كتبت غادة حلاوي في"نداء الوطن": لا تقتصر أهمية «لقاء الهوية والسيادة» الذي استضافته بكركي لمناقشة «رؤية جديدة للبنان الغد– دولة مدنية لا مركزية، حيادية»، في الكلمات التي استفاض أصحابها في شرح مقاربتهم للموضوعات المطروحة على أهميّتها، بل في جانب من النقاشات الداخلية التي أفصحت عن حقيقة الواقع في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، ولا سيما الشيعة في لبنان.

تلك العلاقة التي تميل الى التوتّر على خلفية جملة مسائل خلافية عنوانها الإقصاء والتفرّد في الحكم بعيداً عن الشراكة التي هي شرط للعيش المشترك.
لم يعد من المجدي المكابرة والتغاضي عن واقع التشنّج الماروني- الشيعي الآخذ في التمدّد حتى بلغ درجات متقدّمة. وما عكسه مؤتمر بكركي ليس إلا واحداً من الأجواء التي يتلمّسها المسيحيون، والتي تثبت أنّ التوافق بين المسيحيين على نقاط مشتركة صار أقرب، من بينها اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة التي صارت مطلباً يلتقي عليه «القوات» مع «التيار الوطني الحر» و»الكتائب» بصدد بلورة موقف، إذ كان المسيحي منزعجاً من حكم «الترويكا» الذي استمرّ من عام 1990 وحتى عام 2006، وظنّ أنّه دخل في الشراكة بعدها، لكنه يشعر بالخيبة لمصادرة قراره واستثنائه في كثير من المحطات، أبرزها الرئاسة، ثم في تفعيل عمل الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي ومن دون الموارنة.
وفي الوسط المسيحي والماروني تحديداً، هناك من يعتبر أنّ الشيعية السياسية لا تريد بناء دولة بالشراكة. كلام بيار رفول يعكس تحوّلاً كبيراً. رجل الرئيس ميشال عون في سوريا والأقرب إلى «حزب الله»، لم يوفّره من انتقاداته، واتّهمه بأنّه كان «جزءاً مشاركاً في الانهيار»، و»لا يهتمّ بانتخاب رئيس». منطق سائد يستوجب رصده وأبعاده. 
في النقاشات، تلمس وجود رفض مسيحي للبنان الذي لم يعد يشبه المسيحيين وضرورة العمل على صيغة ثانية. ليس هناك مشروع محدّد أو مدعوم من جهة معيّنة. الإحباط المسيحي المستجدّ مختلف عن الماضي، عندما كان ميشال عون في المنفى وسمير جعجع في السجن. لا يتعلّق بسلاح «حزب الله»، بل بالشراكة في الدولة، فالسّلاح الذي أيّده فريق مسيحي وازن بات يشكّل عامل قلق عندما تحوّل من وجهة مسيحية الى دعم فريق لقهر فريق آخر. والاستراتيجية الدفاعية التي كانت موضع جدل ونقاش لم تعد قابلة للنقاش من قبل فريق من اللبنانيين. 
في الوسط المسيحي ثمة من يرى أنّ استمرار الثنائي بالتمسّك بمرشّحه يفاقم الأزمة، فلا يجوز كسر إرادة المسيحيين في الرئاسة بانتخاب مرشح الثنائي، وإلا فلا رئاسة. في كل النقاشات والحلقات داخل المجتمع الماروني، والمسيحي عموماً، يجري الحديث عن اللامركزية وصلاحيات الرئيس يجب أن تشمل حلّ مجلس النواب حين يمتنع عن انتخاب رئيس للجمهورية. الموضوعات التي كانت غير قابلة للنقاش لاعتبارات مختلفة صارت موضع نقاش علني وصريح.
تتحدّث شخصية مسيحية وازنة عن اصطفاف مسيحي مستجدّ، وتقول «حين شعر المسيحيون أنّ الناصرية تضرب الدولة التقوا مع بعضهم عام 1958، وحين استشعروا الخطر الفلسطيني وجد الحلف الثلاثي، وحين وقعت الحرب ولدت الجبهة اللبنانية برئاسة سليمان فرنجية، واليوم قد يدفع موقف الإسلام السياسي بالموارنة الى حلف ثلاثي جديد وقد يكون صدامياً في السياسة». ويتابع «اجتماعهم لن يكون هذه المرّة على مشروع سياسي، بل في مواجهة مشروع سياسي يريد كسرهم، وهنا مكمن الخطورة». يساور المسيحيين شعورٌ بالقلق من «أنّ الوطن الذي شاركوا في تأسيسه، ثم ارتضوا المناصفة فيه من خلال اتفاق الطائف في «الجمهورية الثانية»، يتغيّر وجهه، توافق 59 نائباً لا يؤمّن انتخاب رئيس، ويبقى المجلس معطّلاً، ويصبح البلد تحت مظلّة ثنائية سياسية شيعية - سنية لم يسبق لها مثيل، بينما لم يعد للفريق الداعم للمقاومة أي حجة تحميه، وإذا دافع جرى اتّهامه بالذمّية».
 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

خالد تاجا.. الثائر الذي فاتته ساعة التحرير

"منذ 70 عاما ركضنا نحو الحاكورة ونهر يزيد، وها أنت اليوم تعود إلى سفوح قاسيون مسقط رأسك لترقد بهدوء وأمان وسلام.. كل النوارس التي لوّحنا لها سويا تبدو حزينة اليوم وداعا يا خالد".. بهذه الكلمات العفوية، وبقدر مفرط من الصدق، وقف رجل فوق نعش الممثل السوري المخضرم خالد تاجا بين القبور في تربة "الزينبية" القابعة على سفوح جبل قاسيون ليصدح بها.

حدث ذلك ظهر الخميس 5 أبريل/نيسان 2012 عندما كانت دمشق تنام وتصحو على لهب! وسط ترقب أمني، وتخوّف استخباراتي من أجهزة النظام البائد، من أن تمتد المظاهرات بشكل واسع لداخل الشام، أو أن يستطيع الجيش الحر الذي بدأ بالسيطرة على الريف آنذاك، من أن ينقل معاركه إلى قلب أحياء العاصمة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صور مفبركة تثير الجدل حول عودة عادل إمامlist 2 of 2النجم الهندي سلمان خان يفاجئ الجمهور بحقيقة وضعه الصحي الخطيرend of list

الخوف الذي كان يعتري أجهزة النظام حينها وصل لأن تحسب ألف حساب لجنازة قامة شاهقة هوت لتوها، فجعلها خوفها تدفع بقوات عسكرية تتمركز عند مسجد الزهراء في حيّ المزة حيث صلي على الفنان الراحل وتنشر مجموعات من الشبيحة، وغيرهم على طول الطريق الواصل من المسجد إلى المقبرة خوفا من أن يستحيل التشييع إلى مظاهرة عارمة.

لم يكن الشرخ قد اتسع كثيرا بين نجوم سوريا آنذاك، وكان يمكن لممثل يبالغ في تأييده الأعمى للنظام حينها أن يكون حاضرا في جنازة من عرف عنه مواقفه المعارضة، لدرجة سرت فيها شائعات بعد سقوط نظام بشار تقول إن "نظام الأسد كان وراء مقتل "الحارث بن عباد"، (نسبة لدوره في مسلسل الزير سالم)، إلى أن خرجت عائلته لتنفي الخبر جملة وتفصيلا.

أما مناسبة الحديث اليوم، فلأن الرجل يعتبر بمثابة أيقونة غائبة، لم يتح لها مواكبة سوى عام واحد من الثورة، قبل أن تنطفئ ويذوي جسدها في ثرى الشام، لكنّ اللافت بأنه منذ سقوط النظام وحتى اليوم لا يكاد تخلو جلسة فنيّة أو نقاش حيوي يخصّ نجوم الدراما السورية، وكيف كانت مواقفهم إلا ويأتي ذكر خالد تاجا، الذي كرّمه بعض محبيه في ذكرى وفاته الأخيرة من خلال وقفة تكريمية في مقهى كان يعتبره بعض السوريين يوازي برلمانا للثقافة السورية.

إعلان أيقونة غائبة لا تغيب عن الذاكرة

لم يكن خالد تاجا يشبه أحدا سوى نفسه. لم تأخذه العزّة والمباهاة بموهبته يوما إلى مكان أو مكانة يفقد فيه شيئا من تواضع المبدع العميق، ولا سمح للغرور أن يتسلل إلى قلبه رغم المكانة التي نالها. كان واعيا تماما لحقيقة الحياة وزوال كل ما فيها، مدركا أن الشهرة ليست سوى سراب مؤقت، تشبه الوهم الذي يتلاشى مع الزمن.

لهذا، استعد للموت مبكرا، واستقبله كما يستقبل صديقا قديما، قائلًا له: "تعال متى تشاء". بل ذهب أبعد من ذلك، فجهّز قبره بنفسه، ونقش على شاهدته عبارة اختزلت رحلته بكلمات مفعمة بالشعر والصدق: "مسيرتي حلم من الجنون كومضة، كشهاب، زرعت النور في قلب مَن رآها لحظة ثم مضت"، وأضاف تحتها ببساطة: "منزل محمد خالد تاجا".

تاجا الذي شبّهه الراحل محمود درويش بـ"أنطون كوين العرب"، لم يتعامل مع هذا التشبيه بوصفه وسامًا يتباهى به، بل حمله كعبء مسؤولية إضافي، ليكرّس نفسه أكثر كمثقف وفنان صاحب مشروع. ولذا، كان يقول في لقاءاته القليلة معنا: "إن كان الفن خاليًا من أي مشروع، فلا أستطيع تسميته فنا بالأساس".

ورغم أنه ظلّ علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية، بقي يؤكد لأصدقائه أن حبّه للتمثيل لم يبلغ يوما درجة الهيام، كما كان الحال مع شغفه الكبير بجمع التحف والأنتيكات من أنحاء العالم، التي ملأ بها منزله حتى ضاق بها، وصار يكره التصوير فيه خشية أن تُصاب واحدة من تحفه المفضلة.

وبشغف مماثل لكنه ربما يكون أقل بدرجة واحدة تعامل مع مهنته على أنها فسحة للتفريغ من كلّ ما يحيط به من هموم، ومحاولة مستمرة لإعادة إقلاع دوري لكل أدواته المهنية والإنسانية.

حياة الفنان خالد تاجا المهنية الطويلة كانت مليئة بمحطات متمايزة وملامح لا تُشبه سواه (حساب ملتقى فلسطين على فيسبوك) علامات فارقة في مسيرة لا تختصر

يصعب اختزال مشوار خالد تاجا في بضعة أسطر، فحياته المهنية الطويلة كانت مليئة بمحطات متمايزة وملامح لا تشبه سواه. انطلق من خشبة المسرح في خمسينيات القرن الماضي، ضمن فرقة "مسرح الحرية" التي أدارها الفنان عبد اللطيف فتحي -المعروف بدور "أبو كلبشة" في مسلسلات غوار الطوشة- وكانت تضم حينها أسماء كبيرة مثل أنور البابا، وحكمت محسن، وصبري عياد.

تاجا سرعان ما خطى إلى السينما، ولعب دور البطولة في فيلم "سائق الشاحنة"، أول إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في سوريا عام 1966، بإخراج بوشكو فتشينكش. ثم تبعها بدور رئيسي في فيلم "رجال تحت الشمس" عام 1969، المقتبس عن رواية غسان كنفاني، بمشاركة 3 مخرجين: نبيل المالح، ومروان المؤذن، ومحمد شاهين.

ورغم غيابه المتقطع عن الشاشة بسبب تراجع الإنتاج السينمائي السوري، عاد تاجا بقوة إلى التلفزيون، ليفرض حضوره كممثل استثنائي بموهبة متجددة. من أبرز أعماله الدرامية كانت مشاركاته مع المخرج الراحل حاتم علي، في "التغريبة الفلسطينية" (نص وليد سيف)، و"الزير سالم" (نص ممدوح عدوان)، إلى جانب دوره في "أسرار المدينة" (كتابة حسن سامي يوسف ونجيب نصير، إخراج هشام شربتجي). وقد تُوجت هذه المسيرة المتميزة عام 2004، حين اختارته مجلة تايم الأميركية ضمن قائمة أفضل 50 ممثلا في العالم.

إعلان

لكن ما لا يعرفه كثيرون عن خالد تاجا، هو حسّه الكوميدي العفوي، وقدرته المدهشة على تحويل أكثر اللحظات قسوة إلى فسحة من السخرية اللاذعة، وهو ما يشهد عليه مقربوه، وفي طليعتهم الفنانان عبد الهادي الصبّاغ وأيمن رضا.

كما امتلك شجاعة نادرة في مواجهة المرض؛ فبعد أن هزم السرطان مرة، عاش بقية حياته برئة واحدة تقريبًا. والمثير للإعجاب، أنه حين خضع لعملية جراحية خطيرة في مدينة "روستوك" الألمانية لعلاج تمدد الأوعية الدموية، رفض التخدير الكامل، وظلّ يراقب خطوات الأطباء على الشاشة أمامه، دون أن يرتجف له جفن.

مقالات مشابهة

  • أوقفوا صناعة الوهم: من الذي انتصر حقاً؟
  • «قبل طرحه».. من هم فريق عمل ألبوم «ابتدينا» لـ عمرو دياب؟
  • آخر 4 بقوا بالمدينة.. جورج قسطنطين يسعى لإعادة الحياة للمجتمع المسيحي بدير الزور
  • الصهيونية ومؤامرة تفكيك النسيج المسيحي في المشرق من خلال الجماعات الصهيونية الإرهابية
  • القلق المسيحي يتصاعد في سوريا فهل ينتهي بالتهجير ؟
  • فريق “خليفة التطوعي” يطمئن على عدنان
  • و أمرت النيابة العامة بحبس مالك السيارة المتسببة في حادث الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية لتمكينه المتهم من قيادتها رغم علمه بعدم حيازته رخصة تجيز له قيادة تلك المركبة. جاء ذلك في إطار التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في الحادث المروري المروع الذي وقع
  • خالد تاجا.. الثائر الذي فاتته ساعة التحرير
  • تقييم المناطق التي دمرها النظام البائد بدير الزور لإعادة إعمارها
  • (فؤادنا) الذي رحل