دروس التضخم في التاريخ
كيف ينبغي لصناع السياسات أن يستجيبوا للتضخم المستمر؟ وهل يمكن للتاريخ أن يتكرر؟
مع تطبيق السياسات الصحيحة، تستطيع البلدان حل الضغوط التضخمية في وقت أقرب مما كانت عليه في الماضي.
نجحت بلدان في حل مشكلة التضخم بتشديد سياسات الاقتصاد الكلي استجابة لصدمة التضخم، وحافظت على موقف سياسي متشدد وثابت عدة سنوات.
ما يستخلص من دروس تاريخ التضخم بأنه مستمر ويستغرق الأمر سنوات عديدة حتى يتم السيطرة عليه وخفضه إلى المعدل الذي كان سائداً قبل الصدمة الأولى.
احتفلت البلدان تاريخياً بالانتصار على التضخم، وخففت السياسات قبل الأوان في استجابة للانخفاض الأولي في ضغوط الأسعار، وكان هذا خطأ لأن التضخم سرعان ما عاد.
* * *
في عقد السبعينات من القرن العشرين أدى الصراع في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي أدى لارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع التضخم. الأمر الذي أدى إلى قيام البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم ببذل جهود للسيطرة على التضخم.
وبعد فترة، استقرت أسعار النفط وبدأ التضخم في التراجع. وقد ظن العديد من البلدان أنها استعادت استقرار الأسعار وخففت سياسة إنعاش اقتصاداتها المتضررة من الركود فقط لتشهد عودة التضخم.
السؤال الذي سأله السيدان أنيل أري وليف راتنوفسكي من صندوق النقد الدولي هو: هل يمكن للتاريخ أن يتكرر؟ الجواب في دراستهما ل 100 صدمة تضخمية منذ سبعينات القرن العشرين توفر مؤشرات مهمة يهتدي بها صناع السياسات في حاضرنا.
بلغ التضخم العالمي مستويات تاريخية في عام 2022 بعد أن أثارت العملية الروسية في أوكرانيا صدمة في شروط التجارة أشبه بتلك التي حدثت في السبعينات.
وقد أدى انقطاع إمدادات النفط والغاز الروسية إلى زيادة مشاكل سلسلة التوريد بسبب فيروس «كورونا»، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. وفي الاقتصادات المتقدمة، ارتفعت الأسعار بأسرع وتيرة منذ عام 1984.
وفي الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، كانت زيادة الأسعار هي الأكبر منذ التسعينات. وقد أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة إلى تراجع التضخم حيث انخفض معدل التضخم في الولايات المتحدة وفي معظم أنحاء أوروبا إلى النصف من نحو 10 في المئة في عام 2023 إلى أقل من 5 في المئة في الوقت الراهن. وتؤكد دراسة الصندوق أنه لا يزال من المبكر أن يحتفل صناع السياسات بالانتصار على التضخم.
إن دراسة 100 صدمة تضخم منذ السبعينات تقدّم سببين للحذر:
السبب الأول هو ما يستخلص من دراسة تاريخ التضخم بأنه مستمر ويستغرق الأمر سنوات عديدة حتى يتم السيطرة عليه عن طريق خفضه إلى المعدل الذي كان سائداً قبل الصدمة الأولى. وحسب الدراسة، فشلت 40 في المئة من البلدان التي شملتها الدراسة في حل صدمات التضخم حتى بعد مرور خمس سنوات. واستغرق الأمر 60 في المئة المتبقية في المتوسط ثلاث سنوات لإعادة التضخم إلى معدلات ما قبل الصدمة.
وثانياً، احتفلت البلدان تاريخياً بالانتصار على التضخم، وخففت السياسات قبل الأوان في استجابة للانخفاض الأولي في ضغوط الأسعار. وكان هذا خطأ؛ لأن التضخم سرعان ما عاد. وكانت الدنمارك وفرنسا واليونان والولايات المتحدة من بين ما يقرب من 30 دولة في «عينة» الدراسة التي قامت بتخفيف السياسة قبل الأوان بعد صدمة أسعار النفط عام 1973.
وفي الواقع، فإن جميع البلدان التي شملتها التحليلات (90 في المئة) والتي فشلت في حل مشكلة التضخم شهدت تباطؤاً حاداً في نمو الأسعار في السنوات القليلة الأولى بعد الصدمة الأولية، ثم تسارعت مرة أخرى أو ظلت عالقة بوتيرة أسرع. وقد حذر محافظو البنوك المركزية من أن معركة التضخم لم تنتهِ بعد، حتى مع إظهار القراءات الأخيرة اعتدالاً مرحباً به في ضغوط الأسعار.
كيف ينبغي لصناع السياسات أن يستجيبوا للتضخم المستمر؟ يقدم التاريخ بعض الدروس. فالبلدان التي شملتها الدراسة والتي نجحت في حل مشكلة التضخم قامت بتشديد سياسات الاقتصاد الكلي بشكل أكبر استجابة لصدمة التضخم، والأهم من ذلك، أنها حافظت على موقف سياسي متشدد بشكل ثابت على مدى عدة سنوات.
ومن الأمثلة هنا إيطاليا واليابان، اللتان تبنّتا سياسات أكثر صرامة لفترة أطول بعد صدمة أسعار النفط في عام 1973. وعلى النقيض من ذلك، فإن البلدان التي لم تنجح في حل مشكلة التضخم كانت لديها مواقف سياسية أكثر مرونة وكانت أكثر عرضة للتغيير بين دورة التشديد والتخفيف.
ومصداقية السياسات مهمة أيضاً في محاربة التضخم. فالبلدان التي كانت توقعات التضخم فيها أكثر رسوخاً، أو حيث حققت البنوك المركزية نجاحاً أكبر في الحفاظ على التضخم المنخفض والمستقر في الماضي، كانت أكثر إصراراً على التغلب على التضخم.
وقد يجد محافظو البنوك المركزية في العديد من البلدان أنه من الأسهل التغلب على التضخم مقارنة بالماضي، بسبب المصداقية السياسية التي اكتسبوها على مدى عدة عقود من الإدارة الناجحة للاقتصاد الكلي. ومع تطبيق السياسات الصحيحة، تستطيع البلدان حل الضغوط التضخمية في وقت أقرب مما كانت عليه في الماضي.
*د. علي توفيق الصادق خبير مالي ومستشار اقتصادي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: التضخم الركود دروس التاريخ البنوك المركزية الاقتصاد الكلي ارتفاع تكاليف الإنتاج البنوک المرکزیة البلدان التی أسعار النفط على التضخم التضخم فی فی المئة
إقرأ أيضاً:
بلومبرج: 200 نقطة أساس خفض متوقع باجتماع المركزي المصري الخميس
رجح تقرير أصدره اقتصاديون من وكالة بلومبرج، أن يُخفض مسؤولو السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري يوم الخميس المقبل، تكاليف الاقتراض بمقدار 200 نقطة أساس لتصل إلى 23%.
يأتي توقع خفض سعر الفائدة في البنك المركزي، للمرة الثانية بعدما قررت لجنة السياسة النقدية تمرير خفض على الأسعار بمقدار 225 نقطة أساس خلال أبريل الماضي.
وأشار التقرير إلى أن الفارق بين سعر الفائدة المرجعي ومعدل التضخم في مصر يعد من أعلى المعدلات عالميًا، أي العائد الحقيقي وهو حالياً أعلى 11%.
ولفت إلى أن البنك المركزي المصري على استعداد كامل لاستئناف تخفيض أسعار الفائدة في النصف الثاني من هذا العام.
تتراوح أسعار الفائدة المعلنة من البنك المركزي الآن بين 25% للإيداع ونحو 26% للإقراض، بعد أن أجرى البنك أول تخفيض منذ اجتماع نوفمبر 2020.
وفي الشهر الماضي كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم للمرة الثانية ليسجل 13.9% مقابل 13.6% في مارس السابق عليه، كذلك أعلن البنك المركزي زيادة التضخم الأساسي لنحو 10.4%
وأوضحت بلومبرج أن معظم البنوك المركزية في أفريقيا ستتجه لتخفيض أسعار الفائدة لمواجهة تأثير الأزمة الحالية على اقتصاداتها والمتمثلة في قيام الولايات المتحدة بفرض تعريفة جمركية عالمية بنسبة 10% وفرض ضريبة بنسبة 145% على الصين ــ أكبر شريك تجاري لأفريقيا ــ قبل خفضها إلى 30% لمدة 90 يوما.
وقالت، من المرجح أن تُخفض مصر وجنوب أفريقيا وكينيا وموزمبيق وإسواتيني وليسوتو أسعار الفائدة لديها، فيما ستبقي دول أخرى، مثل نيجيريا وزامبيا وأنغولا وغانا، أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، وقد تبدأ في تخفيفها في النصف الثاني من العام مع تسارع وتيرة انكماش التضخم.
اقرأ أيضاًالبنك المركزي: 4.8% نمو متوقع للاقتصاد المصري في العام المالي القادم
البنك المركزي المصري يناقش أسعار الفائدة الخميس المقبل
قبل اجتماع الخميس.. لماذا تتوقع إتش سي تخفيض الفائدة بالبنك المركزي للمرة الثانية؟