الحلقة الأولى: قراءة في المشهد السياسي.. السنغال في قلب التغيير
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
بقلم: الدكتور صفوت ابريغيث*
اقرأ ايضاًمن ظن أن افريقيا ارض مشاع يتجرأ عليها الطامعون ويستبيح ثرواتها المستعمرون فهو مخطئ، فالافارقة هم اصحاب الارض الاصليين وهم ابناء هذه القارة السمراء وصناع تاريخها وثقافاتها والاقدر على سيادتها وتقرير مصيرهم فوقها بدون وصاية او تبعية للاجنبي.
ومن يعتقد أن السنغال في الغرب الافريقي ستبقى وقفا فرنسيا للأبد فهم مغفلون بل ومستهترون في فهم طبيعة السنغالي.
فالشعب السنغالي شعب عزيز وحر بالفطرة ومتأصل بهويته وايمانه. وليس السنغال ببعيد عن تجربة دول الجوار (مالي، بوركينا فاسو والنيجر..)الذين يتعاقبون على طرد الجيوش الاجنبية ونفوذ الغرب من بلادهم.
"أرض التيرانغا"ومن هذا المنطلق فقط نستطيع تحليل الواقع السياسي في ذلك البلد، المسمى بأرض "التيرانغا" أي الضيافة، وبالتحديد إدراك الاحوال التي تشهدها البلاد عشية الجولة الاولى للانتخابات الرئاسية والتي ستسفر عن اختيار الشعب السنغالي لرئيسه الخامس في تاريخه الحديث، وهو الذي سيخلف الرئيس الحالي "ماكي سال" المنتهية ولايته رسمياً في ٢ نيسان المقبل.
الحياة الحزبية والنقابيةلا بد من التذكير أن السنغال بلد يملك اعراف ديمقراطية راسخة تتمثل بوجود حياة حزبية ونقابية نشيطة وترافقها تعددية واضحة في المنابر الإعلامية بما يعكس تعدد الآراء السياسية وحالة التنافس في ميادين السياسة المتعددة. ومثالنا على ذلك هو التعايش الحي والنادر الذي يجمع ثلاثة رؤوساء في ذات البلد منهم الرؤوساء السابقين "عبده ضيوف" و"عبدالله واد"، علما أن الأول يناصر الرئيس الحالي والثاني يقود جزء من المعارضة السياسية ضده.
الطرق الصوفيةكذلك تتميز السنغال بأنها بلد طرائقي صوفي بامتياز وذلك لوجود معاقل الطرق الصوفية الأفريقية على ارضه وأبرزها التيجانية واللاهينية والمريدية والقادرية، ولسيطرة اتباعهم على المشهد اليومي بما في ذلك امتلاكهم لوسائل التأثير في المجالات الاقتصادية والسياسية.
بالرغم من تعدد الاثنيات والاعراق المختلفة، إلا أن السنغال يبقى بلد موحد ومسالم ويعود ذلك لشيوع قيم السلام والإخاء والتضامن وهي من القيم المنتشرة بين الغالبية الساحقة من سكانه وهم من المسلمين اتباع المذهب المالكي إضافة للاقلية المسيحية المتنوعة او "عبدة الطبيعة" وهي من الديانات الافريقية القديمة.
ولربما كان هذا السبب الرئيس لتفرد "أرض التيرانغا" بالاستقرار الامني والابتعاد عن مسلسل الحروب القبلية او الإثنية السائدة على مستوى القارة او حتى الخضوع لمنطق الانقلابات العسكرية الشائعة في دول المحيط والجوار.
استقلال السنغالنالت السنغال استقلالها في الرابع من نيسان من العام ١٩٦٠ ولكنها بقيت منذ ذلك الحين مرتعاً لأطماع المستعمرين القدامى الذين لم يكتفوا بصبغ لغتهم وثقافتهم على هيئات الدولة بل قاموا بخلق نظام مالي وأمني تابع إلى حدٍ ما لسياسات قصر "الاليزيه" الذي كرس هيمنته من خلال بناء قواعد عسكرية كتلك الجاثمة في قلب العاصمة “دكار” .
اقرأ ايضاًويستمر التدخل الاجنبي في استقطاب القادة السياسيين والتشبيك معهم عبر شبكة مصالح فاسدة الى أن بدأت الاوساط الشعبية تتمرد وقد برز خطاب عالي الصوت يعبر عن حالة الكراهية اتجاه الفساد وحالة الوصاية والتبعية المترتبة عن العلاقة التي تربط تلك الطبقة الحاكمة بالخارج وهو ما تجلى عبر معارضة متزايدة من جهة، قابلتها السلطات بقمع وكبت للحريات من جهة أخرى.
وقد ساعدت دول الغرب “الاستعمارية” في العديد من الأحيان تلك الأنظمة الديكتاتورية والشمولية- بحجة حماية وجودها ومصالحها- إلى حد تنفيذ عدد من الاغتيالات الجسدية بحق رموز القارة والمطالبين بوحدتها ونهضتها كما حصل في حالة الزعيم البوركيني " توماس سانكارا ".
*السفير الفلسطيني السابق لدى السنغال من العام 2015 - 2022
المصدر: البوابة
إقرأ أيضاً:
استعصاء المخدرات.. لا بد من التغيير
استعصاء #المخدرات.. لا بد من التغيير
فايز شبيكات الدعجه
كان يوم مقتل الشاب عباده عرابي على يد مدمن في منطقة البيادر يوما عبوسا قمطريرا على كل ألاردنيين، وهي واحدة من سلسلة جرائم القتل التي تتلاحق تباعا في ارجاء المملكة.
حدث هذا بينما كان العالم يحتفل باليوم العالمي لمكافحة المخدرات وتلاوة أرقام مزيفة عن حجم الظاهرة، والافتخار بانجازات وهمية ينفيها الواقع المحسوس وما يلمسه الناس من #معاناة أصبحت جزء من قسوة الحياة اليومية لنسبة كبيره من العائلات.
وهنا لا بد من الحديث عن محور القيادة كأهم المحاور العالمية المرتبطة بالمخدرات وإيراد بعض الحقائق التي لا بد من إيضاحها طالما ان المسألة أصبحت تشكل اهتمام المواطنين وتفاعلاتهم، وتمثل ترند الساعة ان جاز التعبير.
المعروف عالميا ان مدير الأمن العام هو المسؤول الأول الذي يمسك بملف المخدرات وليس مدير إدارة مكافحة المخدرات كما تعتقد الأغلبية . ذلك أنه يمسك بكامل مقود الملف الأمني ومن ضمنه ملف المخدرات ويتحكم باتجاهات الظاهرة من حيث ألمد والجزر، وعليه تقع مسؤولية أداء إدارة المكافحة ومراقبة أعمالها، وهو الذي يحدد إمكانياتها ودعمها اللوجستي والبشري، ويشرف على سياستها وبرنامجها التنفيذي، والمتابعة اليومية الحثيثة لانشطتها الميدانية اليومية.
عندما تخرج مشكلة المخدرات في أي مجتمع عن السيطره يبدأ المفكرون المتابعون لسير الأحداث المتسارعة المطالبة بحضور أكبر للمؤسسة الأمنية في المعادلة الداخلية مع دخول المجتمع حرب مخدرات بشكل فعلي، أو بالمعنى الأدق يتحدثون عن ضرورة التحرك لوضع (خطة طوارئ أمنية ) يشعر بها الناس، ومغادرة حالة الارتخاء الامني العام، والاستجابة لنداءات الحاضر ،والتكيف مع الظرف الطارئ على المعادلة الداخلية ومتطلبات المرحلة الجديدة.
القاعدة الأساسية الأولى المستقرة دوليا في عالم المخدرات المرعب ان القيادة الهزيلة لا تتكمن في العادة من رصد ارهاصات ما قبل مرحلة انفلات المخدرات، وتعجز عن إحداث اي تغيير استباقي لضرب معاقل المهربين والمروجين بتعزيزات نوعية إضافية، والتخلص من الإستراتيجية الأمنية التقليدية والمستنسخة عما قبلها ،لعدم تناسبها مع المستجدات المفاجئة والتهديدات الكبرى المتوقعة الناجمة عنها .
بصراحة لقد أصبح الحال غير آمن في سياق فظائع الإدمان الأمر الذي يدفع للمطالبه بالتغيير، فمن سابع المستحيلات ان يتوقف مد الخطر بوضع المكافحة القائم.