدًا، وطلب مقابلة ابنته الوسطى ولكنها رفضت بحجة أنها مشغولة هي وزوجها، وأنهما يشعران بالتعب، ولا يستطيعان مقابلة أحد، فشعر الملك بخيبة أمل كبيرة. وطلب من جنوده التوجّه إلى مكان لكي يرتاح ويعيش فيه ويجد الأمان، وأنه لا يريد العيش مع ابنتيه الجاحدين لأفضاله فتوّجه إلى قلعة دوفر بناءً على طلب كايوس الذي أفرج عنه لاحقًا وبعد الإفراج عن كايوس توجّه إلى فرنسا حيث تسكن ابنة الملك الصغرى كورديليا ملكة فرنسا وأخبرها بما فعلته أختيها الكبرى والوسطى بأبيها بإنكارهما لأفضاله. وعندما سمعت الملكة كورديليا بالخبر ذهبت على الفور للقاء والدها، فاحتضنته وأخبرته بمدى حبها له وصدقها الشديد معه وأن حبها له نابعٌ من القلب من دون أن يكون لها أي مصالح ماديّة أو شخصيّة معه، فأدرك الملك الخطأ الفادح الذي ارتكبه عندما حرم كورديليا من المُلك وتفضيله لابنتيه الوسطى والكُبرى اللتين تجيدان تنميق الكلام فقط. ما مصير بنات الملك لير في هذه الفترة كانت ابنتا الملك الكبرى والوسطى قد وقعتا في حب رجلٍ واحدٍ يُدعى أدموند، وبعد فترة توفي زوج الابنة الوسطى، فقررت الزواج من أدموند، وأدى هذا الأمر إلى نشوب خلافات ومشاكل بينها وبين أختها الكُبرى، فدسّت أختها الكُبرى لها السّم وماتت على الفور. وعندما علم زوج البنت الكبرى بفعلتها، أمر بإعدامها على الفور، وبعد ذلك نشبت معركة كبيرة بين مملكة فرنسا التي تعتلي عرشها الابنة الصغرى كورديليا ومملكة بريطانيا، فسجنت لفترة طويلة، ثم أُعدمت، وعندما سمع والدها بخبر إعدامها مات حزنًا على ابنته التي أحبته بصدق وإخلاص، وأما زوج ابنة الملك الكُبرى فقد أصبح ملكًا على مملكة بريطانيا.
وفي نهاية الأمر كيف يمكن لنا أن نستفيد من قصة الملك لير 
وهي  أنّ صدق الحب والمشاعر الجميلة أهم من الكلام المعسول، والمشاعر الإنسانيّة الصادقة هي أجمل وأهم ما يمتلكه الإنسان تجاه الآخرين، فمعظمنا نتقن فن الكلام لكن الأفعال وحدها تبرهن أين مكانك ، والأفعال هي  وحدها 
من تؤكد على صدق المحبة أما الكلام فالجميع فلاسفة.

طباعة شارك ويليام شكسبير الملك لير بريطانيا

مقالات مشابهة

  • ومضة الشرارة التي تغير مجرى حياتك
  • هند عصام تكتب: الملك لير
  • عميدة زلطن: تعاملت مع التحديات الكبيرة والمعقدة بقوة وثبات
  • هى بنتى الكبيرة أموت ولا أزعلها.. 10 صور تجمع بين تامر حسنى وطليقته
  • من هم أصحاب الدعاء المستجاب؟.. اعرف الفئات التي لا تُرد دعواتهم| فيديو
  • شروط صحة الأضحية والعيوب التي يجب أن تخلو منها.. تعرف عليها كاملة
  • حمدة البلوشي: «صغارية» منصة تعليمية ترفيهية مبتكرة
  • شيخة الجابري تكتب: التنشئة والذكاء الاصطناعي
  • كريمة أبو العينين تكتب: من خاف سِلم
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: من طرف خفي 53