حتى اليوم لا تزال حكومة الاحتلال منقسمة حيال قرار نتنياهو الذي يرى أن الهجوم على مدينة رفح الفلسطينية التي تأوي نحو 1.3 مليون نازح فلسطيني “مفتاح النصر” وسط تقديرات من الداخل الإسرائيلي تشير إلى أن الهجوم المحتمل على المدينة لا يزال أمرا غير مرجح في ظل الانقسام العاصف بحكومة الكيان وغياب التأييد من الحلفاء الرئيسيين لدولة الكيان.


الثورة / أبو بكر عبدالله

منذ إعلان حكومة الاحتلال الصهيوني نيتها تنفيذ هجوم واسع على مدينة رفح الفلسطينية يعيش الفلسطينيون النازحون والعالم حالة ترقب وقلق من الآثار الإنسانية والسياسية والأمنية الخطيرة لهذا الهجوم الذي سيدمر آخر المعاقل الآمنة لسكان قطاع غزة.
وتواجه خطة الهجوم المحتمل على مدينة رفح معارضة عربية ودولية أممية شديدة بما في ذلك الحلفاء الرئيسيون لدولة الكيان، في ظل تصاعد التحذيرات الدولية والأممية من النتائج الكارثية لهذا الهجوم الذي قد يهدد الأمن في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة.
وتتأرجح التقديرات بشأن إمكان تنفيذ هذه العملية إذ يشير البعض إلى أن العملية تمضي مع إعلان حكومة الكيان استكمال خطة الهجوم واستنفار الجيش واستدعاء قوات الاحتياط بينما يشير آخرون أن العملية تواجه عقبات داخلية وخارجية لم تحسمها بعد حكومة الاحتلال.
لكن الواضح حتى الآن هو مضي حكومة نتنياهو باستعداداتها لاجتياح المدينة متجاهلة التحذيرات الإنسانية والأمنية بعد أن تعهد نتنياهو بمواصلة الحرب متجاهلا الخطة الأمريكية الجارية بشأن إعلان هدنة ممتدة وإكمال مفاوضات إطلاق سراح الرهائن، خصوصا وأنه لم يتبق أمام حكومة الكيان سوى شهر واحد لإكمال عملياتها العسكرية في القطاع.

منطقة رفح
منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم دولة الكيان بوقف فوري لإطلاق النار وفتح الطريق لتدفق المساعدات الإغاثية للنازحين، لم تبد حكومة الكيان أي تراجع أو تغيير في حربها الوحشية بقطاع غزة المستمرة منذ 4 أشهر بل ظهرت مؤخرا بمشروع جديد يستهدف اجتياح مدينة رفح بعد أن صارت الملاذ الأخير للمدنيين النازحين من مدن القطاع.
تقع مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بينه وشبه جزيرة سيناء المصرية، وهي من أصغر مدن القطاع وأكثرها اكتظاظا حيث نزح إليها خلال الشهور الماضية نحو 1.3 مليون نازح فلسطيني يمثلون نحو نصف سكان قطاع غزة إلى جانب 300 ألف من سكانها الأصليين.
لم توفر هذه المدينة في ظل العدوان الإسرائيل الوحشي على قطاع غزة حياة آمنة تماما للنازحين، الذي يعيشون إما في مراكز إيواء مكتظة كالمدارس أو في الشوارع، أو في خيام جاهزة وأخرى صنعت يدويا على قضبان معدنية أو أغصان الشجر، ومغطاة بالأقمشة أو المواد البلاستيكية وتنتشر في مساحة تصل إلى نحو 3.5 كيلومتر مربع.
وتقارير المنظمات الدولية الإنسانية تؤكد أن جميع سكان المدينة محاصرون ويقضون أيامهم محاطين بالسياجات الحدودية وسواحل البحر الأبيض المتوسط، ويعانون من شبح المجاعة، وأكثرهم لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم بعد أن جيش الاحتلال معظم المنازل والمدارس والمساجد والكنائس والمراكز الصحية ومرافق الخدمات وشبكات المياه.
هذا الوضع جعل من الحديث عن أي عملية عسكرية صغيرة أو كبيرة في منطقة مكتظة بهذا العدد من النازحين أو حتى غارة أو قذيفة أشبه بكابوس مرعب، حيث سيسفر عن عدد هائل من الضحايا المدنيين الذين يعيشون ظروفا إنسانية صعبة للغاية في حين تذهب التقديرات الدولية إلى أن أي اجتياح بري لها سيتسبب في أكبر مأساة إنسانية في التاريخ.

مخططات خفية
خلال 4 أشهر من الحرب الإجرامية في قطاع غزة هاجم جيش الاحتلال معظم أراضي قطاع غزة، تاركا منطقة رفح آمنة مؤقتا كملاذ للمدنيين الذين طلبت منهم سابقا اللجوء إليها للاحتماء قبل أن تتحول المدينة الصغيرة إلى هدف عسكري لجيش الاحتلال الذي بدأ فعليا تحضيراته لاجتياحها.
وترك الاحتلال مدينة رفح آمنة خلال الفترة الماضية لم يكن تصرفا إنسانيا تماما، فهو استهدف في البداية دفع الفلسطينيين الهاربين من مدن القطاع إلى مدينة رفح كورقة ضغط على مصر لإرغامها قبول استيعاب المهرجين من في صحراء سيناء.
لكن مواجهة مصر لهذا المخطط وإسقاطه، دفع دولة الاحتلال للضغط عليها مجددا لتسليمها محور فيلادلفيا الحدودي لإسرائيل وهو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة بطول 14 كيلومتراً تم تحديده بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979.
هذا الشريط الحدودي ظل هو الآخر لسنوات طويلة منطقة عازلة وكان يخضع لسيطرة إسرائيل قبل أن تنسحب من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة “فك الارتباط” وسلمته إلى مصر، لكن حكومة الكيان عادت حاليا بخطة للسيطرة عليه لإحكام قبضتها على القطاع من جهة ومن جهة ثانية لفتح الطريق لمئات الآلاف من الغزيين للنزوح إلى الأراضي المصرية.
لم تيأس حكومة نتنياهو من إسقاط مصر لهذه الخطوة سابقا، وعاودت الكرة بدفع المزيد من الغزيين إلى رفح التي صارت تستوعب أكثر من ثلثي سكان القطاع، لتكون خطوتها التالية اقتحام المدينة عسكريا بما يقود إلى فتح فجوات في الخط العازل تكفي لهروب الآلاف من الغزيين إلى الأراضي المصرية في أكبر عملية تهجير جماعي للفلسطينيين بدعوى مطاردة آخر معاقل “حماس” وفرض الأمر الواقع على مصر بتحويل سيناء إلى منطقة مخيمات للاجئين وتصفية القضية الفلسطينية.

الموقف المصري
من الوهلة الأولى بدت الحكومة المصرية مدركة للمخطط الإسرائيلي بما يشكله من تهديد كبير لأمنها القومي وقد هددت لذلك برد عسكري وبدأت فعليا بحشد قواتها العسكرية على الحدود بصورة لم يحدث منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل قبل أربعة عقود كما أعادت خلال الأيام الأخيرة نشر العشرات من دبابات القتال الرئيسية ومركبات المشاة القتالية قرب “معبر رفح الحدودي.
ورغم نفي السلطات المصرية التصريحات التي تحدثت عن إمكانية تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل إلا أن هذا الخيار صار مطروحا على الطاولة خصوصا وأن أي تحرك عسكري إسرائيلي في مدينة رفح سيرغم مئات الآلاف من الفلسطينيين على عبور الحدود نحو شبه جزيرة سيناء ما سيمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري، ناهيك بما ستمثله هذه الخطوة من تصفية للقضية الفلسطينية التي تعهدت مصر بالتصدي لها.
هذا الأمر عبرت عنه السلطات المصرية مؤخرا بتأكيدها أن استمرار انتهاج السلطات الإسرائيلية سياسة عرقلة دخول المساعدات الإنسانية “بمثابة إسهام فعلي في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته.
والموقف الدولي والأممي لم يختلف كثيرا عن الموقف المصري، بما فرضه من عزلة على حكومة الكيان، فخلال الساعات الأولى لإعلان حكومة نتنياهو استعدادات لاجتياح مدينة رفح، خسرت أكبر حلفائها الغربيين الذين أعلنوا بوضوح رفضها الهجوم وقلقهم من تبعاته الأمنية والإنسانية.
بالمقابل وضعت حكومة الكيان نفسها في موقف لا يحسد عليه من الأمم المتحدة التي حذرت على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، من “كابوس إنساني وتداعيات إقليمية لا تحصى” مجددا دعوته إلى “وقف إنساني فوري لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن”.
هذا الموقف عبر عنه أيضا مسؤولو منظمات إنسانية عدة أكدوا أن أي تقدم عسكري إسرائيلي في منطقة رفح قد يتسبب في وفيات جماعية، مع خطورة انهيار نظام المساعدات الإنسانية داعين إلى عدم السماح بأي حرب في مخيم ضخم للاجئين” قد يفضي إلى “حمام دم”.

الموقف الدولي
ورغم أن الموقف الأوروبي كان شديد الوضوح في رفض أي هجوم عسكري على مدينة رفح المكتظة بالنازحين، بدا الموقف الأمريكي متأرجحا، بعد أن عادت واشنطن للتخفيف من موقفها الرافض للاجتياح العسكري لرفح، بالقول إنها تعارض فقط شن هجوم واسع النطاق دون خطة لحماية المدنيين ناهيك عن تأكيدها أن “حماس” لا تزال تمثل خطرا على إسرائيل وأن هناك أهدافا عسكرية مشروعة للإسرائيليين في رفح”.
الموقف الأمريكي المتأرجح بدا أكثر وضوحا في إعلان البيت الأبيض مؤخرا أن واشنطن لا تدعم في الوقت الراهن وقفا عاما لإطلاق النار في غزة، وهو موقف بدا متعارضا مع توجهاتها المعلنة في جهود الوساطة الداعية إلى هدنة ممتدة تضمن إطلاق سراح الرهائن تمهيدا لوقف شامل لإطلاق النار.
هذا الموقف كشف عما اعتبره البعض “ضوء أخضر” للعملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، بعد أن اشترطت واشنطن وجود تخطيط مناسب للهجوم يضع في اعتباره حماية المدنيين”.
زاد من ذلك أن الإعلان الأمريكي تزامن مع إعلان حكومة الكيان عن خطة لحماية المدنيين، وتقديمها المزيد من الذرائع لتبرير اجتياحها لمدينة رفح، بعد أن نفذت عملية حررت فيها رهينتين كانا محتجزين في المدينة، بهدف دعم مزاعمها بوجود عدد كبير من مقاتلي المقاومة في هذه المدينة.
وعلى أن الموقف الأمريكي صار واضحا ولا يمكن التعويل عليه في كبح الهجوم الإسرائيلي على المدينة المكتظة، ثمة مواقف دولية يمكن التعويل عليها في كبح دولة الاحتلال عن مشروعها في مدينة رفح، فحتى الآن لا يزال الاتحاد الأوروبي عند موقفه المناهض لخطة الحرب الإسرائيلية باعتبار أن الهجوم الإسرائيلي المحتمل على رفح سيؤدي إلى كارثة إنسانية في قطاع غزة كما سيقود إلى توترات خطيرة مع مصر.
يساند ذلك الموقف البريطاني الذي خرج عن السرب الأمريكي هذه المرة بتشديد وزير خارجيتها ديفيد كاميرون على ضرورة وقف القتال على الفور حتى يكون بالإمكان إدخال المساعدات وتحرير الرهائن، يليه “التقدم نحو وقف دائم ومستدام لإطلاق النار”.
يضاف إلى ذلك موقف الصين التي أعلنت بوضوح معارضتها للعملية الإسرائيلي في رفح ودعت إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية في هذه المدينة بأقرب وقت ممكن وبذل “كل ما هو ممكن” لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين ولمنع وقوع كارثة إنسانية أكبر في رفح.

خيارات الكيان
حتى الآن على الأقل تبدو تهديدات إسرائيل بالهجوم العسكري الواسع النطاق على مدينة رفح مجرد تهديدات من أجل تحسين شروط المفاوضات، فالانقسام لا يزال يعصف بحكومة الحرب الإسرائيلية بشأن خطة الاجتياح ومآلاتها المتوقعة.
والتقديرات الموضوعية تؤكد صعوبة إقدام حكومة الكيان على اتخاذ أي خطوة عسكرية دون أن تحظى بإسناد عملاني أميركي وهو أمر قد يجعل حكومة الكيان تعيد التفكير في خطتها لاجتياح المدينة.
والتجاهل الإسرائيلي لجهود الوساطة التي تقودها واشنطن مع بعض دول المنطقة لضمان وتأمين وإطلاق سراح الرهائن وإعلان هدنة ممتدة تقود إلى وقف كامل لإطلاق النار، لا يبدو طبيعيا حتى الآن إذ يصعب على حكومة الكيان عدم التعاطي الإيجابي مع هذه الجهود كونه سيفضي إلى خسارة حليفها الرئيسي والتورط في حرب تعرف أنها قد تشعل عليها النار من كل الاتجاهات.
ومن غير المستبعد أن الخطوات التي شرعت فيها خلال الأيام الماضية بدفع النازحين الفلسطينيين من مدن القطاع إلى مدينة رفح ثم إعلانها عن هجوم واسع الناطق على المدينة المكتظة استهدفت بالمقام الأول ابتزاز مصر وحملها على مواصلة الضغط على الفلسطينيين بالتخلي عن شروط التهدئة، كما استهدفت بالمقابل ابتزاز الولايات المتحدة لحملها على ممارسة الضغط على مصر وإرغامها على قبول الخطة التي قدمتها حكومة الاحتلال إلى مصر بشأن استقبال النازحين في مخيمات مؤقتة لحين الانتهاء من عمليتها العسكرية في رفح.
والخطة الإسرائيلية المسلمة للحكومة المصرية تضمنت ترتيبات لإجلاء جميع السكان إلى مدن مخيمات تحتوي 15 مخيما كل واحد منها يضم 25 ألف خيمة بالجزء الجنوبي الغربي من رفح على أن تكون مصر مسؤولة عن هذه المخيمات مع إقامة مستشفيات ميدانية فيها وذلك قبل تنفيذ أي هجوم عسكري على المدينة.
ورغم أن هذه الخطة تحظى بدعم من واشنطن إلا أن مصر لا تبدو في وارد قبولها، فالسماح بها سيفتح بلا شك أبواب الجحيم على مصر التي ستواجه وحدها مخاطر دولة مخيمات يصعب السيطرة عليها.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

حكومة نتنياهو على المحك بعد تهديد شاس بالانسحاب

في مؤشر جديد على عمق الأزمة التي تهدد استقرار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، انضم حزب شاس، الممثل لليهود السفارديم المتدينين، إلى شركائه من الأحزاب الحريدية في التلويح بالانسحاب من حكومة بنيامين نتنياهو، إذا لم يتم إقرار قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية قبل انتهاء المهلة التي حددتها المحكمة العليا في 30 يوليو/تموز المقبل.

وجاء هذا التصعيد من حزب شاس عبر الصفحة الأولى لصحيفته الحزبية "حدريخ"، التي عنونت -صباح الأربعاء- بكلمات عريضة "لحظات القرار"، مشيرة إلى أن مجلس حكماء التوراة التابع للحزب سيجتمع بعد عيد الأسابيع (شفوعوت) الذي يوافق هذا العام يوم 12 يونيو/حزيران، ليقرر ما إذا كان سيبقى في الحكومة أو ينسحب منها.

ونقلت الصحيفة عن قيادة الحزب قولها "مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده حاخاماتنا من خلال مجلس حكماء التوراة (شليتا) لصياغة اتفاقيات مهمة حول قانون التجنيد، تكثفت الجهود في الأيام الأخيرة، ولكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاقات حتى الآن". وأضافت أن "المجلس سيبحث مستقبل الحزب في الحكومة مباشرة بعد عيد الأسابيع، ونأمل أن يتحمل رئيس الوزراء المسؤولية ويسرع الاتصالات على الفور".

تهديد غير مسبوق

وجاء في التقرير الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أن ما يضاعف خطورة التهديد هذه المرة، أنه لا يقتصر على التيار الحسيدي المتمثل في حزب (أغودات إسرائيل) برئاسة الوزير يتسحاق غولدكنوبف، بل يشمل أيضًا شركاءه من التيار الليتواني (ديجل هتوراة) اللذين يشكلان معا في الكنيست تحالف "يهودية التوراة" لليهود الأشكناز (الغربيين)، إضافة إلى حزب شاس نفسه.

إعلان

ووفق تقرير الصحيفة، فإن غولدكنوبف يهدد بالفعل بالاستقالة من الحكومة بعد عطلة شفوعوت مباشرة إذا لم يتم التوصل إلى "قانون مناسب" يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية.

وحسب الصحيفة، فإن هذا التهديد يعني أن الشرخ داخل الحكومة لم يعد محصورًا بين الحريديم والعلمانيين، بل يتسع ليشمل خلافات داخل الائتلاف الحاكم نفسه حول كيفية التعامل مع القرار القضائي الذي أسقط الإعفاءات السابقة، ومع احتياجات الجيش المتزايدة في ظل حرب غزة.

مأزق نتنياهو

يواجه نتنياهو معضلة عميقة، إذ إن أي قانون يرضي الحريديم سيصطدم بالمعارضة داخل معسكره نفسه، خصوصًا من وزراء مثل إيتمار بن غفير، إضافة إلى معارضة شديدة من رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين، الذي يرفض تمرير أي قانون لا يحظى بدعم المؤسسة العسكرية.

أما المعارضة العلمانية بزعامة أفيغدور ليبرمان، فتشن حملة إعلامية واسعة ضد ما تسميه "تجنيد الفقراء وقتل العلمانيين"، متهمة الحريديم بـ"الجبن" والتهرب من واجب الدفاع عن الدولة، في حين تُستنزف وحدات الاحتياط في حرب غزة المستمرة منذ أكثر من 600 يوم.

وتلفت الصحيفة إلى أن تقارير تفيد بأن الجيش الإسرائيلي نفسه لا يرغب بتجنيد الحريديم قسرًا، لكنه يرفض أن يبقى الوضع القانوني الحالي بلا حل، لما يحمله من تبعات على مبدأ المساواة ويهدد بانهيار منظومة الخدمة الإلزامية.

ومع احتدام الحرب في غزة، وانكشاف النقص الكبير في القوات البرية، تحولت أزمة التجنيد إلى ملف ملتهب، يهدد بتفكك الحكومة إذا ما واصل نتنياهو المراوحة بين شركائه الحريديم وضغوط المعارضة.

ويرى مراقبون أن نتنياهو يحاول كسب الوقت إلى ما بعد عيد الأسابيع، على أمل أن تهدأ التهديدات أو يتمكن من إيجاد صيغة وسطية. لكن الوقت يدهمه، ومع كل يوم يمر دون قانون جديد، تتزايد فرص تدخل المحكمة أو تفكك الائتلاف تحت وطأة التناقضات الداخلية.

إعلان

وأوردت الصحيفة في هذا السياق أنه في ظل التهديد الأرثوذكسي المتطرف بتعطيل عمل الحكومة بشكل متكرر ومكثف، فإن المناقشات تكثفت بين ممثلي الحريديم ونتنياهو وإدلشتاين، حيث يسعى نتنياهو لإدارة الأزمة وإيجاد توازن بين الطرفين، مع استمرار إدلشتاين في كونه أحد المحاور الرئيسية في الطريق إلى حل التجنيد الإجباري.

وأشارت الصحيفة إلى أن دائرة نتنياهو واجهت في الأيام الأخيرة معضلة فيما يتعلق بالنهج تجاه إدلشتاين مع مطالبة الأرثوذكس المتشددين له بأن يستخدم يدا قاسية، ويهدد بإزاحته من رئاسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، وربما حتى يقودها هو عمليا في وضع يستمر فيه إدلشتاين في رفض مطالبهم.

غير أن الصحيفة أشارت إلى أن نتنياهو قد يقرر الاستمرار في مماطلة الحريديم وصولا إلى عطلة الكنيست الصيفية، ومن ثم الانتخابات عام 2026، حيث قد يقرر الاستفادة من خطوات أدلشتاين في التجنيد انتخابيا.

أزمة مستمرة

وذكرت الصحيفة أن الأزمة الحالية تشكل ضغطا كبيرا على حكومة نتنياهو بعد أن كانت المحكمة العليا قد ألغت في السابق كافة القوانين التي تمنح الحريديم إعفاء جماعيًا من الخدمة العسكرية، واعتبرتها تمييزية وغير دستورية. وأشارت إلى أنه بعد أن تنتهي المهلة الممنوحة للحكومة لصياغة قانون جديد في يوليو/تموز، ولم يتم التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد، فإن كل الحاخامات وطلاب المدارس الدينية (اليشيفوت) سيصبحون عرضة للتجنيد الفوري.

ولفتت في هذا السياق إلى أن المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا كانت أصدرت تعليمات تمنع تحويل الميزانيات إلى المدارس الدينية التي لا ترسل طلابها للتجنيد، مما يعني أن آلاف المدارس قد تُحرم من التمويل ابتداءً من مطلع يوليو/تموز، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لنمط حياة الحريديم.

وكان الجيش الإسرائيلي أطلق قبل نحو أسبوعين، بإشراف مباشر من رئيس الأركان الجديد اللواء إيال زامير، حملة غير مسبوقة لملاحقة واعتقال الحريديم الذين تهربوا من الخدمة العسكرية، وذلك في سياق تطبيق "أوامر 12″، وهي أوامر عسكرية تُصدر لمن تلقوا دعوات تجنيد أولية ولم يستجيبوا، رغم التحذيرات والإخطارات المتكررة. ووفقا للجيش الإسرائيلي، فإن كل من يتلقى أمرا بالتجنيد ويتخلف عنه دون عذر قانوني يعتبر فارا ويخضع لعقوبات قد تشمل الاعتقال، ومنع السفر، والملاحقة الجنائية.

إعلان

وأشعلت هذه الخطوة الضوء الأحمر لدى الأحزاب الحريدية، حيث تكثفت التهديدات بالانسحاب من الحكومة بمجرد اعتقال أي شاب حريدي يتخلف عن الخدمة.

وقبل نحو أسبوع أيضا، كشف رئيس قسم تخطيط الأفراد في الجيش الإسرائيلي العميد شاي طيب أنه من أصل 24 ألف أمر استدعاء للتجنيد وُجهت ليهود الحريديم خلال 2024، لم يستجب سوى 1212 شخصا، ما يعادل 5% فقط.

ويذكر أن الجيش الإسرائيلي يخطط لاستدعاء 80 ألفا من الاحتياط الحريديم لمواجهة استحقاقات الحروب التي يخوضها.

خلفية الأزمة

وتعود جذور الإعفاءات الممنوحة لليهود المتدينين من الخدمة العسكرية إلى بدايات قيام دولة إسرائيل، حينما وافق رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون عام 1948 على إعفاء 400 طالب ديني فقط من التجنيد، بهدف الحفاظ على "عالم التوراة" بعد المحرقة النازية. لكن هذا الرقم أخذ يتضخم مع السنوات، ومع تزايد ثقل الأحزاب الحريدية في السياسة الإسرائيلية، حتى بات يقدّر اليوم بعشرات الآلاف من المعفيين سنويًا.

وفي العقدين الأخيرين، حاولت الحكومات المتعاقبة تمرير قوانين تنظّم هذه الإعفاءات، لكن المحكمة العليا رفضتها مرارًا، واعتبرتها غير عادلة بحق بقية المواطنين، خصوصًا اليهود العلمانيين والدروز الذين يخدمون إجباريًا.

وقد تفاقمت الأزمة مع زيادة أعداد الحريديم وتنامي نفوذهم السياسي، مما جعل الأحزاب الحريدية ترفض أي تغيير في الوضع القائم، وتعتبر أن "الدراسة الدينية توازي في قدسيتها الخدمة العسكرية". وفي المقابل، تصاعدت الأصوات داخل الجيش والمؤسسة الأمنية بضرورة إشراك الجميع في الخدمة، سواء من باب العدالة أو من باب الحاجة الميدانية في ظل الحروب التي تخوضها الحكومة الإسرائيلية على مختلف الجبهات.

ويشكل تحالف الحريديم أحد الأعمدة الأساسية في الائتلاف الحكومي الحالي بقيادة بنيامين نتنياهو، حيث يمتلك 18 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست الـ25. ويتوزع هذا التمثيل على حزبي شاس (11 مقعدا) و"يهودية التوراة المتحدة" (7 مقاعد)، اللذين يمثلان الطائفة الحريدية في إسرائيل، لكنهما يختلفان في الخلفية الاجتماعية والدينية والجغرافية.

إعلان

ويمثل حزب شاس، الذي يمثل في الغالب الحريديم من أصول سفاردية ويهود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما حزب يضم "يهودية التوراة " الحريديم الأشكيناز، أي اليهود من أصول شرق أوروبية.

مقالات مشابهة

  • الصفدي: منع الاحتلال زيارة الوفد العربي يؤكد غطرسة حكومة نتنياهو
  • هل تفتح أبواب الإخلاء؟.. الدستورية تفصل اليوم في أزمة الإيجارات القديمة
  • فساد الكهرباء في عدن.. مليارات مهدورة وثورة شعبية تلوح في الأفق
  • “المجاهدين الفلسطينية” تثمن قرار بلدية برشلونة قطع العلاقات المؤسسية مع الكيان الصهيوني
  • ماكرون يلوّح بتشديد الموقف ضد إسرائيل ويؤكد: الاعتراف بالدولة الفلسطينية واجب
  • المخرج محمد محمود: شراكتنا مع جائزة مدريد تفتح أبواب العالم أمام أفلام مهرجان الإسكندرية| خاص
  • إطلاق عملية قانونية في دولة الاحتلال لإعلان تعذّر نتنياهو عن أداء مهامه
  • خبير تكنولوجيا : الرواد الرقميين تفتح أبواب المستقبل لـ مصر
  • رويترز: حكومة الشرق تلوح بفرض القوة القاهرة
  • حكومة نتنياهو على المحك بعد تهديد شاس بالانسحاب