واشنطن ـ في مشهد سياسي غير مسبوق، فجر الشاب الأميركي المسلم زهران ممداني (33 عاما) مفاجأة مدوية بفوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لاختيار مرشح الحزب لمنصب عمدة مدينة نيويورك، متفوقا على نخبة سياسية واقتصادية ضخمة، ومخترقا واحدة من أكثر المؤسسات نفوذا في الولايات المتحدة.

ففي السباق التمهيدي، حصد ممداني، وهو ابن مهاجرين من أصول هندية وأفريقية، 43.

5% من الأصوات، مقابل 36.4% لمنافسه الأوفر حظا، حاكم نيويورك السابق أندرو كومو، المدعوم من أقطاب الحزب الديمقراطي التقليدي، ومنهم شخصيات مثل بيل كلينتون، والملياردير مايكل بلومبيرغ، إضافة إلى نخب "وول ستريت" وجماعات الضغط اليهودية القوية في المدينة.

ويعكس هذا الفوز تصاعدا في شعبية التيار التقدمي اليساري داخل الحزب الديمقراطي، الذي بات يشكل بديلا حقيقيا من شعبوية اليمين المتطرف المتمثلة في تيار "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة من جديد).

فوز ممداني يعكس تصاعد شعبية التيار التقدمي اليساري داخل الحزب الديمقراطي (رويترز) ترامب يسخر ويحذر

وجاء رد الفعل الأول من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي سخر من فوز ممداني قائلا عبر منصته "تروث سوشيال": "لقد حدث ذلك أخيرا. الديمقراطيون تجاوزوا كل الخطوط الحمر. زهران ممداني، شيوعي 100%، فاز بالتمهيدية، وهو في طريقه ليصبح عمدة نيويورك، لقد كان لدينا يساريون راديكاليون من قبل، لكن الأمر مضحك، إنه ليس ذكيًا، وصوته صاخب، وتدعمه ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والسناتور الفلسطيني تشاك شومر يتوسل إليه!".

أما الناشطة اليمينية المتطرفة لورا لومير، المقربة من ترامب، فقد هاجمت ممداني بسبب ديانته، مغردة عبر منصة "إكس": "لماذا يكتفي الجمهوريون بوصفه بالشيوعي؟ الأخطر أنه مسلم شيعي وجهادي. لماذا لا يعترفون بأن الإسلام يمثل تهديدا للغرب؟".

شبيه أوباما؟

يشكّل فوز ممداني نقطة تحول داخل الحزب الديمقراطي، خاصة بعد الهزيمة المدوية في انتخابات 2024، إذ يرى فيه بعضهم بادرة أمل لبعث روح جديدة داخل الحزب. وقبل أشهر قليلة، لم يكن ممداني يتجاوز 1% في استطلاعات الرأي، بينما كان كومو يحظى بـ33%.

إعلان

لكن حملته حظيت بدعم مؤثر من شخصيات، مثل النائبة التقدمية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والسناتور بيرني ساندرز، ما أتاح له زخما شعبيا متناميا، كما استثمر في وسائل التواصل الاجتماعي استثمارا ذكيا، وتعاون مع مؤثرين ونجوم شباب، وشارك في برامج بودكاست، وبث فيديوهات قصيرة جذبت جمهورا شابا ومتنوعا.

وتقول إسراء كامل، أميركية من أصول مصرية تقيم في بروكلين، للجزيرة نت: "ممداني ألهم الناخبين، خاصة بعد خيبة خسارة كامالا هاريس في 2024، هو شاب كاريزمي، ويمنح الأمل لجيل كامل.. يذكرني بصعود أوباما".

زهران ممداني مع والدته ميرا ناير ووالده محمود ممداني (الفرنسية) وعود جذرية

بنى ممداني حملته على برنامج يساري طموح، يعد بجعل المواصلات العامة مجانية، وضخ 70 مليار دولار في مشاريع إسكان مدعومة، وتجميد الإيجارات في الشقق السكنية، وجند قرابة 50 ألف متطوع طرقوا أبواب 1.6 مليون منزل، حسب فريق حملته الانتخابية.

كما دعا إلى فرض ضرائب أكبر على الشركات والأثرياء لتمويل مشاريعه، في مدينة تعد الأعلى في أميركا من حيث ضريبة الدخل (14.78%). وبهذا، اصطدم مباشرة بمصالح نخبة الأعمال، ما دفع شخصيات بارزة مثل بلومبيرغ، والملياردير المؤيد لإسرائيل بيل أكرمان، ومؤسس "نتفليكس" ريد هاستينغز، إلى ضخ ملايين الدولارات في حملة مضادة لهزيمته.

يستند ممداني في رؤيته إلى واقع ديموغرافي جديد في نيويورك، حيث يعيش أكثر من 67% من سكانها، البالغ عددهم 9 ملايين، في شقق مستأجرة، ويفتقر أكثر من 80% إلى سيارات خاصة، ما يجعل مجانية المواصلات قضية جذابة، كما أن قرابة 48% لا يتحدثون الإنجليزية في منازلهم، و37% ولدوا خارج الولايات المتحدة، وفق بيانات مركز بيو.

في السنوات الأخيرة، تسببت سياسات الإيجارات في سحب آلاف الشقق من السوق، بينما أدت قوانين بيئية صارمة وتكاليف الطاقة والعمالة إلى رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ويقدم ممداني نفسه كمن يسعى لإعادة التوازن إلى هذه المنظومة المختلة.

ورغم أن المدينة تضم أكبر نسبة يهود في العالم خارج إسرائيل، فإن التحولات السكانية وديناميكيات الحراك المناهض للعدوان الإسرائيلي، خصوصًا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جعلت من مواقف ممداني المناصرة لفلسطين نقطة جذب وليست عبئا، كما ظهر في احتجاجات جامعة كولومبيا وفعاليات واسعة شارك فيها.

معركة نوفمبر

رغم فوزه الكبير في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية المصنفة، لا يزال أمام ممداني معركة شرسة في الانتخابات العامة المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، حيث سيواجه عددا من المرشحين، أبرزهم الجمهوري كورتيس سليوا، والمستقل جيم والدن، إضافة إلى العمدة الحالي إيريك آدامز، بينما لا يستبعد بعضهم عودة أندرو كومو مستقلا، وهو ما قد يؤدي إلى انقسام أصوات الديمقراطيين وتقليص فرص ممداني.

وبينما يرى بعضهم في فوز ممداني لحظة تحول تعكس توازنات جديدة في المشهد الأميركي، يعتبرها آخرون مجرد فقاعة قد تتلاشى سريعا، لكن المؤكد أن اسمه دخل التاريخ بوصفه أول مسلم من أصول أفريقية آسيوية يقترب من عمدة المدينة التي توصف بأنها "عاصمة العالم".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحزب الدیمقراطی زهران ممدانی داخل الحزب

إقرأ أيضاً:

من هو المرشح المسلم لمنصب عمدة نيويورك زهران ممداني؟

يستعد هذا الشاب، البالغ من العمر 33 عامًا، ليكون المرشح الرسمي عن الحزب الديمقراطي في انتخابات العمدة المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر. اعلان

فجّر زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 33 عامًا، مفاجأة سياسية كبيرة في الولايات المتحدة، إذ يستعد ليكون المرشح الديمقراطي في انتخابات عمدة نيويورك المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

بعد الجولة الأولى من فرز الأصوات في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، حقق ممداني تقدمًا واضحًا على منافسيه، من بينهم حاكم نيويورك السابق أندرو كومو. ونجح هذا الوجه السياسي الجديد نسبيًا في حصد 43% من الأصوات، مستفيدًا من دعم شعبي واسع، مقابل 36% حصل عليها كومو.

وعلى الرغم من أن النتائج النهائية لفرز الأصوات لن تُعرف قبل يوم الثلاثاء، فقد أقر كومو بخسارته أمام ممداني، معلنًا أنه سيدرس إمكانية الترشح كمستقل. وقال كومو عن ممداني: "هذه الليلة هي ليلته. لقد استحقها. لقد فاز".

في الوقت نفسه، تعهّد ممداني، متحدثًا من على سطح أحد المنازل في كوينز في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بأن "يكون عمدة لكل نيويوركي" في حال فوزه بالمنصب. وجدد الشاب البالغ من العمر 33 عامًا، كما فعل طوال حملته الانتخابية، التزامه بدعم الطبقة العاملة في المدينة.

المرشحان الديمقراطيان لمنصب العمدة، أندرو كومو (يسار) وزهران ممداني (وسط)، يتصافحان بعد مناظرة في 4 حزيران/ يونيو 2025.AP Photo

وقال ممداني: "لا ينبغي أن تكون الحياة الكريمة امتيازًا لقلة محظوظة، بل يجب أن تكون حقًا تضمنه حكومة المدينة لكل فرد من سكان نيويورك".

كما جدّد تعهده بجعل خدمات الحافلات مجانية، إضافة إلى تجميد الإيجارات للمستأجرين المستقرين.

لقد كان الصعود السياسي لهذا المرشح المنتمي إلى جيل الألفية استثنائيًا. لكن من هو ممداني، وكيف تمكن من شق طريقه إلى صدارة السباق المحتدم على منصب العمدة داخل الحزب الديمقراطي؟

صعود سياسي سريع

وُلد ممداني في أوغندا، وانتقل إلى نيويورك عندما كان في السابعة من عمره، قبل أن يحصل على الجنسية الأمريكية في عام 2018. والدته تعمل مخرجة سينمائية، فيما يشغل والده منصب أستاذ في جامعة كولومبيا.

بعد حصوله على شهادة في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين في ولاية ماين، عمل ممداني مستشارًا للإسكان في كوينز، حيث قدّم الدعم لأصحاب المنازل من ذوي الدخل المحدود (من المجتمعات غير البيضاء)، وذلك في معركتهم ضد الإخلاء.

ويقول إن هذه التجربة هي التي دفعته إلى دخول عالم السياسة.

حقق الاشتراكي الديمقراطي، الذي كان يقدّم موسيقى الراب سابقًا تحت اسم "مستر كارداموم"، أول انطلاقة سياسية له في عام 2020، حين انتُخب عضوًا في مجلس الولاية لتمثيل عدد من أحياء كوينز، من بينها مرتفعات أستوريا.

خلال سنوات عمله في المجلس التشريعي للولاية في ألباني، لم يُقر سوى ثلاثة من مشاريع القوانين التي قدّمها ممداني، ما جعله عرضة للانتقادات.

كان كومو، منافسه داخل الحزب الديمقراطي، من بين أبرز الذين شككوا في خبرة ممداني السياسية.

قال كومو، الذي استقال من منصب حاكم نيويورك في آب/ أغسطس 2021 إثر فضيحة تحرش جنسي: "لم يتعامل يومًا مع مجلس المدينة. لم يتعامل يومًا مع الكونغرس".

وأضاف: "لم يسبق له التفاوض مع أي نقابة، ولا بناء أي مشروع. لم يتعامل مع حالة طوارئ طبيعية، لا مع إعصار ولا فيضان أو غير ذلك. لم ينجز أيًا من المهام الأساسية. والآن، إلى جانب كل ذلك، يظهر دونالد ترمب في المشهد أيضًا".

كيف اكتسب كل هذا الزخم الشعبي؟

لقد لامست وعود ممداني بمساندة سكان نيويورك من الطبقة العاملة مشاعر الكثيرين، رغم ادعاء منتقديه بأنها وعود غير قابلة للتنفيذ. وتتضمن وعوده مقترحات لتوفير رعاية عامة للأطفال دون سن السادسة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة الضرائب على الأثرياء.

ومنذ إعلانه الترشح في الخريف الماضي، جذب ممداني عددًا كبيرًا من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي أحد مقاطع الفيديو، ظهر ممداني وهو يقفز في المحيط الأطلسي مرتديًا بدلة رسمية، قبل أن "يغرق" في شرح تفاصيل مقترحه بشأن تجميد الإيجارات في نيويورك.

ومن بين العروض اللافتة الأخرى في حملته الانتخابية، قيامه الأسبوع الماضي بالسير على الأقدام عبر مانهاتن، ما أتاح لسكان المدينة فرصة اللقاء به والتقاط الصور معه.

ويوم الثلاثاء، استعان المرشح البالغ من العمر 33 عامًا بمقطع فيديو ظهر فيه إلى جانب الممثلة وعارضة الأزياء إيميلي راتاجكوفسكي، لحثّ الناخبين على التصويت لصالحه.

دعم من شخصيات بارزة

يحظى ممداني بتأييد عدد من السياسيين المعروفين على المستوى الوطني، من بينهم السيناتور بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، وعضوة الكونغرس عن ولاية نيويورك ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وكلاهما من التيار الاشتراكي الديمقراطي.

وعقب فوزه، سارعت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز إلى تهنئته عبر منشور على منصة X.

مؤيدو زهران ممداني، المرشح الديمقراطي لمنصب العمدة، يحتفلون مع تتابع نتائج الانتخابات التمهيدية في نيويورك، الثلاثاء 24 حزيران/ يونيو 2025.AP Photo

وكتبت: "لقد ألهمني تفانيك في العمل من أجل جعل نيويورك مدينة يسهل العيش فيها، وآمنة، ومرحبة، تتيح للعائلات العاملة فرصًا حقيقية في أنحائها".

بدوره، أشاد ساندرز بممداني و"بالآلاف من مؤيديه على مستوى القاعدة الشعبية لحملتهم الاستثنائية".

إذا فاز ممداني في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، التي يواجه فيها عددًا من المنافسين، من بينهم العمدة الحالي إريك آدامز الذي يخوض السباق كمرشح مستقل رغم الفضائح التي تلاحقه، فسيصبح أصغر من يتولى منصب عمدة نيويورك منذ عام 1917. وسيكون أيضًا أول عمدة مسلم في تاريخ المدينة.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • مواقف المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك من فلسطين حديث المنصات
  • ترامب يهاجم الهندي زهران ممداني بعد فوزه بمنصب عمدة نيويورك
  • من زهران ممداني المرشح الأوفر حظا لمنصب عمدة مدينة نيويورك؟
  • زهران ممداني أول مسلم يترشح لمنصب عمدة نيويورك
  • ترامب يهاجم المرشح المسلم لبلدية نيويورك زهران ممداني.. شيوعي متطرف
  • لأوّل مرة.. مُسلم يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك
  • من هو المرشح المسلم لمنصب عمدة نيويورك زهران ممداني؟
  • المسلم زهران ممداني يفوز بترشيح الديمقراطيين لمنصب رئيس بلدية نيويورك.. هزم كومو
  • أندرو كومو يقر بهزيمته أمام زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية بولاية نيويورك