موقع النيلين:
2025-05-22@17:50:59 GMT

هل للأمة قوات مسلحة أم للقوات المسلحة أمة؟

تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT


حكمت قوى الحرية والتغير بسائر مسمياتها بأن فساد الأمر في بلدنا بدأ في 1989 وأنت رائح. وهو اعتساف للتاريخ وجرجرة له من يد المرء التي لا توجعه. ولا مانع مع ذلك من استيائهم السودان منذ ذلك التاريخ. ولكن يبقى السؤال إن كانوا أحسنوا فهم هذا القدر من التاريخ الذي اقتطعوه احتساباً. للأسف، لم يفهموه وكانت حربهم للإنقاذ بحكم عادة المعارضة المتأصلة فيهم لا فتحاً يبدأ ب”من أين جاء هؤلاء الناس؟” كموضوع للبحث لا استهوالاً أو قرفاً.

وحاولت خلال ثلاثة عقود أن أوطن سؤال من أين جاؤوا في هيبة البحث ورحمانه في حين لم يطلبوا منه سوى التأفف من الكيزان على مجيئهم إليهم على حين غرة ب” شنط الحديد”. ولما سقموا من سوقي لهم للحفر في البنية الاجتماعية والتاريخية للإحاطة بما هم فيه من مأزق اعتزلوني وتخلصوا مني بقولهم إنني معارضة المعارضة “مقطوع طاري” بما فيها من إيحاء عن نومي من العدو. ولا معارضة لمعارض عندهم حتى لو “ضرب ظهرك وأخذ مالك”.

وأنشر هنا بعض ما رغبت لهم التفكير فيه عن تركيب دولة الإنقاذ السياسي والاجتماعي والثقافي والمقارن ليعرفوا من أين جاءت. ولكنهم أضربوا عن التفكير من هول نظام اتحد فيه مكروهان من أعظم الشرور في نظرهم وهما الجيش والكيزان. والإطاحة بها معجلاً أولى ثم تصح البيئة للتفكير بعد الخلاص منهم. إلى المقال القديم:

لم يكن بروفسير العجب أحمد الطريفي يشير إلى القوات المسلحة إلا بـ “قوة دفاع السودان” وهو اسمها منذ نشأتها على يد الإنجليز. ثم أصبحت تُسمى الجيش السوداني بقرار حكم الفريق عبود، ثم سماها نميري قوات الشعب المسلحة (اختلطت التغييرات عليّ نوعاً ما). وكان تمسك العجب باسم “قوة دفاع السودان” نوعاً من الهذر و “التعوجز”.

لم يتغير اسم المؤسسة العسكرية عندنا فحسب، بل تحولت باطنياً إلى مؤسسة مترامية الأطراف. وأصبح كادرها البشري، بحكم احتلاله مراكز القرار والإدارة والتنفيذ في الساحة العسكرية والمدنية سواء بسواء زهاء ثلاثة وثلاثين عاماً، أوعى بالإشكال الوطني قياساً بطوائف أخرى من الصفوة المتعلمة. فإدارة العمليات والمخابرات والتموين والروح المعنوية خصّبت ونوَعت خبرات ضباط القوات المسلحة. ولهذا تنامت مؤسساتهم الأكاديمية العسكرية العليا وأصبحت مراكز شديدة للتنوير والأبحاث والتدريس. فإذا نظرت بالمقابل إلى ضباط الحكومة المحلية، الذين كانوا نوارة الخدمة المدنية يُديرون المجالس والمديريات مترامية الأطراف، تجدهم قد تدنوا إلى أصحاب كناتين يوزعون السكر والمعجون الصيني وسجائر ذات صندوق فضي. وهدم ذلك قامتهم بين الناس وغطَّى على خيالهم وتردَّى بخبراتهم.

القول بفصل القوات المسلحة عن السياسة تطبيقاً للشعار المأثور “إلى الثكنات يا عساكر” قول هين ساذج. فالقوات المسلحة خلال سنوات حكمها الطويل تمددت في المجتمع المدني ذاته ونَمَّت تقاليداً في الحكم أو سوء الحكم لا فرق. ولذا صح، ونحن على أعتاب الوفاق والسلام إن شاء الله (مما ذاع في وقت ما من الإنقاذ)، أن نُولي أدق عنايتنا لهذه المؤسسة الأساسية في حاضر حياتنا ومستقبلها. فقد أضحت فينا مثل قول أحدهم عن الجيش الجزائري. فقال القائل إنه إذا كان للأمم مثل إنجلترا قوات مسلحة فإن للقوات المسلحة الجزائرية أمة هي الجزائر. وأعجبتني كلمة أخرى عن منزلة الجيش الباكستاني الذي هو إما في الحكم أو عائداً إلى الحكم. فعلق أحدهم عن هذا الجيش بعد انقلاب جنرال المشرف الأخير قائلاً إن باكستان مثل بطل من أبطال كمال الأجسام ركَّز على ترييض جزءٍ من جسده (هو الجيش) في حين أهمل بقية الأجزاء (مؤسسات المجتمع المدني والحكم الشورى) حتى تضعضعت وتهاوت. وقواتنا المسلحة قريبة من هذا الوصف.

إن على المعارضة الموافقة للإنقاذ (وفيها قدر من الضباط الناقمين على القوات المسلحة أو الإنقاذيين بحق لإنهاء خدماتهم المتميزة باكرًا وبلؤم وهم الذين قرروا أن يعطوا عمرهم جنداً للوطن) أن يُحسنوا الحديث عن الجيش والنظر في سياساته، والتوقير للقوات المسلحة. فالمدنيون خلو الوفاض من خبرة الخطاب الحسن مع هذه القوات وقد تربوا على لعنها في المظاهرات وفي قعداتهم. وعليهم أن يقفوا على ثقافة القوات المسلحة إن أرادوا لها أن تبتعد عن الحكم وتقبل بإرادة المدنيين بشأن حربها وسلمها. وأضرب لذلك مثلاً. فقد حكى لي الدكتور أحمد الأمين البشير، أستاذ التاريخ بأمريكا، أن السفارة السودانية استضافت العقيد قرنق في سياق المساعي الجارية للسلام قبل قيام الإنقاذ. وتوافد السودانيون بروفسورات ودكاترة وطلاب دكتوراة وماجستير أو ماجستيراه (والكلمة الأخيرة من ابتكار الأستاذة عواطف سيد أحمد وزميلاتها اسماً للماجستير التي يطول مداها ولا يفرغ منها صاحبها، فتكاد تُصبح دكتوراة): مدنيون صر، الأعمى شايل المكسر، لسماع حديث العقيد قرنق عن السلام. ورأى أحمد الملحق العسكري للسفارة، العميد المك، ينفلت غاضباً من مكتبه، مديرًا ظهره للاجتماع، خارجاً من الباب. وتوقف ليقول لدكتور أحمد:
– يعني اتلميتو تسمعو كلام المتمرد ده.

فالعقيد الذي تقاطر المدنيون لسماع حديثه كزعيم لحركة سياسية هو في نظر زملاء سلاح له سابقين مجرد “متمرد”. صح حديث الملحق أم لم يصح، إلا أنه يكشف عن ثقافة للقوات المسلحة حري بالمدنيين معرفتها إذا أرادوا ثقة تلك القوات في المجتمع المدني الديمقراطي الذي ينشدون.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة للقوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

السودان.. الجيش يكشف مقابر جماعية ويطلق سراح مئات المعتقلين

أعلنت القوات المسلحة السودانية، اليوم الخميس، إطلاق سراح 183 مواطنًا ومتقاعدًا من أفراد القوات النظامية، كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع في منطقة الصالحة جنوب أم درمان، في حين كشفت عن وجود مقابر جماعية تضم مئات الجثامين تعود لمعتقلين قضوا بسبب الإهمال وسوء المعاملة.

وفي بيان رسمي، أكدت القوات المسلحة أنها عثرت خلال عمليات التمشيط على مقابر جماعية تحتوي بعضها على أكثر من 27 جثة، مشيرة إلى أن عدد المعتقلين بلغ 648 شخصًا، توفي منهم 465 نتيجة نقص الغذاء والدواء والرعاية الصحية، وهو ما وصفه البيان بـ”جريمة إنسانية مكتملة الأركان”.

ويأتي هذا التطور بعد أيام من تقارير محلية أفادت بأن قوات الدعم السريع نفذت عمليات تهجير قسري ونهب وسلب واسعة، شملت عدة قرى شرق مدينة النهود في ولاية غرب كردفان، ما دفع سكانًا إلى النزوح الجماعي وسط تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية.

من جهتها، أكدت مصادر لموقع سودان تربيون، أن قوات الدعم السريع وسّعت انتشارها شرق النهود عقب استعادة الجيش السوداني، مدعومًا بالقوة المشتركة، السيطرة على مدينة الخوي، في وقت تتواصل فيه المعارك في مناطق متفرقة من البلاد.

وفي تطور بارز، أعلن الجيش السوداني قبل أيام اكتمال تطهير ولاية الخرطوم من عناصر قوات الدعم السريع، مؤكدًا أنه “طرد جميع عناصر المليشيا المتمردة من العاصمة”، وتعهد بمواصلة العمليات العسكرية حتى “تطهير آخر شبر من السودان من الخونة والعملاء”، بحسب وصف البيان العسكري.

وتشهد البلاد منذ 15 أبريل 2023 حربًا مدمرة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أسفرت عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وسط عجز دولي وإقليمي عن فرض هدنة دائمة رغم محاولات الوساطة المتعددة من أطراف عربية وأفريقية ودولية.

وفي ظل هذه التطورات، تتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، بينما تتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بحق المدنيين.

آخر تحديث: 22 مايو 2025 - 17:11

مقالات مشابهة

  • السودان.. الجيش يكشف مقابر جماعية ويطلق سراح مئات المعتقلين
  • في بيان له هو الثاني خلال ساعات.. قوات صنعاء تعلن استهداف مطار “بن غوريون” في منطقة يافا المحتلة
  • بيان للقوات المسلحة بعد قليل
  • بيان مهم للقوات المسلحة الساعة الـ 50 : 2 مساء
  • الجيش السوداني : العثور على مقابر جماعية في مناطق جنوب أم درمان
  • عاجل | بيان مهم للقوات المسلحة اليمنية في تمام الساعة 11:40صباحاً، بعد قليل
  • موقع أمريكي: التهديد الذي يشكّله “اليمنيون” على عمق إسرائيل حقيقي
  • حظر قوات صنعاء البحرى على “ميناء حيفا” يدخل حيز التنفيذ
  • بيان للقوات المسلحة للاعلان عن قرار مهم
  • الجيش المصري يعلن سقوط طائرة عسكرية وإستشهاد طاقمها