يمن مونيتور:
2025-08-16@18:02:13 GMT

(فؤادنا) الذي رحل

تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT

(فؤادنا) الذي رحل

حينما كنت طالبا في الثانوية العامة بمدينة تعز، كان هناك شاب يكتب الشعر ويلقيه في المناسبات الوطنية او المساندة لقضيتنا العربية فلسطين، وكان الكثيرين يتحدثون عن فؤاد مطر الذي شعره لا يختلف كثيرا عن شعر الغاضب العربي احمد مطر..

لم اعرفه بشكل مباشر، حتى انتهيت من دراستي في إعلام جامعة صنعاء وبدأت العمل الصحفي، عرفته على المنابر في صنعاء شاعرا في الفعاليات وسمعت عنه خطيبا مفوها في جامع بجنوب العاصمة صنعاء، وتعرفت عليه أكثر في مؤتمرات الإصلاح العامة حيث كان يلقي أشعارا تحظى بتصفيق من قبل الحاضرين في الجلسات الافتتاحية لتلك المؤتمرات الإصلاحية.

لم يقف الأمر عند ذلك، لكن سمعت عن ذات الشاب الشاعر والخطيب المفوه انه ناشط مجتمعي ويقدم الخدمات لشباب وناس الحي الذي يسكن فيه، الي ان تعرفت عليه في صحيفة الصحوة بعدما تعرض له من اعتقال من قبل السلطات الأمنية بسبب خطبه الغاضبة من الأوضاع المتردية، وكان الكثير من الأصدقاء يحدثونني عن خطبه التي يتوافدون لحضورها في جامعه من مختلف مناطق العاصمة صنعاء.

كان الجميع قد تعودوا على قصائده الجميلة التي يلقيها في افتتاح مؤتمرات الإصلاح العامة، وحتى كان حضوره وطنيا في خطبه وشعره في ٢٠١١ من على منبر ساحة التغيير في الستين، كان الكثيرين يحرصوا على الحضور لسببين حماسهم لثورة ١١ فبراير وتأييدها وأيضا للاستماع لعدد من الخطباء الذين يعبرون عن مطالبهم وفي مقدمتهم فؤادنا الجميل ذو الجسم النحيل والكلام العذب واستخدام فنون اللغة الجميلة الفارس في محرابها.

خلالها ألتقينا لقاءات معدودة في أماكن عدة حتى كان آخر لقاء لي به في مدرسة نعمة رسام عام ٢٠١٥ حينما كنت ناطقا للمقاومة الشعبية بمدينة تعز، لم يزد الأمر على المشاركة في الحديث للصحفيين برفقة الشيخ حمود المخلافي والشهيد ضياء الحق الاهدل، وانقطعنا عن بعض باستثناء تواصل محدود عبر الفيسبوك وحينها وصلتني اخباره عن مرضه وخضوعه لعملية زراعة كلى، حتى كان تواصلي الأخير به تلفونيا وهو في تعز لأجل خدمة لصديق ولم يخذلني فيها بالتواصل معه والسعي لخدمته، وحينما زرت تركيا مؤخرا كنت عازم على التواصل معه واللقاء به فإذا بي اسمع بالصدفة انه تم نقله إلى القاهرة وحالته خطيرة.

كان فؤاد نموذجا للشاب الثائر والإصلاحي المنفتح على مختلف شركاء العمل السياسي كانت بوصلته موجهة نحو الظلم والفساد والفشل ايا كان نوعه ويخاصم سياسيا بأخلاق وقيم قل ان تجدها لدى فرقاء العمل السياسي، لم يقل كلاما جارحا في حق أيا من خصومه ولكنه انتقد وعارض وفق قواعد الديمقراطية المتعارف عليها.

كان فؤاد الحميري مربيا فاضلا وعرفت ذلك من خلال الشباب الذين تعلقوا به وتعلموا على يديه وداعية وسطي وخطيبا غير تقليدي يطوع اللغة الجميلة لإيصال رسالته الوعظية ومقارعة الظلم الجبروت وثائرا يعبر عن ملايين اليمنيين وخاصة شريحة الشباب وشاعرا مفوها كتب قصائده القصيرة والطويلة لأجل القضية التي حملها في وطنه اليمني وامته العربية والإسلامية.

حالة الحزن التي طفت علي سطح الوسائط الاجتماعية تؤكد ان فؤاد الحميري لم يكن صوت معبر عن نفسه وحتى حزبه ولكنه يعبر عن اوجاع وآلام وطموحات واحلام اليمنيين، رحمة الله تغشاه واسكنه فسيح جناته وتعازينا لكافة أسرته واحبائه ومحبيه داخل الوطن اليمني وخارجه.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الشاعر والأديب اليمن فؤاد الحميري كتابات

إقرأ أيضاً:

الفيلسوف العربي الذي أنصفه الغرب وتجاهله العرب والمسلمون

 

 

 

عبدالنبي الشعلة **

خلال العشرين عامًا الماضية، تكرَّرت زياراتي لإسبانيا، وفي كل مرة، لا يسعني إلّا أن أُخصِّص وقتًا لزيارة مدينة قرطبة أو مدينة غرناطة، وهما من أبرز مراكز الإشعاع الحضاري العربي الإسلامي في الأندلس. وعند زيارتي لقرطبة، أحرص على الوقوف أمام تمثال الفيلسوف والمفكر الأندلسي الكبير ابن رشد، في ساحة تحمل اسمه بحيّ اليهود في قلب المدينة القديمة، وعلى مقربة من الجامع الكبير.

ومثل كثيرين من أبناء العرب والمسلمين، تنتابني هناك مشاعر مختلطة: شعور بالفخر والاعتزاز بإرث هذا المفكر العظيم، وشعور آخر بالحسرة والحيرة، لأن من ينصب له التماثيل ويحتفي به ليس العرب ولا المسلمين؛ بل أوروبا، التي أعادت الاعتبار له بعد قرون من التجاهل والنسيان في موطنه الحضاري الأصلي.

هذا التمثال ليس الوحيد في أوروبا؛ فهناك تمثال آخر له في جامعة السوربون بفرنسا، وآخر في جامعة ليدن بهولندا، إلى جانب عشرات الدراسات والأبحاث والمناهج التي تناولت إرثه الفلسفي والعلمي. ولكن تمثال قرطبة هو الأكثر رمزية: ابن رشد يعود إلى المدينة التي شهدت ولادته وتألقه، ثم شهدت نفيه وإقصاءه، لكنه يعود إليها اليوم في هيئة مكرَّم، محاط بالتقدير.

إنها مفارقة مؤلمة: كيف للمدينة التي طردته وهو في كنف دولة إسلامية آنذاك، أن تستعيده بعد قرون لتحتفي به في كنف دولة أوروبية مسيحية، فيما عواصم العرب والمسلمين تواصل تجاهله؟

أكان ابن رشد بحاجة إلى أوروبا لكي يُقدَّر؟ أم أننا نحن -في هذا العصر- من نحتاج إلى ابن رشد لنتصالح مع عقلنا وهويتنا، ونصوصنا التي ظلت رهينة الجمود وسوء التأويل؟

وُلد أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد عام 1126م في قرطبة، في زمن بلغت فيه الحضارة الأندلسية أوجها. ولم يكن فقيهًا أو قاضيًا فحسب، بل كان طبيبًا وفلكيًا وفيلسوفًا موسوعيًا بامتياز. وهو ممن سعوا بجرأة ومسؤولية إلى التوفيق بين النقل والعقل، وبين الشريعة والحكمة، ورأى أن الدين الحق لا يناقض الفلسفة الصادقة.

في كتابه الشهير "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" وضع الأساس لما يمكن تسميته اليوم بالتفكير النقدي الإسلامي، مؤكدًا أن تأويل النصوص يجب أن يُبنى على منهج عقلي رصين، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل إذا أُحسن الفهم وصدق المقصد.

ورغم أن ابن رشد ظل طوال حياته مؤمنًا ملتزمًا، وكان قاضيًا مالكيًا رسميًا لدى بلاط الموحدين في الأندلس، فإن التيارات المتشددة آنذاك لم ترَ فيه إلا زنديقًا منحرفًا عن العقيدة. فكان نصيبه النفي، والحصار الفكري، وإحراق كتبه، في مشهد يكاد يتكرر -بمختلف الأشكال- مع كل مفكر حرّ عبر العصور.

وفي الوقت الذي أُقصي فيه ابن رشد من عالمه الإسلامي، حملت أوروبا كتبه المترجمة إلى اللاتينية والعبرية، وجعلتها جزءًا من مناهجها في جامعات باريس وبولونيا وأوكسفورد، حيث لقّبته بـ"الشارح الأكبر لأرسطو"، واعتبرته حلقة الوصل التي نقلت الفلسفة اليونانية إلى عصر النهضة الأوروبية. ووجد فيه فلاسفة أوروبا -المسيحيون واليهود على السواء- نموذجًا للتنوير والجرأة العقلية في مواجهة استبداد الكنيسة.

المفارقة أن اسمه ظل يتردد هناك بإجلال، بينما أُدرج في بعض كتب التراث عندنا بجانب "الزنادقة"، فلا جامعة عربية تُكرِّس له فصلًا دراسيًا، ولا عاصمة عربية تحتفي به في مناهجها، ولا تمثال واحد في مدينة إسلامية يشهد على عظمة إرثه.

ليست المشكلة غياب تمثال، بل غياب ثقافة كاملة. فيما يسود العالم الإسلامي ثقافة تهاب السؤال، وتخشى الاختلاف، وتفضّل النقل الأعمى على البحث والتأمل. ثقافة ما زالت تحاصر الفلسفة وتربطها بالإلحاد، وتربط الرموز التذكارية -حتى لو كانت علمية وفكرية- بالوثنية.

إنَّ التمثال ليس مجرد مجسّم من حجر أو نحاس؛ بل هو تعبير عن الاعتراف، وتقدير للدور، ونداء إلى الذاكرة الجماعية للأمم. وعندما تنصب مدينة ما تمثالًا لابن رشد، فإنها تقول لأبنائها: "هذا منكم، وهذا نموذج يُحتذى به في استخدام العقل، وفي محبة العلم، وفي التوفيق بين الإيمان والتفكير الحر".

لكن الاحتفاء الحقيقي لا يكون بالنُصب وحدها؛ بل بإعادة إحياء أفكاره في التعليم والبحث والجدل العام، بالانفتاح على مقولاته الجريئة، ومناقشة رؤاه النقدية للنص الديني، وفهمه المتوازن للشريعة والحكمة.

نحن اليوم أحوج ما نكون إلى ابن رشد: لا بوصفه مفكرًا من الماضي، بل كمنهج عقلاني حيّ، يرشدنا إلى أن الدين والعقل ليسا خصمين، وأن الفلسفة لا تهدم الإيمان، بل تعمّقه، وأن استخدام العقل هو عبادة، وليس خيانة.

إن إعادة الاعتبار لابن رشد لا تعني تمجيد فرد بعينه؛ بل تعني استعادة ذلك الجانب العقلاني التنويري من تراثنا، الذي أهملناه طويلًا. تعني أن نُعيد بناء الجسور بين الإيمان والعقل، بين النص والاجتهاد، بين الموروث والتجديد.

لقد آن الأوان لأن نكفّ عن جلد ذواتنا بتقاليد الانغلاق، وأن نستدعي إرث ابن رشد من رفوف النسيان، لا لنُؤبّنه؛ بل لنحييه.. فنهضة الأمم لا تُبنى على الإنكار، بل على الاعتراف، ولا على القطيعة، بل على استئناف مسيرة العقل والتنوير.

** كاتب بحريني

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • من الذي أيقظ الحنين في عينيك
  • الكتاب المحظور الذي أرعب الهند
  • الفيلسوف العربي الذي أنصفه الغرب وتجاهله العرب والمسلمون
  • بديل الحليب الذي سيساعدك على تجنب الأرق
  • الأربعين .. موكب الإيمان الذي يوحّد العراق
  • دينا فؤاد تتألق في شوارع كان الفرنسية.. صور
  • تشكيلة منتجات آبل 2025.. ما الذي سيتم إطلاقه قريبا؟
  • كرسي متحرك يوقف دموع أم.. ووظيفة تحيي أمل أسرة.. تفاصيل الزيارة التي غيرت حياة أهالي ديرمواس
  • حماية المدفوعات عبر الهاتف: ما الذي يجب أن تعرفه؟
  • أنس الشريف.. الصوت الذي أزعج الاحتلال