بدأت وزارة الثقافة استعدادات مبكرة للدورة 56 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، ومن المقرر اختيار سلطنة عمان ضيف شرف الدورة المقبلة، على أن يعلن القرار رسمياً فى ختام المعرض، كما أعلنت وزارة الثقافة عن حلول مصر ضيف شرف معرض فنزويلا 2025.

وقال الدكتور أشرف رضا، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، لـ«الوطن»، إن المشاركة فى أسواق ثقافية جديدة أمر مهم، ومن الضرورى الانتباه إلى كيفية إبراز ثقافتنا وتقديم أنفسنا للآخر من خلال التنسيق بين المعنيين لتقديم منظومة ثقافية متكاملة فى صورة كتب وأعمال فنية وعروض أداء، ويجب نبدأ العمل عليها من الآن: «المشاركة فى معرض فنزويلا والأحداث الثقافية الكبرى فى الخارج حدث ثقافى متكامل سيكون له مردود على مجالات السياحة والثقافة والفن إذا ما أُحسن استغلالها، ولذلك يجب ألا تقتصر المشاركة على الكتب فحسب، ولكن يجب أن تتضمن عروضاً فنية استثنائية لتعريف الآخر بالحضارة المصرية، كما يجب العمل من خلال المركز القومى للترجمة ودور النشر المهتمة بمجال الترجمة من الآن على الإعداد لهذه المشاركة، بمشروعات ترجمة للكتب والأعمال المتميزة لكتابنا من مختلف الأجيال وفى شتى المعارف، إلى اللغة السائدة فى فنزويلا، لكى يتعرفوا على ثقافتنا وموروثنا».

وأضاف: «عندما كنت رئيساً لأكاديمية الفنون فى روما، حلت مصر وقتها ضيف شرف بمعرض تورينو الدولى للكتاب فى إيطاليا، وقتها قدمت هيئة الكتاب تجربة متميزة فى تمثيل اسم مصر فى هذا المعرض، وتمكنت من نقل الثقافة المصرية، وكان لى شرف تصميم شعار المشاركة فى هذا المعرض، وتضمنت الفعاليات تنظيم معرض آثار ومحاضرات للدكتور زاهى حواس، وعرض لكتبه المهمة عن الآثار المصرية، وتضمنت أيضاً معارض لرواد الفنون التشكيلية». وكشف الشاعر سمير درويش أن الجناح المصرى فى معرض كتاب فنزويلا 2025 لا بد أن يعكس الحالة المجتمعية المصرية الثقافية والفنية، بل والسياسية والرياضية والدعائية كذلك، وهذا يتطلب اختيار الوفد المشارك بعناية فى كل المجالات، ويُستحسن أن يكون بين أعضائه من يتحدثون الإسبانية والمترجمون منها وإليها، إلى جانب الأدباء والشعراء والمثقفين والمفكرين.

وطالب بأن تسبق تلك المشاركة خطط لتنشيط ترجمة الكتب المصرية المتميزة إلى الإسبانية، ويمكن توزيعها مجاناً على زوار الجناح، وفى الندوات التى يجب أن تُنظم بشكل مدروس ومتوازن دون مجاملات فى الاختيار، لأننا نخدم اسم بلد عريق فى ثقافته مثل مصر، وفى منطقة متفوقة فى إنتاجها الثقافى والفنى: «لا أعرف إن كانت هناك إمكانية لعرض أفلام وثائقية وأخرى دعائية إلى جانب الأفلام الروائية، مع وجود ترجمة بالإسبانية والإنجليزية والفرنسية، لأن السينما تلعب دوراً مهماً فى الترويج الثقافى للبيئة التى أنتجتها، ولدينا أفلام عظيمة يمكن الاستعانة بها، وأتمنى أن تقدم هذه المشاركة إضافة للثقافة المصرية، وأن تعرِّف القارئ والمتابع الفنزويلى -واللاتينى عموماً- بمصر ومساهماتها الثقافية، وليس فقط بمصر التاريخية التى نركز عليها دائماً فى كل المناسبات، وكأننا لا ننتج ثقافة ممتازة الآن، فلا بأس أن نقدم القديم والجديد معاً».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: معرض القاهرة الدولي للكتاب ضیف شرف

إقرأ أيضاً:

الفنان التشكيلي أسعد فرزات: الفن مرآة للهوية الثقافية ويكتمل بمواكبة الحداثة والتجارب والخصوصية

لجأتُ إلى اللون الصارخ كي أعبّر عن الفاجعة التي كنا نمرّ بها

الوجوه التي رسمتها بطريقتي المبتكرة تشبه حزني

ولجتُ فضاء القصيدة لأجسد التغريبة السورية من خلالها

الحرية هي المغامرة والبحث والاكتشاف.. والفن يجب أن يستوفي كل شروط الحرية

غياب الحوار بين الرسام والمساحة البيضاء فشل للعمل

ينتمي الفنان أسعد فرزات لأسرة فنية عشقت اللون والكلمة، منهم الرسام والأديب، ورسم لنفسه مسارًا إبداعيًا تجلّى بأسلوبه التشكيلي المتفرّد الذي استطاع من خلاله أن يصل به إلى حيث يريد، وكانت الريشة والألوان واللوحات صوته العالي الذي عبّر من خلاله عن الظلم والقهر والمنفى، فقدّم لنا أعمالًا خالدة ومتميزة.

تحدث أسعد عن الفن التشكيلي العُماني، وعن تجاربه الفنية وقضايا الفن، في الحوار التالي:

• نبدأ من اللحظة التي نعيشها اليوم وهي انتصار الثورة السورية، كيف عشتها، وكيف ستكون لوحاتك القادمة، هل ستتغير الألوان، وهل سنرى أسلوبًا مختلفًا في التعبير؟

حقيقة، في بدء اللحظة عندما أتى الخبر مفاجئًا، اختلط عندي الأمر: هل هو حقيقة أم خيال؟ فليس من السهل، وبعد ٥٥ عامًا من القهر والقتل بشتى أنواعه، أن يأتيك خبر الحرية. خفت أن تتلاشى خيوط الفرح من بين أصابعي وأفقدها، لذلك حاولت ألّا أُغمض عيني حينها. أما بالنسبة لتغير الأسلوب والخوض في موضوع تشكيلي آخر، فهذا ليس قرارًا يُتّخذ اليوم ويُنفذ غدًا. المسألة تحتاج إلى وقت كي يعود الأمر إلى تقلبات عناصر الكيمياء في الدماغ، ويساهم الظرف المكاني والزماني في إنتاج صيغة ذهنية متجددة.

• كنت واحدًا ممن عبّروا عن المحنة السورية ومآسيها، وكان الرسم سبيلك. إلى أي حد يمكن أن يصبح الفنان حاملًا راية التغيير والتأثير في المجتمع؟

وظيفة الفن والعمل الفكري هي ترجمة الحدث بعدة وسائل، وخاصة المآسي والكوارث الإنسانية التي تحصل على مدى التاريخ منذ الحقبة الجيولوجية الأولى حتى يومنا هذا. ففي العصر الحجري، كان الفنان يترجم ما يحصل في حياته اليومية بأدوات بسيطة من رحلة الصيد والأفراح وحتى الموت، جميعها نجدها مدونة على جدران الكهوف. كذلك ما يحصل في العصر الحديث، ظهرت المدرسة الدادائية، سواء بالأدب أو الفن، كردة فعل على الحرب وما نتج عنها، عبّر من خلالها الرسام بتقنيات وأفكار عديدة كترجمة لما حصل.

• رمزية الألوان ودلالتها عندك فيها تعبير صارخ عن الفاجعة السورية بكل تفاصيلها، كيف جعلت الحزن يتدفق من خلالها؟

فيزيائية اللون علميًا مسألة معقدة للمتلقي والفنان معًا. قد يصل اللون الصارخ إلى درجة الصفعة الحقيقية. ما كان يحدث ليس جريمة عابرة منفردة، إنما كارثة إنسانية لم يمر مثلها في تاريخ البشرية. بتلك الحالة، هل أستطيع أن أكون بكامل هدوئي وأخطط لصنع مشهد ضوئي فيزيائي جمالي كما "مونيه"، أم سأَلجأ إلى فيزياء اللون الصارخ والمشبع بالموت الذي يحدث كل دقيقة؟ ليس هناك خيار آخر. أتساءل أحيانًا: هل باستطاعتي العودة للون والضوء بالمعنى التقليدي، رغم أن مشاهد الموت كانت مليئة بالضوء المشع بالمعنى الذهني البعيد؟

• رسمت مئات الوجوه بحثًا عن وجه الحقيقة، هل وجدتها، وأين وكيف، وماذا تلمست فيها؟

قال أحد النقاد المعروفين يصف وجوهي بأن الفنان عادة يرسم ذاته للبحث عن ملامحه كما فعل "فان جوخ"، بينما أسعد رسم وجوه الآخرين للبحث عن ملامحه. وهذا ما حصل فعلًا. من خلال تجربة البورتريهات أو الوجوه التي نفذتها، كنت أبحث عن ملامحي في وجوه أصدقائي الذين رحلوا بتلك المأساة، أو من غادرنا إلى العالم الآخر، سواء عن طريق موجة بحرية ابتلعته، أو بين أسنان حيوانات مفترسة بالغابات، أو بحوض أسيد، أو بطلقة عابرة اجتاحت جمجمته ولم يفلح بالوصول إلى شط الأمان، للأسف. بالنسبة لوجوهي التي نفذتها، لا تزال التعبيرية هي هاجسي، سواء بمشروع الوجوه أو غيرها من أعمالي، وهي الأكثر حضورًا سواء بالمساحة أو اللون. وهذا واضح من خلال الخط المتعرج والقلق الذي ترتسم به وجوهي، وخاصة عند العيون، مما اضطرني أحيانًا إلى إخفائها بالكامل، أو إظهار واحدة منها، بينما الثانية تلفها العتمة لإظهار ما وراء التعبيرية. وجوه تحمل مضمون نتائج كارثة ليس لها شبيه في العالم. وجوه بخطوط تعبيرية تشبه حزني أنا، بطريقة رسم ليست سائدة. لذلك، إن جردت وجوهي من الخطوط والدلالات، تصبح لوحة تجريدية تحمل لونًا وخطوطًا فقط. أعمالي تعبيرية تجريدية – إن وصفناها بطريقة مدرسية – وربما هي أبعد من هذا الوصف التقليدي، وقد تجلى ذلك بأعمالي ما بعد 2014 عمومًا.

• قلت: "أنا من هواة التنزه بالعالم التشكيلي واكتشاف الأراضي البكر فيه بعيدًا عن مزاج الصالات". هل تعد هذا تمردًا على ضوابط الفن التشكيلي، أم ماذا؟

المسألة ليست سهلة، حقيقة. إما أن ترضخ لمزاج صاحب الصالة وزبونه، وإما أن تتمسك بحريتك كرسام وبما تنجزه من أعمال فكرية وذهنية. وهذا يحتاج إلى ثقافة عالية، سواء لصاحب الصالة أو المقتني.

• دعني أصارحك قليلًا، حول غموض كثير من اللوحات التي تُرسم بعيدًا عن المدرسة الواقعية. هناك من لا يستطيع أن يفهم ماذا تعني له تلك الضربات في الريشة، ولا موحيات اللون، ولا رمزية ما يراه من تشكيل.. لماذا هذا الغموض؟ – يتساءل الجمهور.

هذا السؤال يُعيدنا إلى السؤال السابق. الصورة الذهنية والفكرية في الفن التشكيلي تحتاج إلى ثقافة عالية. فمن الصعب على الفنان الذي يملك صورة ذهنية تحمل مضمونًا فكريًا وإنسانيًا أن يتنازل ليقدّم مشهدًا جاهزًا لإرضاء البعض. هناك صالات متخصصة بهذا النوع من الفن، يمكن للمتلقي أن يحصل على طلبه بما يرغب ويفهم.

• لديك تجربة مهمة ومتميزة في نقل الكلمة إلى لوحة، وكنت قد تذوقت برهافتك الفنية قصيدة للشاعر نوري الجراح وجسدتها إلى لوحات معبرة، حدثنا عن هذه التجربة المؤثرة، وهل ستكررها؟

أنا ونوري جمعتنا مأساة واحدة. هو وجد في لوحاتي مناخًا وصورًا لقصيدته "الخروج من شرق المتوسط"، وأنا وجدت في قصيدته صورًا تشكيلية تتطابق مع الصورة الذهنية في لوحاتي. ومن خلال ولوجي في فضاء القصيدة، وجدت نفسي أمام تغريبة سورية ليس فقط عمرها أربعة عشر عامًا، بل تلامس وجع السوريين منذ أكثر من ٥٥ عامًا من القهر والذل. فتلك الموجة البحرية صعدها قبلنا أشخاص، منهم من عبر بسلام، ومنهم من لقي حتفه. لذلك، كان مشروعًا مشتركًا ممسرحًا تراجيديًا بصريًا لخص الهولوكوست السوري الكارثي على مدى طويل. والنتيجة: عمل مشترك بيننا أنجزناه في باريس عام ٢٠٢٢، وعُرضت بعض من اللوحات في زيورخ أيضًا، ونُخطط الآن لتكون الفعالية في سوريا، موطن المأساة التي ترجمناها معًا.

لكل مبدع وحي يوحي له بمفردات قصيدته أو روايته أو قصته، كيف يلتقط الفنان أسعد أطراف لوحاته...؟

الأمر يتعلق بالمخزون البصري، وترجمة مفردات الواقع بشكل يتناسب مع ماهية الفكرة لدى الفنان وأبعادها. ألتقط مفرداتي أحيانًا من طفل ترك "خربشاته" على حائط ومضى، أو من امرأة تركت توقيعها على قلبي، وأحيانًا أقوم خلسة بسرقة مشهد خبأته بذاكرتي لهذه اللحظة كي أدونه على مساحة بيضاء من ورق أو قماش. أتذكر خطواتي الأولى نحو النهر وتسلق الأشجار العالية، كل هذا الفضاء متاح لي وأتناول من خلاله ما أشاء من مفردات، بدءًا من الشمس في الأعالي إلى عشبة تنمو على طرف الرصيف. لكن خلال الأعوام التي مضت كانت مفرداتي عبارة عن قارب فارغ، رصاصة، غيمة رمادية... لا أستطيع أن أتجاوز ما حصل حقيقةً.

• ما بين الرسم التجريدي ومزجه بالتعبيري رسمت لنفسك مسارًا متفردًا بالمشهد التشكيلي بحيث أصبحت لوحاتك علامة "فرزاتية" فارقة، كيف حصل ذلك؟

لم أسعَ إلى ذلك عنوة. البعض يبحث عن طريق خاص به بالاستعانة بأساليب وتقنيات مسبقة من الغير، هذا لا يجدي نفعًا في صنع مشهد يحمل عالمًا خاصًا لا يشبه إلا صاحبه. الفن بصراحة أبسط من هذا كله، فقط العودة إلى العاطفة الخالصة بدون استعارتها، مدعّمة بالخبرة والثقافة والمخزون البصري، وهي من مقومات الرسام.

• قلت "الفن مرتبط بالحرية.." هل تقصد الحرية بمفهومها الشاسع في التعبير؟

أقصد الحرية في الفن أنها تبدأ من أول خطوة يقوم بها الرسام، بدءًا من اختيار الفكرة وانتهاءً باختيار التقنية التي يرغبها دون قيود أو ضوابط مفروضة سواء من المحيط أو من منطق تقليدي. لو عدنا لتاريخ الفن لوجدنا أن المدرسة الواقعية كانت ثورة على الكلاسيكية النمطية، وكذلك الواقعية المحدثة ثورة على الواقعية، والانطباعية ثورة على المحدثة، وهكذا وصولًا للتعبيرية والتجريدية والحداثوية، إلى التجارب الخاصة للفنان التي لا تنتمي سوى إلى أفكاره الذاتية. الحرية المطلقة للأفكار تخلصنا من عقد ومتلازمات قد ينتجها الدماغ بشكل نمطي أحيانًا، لذلك الحرية هي المغامرة والبحث والاكتشاف. البعض لا يزال عنده عقدة الخوف من فتح الباب على مصراعيه، أو لا يرى أبعد من الأفق الذي يراه من خلال نافذة محصورة، الفن يجب أن يستوفي كافة شروط الحرية.

• غالبًا ما تشكل الأنثى محور أعمال المبدعين، المرأة في حياة وأعمال الفنان أسعد فرزات، كيف تجسدت، وبأي الألوان والخطوط وجدتها أكثر جاذبية وتعبيرًا؟

مجرد ذكر المرأة كمصطلح مجرد، يعود بي الأمر إلى تفاحة آدم التي قضمها، وأنجبت قابيل وهابيل بكل ما يحمله الاسمان من لغز وحكايا. ويذهب الخيال بعيدًا إلى كل تفاصيل عشتار وجلجامش، وعصر الباليوليتك الحجري الأول، وعودة إلى رسوم الكهوف أيضًا وتجسيد شكل المرأة، وهي حتى في حالة الصيد والحب، وإلى عظمة الرسام والنحات الفرعوني، وكذلك السومري، بإظهار مكنونات المرأة السحرية باختلاف حكاياتها. وفي الطرف الآخر شخصية ميديا، وكليتمنسترا، وكارمن، مرورًا بالجوكندا، ونساء ماتيس، وعشيقات بيكاسو، ومأساة فريدا كاهلو، وجمالية لوحات موديلياني بتناوله لجسد المرأة. بالنسبة لي، كل هذه التناقضات الثقيلة الخفيفة تسكن دماغي، بهذا التناقض المتفرد أرسم حوضها الجميل بخط منحني يبدأ من منتصف اللوحة وينتهي بالأعلى، هو نفسه الحوض الذي احتضنني بداخله تسعة أشهر وجعلني أتنفس لأكمل دورة الحياة. فيما بعد، رسمت المرأة السورية المكلومة بكل حالاتها، وهي من ضمن الوجوه التي حملتها معي، هي وعباءتها المخضبة بالدم والتي أصبحت جزءًا من تغريبتي المرسومة.

• رسمت كثيرًا من قصص الأساطير بشجونها المختلفة، كفنان هل تتنبأ بأسطورة جديدة سترسمها، أسطورة السوري الذي لم يستسلم، وأسطورة الفلسطيني الذي يقف في وجه الموت؛ ماذا في مخيلتك من أساطير حقيقية اليوم؟

يبدو مصيرنا نحن والفلسطينيين أن نكون تاريخيًا ضمن الشعوب الأسطورية، ونحن بالأساس شعوب لها تاريخ أسطوري ثقافي جمالي أدبي، ومنذ القديم حاربت القهر ولديها رموز وأبطال يتكررون. فلسطين أنجبت أهم الشعراء والأدباء في العرب، وكذلك سوريا؛ الإجرام بحقنا كان واحدًا. رسمت عدة لوحات عندما كانت إدلب تُقصف بالبراميل، عنونتها "من غزة إلى إدلب ومن إدلب إلى غزة"، والقادم سيظهر في حينه.

• الغربة، كم حفرت في حياتك، وأثرت في عملك؟

الغربة لم تكن خيارًا إراديًا. تعرضتُ وأسرتي للخطر، إما الاعتقال والمضايقة أو الهجرة، فكانت هي الخيار رغم خطورتها.

كما أننا شعوب ترتبط ذاكراتنا بالمكان بقوة، عندما غادرت مدينتي متجهًا للدراسة بدمشق، حملتُ معي سماء الصحراء بكل صفائها وتجلياتها، وعنفوان الفرات وعذوبته، ورائحة أشجار الغرب عند المساء، وشجرة الصفصاف بخطها الأفقي الذي لا ينكسر، وحكايا جدة صديقي عندما كنا أطفالًا عن "سعلويات" النهر في الأساطير القديمة، كانت تحذرنا من الذهاب إلى النهر عند مغيب الشمس خشية أن تخطفنا الجنية. جرّني الفضول يومًا أن أقول لصديقي: أنا ذاهب إلى النهر، أرغب بأن تخطفني الجنية كي أرى ماذا في عالمهم... وفعلاً وقتها غامرت وذهبت، وانتظرت الجنية، ولم تأتِ. أذكر أيضًا أنني حملتُ معي بضعة أعواد من "الزّل" التي تنمو على ضفاف الفرات، احتفظت بها بزاوية غرفتي الرطبة التي كنت أسكنها بدمشق. لكن عندما اضطررت للذهاب إلى المنفى، حملتُ معي وجوه أصدقائي الذين فقدتهم في المعتقلات، أو من غادرنا إلى العالم الآخر، حملت معي صورة أخي أسعد بكدمات وجهه وأصابعه التي حطمها الدكتاتور بسبب إصراره على الحرية، بالإضافة إلى رائحة البارود وصوت أزيز الرصاص، وطفلتي التي كانت تنازع الموت.

• ما قصتك مع الموت؟

يبدو أن لعبتي مع الموت كانت مبكرة في حياتي. أحيانًا نكون أصدقاء، وأحيانًا نكون أعداء. حاول خطفي عندما كنت مراهقًا بحادث سير مميت لكنه لم يتمكن مني. بعدها أخذني بغيبوبة استطعت أن أستفيق منها، شاهدته وهو يخرج من غرفة الإنعاش مبتسمًا. في الأعوام الأربعة عشر الماضية حملني كل وجوه أحبتي الذين غادروني وهذا الهلاك، بالإضافة إلى أنه استطاع قهري أيضًا عندما خطف مني طفلتي الوحيدة التي انضمت إلى وجوهٍ أنجزتها.

• المبدع الذي يجسد معاناة الناس وآلامهم، يعيش تفاصيلها بحلاوتها ومرارتها، أي لحظات يمكن أن يمر بها الفنان وهو يعبر عن تلك اللحظات، أم أنها عابرة كما يمر بها الممثل الذي يتلبس الدور ويخرج منه حالما ينتهي العمل؟

الحالتان مختلفتان بين الممثل والرسام. الممثل قد يتقمص دورًا لفترة يسكنه، ثم ينتقل لدور آخر، بينما هناك مشاهد تسكن دماغ الرسام طويلًا، وينتج عنها عدة حالات ومشاريع، وحتى البحث عن أفكار وتقنيات جديدة تدور حول المشهد ذاته.

• قبل أن تمسك الفرشاة وتبدأ مزج الألوان، كيف تحاكي الفكرة قبل أن تجسدها على اللوحة البيضاء، رحلة المخاض والولادة وطقوس الرسم، كيف تصف لنا هذه اللحظات؟

هناك علاقة حب بين المساحة البيضاء والرسام، شرط لغة الحوار وتقبل الآخر. أحيانًا المساحة تحاورني أثناء العمل، وكأنها تهمس لي بأنها ليست بحاجة إلى لون ما، تكتفي بالأسود والأبيض، وأحيانًا العكس تمامًا. إن غياب الحوار بين الرسام والمساحة البيضاء يعني فشل العمل.

• العالمية هاجس أي فنان، وقد استطعت أن تصل بريشتك إلى آفاق بعيدة، هل حققت ما تريد؟

بالتشكيل لا يوجد أنني ختمت المحتوى وحفظته. هناك دائمًا بحث متطور ومتجدد. المختبر الموجود عند الفنان يأخذه أحيانًا إلى عوالم مختلفة من البحث والاكتشاف، سواء بمجال الصورة واللون أو حتى التقنية أو الموضوع. مسألة العالمية بالنسبة للفنان تبدأ من المشهد المحلي بكل تفاصيله، سواء بملامحه الجمالية أو الكارثية.

• الفن التشكيلي السوري مر بمحطات هامة، وهناك فنانون أثروا وبصموا عربيًا وعالميًا، وهناك من يرى أن جذوة الفن التشكيلي قد بدأت تخبو قليلًا مع تلك الأجيال المؤثرة، كيف ترى المشهد السوري التشكيلي؟

منذ بداية القرن العشرين، استطاع الفن السوري أن يرسخ هوية وخصوصية، ويكون أحد أعمدة التشكيل العربي المعاصر، خاصة من فنانين أوفدوا للغرب للدراسة وعادوا بأفكار متجددة، وممن وضع اللبنة الأساسية لؤي كيالي، وفاتح المدرس، ومحمود حماد، وآخرون. ثم تتالت التجارب على يد أجيال بعدهم استطاعوا تأكيد وتطوير هذه الهوية، ومواكبة الحداثة، وأصبح هناك تجارب خاصة بعيدة عن التصنيف التقليدي للمدارس الفنية. وساهم جيل الشباب بذلك. كما أن المأساة التي حصلت أخذت بعض الفنانين إلى ترجمة عوالم ما أنتجته الحرب، وتقديم تجارب خاصة مختلفة عن تجاربهم ما قبل الثورة.

• بحكم اطلاعك على التجارب الفنية العربية.. كيف ترى المشهد التشكيلي في سلطنة عمان؟

سجل الفن العُماني بصمة واضحة في الساحة التشكيلية العربية، وحضورًا مميزًا منذ نهاية السبعينات. وأقيمت عدة فعاليات منها مرسم الشباب، والمشاركات في "بيناليات" عربية. وهو فن يعكس هوية ثقافية محلية بمواكبة حداثية، وتجارب فيها خصوصية على يد عدة فنانين، منهم: سعيد العلوي، وحسين الحجري، ورابحة محمود، وسيف العامري، وعالية الفارسي، وآخرون. كما أن التراث الشعبي له دلالة واضحة في الأعمال التشكيلية العُمانية، وإصرار الفنان العُماني على التمسك بجذوره، وفخره بثقافته ليقدم من خلالها صيغة تشكيلية تحمل مضمونًا فلسفيًا خاصًا بمحيطه - وخاصة الموروث والإرث الشعبي - كان واضحًا في أعمالهم التي قدموها.

بقعة لون

"1"

لم أقرر أن أصبح رسامًا، أعتقد أنني وُلدت هكذا. نشأتُ بأسرة أغلب أفرادها يمارسون الرسم والكتابة، كانت لعبتي المفضلة وأنا طفل، العبث بالألوان على الجدران والورق، عكس بقية الأطفال الذين تستهويهم ألعاب السيارات والطائرات وما شابه.

"2"

عشت طفولتي على ضفاف الفرات، لم يخطر ببالي أبدًا أن أرسم الضفة والشجرة كما هي بشكلها التقليدي مثلًا، الفرات هو حكاية وأسطورة، لا نستطيع أن نختزله بشكل رسم سياحي ومباشر.

"3"

كل المحطات الفنية بالنسبة لي هي حصيلة ونتاج فكري، سواء نجحتُ ببعضها أو أخفقت، بما فيها ترجمتي للكارثة السورية.

"4"

لوحاتي التي فقدتها في الأردن تضاف إلى الكوارث التي مرت بحياتي، لا يزال الأمر شائكًا ومعقدًا بسبب الروتين وعدم الصدق في التعامل، للأسف.

"5"

المشاريع بالنسبة للفنان لا تتوقف، والفنان لا يتقاعد.

"6"

في أوروبا، حيث أقيم، استطعت أن ألفت انتباه العالم إلى قضيتنا وفاجعتنا، عندما أقمت عدة معارض تتعلق بالحرب ومواضيع إنسانية مختلفة، كانت في باريس، وغرناطة، وزيورخ، ومدن أخرى، كانت الحفاوة والاهتمام واضحين على وجوه الزوار والإعلام.

مقالات مشابهة

  • زهور حميش مديرةً لقناة الثقافية وبنشريف يحال على التقاعد
  • الفنان التشكيلي أسعد فرزات: الفن مرآة للهوية الثقافية ويكتمل بمواكبة الحداثة والتجارب والخصوصية
  • نائب:القوانين المهمة سترحل إلى الدورة البرلمانية المقبلة
  • «شغب لوس أنجلوس» يُهدد المجموعة الثانية في «المونديال»!
  • بن عطية: الحرب في طرابلس هي تدمير للحياة والدولة
  • من الشاطئ إلى الجبل.. أفلام تأخذك في إجازة دون أن تغادر الأريكة
  • مهرجان القطيع .. ملتقى سنوي للتراث التهامي والهوية الثقافية في الحديدة
  • لوس أنجلوس تحترق.. الرئيس الأمريكي يتعمّد تأجيج التوترات.. فهل تأخذ الأحداث منحنى أكثر خطورة؟!
  • محافظ أسيوط: استمرار الفعاليات الثقافية لإدخال البهجة على المواطنين في عيد الأضحى
  • كبريات شركات الشحن: لا يزال ممر البحر الأحمر محظورا رغم الإجراءات الأمريكية (ترجمة خاصة)