زيادة مشروعات الشباب في المدن الصناعية آلية مثالية لوضعهم في بيئة مواتية للنمو والاستفادة من تجارب وإمكانيات المشروعات الكبرى في سلطنة عمان

نجاح متزايد للتوجهات الاقتصادية في جذب وترسيخ أنشطة رواد الأعمال

مبادرات نوعية طموحة لتمكين الشباب وتحقيق نقلة كبيرة في أنشطتهم واندماجها في بنية النمو القائم على التنويع

في ظل التسارع الذي تشهده جهود التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، تتعدد الانعكاسات الإيجابية على كافة القطاعات ومن بينها أنشطة ومشروعات رواد الأعمال حيث تحقق الجهود الحكومية نجاحا متزايدا في جذب وترسيخ وجود مؤسسات رواد الأعمال في مجالات العمل الاقتصادي وتسخير كافة الممكنات التي تتيح لهم دورا رياديا في قيادة النمو والاستفادة القصوى مما يحققه الاقتصاد من نمو مصحوب بالتوسع في الروافد والقطاعات الاقتصادية التي تعزز استمرار هذه النمو.

تركز الخطة الخمسية العاشرة جانبا كبيرا من اهتمامها على تحقيق التكامل بين مختلف مكونات الاقتصاد واستغلال كافة الموارد والإمكانيات، وفي هذا السياق تشهد المؤسسات المتوسطة والصغيرة والكبرى اندماجا متزايدا في بنية الاقتصاد عبر تطورات نوعية مهمة في توجهات وجهود تشجيع الشباب على روح المبادرة والانضمام لقطاع الأعمال وتأسيس المشروعات الجديدة.

من بين أهم هذه التطورات، يأتي ما تم الإعلان عنه مؤخرا من تفاصيل لواحدة من أهم مبادرات القيمة المضافة التي تسهم في تمكين مشروعات ريادة الأعمال في قطاع الصناعة عبر إنشاء مجمعات متخصصة في المدن الصناعية تعزز وجود أصحاب الأفكار الريادية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الصناعة عبر مجمعات للمصانع النموذجية الجاهزة في المدن الصناعية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تجربة التدريب على رأس العمل كانت إحدى مناطق النجاح لسياسات التوظيف خلال الفترة الماضية، وتحمل فكرة المجمعات الصناعية المتخصصة مفهوما مماثلا لهذه التجربة الناجحة في التوظيف، فتعزيز وجود مشروعات الشباب في المدن الصناعية والحرة يعد آلية مثالية للاستفادة على عديد من المستويات بدءا من وضع مشروعات رواد الأعمال في بيئة مواتية للنمو والاستفادة من تجارب وإمكانيات المشروعات الكبرى التي تحتضنها المدن والمناطق الحرة في سلطنة عمان ووصولا إلى تكامل سلاسل الإنتاج وتوسعة المدن الصناعية ورفع معدلات التوطين وخفض الكلفة الإنتاجية وتوفير فرص العمل، فيما يظل المكسب الأهم هو التقدم في مستهدفات تمكين الشباب وفق رؤية عمان 2040 بما يحمله من أهمية في تحقيق التطلعات وإضفاء روح المبادرة والتجديد على مختلف القطاعات.

تنضم هذه المبادرة إلى جهود واسعة تقوم بها سلطنة عمان لإفساح الطريق لنمو القطاع الخاص وريادة الأعمال وتحويلهما إلى ركيزة فعالة في تعزيز النمو، وضمن هذه الجهود تم تأسيس برنامج خاص لدعم الشركات الناشئة الواعدة العمانية، وتخصيص 10 بالمائة من رأسمال صندوق عمان المستقبل لتمويل ودعم رواد الأعمال، وتقديم تسهيلات كبيرة لزيادة حصتهم من الإنفاق والمناقصات الحكومية، كما جاء التوجه نحو تعزيز الاستفادة من المحتوى المحلي ليقدم دعما جديدا للقطاع الخاص ورواد الأعمال.

ومن جانب آخر، فبينما تتركز انشطه ريادة الأعمال حاليا في محافظتي مسقط وشمال الباطنة، يسهم توجه سلطنة عمان نحو اللامركزية وتنمية المحافظات في تشجيع تأسيس المشروعات الجديدة في كافة المناطق والمحافظات عبر آليات متعددة منها ربط الميزة التنافسية للمحافظات ببرامج التمويل، والتوسع في المدن والمناطق الصناعية وزيادة حاضنات الأعمال في مختلف المناطق، حيث يصل عدد حاضنات الأعمال العامة والتخصصية لدعم رواد الأعمال في سلطنة عمان إلى 15 حاضنة يستفيد منها أكثر من 100 من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة في مسقط وعدد من المحافظات وتشمل حاضنة الأعمال في مسقط وحاضنة الصناعات الإبداعية وحاضنة طموح وحاضنة الصناعات التحويلية وحاضنة سمهرم وحاضنة شراع وحاضنة أعمال أسياد بالحوض الجاف وحاضنة كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا.

وشهد العام الماضي نموا كبيرا في عدد مؤسسات ريادة الأعمال بالتزامن مع التوسع في برامج وسياسات وممكنات دعم القطاع من خلال الحوافز وبرامج الدعم الحكومي التي تتضمن العديد من برامج تنمية المهارات والمساندة في الوصول للجاهزية لبدء الأعمال وتسهيل التمويل خاصة للمشروعات الناشئة الواعدة والمؤسسات الجديدة والقائمة في قطاعات التنويع الاقتصادي، والتشريعات المتطورة التي تسهل الإجراءات ومنها اللائحة التنظيمية ﻟﺘﻤﻮﻳﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ واﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ، ولائحة تنظيم حاضنات الأعمال، واللائحة التنظيمية ﻟﻤﺮاﻛﺰ ﺳﻨﺪ ﻟﻠﺨﺪﻣﺎت، واللائحة التنظيمية ﻟﺪﻋﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ.

ووفق الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، يعد نمو المؤسسات الصغيرة والصغرى هو الأعلى بين مختلف أنواع المؤسسات الخاصة النشطة في سلطنة عمان، وزاد عدد المؤسسات الصغرى من 191.8 ألف في نهاية عام 2022 إلى 198.7 ألف بنهاية الربع الثالث من 2023، وخلال الفترة ذاتها زاد عدد المؤسسات الصغيرة من 27 ألفا إلى أكثر من 31 ألفا، ويصل إجمالي عدد المؤسسات المتوسطة والصغيرة والصغرى إلى نحو 232 ألفا و 30 ألفا منها تحمل بطاقة ريادة التي تؤهل شركات ريادة الأعمال للحصول على حزمة واسعة من التسهيلات وفرص الأعمال.

قدمت الجهود التي تمت خلال الفترة الماضية عوامل الدعم المختلفة لنمو أنشطة ريادة الأعمال خاصة مع توجيه عدد من الفرص الاستثمارية لهذا القطاع، وتخصيص مناقصات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع رواد الأعمال للاستفادة من فرص الاقتصاد الرقمي، وتسهيل الانضمام لمنصات التسويق العالمية لترويج الأعمال والمنتجات وتعزيز المشاركة في المعارض المحلية والإقليمية والعالمية.

وفيما تكتسب كافة هذه الجهود أهمية كبيرة كون أن مبادراتها وبرامجها تتكامل كلها معا لدعم رواد الأعمال وتمكينهم اقتصاديا، يتواصل طرح المبادرات النوعية الطموحة لنقلة كبيرة في نمو ريادة الأعمال واندماج أنشطتها بشكل متزايد في بنية النمو القائم على التنويع وزيادة الثمار التي يحصدها قطاع ريادة الأعمال من معدلات وفرص النمو الاقتصادي الجيد في سلطنة عمان، وإلى جانب التوسع في التمويل عبر بنك التنمية وبرامج الجهات المعنية بريادة الأعمال، يبدأ صندوق عمان المستقبل نشاطه هذا العام، ويتم العمل على منصة موحدة لعرض الفرص التمويلية، ويتواصل تنفيذ برنامج "تصعيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة"، بهدف تنمية ورفع مستوى تصنيف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وضمان صعودها لتصنيف أعلى ودعمها للتوسع محليا وخارجيا إضافة إلى زيادة فرص التوظيف ورفع مساهمة هذه المؤسسات في النمو، كما كان من المبادرات المهمة أيضا إطلاق برنامج الشركات الناشئة العمانية الواعدة لبطاقة ريادة الأعمال للشركات الناشئة القائمة على الابتكار أو التقنية، وذلك سعيا لدعم وتمكين هذه الشركات من خلال تقديم تسهيلات وحوافز وحزمة من الامتيازات عبر الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، فيما يتم العمل أيضا على مبادرات مهمة منها برنامج الضمانات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومشروع "منصة التمويل والاستثمار التعريفية"، لجمع الجهات التمويلية في منصة واحدة تسهل حصول رواد الأعمال على معلومات جهات التمويل.

وفضلا عن ثمار هذه الجهود في نشر ثقافة الأعمال والتشجيع على تأسيس المشروعات الخاصة وتزايد إقبال الشباب على ريادة الأعمال، فقد كان أحد النتائج الملموسة للجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال وتشجيع ريادة الأعمال، ما حققته سلطنة عمان من قفزة نوعية في ترتيبها العالمي في مؤشرات ريادة الأعمال حيث حلت في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2023/2024 الذي تم إعلانه الأسبوع الماضي وقد جاءت سلطنة عمان في المركز 11 بين 49 دولة يتضمنها التقرير متقدمة 27 درجة عن ترتيبها في عام 2022/2023 الذي حلت فيها في المرتبة 38 عالميا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الصغیرة والمتوسطة فی المدن الصناعیة ریادة الأعمال فی سلطنة عمان رواد الأعمال الأعمال فی

إقرأ أيضاً:

كيف يسهم نمو القطاعات غير النفطية في بناء بيئة جاذبة لريادة الأعمال؟

أكد عدد من الخبراء الاقتصاديين في استطلاع صحفي أجرته "عُمان" أن نمو القطاعات غير النفطية يعد إحدى الأدوات المهمة في الاقتصاد العماني، إذ يسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على الابتكار، وجذب الاستثمارات الخارجية، وتعزيز بيئة ريادة الأعمال.

وقالوا لـ "عُمان": إنه على الرغم من التحسن المستمر في بيئة الأعمال، والإجراءات التي انتهجتها الحكومة لتسهيل عمل رواد الأعمال، إلا أنه لا تزال هناك بعض التحديات التي تتمثل في الإجراءات البيروقراطية في تخليص المعاملات، واشتراطات الضمانات المرتفعة للحصول على تمويل، والفجوة بين احتياجات القطاعات غير النفطية والتعليم، مشيرين إلى أن تجاوز هذه التحديات يتطلب حلولًا عملية ورؤية متكاملة تقوم على تشريعات أكثر مرونة، وتمويل فعّال، وبنية أساسية قادرة على دعم الشركات الناشئة والنمو الاقتصادي المستدام.

وقالت الدكتورة حبيبة المغيرية خبيرة اقتصادية وأكاديمية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية" إن "رؤية عُمان 2040" تضع التنويع الاقتصادي في صدارة أولوياتها، عبر تعزيز نمو القطاعات غير النفطية لخلق بيئة أعمال أكثر مرونة وتنافسية.

وأوضحت أن التقارير الحديثة تؤكد أن النمو المتسارع لهذه القطاعات يؤدي دورًا محوريًا في دعم ريادة الأعمال وزيادة فرص رواد الأعمال، لما تتمتع به من قابلية عالية للتطوير والابتكار، وتشمل هذه القطاعات الصناعات التحويلية والسياحة والطاقة المتجددة واللوجستيات والتكنولوجيا، مؤكدة أن توسعها يسهم في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، في وقت بدأت فيه مؤشرات الناتج المحلي غير النفطي تسجل تحسنًا ملحوظًا.

وأضافت: إن الاستثمار في هذه القطاعات يتميز بقدر أكبر من الاستقرار مقارنة بالقطاع النفطي الذي يتأثر بتقلبات الأسعار، مما يجعلها أكثر قابلية للتنبؤ ويعزز جاذبيتها للمستثمرين المحليين وللاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأشارت إلى أن ارتباط هذه القطاعات بالتقدم التكنولوجي واعتمادها على التقنيات الحديثة يفتح المجال أمام شراكات أوسع بين رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والشركات العالمية، مما يعزز الابتكار ويسهم في توطين الصناعات المتقدمة وتوسيع الفرص الاستثمارية التي شهدت نموًا متسارعًا في السنوات الأخيرة.

الضمانات المرتفعة

وأفادت المغيرية أن الجهود الحكومية في سلطنة عُمان أسهمت في تهيئة بيئة داعمة لريادة الأعمال وجذب الاستثمار، إلا أن عددًا من التحديات ما زال يواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فالبعض منها يجد صعوبة في الحصول على التمويل بسبب اشتراطات الضمانات المرتفعة، في حين تحتاج الأفكار الابتكارية والمشاريع ذات المخاطر العالية إلى تعزيز أكبر في التمويل الاستثماري.

وبينت الخبيرة الاقتصادية أن هناك فجوة قائمة بين احتياجات القطاعات غير النفطية والحديثة من الكفاءات الوطنية وبين مخرجات التعليم، إلى جانب التحديات المرتبطة بسياسات التعمين، خاصة في التخصصات النادرة التي يصعب توفرها محليًا، وتشمل التحديات أيضًا المنافسة الإقليمية والحاجة المستمرة لتحديث القوانين والتشريعات، خصوصًا في القطاعات سريعة التغيّر والمتأثرة بالتوجهات العالمية.

وأكدت المغيرية أن سلطنة عُمان شهدت خلال السنوات الماضية سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي أسهمت في تمكين الشركات الناشئة وتعزيز مسار التنويع الاقتصادي، حيث سجلت القطاعات غير النفطية معدلات نمو لافتة، مدفوعة بسياسات حكومية مستمرة في توجيه الاستثمارات نحو قطاعات واعدة ومستدامة بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

وتابعت قائلة: كما أطلقت سلطنة عمان عددًا من المنصات والمبادرات، أبرزها منصة "استثمر في عُمان"، ومنصة "عُمان للأعمال"، إلى جانب إنشاء صناديق استثمارية متنوعة، وتطوير منظومة الابتكار وريادة الأعمال، وتمويل برامج شاملة لدعم البحوث العلمية والاستراتيجية، إضافة إلى إنشاء مجمعات ومراكز متخصصة لتحويل الأفكار المبتكرة إلى منتجات قابلة للتطبيق، إلى جانب توفير حاضنات ومسرعات أعمال لدعم الشركات الناشئة. كما عملت سلطنة عمان على تحديث الإجراءات والتشريعات بما يواكب التطورات الاقتصادية، إلى جانب استحداث "وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040" لضمان تحقيق مستهدفات الرؤية بكل كفاءة وفاعلية.

مكتسب استراتيجي

وفي سياق متصل، أكد الشيخ أحمد بن عامر المصلحي رئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بغرفة تجارة وصناعة عُمان، أن نمو القطاعات غير النفطية يشكّل ركيزة أساسية لتعزيز بيئة ريادة الأعمال وجذب الاستثمارات.

ووصف المصلحي هذا النمو بأنه "مكتسب استراتيجي" يسهم في بناء اقتصاد عُماني أكثر تنوعًا واستدامة، ويوفر أرضية خصبة لازدهار ريادة الأعمال محليًا ودوليًا، مشيرًا إلى أنه في حال استثمار هذا الزخم عبر سياسات فعّالة، فإن القطاعات الحيوية وفي مقدمتها الصناعات والزراعة والسياحة ستفتح آفاقًا واسعة لفرص استثمارية جديدة، خصوصًا أمام الشباب العُماني الساعي لتحقيق طموحاته في عالم ريادة الأعمال.

وفيما يتعلق بأبرز التحديات التي ما زالت تواجه رواد الأعمال والمستثمرين في القطاعات غير النفطية، أوضح المصلحي أن التمويل وصعوبة الوصول لرأس المال، وصعوبة تخليص المعاملات، والتحديات اللوجستية وسلاسل التوريد، يمكن معالجة هذه التحديات من خلال إلغاء الضمانات المطلوبة للقروض وتسهيل إجراءات الحصول على التسهيلات، وتسريع العمل بالتصاريح الإلكترونية الكاملة دون حاجة لأي معاينة يدوية إلا للضرورة، ودعم الشركات الصغيرة للدخول في سلاسل القيمة للمناطق الاقتصادية والموانئ، وتشجيع تصنيع المواد الأولية محليًا، وتقديم حوافز للمشاريع التي تعتمد على الابتكار والتقنيات الجديدة.

وأكد المصلحي أن الإصلاحات الاقتصادية تسهم بدرجة كبيرة وبشكل متسارع في تمكين الشركات الناشئة وتعزيز مسار التنوع الاقتصادي من خلال تحسين بيئة الأعمال وتقليل البيروقراطية وتعزيز منظومة الدعم والابتكار وتنوع مصادر التمويل وتعزيز القطاعات البديلة للنفط وتقديم حوافز للاستثمار.

وقال عبدالله بن محمد العبري خبير اقتصادي: إن نمو القطاعات غير النفطية يمثل أحد التحولات الأساسية في الاقتصاد العُماني، إذ يسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على الإنتاجية والابتكار، لا على العوائد الريعية. ووفقًا لمنهج الاقتصاد السلوكي، فإن تنويع مصادر الدخل لا يغيّر فقط الهياكل المالية، بل يعيد تشكيل السلوك الاقتصادي للأفراد والمؤسسات من الاعتماد إلى المبادرة.

أداة عملية للتنمية الاقتصادية

وأضاف العبري بقوله: على سبيل المثال، يشهد قطاع الطاقة المتجددة في سلطنة عمان، خاصة مشروعات الهيدروجين الأخضر، ظهور منظومات أعمال جديدة قائمة على الشراكات بين الحكومة والمستثمرين المحليين والأجانب، يشبه التجربة الدنماركية في العقدين الماضيين، حيث ساهم نمو قطاع طاقة الرياح في تحفيز مئات الشركات الصغيرة في مجالات الخدمات المساندة والابتكار التقني، مما جعلها بيئة ريادية مكتفية ذاتيًا. وفي سلطنة عمان ساعدت مبادرات مثل برنامج تنمية المحافظات ومنصات القيمة المحلية المضافة في جعل ريادة الأعمال أداة عملية للتنمية الاقتصادية، وفي حالة استمرار هذا النهج يمكن أن يحقق أثرًا مركبًا بين تحفيز الاستثمار، وتوسيع قاعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعميق المحتوى المحلي.

وأوضح العبري أنه رغم التحسن الهيكلي في بيئة الأعمال، لا تزال بعض التحديات قائمة، ويمكن تصنيفها وفق ثلاثة محاور رئيسية: وهي التمويل الموجّه لطبيعة المخاطر؛ حيث تعد الفجوة التمويلية من أبرز العقبات أمام نمو الشركات الناشئة إذ تعتمد معظم المؤسسات المالية على الضمانات المادية التقليدية، ما يحد من قدرة رواد الأعمال على دخول السوق. في المقابل، نجحت سنغافورة في تجاوز هذه المعضلة بإنشاء صناديق رأس المال الجريء الحكومية التي تستثمر بناء على تقييم الجدوى المستقبلية والسلوك الريادي لا الأصول المادية. إضافة إلى الإجراءات والتشريعات، فمع أن سلطنة عمان أحرزت تقدمًا في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، إلا أن بعض القطاعات ما زالت تواجه تعدد الجهات التنظيمية مما يؤخر التنفيذ ويزيد التكلفة. التجربة المقارنة هنا هي إستونيا، التي تحولت إلى دولة رقمية بالكامل بفضل تبسيط الخدمات الحكومية من خلال منصة واحدة، مما خفّض كلفة التأسيس بنسبة 70%، وتطبيق نموذج مشابه رقمي موحد في سلطنة عمان سيجعل البيئة أكثر مرونة وجاذبية للمستثمرين الدوليين. إلى جانب ذلك، رأس المال البشري والتطبيقات المهارية؛ حيث إن الفجوة بين التعليم الأكاديمي ومتطلبات السوق لا تزال قائمة، وتظهر التجربة الكورية الجنوبية مثالًا حيًا في تطوير رأس المال البشري المتخصص في الصناعات التقنية أن يحوّل الاقتصاد بالكامل.

تنفيذ التشريعات ومتابعتها

ولفت العبري إلى أن الدراسات الاقتصادية تشير إلى أن الإصلاحات الفعّالة لا تقتصر على القوانين بل على آليات تنفيذها ومتابعة أثرها، والإصلاحات الجارية في سلطنة عُمان مثل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الاستثمار الأجنبي الجديد، وتحرير بعض القطاعات تمثل قاعدة مؤسسية صلبة لتمكين الشركات الناشئة.

وتابع بقوله: إن نجاح الإصلاحات الاقتصادية يعتمد على التزام طويل المدى، ورؤية متكاملة تجمع بين التشريعات، والبنية الأساسية، وتمويل الابتكار، وهذا الترابط بدأت ملامحه تظهر في سلطنة عمان خاصة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وصندوق عُمان المستقبل، والاستراتيجية الوطنية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، منوهًا إلى ضرورة تحويل هذه المبادرات من برامج مستقلة إلى منظومة تكاملية للابتكار والاستثمار، بحيث تُقاس بمؤشرات الأثر الفعلي على الناتج المحلي وفرص العمل، وليس بعدد المشروعات المعلنة.

وأنهى العبري حديثه بقوله: إن بيئة ريادة الأعمال في سلطنة عمان تقف عند نقطة تحول استراتيجية؛ حيث إن البنية التشريعية والاقتصادية أصبحت مهيأة، غير أن التحدي القادم هو في تفعيل السلوك الريادي على أرض الواقع عبر برامج مسرّعات متخصصة في القطاعات الواعدة مثل الهيدروجين الأخضر، والتقنية الزراعية، والخدمات اللوجستية الذكية، وتحفيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص في مشاريع بحثية ذات مردود تطبيقي، وإعادة تصميم برامج التمويل الحكومية لتكافئ الابتكار؛ حيث إن هذه الإجراءات ستنقل الاقتصاد العُماني من مرحلة دعم المشاريع إلى مرحلة بناء منظومة اقتصادية ذاتية النمو، قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.

مقالات مشابهة

  • بالصور: اتحاد رواد الأعمال العرب يكرّم أحمد ناصر الصوير بجائزة ملهم 2025
  • الكويت: نبحث عن شريك لمشروع البتروكيماويات في سلطنة عمان
  • جلالة السلطان يصدر 3 مراسيم سامية
  • كيف يسهم نمو القطاعات غير النفطية في بناء بيئة جاذبة لريادة الأعمال؟
  • تنفيذا لتوجيهات السلطان هيثم.. عمان تدخل آلاف الخيام إلى غزة
  • عدد من المؤسسات في سلطنة عُمان تفوز بجائزة الكويت للإبداع
  • الثلاثاء.. تدشين مبادرة "تمكين" لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • ندوة إرث سليمان تستحضر شخصية أحد أعلام القضاء والفقه في سلطنة عمان
  • رئيس جهاز تنمية المشروعات: نقدم برامج وخدمات لدعم المشروعات الناشئة ونشر ثقافة ريادة الأعمال
  • البحث العلمي تشارك بمشروع YIELD لتعزيز ريادة الأعمال في التكنولوجيا العميقة