لماذا فشلت تجربة محمد على فى التعليم؟
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
ثمة سؤال هام يفرض نفسه على بلادنا كلما دار الحديث عن التقدم هو ما سبب أفول تجربة محمد على الحداثية، ولمَ لم ينجح فى سعيه المحمود للنهضة؟
فى ظنى أن هناك ثلاثة أمور لا يُمكن استبعادها عند استعادة التجربة، أولها أن تجربة محمد على انطلقت من طموحه الشخصى لبناء إمبراطورية له ولأبنائه وليس للمصريين.
الأمر الثانى، أنه ركّز انتصاراته وأمجاده فى المجال العسكرى لا المجال الحضارى، فتوسعت مصر فى السودان والشام والحجاز ولكن هذا التوسع كان توسعا سياسيا فقط، ولم يقدم أى تأثيرات حضارية أو فكرية.
ثالث الأمور أن الرجل كان – ربما أسوأ من معاصريه من الحكام – مستبداً ظالماً غشوماً، لا يتورع عن إراقة الدماء، ولا يحمل أدنى عاطفة لأحد، فما بالك بالمصريين الذين يحكمهم.
واللافت أن هناك مرجعًا مهمًا يحكى قصة التعليم فى عهد محمد على صدر سنة 1938(خلال حكم أسرة محمد علي) كتبه أحمد عزت عبدالكريم، وقدم له الباحث العظيم شفيق غربال. ومؤلف الكتاب كان أستاذا فى علم التاريخ ورحل عن عالمنا سنة 1980.
والمثير فى الكتاب أنه على الرغم من قيام مؤلفه بإهدائه إلى الملك فاروق، مليك البلاد الذى كان محل آمال الناس وقتها، إلا أنه لم يتحرج عن نقد مشروع محمد على فى تجربة التعليم وتحميله أسباب عدم اكتمال التجربة.
وهنا فإننا نجد هذا الباحث الموضوعى لا يرى بأسا أن يشير صراحة إلى أن انفراد محمد على بالرأى، وخوفه الشديد على سلطاته، وإصراره على المركزية الشديدة كانت عاملا أساسيا فى أفول الحلم.
لقد كان التعليم فى مصر قبيل تولى محمد على قاصرا على التعليم الدينى بمستوييه البسيط أى تعلم القراءة والكتابة فى الكتاتيب التقليدية بالقرى والنجوع ومختلف الأنحاء، والعالى والمتمثل فى التعليم بجامع الأزهر الشريف، والذى كان يتم فيه حفظ القرآن الكريم وتعلم الفقه والعلوم الشرعية والبلاغة. وبخلافهما لم يكن هناك تعليم حديث، ولم تكن علوم الرياضيات والكيمياء والهندسة والطب تحظى بأى اهتمام طوال العهد العثمانى.
وعندما أقدم محمد على على إنشاء جيش نظامى مصرى منفصل عن الدولة العثمانية، فقد وجد وقتها الحاجة لازمة للبحث عن معاونين لذلك الجيش من أطباء ومهندسين ومترجمين وكيميائيين، ومحاسبين، وغيرهم. وهكذا بادر بإنشاء عدد من المدارس النظامية الابتدائية والمتخصصة فى القاهرة والمدن الكبرى، مستعينا ببعض المعلمين الأجانب خاصة من الطليان، إلى جانب شيوخ ومعلمين اختارهم بعناية من المعاهد الدينية التقليدية، ولم يكن غريبا وقتها أن تكون اللغة الأولى المعتمدة هى الإيطالية، قبل أن تتحول فيما بعد إلى اللغة الفرنسية.
وكانت إدارة المدارس وتنظيم شئونها فى بداية عهدها من مسئولية ديوان الجهادية، ورأى محمد على لاحقا أن ينظم تلك المدارس على نسق النظام التعليمى نفسه المتبع فى فرنسا، فأصدر فى سنة 1836 لائحة لإنشاء مجلس شورى المدارس المصرية.
ولما كانت تجربة التعليم لدى محمد على مجرد وسيلة لدعم الجيش النظامى الكبير، ومع إجباره على تخفيض عدد جيشه بعد هزيمته وفرض اتفاقية لندن عليه سنة 1840 فإنه صار فى غنى عن الوسيلة الداعمة لذلك الجيش وهى التعليم، بل إنه رأى فى إحدى رسائله إلى ابنه أن يعارض تعميم التعليم الابتدائى للجميع لأنه قد يبغضهم فى بيئاتهم التى نشأوا فيها، ويدفعهم إلى الثورة على المهن التى نشأوا عليها. لكن الأهم فى نظره أنه قد ينقلهم إلى حال من القوة التى قد تمثل مشكلة على سلطة البلاد فى المستقبل، ما يعنى أن تعميم التعليم قد يصنع حالة من النضج السياسى غير المطلوبة لدى حاكم يعتبر نفسه صاحب الرأى الأول والأخير فى كل شىء.
لذا فإن عام 1841 شهد رسمياً وأد التجربة مرة أخرى بإغلاق أكبر عدد من المدارس الابتدائية فى الأقاليم ودمج معظم المدارس المتخصصة معا، لينخفض عدد المدارس تباعا من 67 مدرسة إلى 38 مدرسة تمنح التعليم الابتدائى فقط. ثم تحول ديوان شورى المدارس الذى كان يضم مصريين نجباء وأجانب إلى مجرد كيان شكلى لا تأثير حقيقى له، ما جعله مرتعا للاشيء.
وتلك كانت من الفرص الُمهدرة فى تاريخنا الحديث، وكم من الفرص لدينا مهدرة..
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد سؤال هام محمد على محمد على
إقرأ أيضاً:
لماذا لم تحدد المحكمة مدة إيداع نجل محمد رمضان بدار الرعاية؟.. مصادر تكشف السبب
كشفت مصادر قضائية، آخر تطورات صدور حكم قضائي من محكمة جنح الطفل، بإيداع نجل الفنان محمد رمضان، داخل إحدى دور الرعاية الاجتماعية، على خلفية اتهامه بالتعدي بالضرب على أحد زملائه داخل نادي «نيو جيزة»، بمدينة السادس من أكتوبر.
المادة 101 من قانون الطفلوقالت المصادر، لـ الأسبوع، إن المحكمة لا تحدد في حكمها مدة الإيداع، مشيرة إلى أنه بعد إيداع المتهم - نجل الفنان محمد رمضان-، داخل دار الرعاية، يقدم تقرير دوري كل شهرين علي الأكثر من الدار - بحالته - وبناء عليه تقرر إنهاء التدبير فورًا أو إبداله حسب الاقتضاء، علي أن يراعي أن يكون الإيداع لأقصر فترة ممكنة.
وواصلت المصادر أنه وفقًا لنص المادة 101 من قانون الطفل: يحكم على الطفل الذي لم تتجاوز سنه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، إذا ارتكب جريمة، بأحد التدابير الآتية: ( التوبيخ، التسليم، الإلحاق بالتدريب والتأهيل، الإلزام بواجبات معينة، الاختبار القضائي، العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع هذا العمل وضوابطها، الإيداع في إحدى المستشفيات المتخصصة، الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، عدا المصادرة وإغلاق المحال ورد الشيء إلى أصله لا يحكم على هذا الطفل بأي عقوبة أو تدبير منصوص عليه في قانون آخر.
واستكملت المصادر، أنه في جميع الأحوال يتعين ألا تقضي المحكمة بتدبير الإيداع إلا كملاذ أخير وفقاً للمادة 107 من قانون الطفل، والتي نصت على أن يكون إيداع الطفل في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث التابعة للوزارة المختصة بالشئون الاجتماعية أو المعترف بها منها، فإذا كان الطفل معاقًا يكون الإيداع في معهد مناسب لتأهيله، ولا تحدد المحكمة في حكمها مدة للإيداع، ويجب على المحكمة متابعة أمر الحدث عن طريق تقرير تقدمه المؤسسة التي أودع بها الطفل كل شهرين على الأكثر لتقرر المحكمة إنهاء التدبير فوراً أو إبداله حسب الاقتضاء على أن تراعى أن يكون الإيداع لأقصر فترة ممكنة، وفى جميع الأحوال يتعين ألا تقضي المحكمة بتدبير الإيداع إلا كملاذ أخير.
وأكدت المصادر أنه في جميع الأحوال، يجب ألا تزيد مدة الإيداع على عشر سنوات في الجنايات وخمس سنوات في الجنح.
وصدر قرار محكمة جنح الطفل، خلال الجلسة الأولى التي شهدت حضور والدة المجني عليه، وغياب المتهم، لتعرضه لوعكة صحية، حسب أقوال دفاعه، الذي طالب بتأجيل الجلسة، لكن طلبه قوبل بالرفض من قبٍل هيئة المحكمة، بينما طالب الدكتور أحمد مختار، دفاع أسرة الطفل المجني عليه، بمبلغ مليون جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت، عما لحق بموكله من إيذاء نفسي، بسبب حالة الرعب التي سبّبها له المشكو في حقه.
سبب الجريمة.. وطعن على الحكموقال أحمد الجندي المحامي، دفاع المتهم، إن الواقعة، حدثت على خلفية تعرّض موكله - نجل الفنان محمد رمضان-، للتنمّر بسبب لون بشرته السمراء، مؤكدًا على أن فريق الدفاع يدرس حاليّاً اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للطعن في الحكم، حفاظًا على مصلحة الطفل وظروفه الصحية والنفسية.
اقرأ أيضاًبأسلوب انتحال الصفة.. ضبط عاطلين بتهمة الاستيلاء على أموال مواطن في النزهة
أكاديمية الشرطة تنظم ندوة حول الترابط الأسري وتأثيره على الأمن المجتمعي
قضايا قيمتها 7 ملايين.. ضربات متتالية ضد تجار العملات الأجنبية