سواليف:
2025-12-14@14:41:14 GMT

هل يشكل الإسلام خطراً على الغرب فعلاً؟

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

هل يشكل #الإسلام خطراً على #الغرب فعلاً؟

د. #فيصل_القاسم

يسود اعتقاد على نطاق واسع في العالمين العربي والإسلامي منذ زمن بعيد بأن المسلمين مستهدفون من القوى الكبرى، وأن الغرب يخشاهم ويخشى نفوذهم وخطرهم الكبير على العالم، ولذلك فإن الغربيين يستهدفون الإسلام ويعملون دائماً على إضعاف العالم الإسلامي وتقليم أظافره والتآمر عليه.

ويذهب البعض في مبالغاته أحياناً إلى القول إن «الخطر الأخضر» الإسلامي حلًّ محل (الخطر الأحمر) الشيوعي كتهديد للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن هل هذه حقيقة يا ترى، أم إنها مجرد خرافات وهلوسات (مغلومانيا) لا أساس لها مطلقاً على أرض الواقع؟
ومما يبعث على السخرية أن الحالمين بتوحيد العالم الإسلامي لمواجهة الغرب يعطونك الانطباع أن المسلمين كانوا دوماً يداً واحدة، وأن جوهر قوتهم كان يكمن في وحدتهم، وعندما تفرقوا أصبحوا فريسة لضباع العالم. لكن السؤال، متى كان المسلمون موحدين في تاريخهم، منذ (سقيفة بني ساعدة)، فكلنا يعرف حجم الصراعات التي نشبت بينهم بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، بحيث قضى ثلاثة خلفاء قتلاً، ولا ننسى الصراع الذي نشب لاحقاً بين المسلمين أنفسهم ليتحولوا إلى ملل ونحل وطوائف ومذاهب متناحرة ومتقاتلة تنكّل ببعضها البعض حتى الآن. أليس بأسهم بينهم شديداً جداً أيضاً؟

سيكون من السذاجة إذا ظن العرب أن القوى الصاعدة الجديدة ستكون أرحم معهم من الغرب، بل ستستغلهم وستوظفهم بنفس الطريقة الغربية وربما أسوأ

ولعلنا نتذكر أن الخلاف بين الإسماعيلية والاثني عشرية الشيعيتين مثلاً أكبر بكثير من الخلاف بين الشيعة والسنة عموماً، وأن الخلاف بين الشيعة والسنة (المسلمين) أكبر من الخلاف بين الإسلام والمسيحية. وحدث ولا حرج عن الخلافات والصراعات بين الجماعات السنية نفسها إذ «كل حزب بما لديهم فرحون». لا شك أن البعض سيرد على هذا الكلام بالقول أيضاً إن الخلافات بين الطوائف المسيحية لا يقل عن الخلافات بين المسلمين، وهذا صحيح، لكن الفرق أن الدين لا يلعب دوراً كبيراً في حياة الغربيين ولا يؤثر على سياساتهم كما يلعب في حياة المسلمين ويؤثر عليهم. باستثناء إيرلندا قديماً، قلما تسمع اليوم عن صراعات سياسية دينية بين المسيحيين في العالم، بينما يلعب الصراع المذهبي والطائفي دوراً خطيراً في العالم الإسلامي بعد أن فرّق المسلمون دينهم شيّعاً. ولمن يقول إن الغرب يغذي الصراعات المذهبية والطائفية في العالمين العربي والإسلامي كي يبقى العرب والمسلمون متخلفين وضعفاء، فهذا صحيح، لكنه لا ينفى أبداً أن الفُرقة والصراع كانا موجوديّن بين المسلمين منذ السنوات الأولى للإسلام وحتى هذه اللحظة. أليس من المبالغة القول إذاً إن الغرب يخشى المسلمين؟
يقول البروفسور الإيرلندي الراحل فريد هاليدي الذي كان خبيراً مخضرماً بشؤون العالمين العربي والإسلامي إنه «من السذاجة الادعاء أن الغرب يخاف من المسلمين. ماذا لدى المسلمين في العالم كي يُخيفوا به الغرب؟ نعم كان الغرب يخشى الاتحاد السوفياتي لأنه كان يشكل له تحدياً سياسياً وثقافياً وعسكرياً كبيراً، وكانت لديه ترسانة نووية تستطيع تدمير العالم ثلاثاً وثلاثين مرة، بينما يستورد العرب والمسلمون أبسط حاجياتهم وأسلحتهم من الغرب وغيره، وهم مازالوا مُستعمرين بطريقة غير مباشرة، وبالتالي، فهم لا يمتلكون أي سلاح خطير يهددون به الغرب كي يخاف منهم ويعمل على إضعافهم. بعبارة أخرى، فهم ضعفاء أصلاً». ألا يشكل المسلمون اليوم الجزء الأكبر من فقراء وجياع العالم ومعظم الدول الإسلامية تحتل واجهات الفقر والجوع والفساد والانحطاط وانهيار البلدان؟ ماذا يصدّر غالبية العرب والمسلمين غير اللاجئين والهاربين من جور طغاة العرب والمسلمين؟ ماذا تستطيع الفريسة أن تفعل وهي بين أنياب النمر؟
صحيح أن عدد المسلمين في العالم يزداد بشكل كبير، وبات يفوق عدد المسيحيين الذين كانوا يشكلون غالبية سكان العالم، لكن يبقى السؤال: ما مدى نفوذ وأهمية هذا العدد المتزايد من المسلمين؟ أليس كـ»غثاء السيل»، كما توقع لهم الرسول (ص) قبل قرون؟ هل تخشى أمريكا ومعها الغرب عموماً من هذا التكاثر؟ هل تعمل فعلاً على محاربة الدين الإسلامي لأنه يشكل خطراً عليها كما يزعم الكثير من الإسلاميين، أم إنها تستغل المسلمين وخلافاتهم وصراعاتهم وبؤسهم وتخلفهم بشتى الطرق من أجل مشاريعها منذ زمن بعيد؟ ألا يعترف المسؤولون الأمريكيون ومعهم بعض المسؤولين العرب والمسلمين أن أمريكا صنعت جماعات وطوائف واتجاهات ومجتمعات إسلامية متشددة ومتطرفة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لاستخدامها في صراعها ضد الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية بشكل عام، وعندما أدت وظيفتها إما لاحقتها بتهمة الإرهاب كما فعلت مع ما يسمى بالمجاهدين والقاعدة والدواعش، أو أمرت بتغيير المناهج التعليمية وإطلاق وسائل إعلامية (تحررية) خاصة لصناعة مجتمعات إسلامية جديدة (لايت) تناسب المصالح والمخططات الأمريكية الجديدة؟ بعبارة أخرى، أليست أمريكا قادرة على صناعة الإسلام الذي تريد والتلاعب بالعقائد والمقدسات والتراث والكتب وتطويعها وبرمجتها في كل فترة بما يتناسب مع مشاريعها؟ اليوم تريد مجتمعات متطرفة، فتظهر مجتمعات متطرفة، وغداً تريد مجتمعات منفتحة ومتحررة، فتقضي على المنغلقة وتدعم ظهور مجتمعات منفتحة، وهلم جرّا. ألا يتلاعب الغرب عموماً بالعالم الإسلامي ويستغله لمصالحه الخاصة منذ عقود وعقود، وبالتالي من السخف الادعاء بأنه يخشى من الإسلام والمسلمين؟ وعندما مثلاً سئُل بريجنسكي أحد أشهر مستشاري الأمن القومي في تاريخ أمريكا: «ألم تقترفوا خطأً كبيراً في التحالف مع تنظيم القاعدة وأمثاله لمواجهة السوفيات في أفغانستان وغيرها، ثم حولتموهم إلى أعداء لكم»، فرد ساخراً: «نعم لقد انقلب المتشددون علينا، وهذا ليس مهماً ولا يشكل لنا أي مشكلة، إذ يكفي أننا حققنا من خلال المتشددين هدفاً عظيماً بالانتصار على ألد أعدائنا التاريخيين، ألا وهو الاتحاد السوفياتي. قارن إذاً خسارتنا البسيطة مع الإسلاميين بمكاسبنا العظيمة ضد السوفيات». وهل هناك أيضاً خادم للاستراتيجيات والسياسية الغربية أكثر مما تُسمى أنظمة عربية وإسلامية؟
ثم لماذا يتناسى البعض أيضاً أن الغرب اليوم لا يهتم مطلقاً بالخطر الإسلامي، بعد ظهور الخطر الصيني أو الروسي؟ وهذا يعني ضمناً أن المسلمين لم يعودوا يواجهون القوى الغربية وحدها التي كانوا يدّعون أنها تعاديهم، بل صاروا يواجهون اليوم قوى كثيرة تتصارع على قيادة العالم، بينما هم يزدادون ضعفاً وتشرذماً وفُرقة وصراعاً؟ ولا شك سيكون من السذاجة إذا ظنوا أن القوى الصاعدة الجديدة ستكون أرحم معهم من الغرب، بل ستستغلهم وستوظفهم بنفس الطريقة الغربية وربما أسوأ. ولا تنسوا أن روسيا قبل سنوات وعن طريق وكيلها الرئيس الشيشاني نظمت مؤتمراً إسلامياً من جماعات محددة واستثنت جماعات أخرى، وذلك لصناعة إسلام يناسبها، تماماً كما فعلت أمريكا من قبلها.
هل يا ترى بعد كل هذا التلاعب الدولي بالمسلمين واستغلالهم أبشع استغلال في العالم، يمكن القول إن العالم يخشى الإسلام والمسلمين؟ ألا يقول المثل الياباني: لا أحد يركل قطاً ميتاً؟

مقالات ذات صلة حرب الانزياحات الدولية في اقليم الشرق الأوسط..غزة انموذجا.. 2024/03/16

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الإسلام الغرب فيصل القاسم الاتحاد السوفیاتی العالم الإسلامی الخلاف بین فی العالم

إقرأ أيضاً:

حكماء المسلمين في إندونيسيا ينظِّم ندوة وطنيَّة لمناقشة سبل تعزيز الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي

نظَّم مكتب مجلس حكماء المسلمين في إندونيسيا ندوة وطنية بعنوان «حين يلتقي العلماء بالخوارزميات»، وذلك بالتعاون مع جامعة سونان كاليجوغا الإسلامية الحكومية بيوجياكرتا، وذلك بمشاركة نخبة من العلماء وقادة الفكر، في مقدمتهم الدكتور محمد قُريش شهاب، عضو مجلس حكماء المسلمين؛ والدكتور أمين عبد الله، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة سونان كاليجاغا، والدكتةر  نورهايدي حسن، رئيس الجامعة، والدكتور محمد زين المجد، عضو المكتب التنفيذي للمجلس؛ والدكتور مرداني ريساتياوان، خبير الذكاء الاصطناعي من جامعة جاجاه مادا، وشَهِدَت الندوة حضور ما لا يقل عن 700 مشارك من الأكاديميين والباحثين وطلبة الدراسات العليا.

مجلس حكماء المسلمين يحتفي بالمرأة ضمن فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب 2025 "الأمَّة بين وحدة المقاصد وأدب الاختلاف".. ندوة بجناح حكماء المسلمين بمعرض العراق الدولي للكتاب

وفي كلمته الافتتاحية، أكَّد الدكتور مخلص محمد حنفي، مدير مكتب المجلس في إندونيسيا، أنَّ التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي تفرض أسئلة جوهريَّة حول مستقبل الخطاب الديني وأشكال المرجعية، مؤكدًا أنَّ «الآلة قد تُحسن محاكاة المعرفة، لكنَّها لا تستطيع إنتاج الحكمة»، مشيرًا إلى أنَّ أهمية الندوة تكمُنُ في البحث عن السبل التي تضمن حضورًا رشيدًا للدين في عصر تتنامى فيه سلطة الخوارزميَّات، وأنَّ المجلس ينظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره ملفًا قيميًّا وأخلاقيًّا، لا تقنيًا فحسب؛ وأنَّ التحدي الأكبر هو حماية الكرامة الإنسانية وضمان بقاء التقنية في إطار الضوابط الأخلاقية.

وطرح الدكتور محمد قريش شهاب قراءةً منهجيَّةً للعلاقة بين الفقه الإسلامي والذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أنَّ التعامل مع الظواهر المستجدة ينبغي أن يجمع بين «النظر الجديد» و«القيم الموروثة الراسخة»، وأنَّ قبول المعلومة -أيًّا كان مصدرها- يجب أن يخضع لمعايير العدالة والضبط كما استقر في علم الحديث، منوِّهًا بأهمية الذكاء الروحي والذكاء الأخلاقي في ترشيد اتخاذ القرار، مع التَّذكير بأن الفتاوى في التراث تتغير بتغيُّر أحوال السائلين وظروفهم، وهو ما لا تستطيع الخوارزميات إدراكه.

من جانبه، أكَّد الدكتور محمد زين المجد أنَّ الذكاء الاصطناعي لا يشكل تهديدًا لجوهر الدين ولا لوظيفة الإنسان كخليفة، لكنَّه قد يربك منظومات السلطة الدينية. وأشار إلى أنَّ القلق من «تفوق الخوارزميات» يجب أن يُجابَه بالوعيِ بأن الإنسان يملك ما لا تملكه الآلة: الحكمة، والبصيرة، والروح. كما ذكَّر بأنَّ التاريخ الإسلامي شهد مرارًا صدمات حضارية عميقة، ومع ذلك ظلَّ العلماء قادرين على الحفاظ على ثوابتهم دون الانغلاق أمام المعارف الجديدة.

وسلط الدكتور أمين عبد الله الضَّوء على التحولات الكبرى في أنماط استهلاك المعرفة الدينية؛ حيث بات الذكاء الاصطناعي والفضاء الرقمي يصنعان «تجزئة في السلطات الدينيَّة» ويعيدان تشكيل الجمهور، محذِّرًا من تراجع القراءة الجادَّة لدى الشباب، ومن تصاعد ظاهرة «تسليع الدين» في المنصات الرقمية، داعيًا المؤسسات الأكاديمية الدينية إلى تطوير مناهجها وإستراتيجياتها لمواجهة هذا الواقع.

واستعرض رئيس جامعة سونان كاليجاغا، الدكتور نورهايدي حسن، آثار الإعلام الرقمي على البنية الدينية، مشيرًا إلى أن تشتت السلطات الدينيَّة قد يُفهم أحيانًا كمساحة لدمقرطة المعرفة، لافتًا إلى أنَّ التحدي الحقيقي أمام العلماء يكمن في فَهْمِ الجمهور الجديد الذي يبحث عن «إسلام جاهز للاستخدام» وليس منظومات معرفية مطولة، مؤكدًا ضرورة إلمام العلماء بـ«لغة الخوارزميات» ومبادئها: الارتباط بالجمهور، التخصيص، الحضور الرقمي، وملاءمة المحتوى.

وقدَّم الدكتور مرداني ريساتياوان رؤية نقدية لتعريف الذكاء الاصطناعي، مشددًا على ضرورة النظر إليه كأداة صنعها الإنسان بكل ما تحمله من محدوديَّات. وأوضح أن قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على «توليد بصيرة» من بيانات ضخمة يزوِّده بها المستخدمون عبر المنصات الرقمية، مشيرًا إلى عدد من المبادرات العالمية لرقمنة التراث التفسيري للأديان، مؤكدًا أهمية مشاركة الجامعات الدينية في هذه الجهود من خلال الرقمنة، والتحكيم، والتوجيه القيمي للبيانات المستخدمة.

وتأتي هذه الندوة في إطار جهود مجلس حكماء المسلمين لتأكيد أهمية الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وضمان توجيه هذه التقنيات الحديثة لخدمة الإنسان وتعزيز قيم الحوار والتعايش والسلام، بما ينسجم مع رسالة المجلس في ترسيخ الحكمة وبناء الوعي في المجتمعات.

مقالات مشابهة

  • أمين رابطة العالم الإسلامي: الرابطة الأممية في حاجة إلى نتائج ملموسة لترسيخ الصداقة بين الشعوب
  • رابطةُ العالم الإسلامي تُدين الهجومَ الإرهابيَّ قرب تدمُر السورية
  • وسط فرسان محافظة أسوان.. مرماح دراو يشكل ملحمة من جميع مراكز أسوان وأسنا بالاقصر/صور
  • غولان: نتنياهو يشكل لجنة تحقيق تطمس حقيقة ما حدث في 7 أكتوبر
  • تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (6-11)
  • العمالة للغرب وعواقبها الكارثية على العرب
  • "نداء أهل القبلة: دعوة مشتركة لوحدة المسلمين".. في ندوةٍ لحكماء المسلمين بمعرض العراق الدولي للكتاب
  • وزير الدفاع الكويتي: العمل الدفاعي الخليجي يشكل سداً منيعاً لمواجهة المخاطر بالمنطقة
  • خطيب المسجد الحرام: ستظل فلسطين والقدس في قلوب المسلمين والعرب
  • حكماء المسلمين في إندونيسيا ينظِّم ندوة وطنيَّة لمناقشة سبل تعزيز الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي