الخرطوم- في قرى نائية بولاية الجزيرة وسط السودان يعاني آلاف المدنيين حصارا ورعبا وتنكيلا على يد قوات الدعم السريع على نحو لم تشهده مناطقهم ولم تطرق فصوله أسوأ كوابيسهم، وفق شهادات وروايات حصلت عليها الجزيرة نت.

فمنذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي تأثرت المناطق المتاخمة للعاصمة بالقتال وتمددت إليها عناصر الدعم السريع، قبل أن تبدأ سلسلة انتهاكات جسيمة في مواجهة المدنيين تبدأ عادة بالتشكيك في تبعية عدد من الأهالي للجيش أو الاستخبارات العسكرية، تتبعها سلسلة من النهب المنظم للسيارات والممتلكات والمقتنيات المالية والحلي الذهبية.

ويقول سكان من منطقة كاب الجداد التابعة لولاية الجزيرة في شهادات للجزيرة نت إن منطقتهم بدأت في مواجهة الدعم السريع بعد 4 أشهر من اندلاع الحرب، وإن الانتهاكات والتنكيل بأهلها مستمرة حتى اليوم دون أن يجدوا من يجيرهم ويوقف الحصار المفروض عليهم.

تقع مدينة كاب الجداد في الجزء الشمالي الغربي لمشروع الجزيرة جنوب العاصمة ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ على بعد نحو 65 كلم، وتتبع لمحلية الكاملين في ولاية الجزيرة، وتعرف بنشاط اقتصادي وتجاري معتمدة على موقعها الإستراتيجي المميز، ويقدر عدد سكانها بحوالي 5 آلاف نسمة.

أهالي كاب الجداد يعانون منذ أشهر من ممارسات قوات الدعم السريع (مواقع التواصل) نهب وتنكيل

وبحسب شاهدة عيان تحدثت للجزيرة نت من المنطقة، فإن قوات الدعم السريع انتشرت في القرية وعاثت فيها تنكيلا وضربا للأهالي بحجة استضافتهم قوة من الجيش بقيادة اللواء أيوب وصلت من النيل الأزرق في طريقها لاسترداد معسكر طيبة أحد معاقل الدعم السريع الكبيرة في الخرطوم.

وأضافت "نهبنا وضربنا وسرقت السيارات والدراجات النارية وأجهزة الهواتف النقالة والأموال، وفي حال لم يجدوا ما يأخذونه يضربون الناس بشكل مبرح، حتى المرضى والمرافقين في المستشفى لم يسلموا من نهب الهواتف والمبالغ المالية".

وتحاول الشاهدة تذكّر اليوم الأول الذي اقتحم فيه عناصر الدعم السريع بلدتها بالقول إن القوة دخلت على متن 9 دراجات نارية كان أفرادها يحملون أسلحة نارية، اقتحموا السوق الرئيسي وحاولوا نهب عربة تخص شركة الكهرباء واثنين من المواطنين، وتعارك الموجودون في السوق مع القوة وتم قتل أحدهم وإصابة آخر، فيما فر البقية.

وتابعت المتحدثة نفسها "في المساء حضرت حوالي 9 سيارات من الدعم السريع وأطلق أفرادها الأعيرة النارية للترهيب، وعندما لم يخرج أحد اقتحموا المسجد واعتقلوا 10 اشخاص، وأثناء ذلك رن هاتف أحد المعتقلين فأطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلا في الحال تحت ذريعة أنه جاسوس للجيش".

وبحسب الشاهدة، فإن التسعة اقتيدوا إلى سجن سوبا، فيما ترك جثمان القتيل في فناء المسجد.

ودفع الحادث أعدادا كبيرة من الأسر -ولا سيما النساء والأطفال- إلى مغادرة البلدة، فيما فضل أغلب الرجال والشباب البقاء، كما امتنعت بعض الأسر عن المغادرة.

اعتذار واستمرار

وفي مساء اليوم التالي -تقول الشاهدة- وصل إلى المنطقة قائد الدعم السريع في ولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل مصطحبا المعتقلين التسعة برفقة 13 عربة عسكرية، ونقلت عن أحد المختطفين قوله إن القوة التي اختطفتهم دفنتهم أحياء، قبل أن يتم إخراجهم بأوامر من كيكل الذي نقلهم إلى القرية وقدم اعتذاره للأهالي، لكن الأجواء المحيطة كانت مرعبة كما تقول، حيث عمد الجنود إلى إطلاق الرصاص والتجول في شوارع القرية، مما أثار الفزع الشديد.

وروت أن كيكل أمر ببقاء عربة لقوات الدعم السريع بجوار قسم الشرطة بهدف تأمين القرية، لكن عناصر الدعم السريع الموجودين في العربة عمدوا إلى نهب المواطنين الذين كانوا بجوار القسم والسوق، واعتدوا بالضرب على كل من يرفض تسليم ما معه.

وتضيف الشاهدة ذاتها "من يومها تتوالى هجماتهم بغرض النهب على السوق والمنطقة انتقاما لقتيلهم، ولأن كاب الجداد استضافت اللواء أيوب وجنوده".

يشار إلى أن اللواء أيوب عبد القادر هو قائد الفرقة 17 مشاة وأحد قادة الجيش البارزين، وقد قتل في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي إثر قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع استهدف مقر سلاح المدرعات جنوب الخرطوم.

ولاحقا -تقول الشاهدة- وصلت إلى المنطقة قوة كبيرة واستبدلت طلاء قسم الشرطة ووضعت مكانه شعار قوات الدعم السريع، ونصّبت عمدة من أبناء المنطقة، وبدأت في فرض غرامات مالية، إضافة إلى جلد وحلاقة شعر الشباب.

كما فرضت رسوما على الباعة الجائلين في سوق البلدة دون أن تتوقف عمليات النهب والسلب ومصادرة الهواتف والبضائع أو الإفراج عنها بمبالغ مالية، إلى جانب ابتداعها ضرورة الحصول على أذونات مكتوبة من الدعم السريع لجلب ونقل البضائع من منطقة إلى منطقة داخل الولاية.

احتراق مباني السوق العربي وسط الخرطوم جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع (الجزيرة) تشابه في الجوار

وتعاني العديد من القرى المجاورة لكاب الجداد الوضع ذاته، حيث امتدت أيادي الدعم السريع إلى كافة قرى شمال الجزيرة، بينها السديرة الشرقية والغربية، والحبيبة، واللعوتة، والنوبة، والمسعودية.

لكن الوضع ازداد سوءا كما يقول أحمد علي -وهو اسم مستعار لأحد شهود العيان- بعد سقوط ود مدني وانسحاب الجيش من خطوط الدفاع، مما أتاح الفرصة لانتشار أوسع لقوات الدعم السريع طال حتى القرى البعيدة حيث تمارس أصناف بشعة من النهب والسرقة المصحوبين بالتنكيل والترهيب للأهالي البسطاء.

وأثارت مقاطع فيديو لعدد كبير من الشباب وكبار السن في منطقة المعيلق بولاية الجزيرة بعد اعتقالهم بواسطة الدعم السريع في يناير/كانون الثاني الماضي ردود أفعال واسعة، حيث قتل ما لا يقل عن 7 أشخاص، كما اعتقل نحو 40 آخرين، وتعرضوا للضرب والشتم والإذلال وإجبارهم على الزحف أرضا بعد اتهامهم بالعمل مع الجيش وحفر الخنادق والسواتر الترابية لصد هجمات الدعم السريع.

بعدها عرضت قوات الدعم السريع مقطع فيديو يخاطب فيه قادتها أهالي المعيلق وهم يعيدون المعتقلين، قائلين إنهم كانوا مستنفرين من الجيش وتم تحريرهم.

وبحسب شهادات لسكان من منطقة المعيلق، فإن قوات الدعم السريع التي استباحت المنطقة لمدة 3 أيام مارست رعبا وإذلالا غير مسبوقين للسكان بحجة وجود مستنفرين يساندون الجيش، كما نهبت البنك والمتاجر على بساطتها وقلة المؤن فيها، وبحث عناصرها عما قالوا إنه سلاح تم إخفاؤه، لكن كانت تتم سرقة الهواتف والمقتنيات الخفيفة والثمينة.

واستعملت قوات الدعم السريع أسلحة ثقيلة في هجومها على البلدة، مما أثار حالة من الخوف والرعب الشديدين وسط الأهالي.

وسبق أن أعلنت قوات الدعم السريع أنها شكلت لجنة مكافحة الظواهر السالبة للتصدي للمتفلتين، وأوضحت أن اللجنة أنزلت عقوبات مشددة بحق معتدين على المواطنين في ولاية الجزيرة والتعامل بالرصاص الحي مع رافضي الاستجابة لأوامر اللجنة في الولاية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی ولایة الجزیرة

إقرأ أيضاً:

أمريكا تفرض عقوبات جديدة مرتبطة بالسودان

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الخميس، فرض عقوبات جديدة مرتبطة بالسودان، في أعقاب تجدد المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور غربي البلاد، في قرية ود النورة بولاية الجزيرة.

ولم تكشف الوزارة الأمريكية تفاصيل إضافية حول العقوبات التي فرضتها.
 
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية، قالت في بيان، في ١٥ أيار / مايو، إنها فرضت عقوبات على قائدين كبيرين في قوات الدعم السريع السودانية شبه العسكرية عقب هجمات في شمال دارفور.

وأضاف البيان أن القائدين الخاضعين للعقوبات هما اللواء عثمان محمد حامد محمد رئيس عمليات قوات الدعم السريع، وعلي يعقوب جبريل قائد القوات في وسط دارفور.

ويشهد السودان مجازر بحق مدنيين مع مرور أكثر من عام على الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، فضلا عن التحذيرات بشأن مجاعة وشيكة.

واتهم مجلس السيادة السوداني، الأربعاء، قوات الدعم السريع بشن هجوم على قرية بولاية الجزيرة جنوبي العاصمة الخرطوم وُصف بأنه "مجزرة" تسببت في سقوط "ما لا يقل عن 100 قتيل"، فيما اتهمت ميليشيات الدعم السريع الجيش بـ"حشد قوات كبيرة" في القرية.

وذكرت لجان مقاومة مدني (مجموعة حقوقية في ولاية الجزيرة)، أن قرية ود النورة شهدت "مجزرة" بعد "هجوم الدعم السريع عليها مرتين، وقتل ما قد يصل إلى 100 شخص".

لما الميداين تبقى المقابر
لما الحشود تتدافر الموت
وين انت يا جيش الهنا
شابكنا جاي ليك سنة

تسقط كتائب الجنجويد ، يسقط كل من خان وباع وتخاذل.#انقذوا_ولاية_الجزيرة#ذاكرة_الجزيرة#مجزرة_ود_النورة#لجان_مقاومة_مدني pic.twitter.com/vNSNWYIAD0 — لجان مقاومة مدني (@Res_Wadmadani) June 5, 2024

وتتضارب المعلومات حول أعداد ضحايا أحداث ود النورة، في ظل انقطاع خدمتي الاتصالات والإنترنت عن المنطقة، حيث يتحدث ناشطون عن مقتل 200 مدني على الأقل.


وقال مجلس السيادة السوداني في بيان، الأربعاء، إن "مليشيا الدعم السريع أقدمت على ارتكاب مجزرة بشعة بحق المدنيين العُزل في ود النورة بولاية الجزيرة، راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين الأبرياء".

وطالب المجلس المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بـ"إدانة واستنكار جرائم الدعم السريع ومحاسبة مرتكبيها، إعمالًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب".

ومن جانبها، قالت قوات الدعم السريع في بيان، الأربعاء، إن الجيش "حشد قوات كبيرة" في أكبر 3 معسكرات غرب مدينة المناقل، في قرية "ود النورة" بغرض الهجوم عليها في جبل أولياء بالعاصمة الخرطوم.

تحديث

قرية ود النورة
محلية 24 القرشي

ارتكبت مليشيا الدعم السريع اليوم الاربعاء 5 يونيو بمجزرة دموية بحق سكان قرية "ود النورة" بمحلية 24 القرشي ، حيث راح ضحيتها عشرات الشهداء حتى اللحظة ، ما زالت عمليات الحصر جارية رغماً عن انعدام شبكات الاتصال والأنترنت في القرية. pic.twitter.com/5tNZqBfF5O — لجان مقاومة مدني (@Res_Wadmadani) June 5, 2024

وأشارت إلى أنها "هاجمت المعسكرات، التي تضم عناصر من الجيش وجهاز المخابرات العامة وكتيبة الزبير بن العوام التابعة للإسلاميين ومستنفرين، في غرب وجنوب وشمال منطقة ود النورة".


من جانبه، ندد حزب الأمة القومي في بيان، الأربعاء، بما اعتبرها "انتهاكات" قوات الدعم السريع المستمرة بحق المواطنين في قرى ولاية الجزيرة، واصفًا الهجوم على ود النورة بـ "العنيف".

وقال حزب المؤتمر السوداني، إن "هجوم الدعم السريع على قرية ود النورة أسفر عن ارتكاب مجزرة حقيقية وجريمة راح ضحيتها عشرات المدنيات والمدنيين، فاقت أعدادهم المئة، وأعداد كبيرة من الإصابات".

وأشار إلى أن "القوة المهاجمة قامت بعمليات سلب ونهب واسعة لممتلكات وسيارات الأهالي"، معلنًا إدانته لما وصفها بـ"الجريمة البشعة".

وتشير تقديرات دولية إلى أن الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في  15 نيسان / أبريل 2023، أدت لمقتل الآلاف، بما في ذلك أكثر من 15 ألف في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

وتسببت الحرب في نزوح أكثر من 9 ملايين شخص عن منازلهم، لمدن سودانية أخرى خارج دائرة المعارك، بينما وصل الآلاف منهم إلى عدد من دول الجوار، مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع.


بينما يعاني حوالي 3.6 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وفق برنامج الأغذية العالمي بالسودان.

وتعني المستويات الطارئة من الجوع، أن الأسر تعاني من ارتفاع شديد في سوء التغذية الحاد أو أنها معرضة للموت، أو لا تستطيع التكيف إلا من خلال تدابير الطوارئ أو تصفية الأصول.

وفي فبراير الماضي، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إنها تلقت تقارير عن "وفاة أشخاص بسبب الجوع في السودان"، حيث يعيق القتال توزيع المساعدات والإمدادات الغذائية على الأشخاص الأكثر جوعا.

مقالات مشابهة

  • مجزرة «ود النورة» تضاعف مخاوف الاستنفار والمقاومة الشعبية
  • أمريكا تفرض عقوبات جديدة مرتبطة بالسودان
  • تقدم تدين انتهاكات الدعم السريع في قرى ولاية الجزيرة
  • الخزانة الأميركية تفرض عقوبات جديدة مرتبطة بالسودان
  • مغردون: مجزرة ود النورة شاهد جديد على جرائم الدعم السريع
  • «تقدم» تدين انتهاكات الدعم السريع في قرى ولاية الجزيرة
  • الجيش: لا وجود لقواعد عسكرية بود النورة في الجزيرة
  • السودان.. مجزرة في ود النورة وبيانات متضاربة من الجيش والدعم السريع
  • 100 قتيل جراء هجوم لقوات الدعم السريع على قرية وسط السودان (شاهد)
  • مئة قتيل جراء هجوم لقوات الدعم السريع على قرية وسط السودان (شاهد)