قال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن إن الحدث الأعظم اليوم هو "ظهور الشر المطلق"، والنموذج الأمثل لهذا الشر في هذه الساعة هو "القتل الجماعي العمد للأبرياء".

جاء ذلك في مقال رأي لطه عبد الرحمن ينشره موقع الجزيرة نت لاحقا بعنوان "الشر المطلق ومسؤولية الفيلسوف"، ويحيب فيه عن خمسة أسئلة كبرى وهي: ما معنى ظهور هذا الشر؟ وما طبيعته الجوهرية؟ وما أسبابه الخفية؟ وما آثاره البعيدة؟ وكيف يمكن أن نتقيه بقوة؟

وأضاف طه عبد الرحمن في مقاله المنتظر أنه "لما كان الأطفال هم، بدورهم، النموذج الأمثل للأبرياء، كانت طبيعة الشرّ المطلق أكثر تحديدا وبروزا في قتل الأطفال منها في قتل غيرهم".

وأوضح أن هناك ثلاثة عناصر لطبيعة هذا الشر.

أول هذه العناصر هو: أن القتل في حالة الطفل هو إيقاع القتل على البراءة التي تتحقق بها روحه؛ و"قتلُ الروح إنما هو الوسيلة الموصّلة إلى قتل "البراءة"؛ فتُقتل "البراءة" بقتل الروح".

والعنصر الثاني أن "براءة الطفل هي من الفطرة التي فُطر عليها، بل تكون البراءة كناية عن الفطرة؛ فيرجع قتل البراءة، في نهاية المطاف، إلى قتل الفطرة نفسها". أما العنصر الثالث فهو أن "الفطرة عبارة عن "مستودع القيم" في باطن الإنسان؛ فيلزم أن قتل الفطرة إنما هو قتل القيم كلها".

وكان أستاذ المنطق طه عبد الرحمن قال، في حوار للجزيرة نت ( الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن للجزيرة نت: "المقاومة الطوفانية" حركة تحرر للإنسان والعالم)، إن طوفان الأقصى "يفيد معنى التجريف الذي لا يترك وراءه شيئا"، وإن الذي جرفته المقاومة "لا يُمكن أن يكون مجرد الاحتلال، ولا حتى مجرد الظلم، وإنما هو على الحقيقة "الشر المطلق".

وأضاف في الحوار نفسه: كان الناس يتصورون "الشر المطلق" مفهوما بعيدا، ولا يعتقدون تحققه، فإذا بهم اليوم يرونه رأي العين واقعا حيا؛ فقد شاهدوا "الصلاة" في بيوت الله تُقصف، و"البراءة" في الطفولة تُزهق، و"العافية" من المستشفيات تُطرَد، و"اللجوء" إلى المآوِي يُرهَب، وقس على ذلك ما شابَهه؛ رأوا بأمّ أعينهم احتضار كل قيم الخير التي خُلق الإنسان من أجلها.

وأوضح "ليس "الشر المطلق" إلا مَشاهِد الموت الذي يأتي على كل القيم؛ وقد كانت المقاومة الفلسطينية في غزة سبّاقة إلى تبيُّن حقيقة هذا الشر، فسارعت إلى مواجهته بالقوة التي تدفع موبقاته، بل تنتزعه من أصله؛ لذلك استحقت هذه المقاومة أن تسمى "المقاومة الطوفانية"، تمييزا لخصوصيتها عن باقي أشكال المقاومة".

كلمة سابقة

وفي كلمة سابقة له في الدوحة، قال عبد الرحمن إنه يرابط الآن في "ثغر الشر المطلق" باعتباره "مسألة أخلاقية قصوى"، وإن هذا الشر كان موجودا، "لكنه لم يكن ظاهرا بكليته، أما الآن وقد قَدَر المقاوم، في أرضنا المقدَّسة، على ما لم يكن يقدِر عليه من قبل، وهزم هازمه، ومَحق كبرياءه، فقد ظهر هذا الشر في صورة أعمال مؤذية إيذاء".

وتابع "وما هذا الإيذاء اللامعقول واللامحدود إلا من أجل الوصول إلى غرضين غاية في المنكر؛ أحدهما، تعطيل المواثقة، إذ المواثقة تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان كما تكون بين الإنسان وخالقه؛ والثاني تخريب الفطرة، إذ الفطرة هي مستودع القيم في باطن الإنسان"

وقال إن هناك مسؤوليتين عظيمتين: "المسؤولية عن الإنسانية جمعاء" و"المسؤولية عن القيم جمعاء"، مضيفا أن الإنسان الأخذ بهاتين المسؤوليتين العظيمتين بقوة للمحافظة على الإنسانية والعالم.

وأوضح "فلـما كان الأشرار الإطلاقيون يراكمون، بغير انقطاع، قدراتهم العلمية والتقنية المجرَّدة من القيم، فلا مأمن من انطلاق شرّهم المستطير في أية لحظة، لا ليفتك بأمة مستضعفة هنا أو هناك بغير حسيب ولا رقيب، وإنما ليجرّب مطلق شره، حتى لو كان ذلك بمحو العالم كله".

ويرى طه عبد الرحمن أنه لهذه الأسباب "وجب التصدّي لهذا الشر وجوب عين كما لم يجب شيء من قبل، إذ يستلزم من المسؤوليات، كما وكيفا، ما لا يستلزمه غيره؛ ولا يمكن أن يُستغنى، في تحديد هذه المسؤوليات الثقيلة بالعقل وحده، بل لا مفر من أن يستعين العقل بالوحي، مبرهنا، بهذه الاستعانة، على صدقه، ذلك لأن قتل النفس بغير حق هو بمثابة قتل الناس جميعا، وأن هدْمَ القيمة الواحدة بغير موجب هو بمثابة هدْم القيم جميعا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات طه عبد الرحمن الشر المطلق هذا الشر

إقرأ أيضاً:

وزير سوداني يتحدث للجزيرة نت عن تفاصيل التشكيل الوزاري الجديد

رحب وزير المالية السوداني، الدكتور جبريل إبراهيم بتعيين رئيس وزراء مدني في السودان، واعتبر في حوار مع الجزيرة نت أن تلك الخطوة تصب في اتجاه التحول المدني في البلاد.

وقال إبراهيم -وهو رئيس حركة العدل والمساواة إحدى الحركات السياسية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020- إن رئيس الوزراء الجديد كامل إدريس يحتاج لمشاورات واسعة وسريعة لتكوين حكومته.

ولم يستبعد جبريل أن يلجأ إدريس إلى إعلان جزئي لمجلس الوزراء، لا سيما في الوزارات المخصصة لأطراف اتفاق السلام الموقّع في جوبا، بالإضافة إلى وزارتي الداخلية والدفاع، اللتين يختارهما أعضاء مجلس السيادة ممثلو القوات المسلحة.

وقال إن تلك الخطوة تسمح بتغطية الفراغ في الجهاز التنفيذي وتمنح رئيس الوزراء فرصة أوسع لتشكيل الحكومة الجديدة التي تم الاتفاق أن يشمل تكوينها كل ولايات السودان.

وفيما يلي نص الحوار:

هناك جدل حول نصيب حركات الكفاح المسلح حسب اتفاق جوبا وما إذا كان الاتفاق يمنح وزارات محددة أم أنها مجرد حصة تمنح رئيس الوزراء حرية الاختيار وتحريك الوزراء؟

اتفاق السلام نص بشكل صريح على أن يحتفظ شركاء السلام بالمقاعد التي حصلوا عليها حتى نهاية فترة الحكومة الانتقالية فقط، ويمكن للأطراف نفسها تغيير ممثليها في الحكومة بوجوه جديدة إن أرادت.

إعلان

ويمكن عبر آلية التوافق مع رئيس الوزراء أن يقوم الشركاء بتغيير مواقعهم من حقيبة لأخرى، مثلا بإمكان حركة العدل والمساواة أن تتوافق مع رئيس الوزراء على تغيير موقع جبريل إبراهيم في مجلس الوزراء لكن القرار في النهاية قرار الحركة بحسب اتفاق السلام.

الفترة الانتقالية تم تمديدها عبر تعديل الوثيقة الدستورية لـ39 شهرا، وبهذا تم تمديد اتفاق جوبا للسلام، ونوّه إلى أن بعض مؤسسات السلام مثل العدالة الانتقالية وإعادة إعمار دارفور تمتد آجالها لما بعد الفترة الانتقالية.

أين ذهبت أموال دارفور؟

لم تمنح أي أموال لإقليم دارفور وفقا لاتفاق السلام وذلك بسبب الحرب، "مهمتي أن أعدل بين كافة أهل السودان وليس فقط أهل الهامش والحرب أثرت على كل السودان".

الأوضاع صعبة جدا في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور بسبب الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع  على المدينة منذ أكثر من عام، وتراجع عدد المدنيين في المدينة بسبب سياسة التجويع التي تقوم بها ما سماها مليشيا الدعم السريع.

وبالنسبة للحلول الممكنة لهذه الأزمة الإنسانية، باتت عملية الإسقاط الجوي التي كان يقوم بها سلاح الطيران صعبة بسبب امتلاك قوات الدعم السريع أنظمة دفاع تمكنها من إسقاط الطائرات. وفك الحصار على الفاشر عبر عملية عسكرية يحتاج بعض الوقت "رغم أن العزيمة متوفرة للجيش السوداني والقوة المشتركة وكل القوات المساندة".

وماذا عن التفاعل الدولي مع الأزمة الإنسانية في دارفور؟

الأمم المتحدة لم تبذل قصارى جهدها لإغاثة الجياع في مدينة الفاشر وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بفك الحصار عن المدينة. والمنظمات الدولية والأممية لم تتمكن من الوصول للفاشر بسبب تعنت وعنف الدعم السريع كما برز مؤخرا مع قافلة المساعدات الإنسانية في مدينة الكومة والتي تم حرقها قبل الوصول إلى هدفها في الفاشر.

إعلان

وتدخّل الأمم المتحدة عبر عملية لإسقاط الطعام مطلوب بشدة، والمنظمة مسؤولة قانونيا وأخلاقيا عن إغاثة الجياع مشيرا إلى أن هنالك منظمات دولية سعت لإسقاط الطعام إلا أن تهديدات الدعم السريع باستهداف أي طائرة تشارك في ذلك حالت دون تحقيق الهدف الإنساني.

وحول التطورات العسكرية وتراجع الجيش السوداني مؤخرا خاصة في معارك كردفان؟

الجيش السوداني حقق إنجازا ضخما منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي حيث حرر مناطق واسعة من الخرطوم والجزيرة، وقلص مناطق وجود قوات الدعم.

أما التراجع المسجل مؤخرا فيمكن تفسيره في إطار أن الحرب كر وفر، مؤكدا عزم الجيش والقوات المساندة له على الوصول إلى دارفور وتحريرها. القوات المسلحة السودانية باتت الآن قادرة على الوصول لأي بقعة داخل السودان.

وماذا بشأن امتلاك الجيش السوداني أو استخدامه لسلاح كيمائي؟

التقارير بشأن امتلاك الجيش السوداني أو استخدامه لسلاح كيمائي، "حديث إفك"، ونرحب بتكوين لجنة دولية لتقصي الحقائق بشأن استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيمائية شرط أن تكون لجنة دولية محايدة وذات مصداقية.

وجود مقاتلين أجانب في صفوف الدعم السريع أمر واقع لا جدال فيه، "فقد سبق القبض على بعضهم كما تم ضبط مستندات لمرتزقة كولومبيين وهؤلاء يأتون عبر الحدود مع دولة ليبيا ويقومون بتشغيل المسيرات والأسلحة المتقدمة وقصف مطار نيالا".

التدخل الأجنبي شمل أوجها أخرى مؤكدا امتلاك معلومات من مصادر أجنبية أن المسيرات التي استهدفت بورتسودان مؤخرا جاءت من ميناء بوساسو في الصومال،  والميناء خارج عن شرعية دولة الصومال ويتبع لإقليم بونتلاند.

طائرة مقاتلة متقدمة رافقت الطيران المسير الذي هاجم العاصمة الإدارية بورتسودان وقامت بأعمال التشويش التي أثرت حتى على حركة الملاحة بالبحر الأحمر خاصة في المناطق المجاورة لبورتسودان.

إعلان

وعن إمكانية إجراء مفاوضات لتسوية الأزمة السودانية؟

جبهتي أبدت استعدادا للتفاوض منذ اليوم الأول، "لكن الآن  الدعم السريع لا يملك من أمره شيئا فمن الأجدى التفاوض مع من يقف خلف الدعم السريع والباب مازال مفتوحا في هذا الصدد".

الشعب السوداني لن يقبل بأي تفاوض يعيد الدعم السريع للمشهد السياسي أو العسكري في السودان، ولهذا الخيار المتاح هو استسلام الدعم السريع وتجميع قواته في معسكرات لانتقاء من يصلح في الخدمة العسكرية لضمه للجيش السوداني عبر عمليات الدمج والتسريح المتعارف عليها.

طرح مبادرة جديدة مشتركة من قطر ومصر والسعودية وتركيا "ستكون لها فرص جيدة مقارنة بالمبادرات الفردية، فوجود أطراف عديدة ومن دول ذات تأثير سيعزز من فرص النجاح في حل الأزمة السودانية ويجب أن تكون مثل هذه المبادرة بعيدة عن الأميركان الذين لهم أجندة خاصة ودخولهم في أي مبادرة سيفسدها".

وفيما يتعلق بما يُشاع عن أزمة جوع في السودان والتعثرات التي تواجه الموسم الزراعي المطري، ما مدى دقة هذه المزاعم؟

تحدثنا لمؤسسات دولية مثل البنك الدولي وبعض المؤسسات المالية عن ضرورة توفير موارد لدعم الزراعة في السودان وقد تم الاتفاق أن يتم ذلك عبر برنامج الأغذية بالأمم المتحدة ومنظمة الفاو لتوفير البذور والأسمدة.

"في موسمي الحرب الماضيين أنتجنا كميات وافرة من الذرة والدخن وهنالك وفرة مكنتنا من تصدير بعض الغلال لدول الجوار.. لا توجد فجوة في الغذاء. نعم هنالك بعض المناطق تعاني من نقص الغذاء مثل الفاشر وكادقلي بجنوب كردفان وذلك بسبب الحصار الذي تفرضه قوات التمرد بهدف تجويع المدنيين".

"الآن نبذل قصارى جهدنا لإنجاح الموسم القادم حيث وفرنا الوقود كما لدينا بذور وأسمدة بعضها من طرف منظمات دولية والآخر متوافر في السوق، كما أن سبل التمويل متوفرة عبر المصارف خاصة البنك الزراعي".

إعلان

مقالات مشابهة

  • خبراء يقيّمون للجزيرة نت موقف حزب الله من قصف إسرائيل لإيران
  • الهيمنة الثقافية وتفاهة الشر، لماذا لم تُقاوِم الخرطوم/المركز مذابح الهامش؟
  • «الخارجية» تتسلم البراءة القنصلية من القنصل العام لأنغولا في دبي
  • «الخارجية» تتسلم البراءة القنصلية من قنصل عام أنغولا في دبي
  • العقل والروح.. طه عبد الرحمن وسؤال الأخلاق في مشروع النهضة (2)
  • الإعلام الدولي والحرب على غزة.. مؤتمر علمي للجزيرة للدراسات وجامعة حمد
  • وزير سوداني يتحدث للجزيرة نت عن تفاصيل التشكيل الوزاري الجديد
  • السعودية والأنسنة لضيوف الرحمن
  • الأردن يؤكد رفضه المطلق وإدانته لاقتحامات بن غفير المتكررة للأقصى
  • الداخلية تداهم أوكار الشر.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات بـ64 مليون جنيه