إقامة مأدبة إفطار ببروكسيل عنوانها الاحتفاء بالذكرى الستين لهجرة المغاربة إلى بلجيكا
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
نظمت سفارة المملكة المغربية ببلجيكا والدوقية الكبرى للوكسمبورغ، مساء أمس الجمعة ببروكسيل، مأدبة إفطار بمناسبة تخليد الذكرى الستين لتوقيع الاتفاقية الثنائية لليد العاملة بين المغرب وبلجيكا.
وعرف هذا اللقاء الذي عقد بشراكة مع الجمعية البلجيكية "أصدقاء المغرب"، مشاركة الوزير-رئيس جهة بروكسيل العاصمة، رودي فيرفورت، ووزراء فيدراليين وجهويين، ومنتخبين، إلى جانب عدد من الشخصيات السياسية، الاقتصادية والجمعوية، وأفراد الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا.
وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة، أشار سفير المغرب ببلجيكا والدوقية الكبرى للوكسمبورغ، محمد عامر، إلى أن هذا اللقاء يحتفي أولا بـ "الصداقة القديمة والمتينة القائمة بين المغرب وبلجيكا، البلدان اللذان تعود علاقاتها الثنائية إلى زمن بعيد، والتي ما فتئت تتوسع وتزداد ثراء، لاسيما على المستوى البشري، الدبلوماسي والاقتصادي"، لافتا إلى أن المملكتين تجمعهما أوجه تشابه ثقافية ومجتمعية كبيرة وتشكلان فسيفساء ثقافية ولغوية حقيقية.
وبحسب السفير، فإن هذا الاحتفال يعد أيضا تكريما للأجيال الأولى من المهاجرين المغاربة، إزاء الجهود والتضحيات التي بذلوها لكي يحتل أحفادهم المكانة التي يحظون بها اليوم، حيث أصبحوا محفزين للتقدم والحداثة والإشعاع في خدمة البلدين، مضيفا أن الأجيال الجديدة من المهاجرين المغاربة "هم بصدد إضفاء دينامية جديدة على علاقاتنا الثنائية".
وفي هذا الصدد، أكد السيد عامر على المبادرات الكثيرة المعتمدة بين البلدين والمنفذة من قبل فاعلين متعددين ومتنوعين، والتي تشمل مختلف مجالات التعاون، قائلا "إن هذه المبادرات تعزز العلاقات المؤسساتية وتمنحها أساسا متينا ومستداما".
كما أبرز السفير الجهود التي يبذلها المغرب، خلف القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل تعزيز دينامية اندماج مختلف الأجيال المنحدرة من الهجرة المغربية في البلدان المضيفة، مع تنمية صلاتهم الراسخة وارتباطهم ببلدهم الأم، مضيفا أن هذه الذكرى الستين تشكل مناسبة للتفكير معا في سبل تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل بين الفاعلين في المجتمعين والنهوض بالشراكة بين البلدين.
من جهته، أكد رئيس جمعية "أصدقاء المغرب"، فرانسيس ديلبيري، على أهمية الاتفاقية الثنائية المتعلقة باليد العاملة لعام 1964، التي فتحت أفقا جديدا بالنسبة لبلجيكا في مجال الهجرة، على اعتبار أنها كانت تشكل أول اتفاقية من نوعها مع إحدى دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، حيث ساهمت بالتالي في التنوع الثقافي والاجتماعي للمجتمع البلجيكي.
كما نوه بالعلاقات الممتازة القائمة بين البلدين، مضيفا أن مختلف أنشطة جمعية "أصدقاء المغرب"، التي أنشئت قبل خمس سنوات، مكنت من قياس "الاهتمام بفهم والتعرف على بعضنا البعض بشكل أفضل، من أجل العمل سويا بشكل أفضل".
من جانبها، توقفت الرئيسة المديرة العامة للشركة البلجيكية المتخصصة في الصناعات الكيماوية "سينسكو"، إلهام قدري، عند أوجه التقدم المحرزة من طرف المغرب في جميع المجالات، لاسيما الصناعة، الطاقات المتجددة، البنيات التحتية، التعليم العالي وتكوين الأطر، مسلطة الضوء على الإمكانات الكبرى القائمة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، القطاع الذي يعد من بين مجالات نشاط "سينسكو"، التي انبثقت عن انقسام مجموعة "سولفاي" التاريخية.
وقالت إن "المغرب يتمتع بالقدرة على المنافسة في سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر، مع واحدة من بين أقل التكاليف في العالم، لاسيما في مدينة مثل الداخلة. أوروبا لديها مصلحة كاملة في التبادل التجاري مع شركاء لديهم نفس الطموحات المناخية".
وشددت السيدة قدري على أن أوروبا بحاجة إلى شركاء مثل المغرب لمساعدتها على تحقيق أهداف "الميثاق الأخضر الأوروبي" في مجال التحول الطاقي، مبرزة القرب الجغرافي للمغرب وموقعه الاستراتيجي بين أوروبا وإفريقيا وبين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وكثافة روابطه التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
ورطة إسلامي الإصلاح من الدّاخل المغاربةُ مع التّطبيع
شكّلت لحظة توقيع اتفاق التطبيع بين الدّولة المغربية والكيان الصهيوني (10 ديسمبر 2022م) محطة مهمة في مسار العلاقة بين "إسلاميي الإصلاح من الدّاخل" والسلطة؛ فكلّ المراقبين يجمعون على أنّ قرار التطبيع كان اختيارا استراتيجيا للدولة، صُنع في مستويات عليا لا تمتلك الحكومة تجاهها سلطة تقريرية. وهذا يوضّح أنّ الحكومة في المغرب ليست جزءا من صناعة هذا النّوع من الاختيارات. ومع ذلك، لم يكن جوهر الإشكال في طبيعة القرار ولا في خلفياته، بل في الكيفية التي اختارت بها الدولة تمريره سياسيا: إسنادُ التوقيع إلى رئيس حكومة ينتمي إلى التيار الإسلامي، هو سعد الدين العثماني، الذي راكم تاريخا طويلا من الخطاب الرافض للتطبيع.
هذا الاختيار لم يكن شكليا ولا عرضيا؛ فقد مثّل لحظة كاشفة لتعقيدات موقع "إسلاميي الإصلاح من الدّاخل" داخل النسق السياسي المغربي؛ فهؤلاء، منذ ولوجهم الحياة السياسية المؤسسية، ظلّوا يتأرجحون بين منطقين متناقضين: منطق المرجعية الأخلاقية الذي يضعهم في موقع الممانع لبعض اختيارات الدولة، ومنطق الاندماج في بنية السلطة بما تفرضه من براغماتية ومرونة تصل أحيانا حدّ التنازل عن "الثوابت الخطابية". وقد أظهر حدث التوقيع هذا التناقض بأوضح صورة، إذ بدا هؤلاء، في اللحظة الحاسمة، جزءا من البنية التي كثيرا ما انتقدوها، بل أدواتٍ لتنفيذ قرار يناقض خطابهم تجاه واحدة من أهم القضايا التي يشتغلون عليها؛ أقصد القضية الفلسطينية.
لقد قرأتْ شرائح واسعة من الرأي العام خطوة التوقيع باعتبارها رسالة سياسية تذكّر ـ من ينسى ـ أنّ القيادة الفعلية للسياسات الاستراتيجية لا تكون عبر صناديق الاقتراع، بل عبر مؤسسات أعلى لا تتغير بتغير الحكومات. ومن جهة أخرى، كانت الرسالة موجهة إلى الإسلاميين أنفسهم: إمكانية إدماجهم الكامل في منطق الدولة، ولكن دون أن تدخلهم إلى مطبخها، ومن جهتهم؛ قدرتُهم ـ حين تدعو الحاجة ـ على اتخاذ قرارات تتعارض جذريا مع مرجعيتهم، ومع الوجدان الذي يجمع قواعدهم الشعبية، والخطاب الشعبوي بعد ذلك كفيل بتهدئة الاحتجاجات وسطهم.
هؤلاء الإسلاميون، منذ وصولهم إلى الحكومة، بنوا جزءا كبيرا من شرعيتهم على خطاب “الإصلاح من الداخل”، وهو خطاب يفترض الحفاظ على جسور التواصل مع مؤسسات الدولة، وتجنّب أي مواجهة قد تُفقدهم الثقة التي على أساسها سُمح لهم بالمشاركة. ولهذا، يصبح الامتناع عن التوقيع قرارا يهدد البنية الكاملة لمشروعهم السياسي، لا مجرد موقف أخلاقي تجاه قضية محددة.وتكشف هذه الرسالة عن واحدة من أعقد الإشكاليات التي طبعت مسار هؤلاء الإسلاميين في المغرب: علاقتهم المرتبكة بالسلطة؛ فهُم، منذ صعودهم السياسي، وجدوا أنفسهم داخل معادلة دقيقة: القبول بقواعد اللعبة السياسية التي تضع السلطة الفعلية خارج نطاق الحكومة، مقابل الحصول على موقع مؤسساتي يضمن لهم حضورا سياسيا، وتأثيرا محدودا، ولكن مع الاعتراف نظريا وعمليا بأنّهم مجرّد "مُنفّذين" لمشاريع "القصر". هذه المعادلة وفّرت لهم نوعا من المشاركة لكنها جعلتهم أبعد النّاس عن المشاركة في اتخاذ القرار المتعلقة بالمفات الاستراتيجية، بل وحتى في ملفات لليست لها هذه الصبغة.
لذلك، فإنّ السؤال الذي طرحه الكثيرون: “هل كان بإمكان العثماني أن يمتنع عن توقيع الاتفاقية؟” لا يمكن فصله عن هذه البنية المعقّدة. فمن الناحية النظرية، كان بإمكان رئيس الحكومة أن يرفض التوقيع أو أن يقدّم استقالته، وبذلك كان سيتحوّل إلى رمز للممانعة، وربما إلى بطل أخلاقي في نظر جمهور واسع. غير أنّ هذا الخيار، في السياقات السلطوية المغربية، يكاد يكون مستحيلا؛ فهؤلاء الإسلاميون، منذ وصولهم إلى الحكومة، بنوا جزءا كبيرا من شرعيتهم على خطاب “الإصلاح من الداخل”، وهو خطاب يفترض الحفاظ على جسور التواصل مع مؤسسات الدولة، وتجنّب أي مواجهة قد تُفقدهم الثقة التي على أساسها سُمح لهم بالمشاركة. ولهذا، يصبح الامتناع عن التوقيع قرارا يهدد البنية الكاملة لمشروعهم السياسي، لا مجرد موقف أخلاقي تجاه قضية محددة.
إلى جانب ذلك، تبرز الخلفيات الفكرية والشخصية للعثماني كعامل حاسم؛ فالرجل يمثّل تيارا شديد الإصلاحية يميل إلى المهادنة والتوافق وترك كلّ ما من شأنه أن يقود إلى الصدام مع الفاعل الرئيسي في السياسة والاجتماع المغربيين. وهذا النمط من القيادة يفهمُ خيار الرفض رديفا للمغامرة، وليس امتدادا لطبيعته السياسية. ومن ثمّ، فإنّ القول بأنّ العثماني “كان يمكن أن يمتنع” يظل احتمالا نظريا لا ينسجم مع المسار الذي شكّل سلوكه السياسي، ولا مع طبيعة اللحظة التي كانت تتطلب انسجاما مع منطق الدولة أكثر مما تتطلب انسجاما مع الخطاب الحزبي.
لقد تحولت حادثة التوقيع، في النهاية، إلى مرآة كاشفة لعلاقة هؤلاء الإسلاميين بالسلطة: علاقة قائمة على المشاركة من دون قدرة، وعلى المسؤولية من دون صلاحيات، وعلى الإدماج المشروط الذي يجعل وجودهم داخل المؤسسات رهينًا بحدود لا يملكون تجاوزها. وهذا ما فتح الباب لنقاشات واسعة حول مستقبل الإسلاميين في الدولة، وحول مدى قدرتهم على الحفاظ على هويتهم السياسية وهم يتحركون داخل نسق لا يمنحهم سوى هامش محدود من المبادرة.
وهكذا، يتجدد الاستشكال: هل يمكن لجماعة سياسية ذات مرجعية أخلاقية أن تظل فاعلا في نظام يُلزمها بالتنازل عن جزء من هذه المرجعية كلما فرضت ذلك اعتبارات السلطة؟