علي بن سالم كفيتان

الكويت ليست مكمن نفطي في رأس الخليج وليست كيانًا انتقاليًا بين القوى الكبيرة في المنطقة، كما يحلو لبعض المُحللين السياسيين نعتها، كما إنها ليست ثوبًا قبليًا كما يروج البعض، لأنَّ الكويت عبارة عن خوارزمية نادرة استطاعت التعامل مع جميع الأرقام في الوطن العربي الكبير، فكانت هي العلامات التي تقع بينها إما بالزائد أو الناقص أو حتى بالضرب أو القسمة.

دعمت الكويت منذ بداياتها الأولى الحركات التحررية للشعوب العربية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية فأبو عمار (ياسر عرفات)- رحمه الله- بدأ من الكويت ليعيد تشكيل رسم خارطة التحرر الفلسطيني، واعترف العالم بهذا الميلاد الكويتي واستقبل رؤساء العالم ياسر عرفات كرمز للدولة الفلسطينية المنتظرة، فصال وجال أبو عمار بكوفيته الفلسطينية التي نسجت في الشويخ، وببزته العسكرية الكاكية التي فصلت في الأحمدي على مكينة خياطة أبو فراشة بيد سيدة كويتية عظيمة، بذلت كل ما في وسعها ليبدو الرجل قائدًا لأمة تُناضل من أجل الاستقلال هذه هي الكويت منبع الحرية وصوت الأمل ورمز السخاء اللامتناهي مع كل ما هو عربي ومُسلم.

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لجأ الكثيرون إلى الكويت، فرأوا كم هو شيخها ومؤسسها في العهد الحديث الشيخ عبدالله السالم الصباح رجل الاستقلال والدستور يطوي المسافات ويختصر الزمن لتوفير حياة كريمة لشعبه، وشهدوا كيف أصبحت تلك الإمارة كوكبًا يشع في فضاء من الظلام الدامس الذي يخيم على مفازات وتخوم جزيرة العرب. قدَّم آل صباح تجربة ناضجة لنظام الدستورية الملكية؛ حيث مكَّنوا الشعب من المشاركة في السلطة ومحاسبتها من خلال مجلس الأمة الكويتي الذي يتمتع بكامل الصلاحية لمنح الثقة للحكومة ونزعها متى ما تبين وجود خلل، ومحاسبة المنتفعين من السلطة، مهما كانت مراكزهم الاجتماعية وقربهم حتى من الأمير، مما أوجد سلطتين تشريعية وقضائية تعملان بكفاءة وشفافية وتحظيان برعاية أمير البلاد.

لقد سهلت الكويت في تلك الحقبة لكل الذين يعانون في بلدانهم، التواجد وفتح المكاتب وتنظيم عمليات الكفاح ضد المستعمر وانخرط الكويتيون في العمل السياسي والحزبي والنضالي في الوطن العربي، من خلال الانضواء تحت مظلة القوميين العرب أو الحركات اليسارية أو حتى حركات التحرر الوطنية التي لا تتبنى آيدولوجيات أو أجندات سياسية، سوى تحرير بلدانها، فبذلت الكويت ورجالاتها الغالي والرخيص لدحر الاستعمار وبلوغ الاستقلال في كثير من البلدان العربية والإسلامية.

نحن في عُمان ندين للكويت بالكثير من المواقف الخالدة، فقد وقفت معنا في الأيام الخوالي التي انتشر فيها الظلام، وساد الجهل، وقلت فرص العيش الكريم، ففتحت أبوابها مشرعة لشعب عُمان الأصيل ومنحتهم حق الأفضلية في العمل والعيش بكل كرامة، ودعمت أحلامهم وطموحاتهم لتغير الواقع الذي كانوا يعيشوه، ولم تدخر الكويت جهدًا ولم توصد بابًا أمام العمانيين بمختلف أطيافهم ومناطقهم، وحتى توجهاتهم، فكانت الحضن الدافئ والملاذ الآمن في أيام العسرة، كما كانت أول المرحبين والداعمين للتحول الكبير الذي حدث في بلادنا عندما تولى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الحكم في البلاد عام 1970؛ فقدمت موقفًا سياسيًا خالدًا ودعمت بسخاء خطوات الحكومة لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد، فعاد جموع العُمانيين من الكويت مُحمَّلين بالعِلم والمعرفة التي ساعدت الدولة في خطواتها الأولى، وتصالحت الحركات السياسية مع العفو السامي للسلطان الراحل- رحمه الله- فعاد المناضلون عبر محطات عدة ومنها الكويت إلى حضن البلد، ليساهموا في بناء بلدهم من جديد. لهذا ظلت الكويت دولة وشعبًا محطة لا يمكن مسحها من الذاكرة العُمانية.

مثلت دولة الكويت وسلطنة عُمان نهجًا للسياسة المتزنة والناضجة في المنطقة فظلت مواقفهما ثابتة من القضايا المصيرية، ولم تتأثر بالمد والجزر والتحولات المضطربة التي حلت بالشرق الأوسط، فكلا البلدين يدعمان الأمن والسلم الاجتماعي في المنطقة، ويتفقان على نهج الحوار السياسي كبديل ناجع للحرب والدمار، ويمثلان اليوم شوكة الميزان في لّمِ الصف العربي والخليجي ودعم القضايا العادلة، وفي مُقدمتها القضية الفلسطينية بشفافية عالية، بعيدًا عن الانغماس في وعود الغرب الواهية ومبادراتهم الشيطانية الرامية لزعزعة المنطقة وزرع المزيد من بؤر الصراع في مُحيطنا الخليجي.

ونحن نستقبل اليوم صاحب السُّمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمير دولة الكويت في ضيافة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظهما الله ورعاهما- نستلهم كل المواقف النبيلة بين البلدين ونقف كشعب عُماني محب للكويت شعبًا وأميرًا، صفًا واحدًا من رؤوس الجبال في مسندم حتى جبل القمر في ظفار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟..الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: كيف يتطهَّر المريضُ الذي يركّب قسطرةَ البول، وما حكم صلاته؟

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة:هذا المريض له حالتان: إما أَنْ يخرج مِنه البول بدون تَحَكُّم منه أو لا.

فإن خرج منه البول دون تَحَكُّم منه فهذا ما يعرف عند الفقهاء بـ«السَّلَس»؛ فيُعفَى عنه حينئذٍ، وحكمه في هذه الحالة: وجوب غسل محل النجاسة، ثم الربط على عضو التبول، ثم الوضوء، ويصلِّي مَنْ هذا حالُه بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات، وينتقض وضوؤه بانتهاء وقت الصلاة المفروضة التي توضأ لها.

حكم الكلام في الحمام أثناء قضاء الحاجة.. الإفتاء تجيبما حكم الزكاة في الذهب الذي تتزين به المرأة؟.. دار الإفتاء تجيبما حكم الإنفاق من أموال الزكاة على ذوي الهمم لتعليمهم؟.. الإفتاء تجيبسبب دخول والد البنات الجنة .. الإفتاء توضح

أما إذا خرج منه البول في الكيس المعلَّق خارج جسده بتَحَكُّمٍ منه: فإنه يجب عليه الطهارة للعبادات التي تحتاجها؛ فيتوضأ للصلاة بخروج شيء من البول، ويُصَلِّي عقب وضوئه.

وبخصوص صحة الصلاة؛ فإذا استطاع إزالة هذا الكيس أثناء الصلاة فلا تصح الصلاة في هذه الحالة إلا بعد إزالة هذا الكيس، وإن لم يستطع إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة للمشقة البالغة في ذلك فهذا من المعفو عنه؛ لأَنَّ الشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين.

المقصود بـ"قسطرة البول" وبيان نواقض الوضوء

وأوضحت ان «قسطرة البول»: هو كيس خارج البدن يوجد به بعض الأنابيب ليخرج منها البول المحتبس في جسم المريض.

وهذا البول الخارج من الجسد الأصل فيه شرعًا أَنَّه من نواقض الوضوء، فمن النواقض: خروج شيء من السبيلين -القُبُل والدُّبُر-، ويشمل ذلك البول والغائط وغيرهما؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [النساء: 43].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، رواه مسلم.

وعن صفوان بن عسّالٍ المُرادِي رضي الله عنه قال: "أَمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا كُنّا سَفْرًا ألَّا نَنْزعَ خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ بِليَالِيهنَّ، إلا من جنابة، ولكن من بولٍ، أو غائطٍ، أو نومٍ" رواه الترمذي.

فدلّ هذا الحديث على أن النقض بالبول، والغائط، والنوم.

وروى الإمام عبد الرزاق في "المصنف" عَنْ عبد اللهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ".

ومعنى انتقاضِ الوضوء في كلام الفقهاء: أنَّه لا يصح فعل أي شيء من العبادات التي اشترط الشرع الشريف لها الطهارة.

كيفية طهارة مريض القسطرة وحكم صلاته والأدلة على ذلك

لكن هذا المريض والحالة السابقة له حالتان في العبادات المشترطة للطهارة؛ كالصلاة، والطواف؛ إما أَنْ يخرج مِنه البول بدون تَحَكُّم منه أو لا.

فإن خرج منه البول دون تَحَكُّم منه فهذا من الأحوال التي وَضَّح الفقهاء أنه يُعذَر فيها الشخص من اشتراط الطهارة، وهو ما يعرف عند الفقهاء بـ«السَّلَس»؛ فيُعفَى عنه حينئذٍ، سواء في كل الطهارة أو في بعضها؛ ومعنى السَّلَس: استدامة انفلات الحدث من القُبُل أو الدُّبر مع العجز عن التحكم في منعه، ولو في فتراتٍ متقطعة، فيكون حكمه في هذه الحالة حكمَ المرأة المستحاضة التي يسيل منها الدمُ مرضًا ونزيفًا لا حيضًا، وهو: وجوب غسل محل النجاسة، ثم الربط على عضو التبول، ثم الوضوء، ويصلِّي مَنْ هذا حالُه بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات، وينتقض وضوؤه بانتهاء وقت الصلاة المفروضة التي توضأ لها، ويتوضأ لفرض آخر بدخول وقته.

أما إذا كان الشخص يخرج منه البول في الكيس المعلَّق خارج جسده بتَحَكُّمٍ منه: فإنه يجب عليه الطهارة للعبادات -كالصلاة مثلًا- المحتاجة إليها بخروج شيء من البول، ويُصَلِّي عقب وضوئه.

لكن يُفَرَّق بين حالين في صحة الصلاة؛ حال كون الكيس المحمول الذي في البول -سواء تَحَكَّم الشخص في الخارج منه أو لا- على الشخص، فقد يَقْدِر الشخص على إزالة هذا الكيس أثناء الصلاة أو لًا؛ فإن قَدَر على إزالة هذا الكيس فلا تصح الصلاة في هذه الحالة؛ وذلك لأن مِن شروط صحة الصلاة طهارة الثوب والبدن من النجاسة.

أما إذا لم يَقْدِر الشخص على إزالة الكيس الذي به البول أثناء الصلاة للمشقة البالغة في ذلك فهذا من المعفو عنه؛ ذلك أَنَّ الشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، وقد دَلَّ على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والقواعد الفقهية:

1- فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].

2- ومن السنة المطهرة: عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» رواه أحمد.

3- ومن القواعد: قاعدة "المشقة تجلب التيسير" وغيرها.

وفي ذلك دليل على رفع الحرج والمشقة الزائدة عن المكلفين.

طباعة شارك كيفية طهارة مريض القسطرة وحكم صلاته مريض القسطرة طهارة مريض القسطرة كيفية طهارة مريض القسطرة الطهارة المقصود بـقسطرة البول نواقض الوضوء

مقالات مشابهة

  • أنهينا 8 حروب - ترامب من الكنيست: الفوضى التي ابتليت بها المنطقة انتهت تماما
  • أميرُ الكويت يزورُ سلطنة عُمان غدًا
  • المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية : نثمن الدور الذي قامت به قطر لإقرار وقف الحرب في قطاع غزة
  • عضو في الحزب الجمهوري الأمريكي: الرئيس السيسي حمى القضية الفلسطينية ومنع تهجير سكان غزة
  • رئيسة وزراء إيطاليا تطرح مبادرة لإزالة الألغام بغزة وتدريب قوات الأمن الفلسطينية
  • قمة ''شرم الشيخ للسلام'' تنطلق غداً في مصر بمشاركة قادة أكثر من 20 دولة
  • دولة قطر تشارك في اجتماع وزراء العدل بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دولة الكويت
  • كيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟..الإفتاء تجيب
  • لميس الحديدي: مصر الرقم الصعب الذي أحبط مخطط التهجير في معادلة القضية الفلسطينية
  • ما الذي يقوي العلاقة بين الزوجين؟.. احرصا على هذا الأمر ولو مرة يوميا