رسالة في بريد «تقدم»: دعوة للتفكير خارج الصندوق

جمال عبد الرحيم صالح

يتسم العقل الجمعي للنخب السياسية والاجتماعية بصفات سلبية جمة، حيث من ضمن هذه السمات سيطرة التفكير الرغبوي، ذلك الذي يُغَلِّب حسن النية على حقائق الواقع الموضوعي الباردة، ويراهن على عنصر الزمن في تحقيق نتائج إيجابية عقب جدل سياسي مفتوح النهايات، ويعوِّل على المعجزات لتوجيه مركب فقدت دفتها ومجاديفها؛ هذا إضافة إلى إجادته إدمان تجريب المجرب وانتظار نتائج مختلفة كل مرة! وفي هذا لن يمل الكاتب الطَّرق على باب “تقدم”، مقدماً النصح، آملاً في أن يرى مردوداً يوماً ما لدعوته لها للخروج عن النمط المألوف، ذو الفعالية المتدنية، في ممارسة العمل السياسي بالسودان.

يتفهم الكاتب سيادة تلك العقلية لدى إسلامويي المؤتمر الوطني، قيادة وقاعدة، نسبة لأسباب بنيوية تتعلق بهم، تتمثل في تدني قيمة الفكر لديهم والتي يشهد عليه خلو مصادر البحث والمعرفة السودانية من تواجد إسهام محترم يمكن أن ينسب لهم. إن ما تلقوه من تربية فكرية وسياسية وتنظيمية، وما اجتمعوا عليه من تداخل مصالح، رسَّخ عميقاً سلوك القطيع وسطهم، مُلغِياً بذلك أي قدر معقول من العقل والخلق القويم بينهم. لذا ليس مستغرباً أن تؤدي حكومة الأمر الواقع، القائمة الآن، دورها وكأنها جهاز اتحاد طلابي. هل سمع أحد من قبل من مسئول رفيع في منظمة دولية يصف بيان حكومة دولة بأنه بيان منحط؟ هل يعقل أن تكون رؤية حكومة في حل أزمة الحرب القائمة أن تخرج قوات خصمها من منازل المواطنين ومرافق الدولة المحتلة، كشرط للتفاوض، رغم استحالة ذلك لأسباب عسكرية منطقية، غض النظر عن رأي أغلبية الناس المعادي لذلك الخصم الذي فرضه علينا ذات القائمين على تلك الحكومة؟ هل يعقل وسط هذا الهيجان السياسي الطاغي، إقليمياً ودولياً، أن تمد حكومة، تفتقد لأي مصدر قوة، يدها لإيران في وقاحة مدهشة واستفزاز بَالِغَيْن للدول المؤثرة إقليمياً ودولياً؟ هذا هو مستوى حكومة الأمر الواقع وحظها من العقل والفهم وحسن تدبير الأمور!

قد بلغ من قصر بصر وبصيرة حكومة الأمر الواقع، ومبلغها من انعدام الكفاءة والمهنية، أن تعادي العالم بأجمعه تقريباً برفضها لكل المبادرات المطروحة، وبهجومها وتعاليها على الرؤساء والمبعوثين الدوليين والمنظمات الإقليمية والدولية؛ لدرجة أن مصر التي ساندتها من دون الدول رفعت أيديها عنها، ولمَّحت من طرف خفي، أكثر من مرة، إلى ضعف البرهان وارتهانه نفسه للإسلامويين. كما بلغ من تردي مستوى حكومة الأمر الواقع، وعدم رغبتها لوضع نهاية للحرب التي دمرت البلاد وشردت مواطنيها، اتهامها لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة الإيغاد بالتآمر على السودان بحجة استقبالهم الجنرال حميدتي، رغم أنه وجد ذات الاستقبال من رؤساء دول ليس لها رابط مباشر أو غير مباشر بما يحدث بالسودان، كرؤساء جنوب أفريقيا ورواندا! بل أنه تحادث حتى مع الأمين العام للأمم المتحدة نفسه! هذا رغم أنه لا يوجد سبب واضح يدفع تلك الدول للتضامن مع جنرال على حساب جنرال آخر.

على خلاف ما تراه حكومة الأمر الواقع، فإن كل العالم تقريباً، ينظر لما يحدث بالسودان بأنه صراع بين جنرالين على السلطة. فإذا افترضت حكومة الأمر الواقع أن الدعم السريع قوة متمردة على وضع دستوري قائم، فإن العالم يعلم علم اليقين بأن البرهان نفسه قد تمرد على ذات الوضع الدستوري بانقلابه على حكومة مدنية معترف بها دولياً، وإن كانت تلك الحكومة تفترض أن الجيش أحد كيانات الدولة وأقطابها الرئيسية وفقاً للدستور والقانون وبالتالي هو الجدير بالاعتراف، فإن المتهم بالتمرد يتمتع بنفس الحق الممنوح للجيش، دستورياً وقانونياً! وهو أمر كما هو معلوم، لم تكن لدول العالم ومؤسساته التي ناصبتها حكومة الأمر الواقع العداء والاستفزاز سبباً له، وإنما تتحمل مسئولية وجود ذلك الدعم السريع ذات الجهة التي تطالب الآخرين بعدم الإعتراف به وبل إنكاره، فهي التي أوجدته من العدم، ورعته حتى اشتد عوده، ووضعت القوى الأخرى، محلياً وإقليمياً ودولياً في وضع ليس لهم غيره، وهو التعامل معه لإنقاذ بلد وشعب من الضياع الأبدي.

لا يهمنا كثيراً تواضع مستوى نخبة إسلامويي المؤتمر الوطني، وهو أمر معلوم لكل من يحمل رأساً بين كتفيه، بقدر ما يزعجنا ذلك البطء في تلمس الطريق الصحيح والمناسب لإنقاذ الوطن من قِيَل قوى الحرية والتغيير، في شكلها الجديد تنسيقية قوى التحول الديمقراطي المدني (تقدم). ونعني هنا بطأها في تغيير خطها السياسي بما يتناسب مع تعقيد الموقف وتوازنات القوى الماثلة، ورهانها الموغل في التفاؤل على لقاء يجمع بين الجنرالين لإيجاد حل للأزمة السودانية!

إننا نرى أنه، وباعتبارها أكبر تجمع شهدته الساحة السياسية في تاريخنا المعاصر، ولديها مشروعية ممهورة بأنهار من الدماء، وتتمتع بقيادة مجموعة من سياسيي السودان، يتسمون بالنزاهة والوطنية والرصانة في الخطاب والبسالة في المواقف؛ باعتبار كل ذلك، ومن موقعَي الحرص والعشم، نرى أنها أصبحت فريسة للمماحكات، وإثقال الخطو، في الخروج من مربع التوهان الذي اختارته لنفسها وفق ما نعتقد. لا يجب، بالطبع، أن تعني إشادتنا السابقة بقيادتها أنها مبرأة من العيوب، كما لا تعني أن أفرادها متساوون فيما طرحناه من صفات، لكننا نتحدث عن الصفة الغالبة عليها؛ بدون أن نجرِّد أي قوى أخرى اختارت أن تكون خارجها من تلك الملامح. لقد أكد أداؤها، أثناء الفترة الانتقالية، ذلك جيداً بالرغم مما وضع أمامها من عراقيل، وبالرغم خبرتها المحدودة. كما يحسب لصالحها ما أبدته من شجاعة في نقد أداءها عبر ما أقامته من ورش لمعالجة قضايا الانتقال، بما في ذلك إصلاح المنظومة الأمنية، والتي أمنت عليها الكتل الأساسية بمن في ذلك قائد الجيش فبل تنصله المشين لاحقاً.

لا بد لـ “تقدم” من مخارجة نفسها من هذا الشرك ذو الشباك المتعددة المتمثل في هذا الكم المتزايد والمتناسل من المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية، والمحكومة بالفشل في تقديرنا، والتي امتدت حتى البحرين شرقاً والجزائر غرباً، والتي تدور كلها حول أن يلتقي الجنرالان وجه لوجه، للاتفاق على إيقاف الحرب ورسم خطوات الانتقال للدولة. إن ذلك حلم بعيد المنال كما يرى كاتب هذه السطور، الذي يرى أن لا مناص من اختطاط مسار مختلف نوعياً، عماده أن تتولى “تقدم” الطلب من الفرقاء الدخول في تفاوض مباشر وبنية صادقة في إنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطي المدني في فترة زمنية تقدرها هي، ولنقل فترة شهر واحد، بعدها تطلب تقدم رسمياً، وبصفتها المعبر الشرعي لشعب السودان الذي خرجت غالبيته الساحقة إلى الشارع واقتلعت بأيديها العارية أحد أسوأ نظم البطش والاستبداد والفساد التي شهدها العالم، تطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي (حال رفض مجلس الأمن الدولي) التدخل السياسي والعسكري الفوري لإنقاذ بلادنا وشعبنا. إن حيثيات هذا الطلب منطقية وأخلاقية للغاية، ومبررة سياسياً. منها على سبيل المثال وليس الحصر:

* عدم الأهلية السياسية والعسكرية لقائد الجيش وحكومته وحلفائه؛ وتاريخهم المشين والمتصل في التنصل عن عشرات الاتفاقات والوعود بدون أن يطرف لهم جفن.

* رفضهم لكل المبادرات الوطنية الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء الحرب وإرجاع الحكم المدني الديمقراطي. بل تعمدهم وضع عراقيل غير مسبوقة أمام بعثة الأمم المتحدة السابقة (يونتامس) التي بذلت كل جهدها لتجنيب البلاد خطر الحرب الذي أناخ بكلكله على بلادنا الطيبة.

* توجههم العلني لإشعال حرب أهلية عبر تكوين وتنشيط كتائب عسكرية ذات توجه أيديولوجي معروف، وعبر تجييش الشباب ودفعهم لساحات القتال بدون تدريب أو تأهيل عسكري وأخلاقي.

* إثارتهم وبشكل علني، على مستوى قادتهم، للنعرات العرقية والقبلية والمناطقية، وتأليب العامة، بدون أي وازع وطني أو ديني أو أخلاقي لتصفية الأبرياء، ابتداءَ من ناشطي الثورة وحتى تعساء الحظ من الباعة المتجولين وغيرهم ممن ضاقت بهم الحيلة فاضطروا للقبول بأعمال بائسة من أجل سد احتياجات صغارهم وأسرهم.

* الاستهانة بحيوات ومصالح البسطاء عبر الاستخدام العشوائي للطيران في ضرب مواقع مليشيا الدعم السريع المتسربة داخل الأحياء السكنية والمرافق العامة، بدلاً عن توجيه الضربات إلى معسكراتهم وطوابيرهم العسكرية المتحركة بين ولايات البلاد ومناطقها المختلفة.

* إصرارهم العلني لفرض جهة سياسية اقتلعها الشعب بيديه العاريتين لفسادها، وبلطجتها، ووحشيتها، وتدميرها الممنهج لمقدرات الوطن لما يزيد عن الثلاثة وثلاثين عاماً. وفوق ذلك لإشعالها الحرب القائمة ووضع العراقيل لأي جهد يستهدف إنهائها.

ذلك ما كان من أمر حكومة البرهان ومن خلفها إسلامويو المؤتمر الوطني ذوي التاريخ والحاضر القبيحين. أما الدعم السريع فنلخص وضعه في التالي:

* غض النظر عن تاريخهم المشين، وما تسببوا فيه من تصفيات عرقية مثبتة سابقاً ولاحقاً، وما سببوه من تدمير ونهب ممنهج وواسع النطاق لممتلكات المواطنين، فهم، ولغرابة أقدار هذا البلد، أكثر صدقية ونضجاً سياسياً وعسكرياً من خصومهم. بيد أنه لا بد من الإقرار بأن تراجع قائده عن اللقاء مع الجنرال الآخر في إطار مبادرة الإيغاد، بزعم وجود عقبات (فنية)، يمثل مؤشراً ملفتاً لاحتمال تراجعه عن (صدقيته) المشار إليها فيما سبق.

* مهما بذل من جهد في اتجاه تمدين قيادته، ومن سعي لإظهار نفسه كداعم للتحول المدني الديمقراطي، يظل مجرد مليشيا عائلية وقبلية محاطة ومخترقة من أصحاب الأجندات السياسية والاجتماعية الخاصة، وتفتقد للعقيدة العسكرية التي تسمح لنا بقبوله كقوة عسكرية منضبطة.

* على عكس الجيش الذي يخضع لبعض المؤسسية التي ربما تقيه خطر التشرذم، فإن الاحتمال الغالب أن تتفتت مراكز التوجيه والسيطرة داخل الدعم السريع، وأن يتحول القادة الميدانيين به لأمراء حرب على النسق الصومالي. هذا خطر محتمل للغاية في حالة استمرار الحرب في حالها الذي هي عليه الآن.

حاولنا أعلاه، وبقدر استطاعتنا، أن نوضح من الحيثيات ما يبرر لـ “تقدم” إقدامها على ما اقترحناه عليها من تبني خط سياسي يقوم على تبني خيار الطلب من الأمم المتحدة و/أو المجتمع الدولي للتدخل الفوري لإنقاذ بلادنا وشعبنا. أدناه نختم ببعض الملاحظات التي تراها ضرورية في دعم وجهة نظرنا:

* بفرضية جمع الجنرالين التي استلزمت عشرة أشهر من الدمار ولم تتم حتى الآن، من هو الذي يضمن اتفاقهما؟ وكم من الزمن نحتاج يا ترى للوصول لتسوية عبر اتفاقهما إذا كان مجرد لقاءهما يهدر مثل هذا القدر من عمر بلادنا؟

* واضعين في الاعتبار مدى القوة الباطشة التي يحتازها كل منهما، وتمتعه بحواضن سياسية واجتماعية مدنية، كيف تضمن “تقدم”، باعتبارها المُعبِّر الأساسي والأهم لقوى الثورة (بحكم الأمر الواقع)، أن تغير توازن القوى ليصب في صالح الشعب، مع الوضع في الاعتبار صعوبة استعادة زخم الشارع الثوري بفعل الهجرة والتشرد، وعوامل أخرى، والتي تسببت في غياب أو يأس عشرات الألوف من العناصر النشطة والخبيرة في تحريك ذلك الشارع؟

* ليكن واضحاً، أن الجنرالين، بكل ما يتمتعان به من قوة، وما يتسمان به من صفات أوضحناها في حيز آخر من هذا المقال، لن يلتفتا، حال لقائهما، إلى قوى مدنية واقفة على رصيف الحرب، تريدهما أن يدفعا أثماناً باهظة جرَّاء ما فعلا.

* لا نزعم أن الدعوة للتدخل الدولي ستجد استجابة مؤكدة من المعنيين بالدعوة، لكننا نرجح التفاعل الإيجابي معها باعتبارها صادرة بطلب مباشر من جهة تمثل القوى الحية في البلاد،  ومسنودةً بحيثيات واضحة ومعلومة. إننا نراهن بأن الاحترام والتعاطف الذي وجدته ثورة الشعب من قبل المجتمع الدولي، ومشروعية مطالبها، هذا فضلاً عما يشكله الوضع الحالي من خطر على الأمن والسلم الدوليين، واحتمالات استعانة حكومة الأمر الواقع بالإرهاب الدولي و/ أو إدخال ايران أو روسيا في المعادلات الجيوسياسية؛ نراهن بأن ذلك يرفع كثيراً من درجة مقبولية تلك الدعوة.

* إن مجرد المطالبة بالتدخل الدولي، من جهة ذات إحترام وقبول دولي مثل “تقدم”، يشكل في حد ذاته عنصراً فعالاً في لفت انتباه العالم لما يجري في السودان، ويرفع من مستوى الضغوط التي ستفرضها المجموعة الدولية على أطراف الحرب، ويجعلها أكثر إيجابية في التعاطي مع الشأن السوداني.

* في حال قبول “تقدم” بهذا المقترح، عليها تفادي الكثير من الفخاخ التي برع إسلامويو المؤتمر الوطني، من شاكلة إرشاء المبعوثين الدوليين، وبالذات الذين بنوا مقدراتهم من خلال عملهم كموظفين كبار في حكومات شمولية أو دكتاتورية. كما عليها أن تدرس وبشكل متمعن تجربة القوات الدولية في دارفور من قبل، وما اكتسبه أولئك الإسلامويون من خبرة في تحديد مجال عمل تلك القوات وتمرير الكثير من أجنداتهم من خلالها.

[email protected]

الوسومالإيغاد الجيش السودان تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية(تقدم) جمال عبد الرحيم صالح حكومة الأمر الواقع مصر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإيغاد الجيش السودان تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم مصر المؤتمر الوطنی الدعم السریع الذی ی

إقرأ أيضاً:

إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع

شهد الأسبوع الذي انقضى، وهذا الذي يكاد، نشاطاً دبلوماسياً أجنياً غير معتاد في العاصمة الإدارية بورتسودان، إذ أقبلت على المدينة الساحلية وفود من جهات متعددة، إقليمية و دولية، للتباحث مع المسؤولين في حكومة الأمل، حول ما الذي ينبغي فعله لتخفيف وطأة الحرب على السودانيين.

ما وراء الحراك:

مصدر دبلوماسي رفيع، فسَّر لـ”المحقق” هذا “التدافع نحو السودان” بسببين رئيسيين، أولهما ما بدأ يلوح في الأفق، من احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، على خلفية الحراك الذي أحدثته المبادرة الأمريكية السعودية، وما يتصل بها من مبادرة المجموعة الرباعية، وبالتالي رأت العديد من الجهات أنه عليها أن تكون حاضرة “في الميدان” قبل أن يصبح وقف إطلاق النار أمراً واقعاً، خاصة وأن العالم الغربي عموماً مقبل على عطلة أعياد الميلاد، وأن غالب المسؤولين فيه، سيغيبون عن ساحة الفعل السياسي، قريباُ و لنحو أسبوعين.

أما السبب الثاني، برأي المصدر الرفيع، فهو أن حجم الكارثة الإنسانية والجرائم التي تعرض لها السودانيون، طوال سنوات الحرب، والتي تكشفت جوانب مرعبة منها للعالم، في أعقاب استيلاء مليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر، هز الضمير العالمي، ووضع صناع القرار في الدول الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية، أمام حقائق كاشفة، يصعب تجاهلها، ولهذا لم يكن هناك بد من التحرك.

أبعاد إنسانية:

ولفت المصدر، في حديثه لـ”المحقق” إلى أن جوهر الحراك الدبلوماسي الذي شهده السودان خلال الأيام العشرة الماضية، هو إنساني، تنموي، أكثر من كونه حراكاً سياسياُ، إذ أن طبيعة الوفود التي قدِمت إلى بورتسودان، تصنف في هذا الإطار.

مبعوثون غربيون:

خلال الفترة الماضية، زار عدد من المبعوثين الخاصين الغربيين بورتسودان، والتقوا بعدد من المسؤولين في الدولة، وتباحثوا في عدد من المجالات، وكان أبرز هولاء المبعوث النرويجي والمبعوث البريطاني، لكن هذا الحراك الدبلوماسي – يضيف المصدر – تصاعد بزيارة ثلاثية قام بها مبعوثون لما أسموا أنفسهم “دول شمال أوروبا”، وهي كل من السويد وفنلدا والنمسا، والتقوا خلال زيارتهم لبورتسودان برئيس الوزراء دكتور كامل إدريس، وبمسؤولين في مستشارية مجلس السيادة للعمل الإنساني، فضلاً عن لقائهم بالمسؤولين في وزارة الخارجية، وكذلك التقت وزيرة شؤون مجلس الوزراء، دكتورة لمياء عبد الغفار، بمنسقة الشؤون الإنسانية في السودان ، دينس براون، حيث قدمت المنسقة تنويراً عن الدور الذي تقوم به منظمات الأمم المتحدة من مساعدات للسودان في مجالات التعليم والصحة والعون الانسان، مؤكدة كامل استعدادها للتعاون مع الحكومة لإحكام التنسيق والتأكد من وصول العون الانسانى للمحتاجين، معربة عن أملها بأن يعم السلام كافة ربوع السودان.

وزارة المالية في قلب الحراك:

مصدر دبلوماسي رفيع، تحدث هو الآخر لـ”المحقق” لفت إلى أهمية النظر إلى النشاط الذي شهدته وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ممثلة في وزيرها الدكتور جبريل إبراهيم، خلال الفترة الماضية، معتبراً أن ما حدث يمهد لتطبيع علاقات السودان المالية مع عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية التي انخرطت بالفعل في الحراك الدبلوماسي الموجه للسودان.

ولفت المصدر إلى أنه خلال هذه الفترة، تباحث وزير المالية، مع صندوق النقد العربي، ومع البنك الأفريقي للتنمية، ومع مبعوثين من البنك الدولي ومع بعثة الصندوق الدولي للتنمية “إيفاد”، وأن هناك تفاهمات جديدة حدثت، سيجني السودان ثمارها في السنة المالية التي أقبلت.

حراك أممي سياسي وإنساني:

المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، زار بورتسودان هو الآخر في بداية هذا الحراك الدبلوماسي، والتقى بكبار المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء و وزير الخارجية، ومن المؤكد أنه أطلعهم على الجهود المشتركة التي تبذلها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” والجامعة العربية والإتحاد الأوروبي، لإيجاد منبر للحوار بين الفرقاء السودانيين، وهو الحوار الذي بات الآن مهدداً بسبب إصرار هذا “الخماسي” على دعوة مجموعة “تأسيس” التي أضحت الواجهة السياسية لمليشيا الدعم السريع.

أما الجانب الأهم في الحراك الأممي، فهو الزيارة المطولة التي قام بها المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى السودان، والتي اختتمت أمس، وزار خلالها الولاية الشمالية و ولاية الخرطوم، ليقف على حجم الاحتياجات الإنسانية في معسكرات النزوح، ويستمع إلى شهادات ناجين من مأساة الفاشر، ويقف كذلك على الخطوات التي اتخذتها ولاية الخرطوم لترحيل اللاجئين الأجانب إلى معسكرات حدودية في كل من القضارف والنيل الأبيض.

وعلى الرغم من أن غراندي، ليس معنياً بموضوع النازحين، إلا أن طبيعة الوفد الذي رافقه، واللقاءات التي عقدها عقب عودته إلى بورتسودان مع رؤساء مكاتب الأمم المتحدة، ممثلين في منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالسودان، والمديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف”، وممثلي منظمة الصحة العالمية، وغيرها، يوضح بجلاء أن الأمم المتحدة قررت الانخراط الإيجابي مع الحكومة السودانية لمعالجة الجوانب الإنسانية للآثار التي خلفتها حرب مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني والبنى التحتية في البلاد.

ماذا بعد ؟:

لا شك أن هذا الحراك الدبلوماسي، بجانبيه الثنائي ومتعدد الأطراف، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة تواصل دبلوماسي كثيف، قادته وزارة الخارجية وعدد من مؤسسات الدولة المعنية بالعمل الخارجي، لكن من المؤكد أن ذلك التواصل والانخراط يحتاجان إلى متابعة لصيقة حتى يصبح ما تم الإتفاق عليه خلالهما أمراً واقعاً، ويكون بوسع السودان أن يجني الثمار في أقرب الأجال.

المحقق – خاص

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/12 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة وداع إفريقيا في “أقصر حرب في التاريخ”!2025/12/11 «المستشارة التى أرادت أن تصبح السيدة الأولى».. قصة لونا الشبل مع النظام السورى بعد فيديوهات مسربة مع بشار2025/12/09 السيسي يحبط خطة “تاجر الشاي المزيف في السودان”.. كيف أفشل الرئيس المصري تحرك الموساد؟2025/12/09 ما يزال وصول المنظمات الدولية إليها ممنوعاً.. الفاشر تتحول إلى “مسرح جريمة هائل”2025/12/07 الخرطوم تنهض من تحت الركام (1-3)2025/12/07 تقرير إسرائيلي يحذر من صاروخ مصري “قد يغير قواعد اللعبة”2025/12/07شاهد أيضاً إغلاق تحقيقات وتقارير المصارف السودانية في مصر … عقبات تنتظر الحلول 2025/12/04

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • أشار إلى سقوط صدام وهزيمة داعش.. مبعوث ترامب يوجه رسالة إلى حكومة العراق
  • إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
  • تقدم تدريجي.. روسيا تعلن السيطرة على مدينة سيفيرسك شرق أوكرانيا
  • تفاصيل اليوم الذي غيرت فيه القبائل اليمنية كل شيء
  • تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • العداء الإثيوبي.. والصبر المصرى
  • زيلينسكي يتوقع أخبارا سارة ويبحث إعادة الإعمار مع واشنطن
  • الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى