أبو المعاطى : الاتحاد يتبنى عدد من القضايا الهامة تشغل العالم بأكمله حالياً
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
قال سعد ابو المعاطى الأمين العام للاتحاد العربى للأسمدة ان المؤتمر الدولى الثلاثون للاسمدة ينعقد هذا العام في ظروف غاية في الصعوبة يعيشها العالم أجمع من حروب و أزمات إقتصادية و عدم استقرار المنطقة بأكملها بل العالم أجمع و ما ينتج عن ذلك من إضطرابات سياسية و اقتصادية و لوجيستية معقدة و غير مسبوقة ولها تأثير سلبي علي إقتصاديات دول العالم.
ويتبني الأتحاد العربي للأسمدة عدد من القضايا الهامة التي تشغل العالم بأكمله حالياً و نعمل مع شركاتنا الأعضاء و الحكومات و المنظمات و الهيئات العربية و الدولية من اجل المساهمة في حل هذة القضايا و تأمينها والذي يتلخص في قضايا لها تأثير مباشر بالأمن الغذائي وحياة البشر.
أولاً : قضية الامن الغذائي :
فمع إستمرار نمو سكان العالم المتزايد بشكل ملحوظ, ستكون هناك حاجة ماسة إلي بذل المزيد من الجهد من أجل زيادة الانتاج الزراعي بشكل مستدام و تحسين سلاسل التوريدلضمان حصول جميع من يعاني من الجوع علي الغذاء اللازم
ويعتقد الكثيرون في المجتمع الدولي أنه من الممكن القضاء علي الجوع في السنوات القادمة, و يعمل اتحادنا العربي للأسمدة علي تحقيق هذا الهدف و نضع هذة القضية نصب أعيننا لما لها من أهمية قصوي حيث عملت الشركات علي زيادة الانتاج و إضافة طاقات انتاجية جديدة قادرة علي إنتاج معذيات زراعية متنوعة
حيث بلغت نسبة الانتاج العربي من الاسمدة إلى الانتاج العالمي:
• من اليوريا 13 % و 27% من حجم تجارتها الدولية ، و من صخر الفوسفات 32% و 54% من التجارة الدولية ، و36% من السوبر فوسفات الثلاثي(tsp)و 42% من حجم تجارته الدولية و 46% من فوسفات الالمونيوم الثنائي (DAP) و 70% من تجارته الدولية و 4% من البوتاس و 5% من تجارته الدولية.
آخذين في الاعتبار أن المغذيات الزراعية تعمل علي زيادة انتاجية المحاصيل الزراعية بنحو 30-50% و هذا يساعد في تأمين الغذاء العالمي و تقليل عدد الجوعي حول العالم حيث بلغ سكان العالم نحو 8 مليار شخص يعاني منهم نحو 800 مليون شخص من الجوع أي 10% من عدد سكان العالم في وقت يهدر فيه العالم نحو ثلث الاغذية المزروعة خلال مرحلة الحصاد او النقل او من خلال هدر الأسر نفسها
ثانياً : قضية أمن الطاقة :
فمفهوم أمن الطاقة هو (أمن المعروض منها)، وذلك من خلال التركيز على سبل توفير الأنتاج الكافي من مصادر الأنتاج وبأسعار مناسبة، وأمن الطاقة لأي دولة يتحقق حال توافر لديها مورد مستدام للطاقة وبأسعار مناسبة.
و بالفعل تقوم شركاتنا الأعضاء بالإهتمام بأمن الطاقة من خلال ترشيد إستهلاكها بالمصانع و تنوع مصادرها و كذلك إنتاج الطاقة الجديدة و المتجددة أي العمل بمزيج الطاقة آخذين في الإعتبار أن الطاقة تساوي غذاء و أي خلل بمنظومة الطاقة تؤدي إلي خلل بمنظومة الغذاء و نذكر و نحذر من أن التخلص من مصادر الطاقة التقليدية مثل الوقود الاحفوري و التحول السريع الي الطاقة الخضراء يؤدي إلي تغيرات محتملة تتعلق بأمن الطاقة و الأمن الغذائي و القدرة علي زيادة الكلف و على الرغم من أهمية التحول الحتمي إلا أنه يجب أن يتم من خلال خطط مدروسة بإتقان.
ثالثاً : قضية أمن المياه:
إن الأمن المائي يتجاوز بكثير ما إذا كان لدينا الكثير أو القليل من الموارد المائية، حيث يستخدم الماء في كل جوانب حياتنا اليومية، ونحن بحاجة إلى ما يكفي من المياه النظيفة حفاظاﹰ علي صحة الشعوب و دعماﹰ للأقتصاد و الأمن الغذائي حيث يعيش نحو 4 مليارات شخص في مناطق مختلفة في العالم تعاني من ندرة المياه ، ويعني تزايد عدد السكان أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من المياه الصالحة للشرب و لإنتاج الغذاء والطاقة.
إننا بحاجة ماسة إلى تحرك دولي عاجل - منسق عبر جميع القطاعات والمؤسسات الدولية - لضمان عالم ينعم فيه الجميع بالأمن المائي لتحسين القدرة على الصمود أمام تغير المناخ وضمان إستدامة إستخدام المياه.
رابعاً : قضية التغيرات المناخية :
حيث تعتبر قضية التغيرات المناخية قضية هامة في عصرنا الحديث، فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم, و أنماط الطقس التي تهدد العالم و خاصة الإنتاج الزراعي و بالتالي تؤثر علي منظومة الأمن الغذائي
إن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة وتكلفاً في المستقبل إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية الآن حيث ارتفعت كميات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم نشهدها من قبل حيث يشير تغير المناخ إلى التغيرات طويلة المدى في درجات الحرارة وأنماط الطقس و منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي ويرجع ذلك في المقام الأول إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز حيث يعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وبخار الماء من أهم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي
ومن المتوقع أن يزداد غياب الأمن الغذائي والمائي الناجم عن تغير المناخ مع زيادة الاحترار حيث يعيش ما يقرب من 3.3 الي 3.6 مليار شخص معرض بشدة لمخاطر تغير المناخ
وقد قامت شركاتنا الأعضاء باخذ هذا الموضوع على محمل الجد وبدأت تخفيض الانبعاثات الكربونية بالمصانع رغم التكاليف الباهظة الناتجة عن ذلك علاوة الى أخذ خطوات جادة في التحول التدريجي الى الأخضر ولكن هذا يتطلب الي وقت و تكلفة مرتفعة.
وأطلق الأتحاد العربي للأسمدة مبادرة حفض الأنبعاثات الكربونية و التحول التدريجي إلي الأخضر بكافة شركاته الأعضاء ، علاوة على قيام الاتحاد العربي للاسمدة بالتعاون و التنسيق مع الشركات الاعضاء و المنظمات و الهيئات العربية و الدولية (EBRD),(IFA),(UNIDO), بعمل الدراسات الاستراتيجية للحد من الانبعاثات الكربونية بالمصانع الحالية و المستقبلية ، ومنها دراسة خارطة طريق منخفض الكربون لصناعة الأسمدة النيتروجينية ، و إطار صناعي لتطوير إنتاج هيدروجين منخفض الكربون.
خامساً : قضية الاستدامة :
لم تعد الاستدامة مجرد كلمة تقال بل إنها ضرورة لبقاء البشر، ولكل منا دور في خلق مستقبل أكثر استدامة و ذلك من خلال إجراء تغييرات ولو صغيرة و لكنها مؤثرة في حياتنا اليومية مثل تدوير النفايات، و الحفاظ على الطاقة، و دعم المبادرات الصديقة للبيئةيمكننا بشكل جماعي إحداث تأثير إيجابي كبير على البيئة دعونا نعمل معًا و نتبنى الاستدامة لضمان مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة، إن هناك بعض الدول اختزلت مفهوم الاستدامة بالتغيرات المناخية و تقليل الانبعاثات الكربونية فقط متجاهلة باقي الأهداف ذات الاولوية القصوي من الحد من البطالة و التعليم و الصحة و غيرهما و لا يمكن تحقيق الاستدامة ما لم يتم تحقيق أهداف التنمية كلها دون تجاهل أو التركيز علي اهداف بعينها دون الاخرى، ولهذا الغرض كان إتحادنا العربي سباق فقد اهتم بموضوع الأستدامة من خلال لجانه و مجموعات العمل المتخصصة و أعلن عن جوائز سنوية لأفضل الشركات إيماناً منا بأهمية الاستدامة.
سادساً : قضية الذكاء الاصطناعي :
و يعرف الذكاء الإصطناعي أنه مجموعة من التقنيات التي تمكن الة أو نظام من العمل و الفهم
إن أدوات الذكاء الاصطناعي قد تحولنا من مجتمع يعتمد علي الالات إلي مجتمع يعتمد علي المعلومات و النظم الخوارزمية و نظراً لأهمية الذكاء الإصطناعي و إستخداماته المتعددة في كافة جوانب الحياة و بما في ذلك الشركات فنحن بحاجة إلي إستراتيجية عالمية موحدة و مستدامة
تقوم علي التعددية و مشاركة جميع أصحاب المصحلة بهدف التعامل مع المخاطر الناجمة عن تقنيات الذكاء الصناعي وعلي الحكومات وضع السياسات و التشريعات اللازمة لذلك للحد من سلبيات الذكاء الاصطناعي، وقد وضعت شركاتنا الأعضاء هذة القضية نصب أعينها لأهميتها من حيث الدقة و إختصار الوقت و خفض التكلفة و غيرهما و بدأت بتحويل الشركات إلي شركات رقمية و أدخلت الذكاء الاصطناعي في بعض المجالات و منها الانتاج, الصيانه, الادارية, المالية و غيرهما، و علي الجميع أن يدرك من الان أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلي إلغاء أكثر من 40% من الوظائف الحالية و علي الحكومات أن تضع حلاً لذلك من الأن.
كل هذة القضايا و التحديات متشابكة بطرق لم نشهدها من قبل، وتتطلب منا التفكير بشكل مبتكر وشامل لإيجاد حلول مستدامة في عالم ينمو سكانه بوتيرة سريعة حفاظا علي تعزيز منظومة الأمن الغذائي وإستمرار الحياة وإستدامتها.
ومن جانبه قال ممثل مصر - الاتحاد العربي للأسمدة الدكتور احمد سعيد فى افتتاح المؤتمر ان مصر تحظى بمكانة رائدة في مجال صناعة الأسمدة العربية، حيث تتمتع بتاريخ مشرف في هذا القطاع الحيوي. إن صناعة الأسمدة تلعب دورًا كبيرًا في الاقتصاد المصري، حيث توفر فرص عمل وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي والجدير بالذكر أن إنتاج مصر من الأسمدة في عام 2023 بلغ حوالي 10 ملايين طن، بنسبة زيادة قدرها 5% عن العام السابق.
تُعدّ الأسمدة من أهمّ المدخلات الزراعية التي تُساعد في زيادة الإنتاجية الزراعية، وبالتالي تُساهم في تحقيق الأمن الغذائي تلعب مصر دورًا هامًا في تأمين احتياجات الدول من الأسمدة، حيث تعتبر مصر واحدة من أكبر الدول العربية المصدرة للأسمدة، حيث تصدر ما يقرب من 5 ملايين طن سنويًا. تشارك الشركات المصرية منتجي الأسمدة بشكل فاعل وفعّال في الاتحاد العربي للأسمدة، وتُسهم في دعم وتطوير صناعة الأسمدة العربية أيمانا منها بأهمية التعاون العربي في هذا المجال، ونؤكد على ضرورة الترابط، وتبادل الخبرات والأفكار لتحقيق التطور والتقدم المرجو.
إن الطلب المتزايد على الأسمدة، نتيجة للنمو السكاني العالمي والتوسع الزراعي، يشكل تحديًا هامًا يتطلب منا التصدي إليه بحزم وفعالية، حيث من المتوقع أن يزداد الطلب على الأسمدة بنسبة 50% بحلول عام 2050. ولذلك، فإن التعاون والتنسيق الوثيق بيننا كصناع ومهتمين بهذا القطاع يعد أمرًا ضروريًا لتحقيق توازن العرض والطلب وتلبية الاحتياجات حفاظاً وتعزيزاً للقطاع الزراعي واستدامة انتاجيته.
أتطلع إلى المزيد من المشاركات الفعالة والمثمرة خلال هذا المؤتمر، وآمل أن نتمكن جميعًا من استخدام هذه الفرصة لمناقشة سبل تعزيز صناعة الأسمدة العربية وتطويره
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأمن الغذائي المغذيات الزراعية
إقرأ أيضاً:
مفاجأة زلزلتني: من «العالم العربي» إلى «الملفات».. (1- 3)
د. مجدي العفيفي
كيف تحوّلنا من أُمَّة إلى حدود؟
(1)
حدث أن جلستُ ذات يوم مع رجل كان يحمل على كتفيه ثقل دولةٍ تعدّ من أقدم الديمقراطيات الغربية، ومن أشرس القوى العسكرية في العالم: وزير الدفاع الفرنسي في الثمانينيات.
حوار طويل دار بيننا، تجوّلنا فيه بين خرائط التاريخ وموازين الجغرافيا وإيقاعات القوة والنفوذ..
كان ذلك وانا أعيش في سلطنة عُمان، وكنت مراسلًا صحفيًا لعشر صحف ومجلات عربية وأجنبية في عنفوان الشباب والصحافة، في ضياء عملي التأسيسي المشارك في الإعلام العُماني ابداعا وانتاجا وصناعة وصياغة..
كنت أتحدّث مع ذلك الرجل «الغربي» بعفوية «العربي» الذي تربّى على لغة المجد والقصائد، على الأغاني الوطنية والصور المثالية المكتنزة بالأساطير.
فسألته.. بتوقٍ صحفي أكثر مما هو سؤال واقعي:
كيف ترون العالم العربي؟
هذه قلب العروبة النابض.. وهذه لؤلؤة الخليج.. وتلك بوابة العرب الشرقية.. وهذه سلة الغذاء العربي. وتلك أم الحضارة.. وهذه أصل العرب.. و..و..و..
توقعت أن يبتسم.. أن يوافق.. أن يدير حديثًا دبلوماسيًا.
لكنّه قلب الطاولة بكلمة واحدة زلزلت وجداني، وهدمت ألف نشيد كنت أحمله في صدري:
«ما هذه الألقاب»؟ نحن لا نعرف شيئًا اسمه «عالم عربي» نحن نتعامل مع (ملفات): الملف المصري، الملف السوري، الملف السعودي... وهكذا.
(2)
توقفت الكلمات داخلي.
كانت اللحظة كافية لأفهم أن الفجوة ليست في السياسة فقط، بل في الوعي.
الفجوة ليست في القوة، بل في إدراك القوة.
نحن نحب أن نسمي أنفسنا: أمة.. لكن الآخر لا يرانا كذلك.
نحن نغني: "بلاد العرب أوطاني".. بينما هو يضع كل دولة منا في سطر منفصل، جدول منفصل، خريطة نفوذ منفصلة، و"أجندة" لا تشبه الأخرى.
نحن نتماهى مع صورة رومانسية.. وهو يتعامل مع واقع استراتيجي صارخ.
نحن نحلم.. وهو يخطط.
نحن ننفعل.. وهو يحسب.
(3)
قلت في نفسي: أيّ مأساة هذه؟ من المسؤول عن تحويل الأمة التي امتدت من طنجة إلى بغداد إلى مجرد أوراق في درج موظف عسكري في دولة أجنبية؟
الصدمة ليست في أنه قال ذلك.. الصدمة في أنه كان صادقًا.
نحن من صنعنا هذه الحقيقة.. بتواطؤٍ ناعم، بتفككٍ طوعي، بنظام عربي يشبه "عمارة" قديمة كل شقة فيها تضع لنفسها بابًا حديديًا مضادًا للسرقة.. ليس خوفًا من الأجنبي.. بل من الجيران.
لقد نجحنا بامتياز: أن نحيا معًا.. لكن منفصلين.
أن نتحدث لغة واحدة.. لكن دون وعي واحد.. أن نحمل تاريخًا واحدا.. لكن دون مصير واحد.
الغرب لا يصنع لنا صورتنا.. نحن من قدمنا له الصورة جاهزة على طبق من ضعف.
حين انقسمنا.. قالوا: ملفات.
حين تحاربنا.. قالوا: ملفات.
حين جعلنا كل قُطر "أُمة" بذاته.. قالوا: ملفات.
فالسياسة ليست شعارات.. السياسة سجلات ومصالح وتوازن قوى، والقوة لا تُقاس بعدد الخطب.. بل بمدى حضورك على طاولة القرار.
(4)
لكن ما الذي جعلني أكتب هذا الآن؟
لأننا في هذه اللحظة التاريخية، في هذا الزمن الذي تتفكك فيه الخرائط ويتغير شكل العالم، نكرر الخطأ نفسه:
نصفق للألقاب.. نتمسّك بالروايات.. نرسم صورًا لا يسكنها إنسان.. نقول: واقع عربي واحد، بينما الحقيقة: ألف واقع.. نقول: مصير مشترك.. بينما المصير أصبح مزادات نفوذ.
نقول: تاريخ واحد...والتاريخ يُعاد كتابته كل يوم على يد غيرنا.
المسألة ليست يأسًا، وليست «نوستالجيا» (حنين) واستعادة فارغة للماضي؛ بل هي شهادة على لحظة وعي: لن تُحلّ قضايانا ما دُمنا نُعامل أنفسنا كجزرٍ معزولة.
ولن يحترمنا العالم إذا لم نعد نرى أنفسنا كأمّة أولًا.
القضية ليست سياسية فقط، بل ثقافية:
حين نُربّي جيلًا على أن "الوطن" هو فقط الحدود الجغرافية التي ولد فيها.. سنخسر!
حين ننسى أن اللغة ليست مجرد حروف، بل جسد يفكر.. سنخسر!
حين نسمح لليأس أن يتحول إلى نظام تفكير.. سنخسر!
الأمة ليست شعارًا.. الأمة خيار.. الأمة مشروع.. الأمة مسؤولية.
لم يكن الوزير الأوروبي يتحدث بكُرهٍ أو احتقار، كان يتحدث بمنطق الدول، ولم يكن يطرح رؤية صدامية (shock value) بقدر ما كان مُتفحصًا للواقع (reality check).
لقد أراد أن يقول لي، دون أن يقول: «من لا يتوحَّد.. يُدار».
ومن لا يعرف نفسه.. سيُعرّفه الآخر.
ومن لا يصنع تاريخه.. سيُكتب تاريخه عليه.
واليوم.. ربما نحتاج لتلك الصفعة ذاتها.. لنهدم الصورة القديمة كي نصنع صورةً جديدة، صورة لا تُبنى على الحنين.. بل على الإرادة.
فالسؤال الحقيقي ليس: كيف يروننا؟ بل: كيف نريد أن نكون؟
والأخطر من ذلك: هل نملك الشجاعة أن نتوقف عن الغناء.. لنبدأ العمل؟ لأن الأمم لا تُعرَّف بالأغاني.. بل تُعرَّف بما تفرضه على طاولة العالم.
(5)
اختراع القُطريات..
إذا أردنا فهم كيف خرجنا من صورة «الأمة» إلى حالة «الملفات»، فيجب أن نعود إلى اللحظة التي تغيّر فيها شكل الوعي العربي نفسه.. فالأمة ليست جغرافيا، وليست حتى تاريخًا؛ الأمة تخيّلٌ جماعي. وما يُكسر أولًا في الأمم هو المخيّلة المشتركة.
أولا: عندما قسّمونا.. فلم نمانع؛ فبعد الحرب العالمية الأولى، وبتحديدٍ أدقّ بعد إسقاط الامبراطورية العثمانية، لم يسأل الغرب العرب: «إلى أين تريدون أن تذهبوا بمستقبلكم؟» بل طرح سؤالًا آخر تمامًا: «كيف نُقسّمكم؟». ثم جلس البريطاني والفرنسي حول خريطة لا تعرف الشعب ولا اللغة ولا الذاكرة ولا القبيلة ولا الحضارة… خطّوا حدودًا باردة بقلم رصاص، ثم مرّروا فوقها قلم حبر، فأصبحت دولًا.
ولأول مرة منذ 14 قرنًا، أصبح العربي ينتمي إلى دولة قبل أن ينتمي إلى الأمة.. صار المصري «مصريًا قبل أن يكون عربيًا» واللبناني «لبنانيًا قبل أن يكون عربيًا» والعراقي «عراقيًا قبل أن يكون عربيًا»، ولم يكن ذلك صدفة.. كان مشروعًا كاملًا.
ولهذه السردية المؤلمة بقية!!
رابط مختصر