ناشونال انترست: الأردن على الحافة.. ماذا يمكن لواشنطن أن تفعل؟
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
حذر تقرير لمجلة "ناشونال انترست" الأمريكية من أن الأردن يمكن أن يتحول من حليف استراتيجي مفيد لواشنطن إلى عبء وذلك على خلفية تأثيرات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويربط التقرير الذي أعدته إميلي ميليكين، محللة من "أسكاري أسوسيتس"، وكيتلين ميلر هولينغسورث، وهي محللة من مجموعة "فوزي ميلير" بين الاحتجاجات الشعبية العارمة على العدوان على غزة بمحاولات داعش وإيران التوسع في الساحة الأردنية، دون الالتفات بشكل كاف إلى السبب الرئيسي لتلك الاحتجاجات، ودون الالتفات كذلك إلى الموقف الرسمي الذي يؤكد أن مشكلة المنطقة تكمن في عدم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
ويحذر التقرير واشنطن من مغبة توسع الاحتجاجات الشعبية التي قد تؤثر على استقرار وأمن المملكة الحليفة وتجعلها عرضة لأنشطة داعش وإيران، وترى المحللتان أن النظام الملكي الأردني الذي نجا من العديد من الحركات الاحتجاجية منذ تأسيسه بفضل الدعم الأمريكي، يواجه الآن احتجاجات تهدد الاستقرار الإقليمي "ولا ينبغي التغاضي عنها".
وتحصر المحللتان المشكلة في الأردن بالحاجة الاقتصادية، وتطالبان واشنطن والحلفاء الخليجيين بدعم بمواصلة دعم الأردن بالمساعدات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تهدئ الاضطرابات، وتشجع الاستثمارات الجديدة، وتضمن مستقبلاً أكثر استقراراً. لكنهما لا تقترحان أي شيء بخصوص العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وكذلك الانتهاكات والتهويد المستمر الذي يتعرض له المسجد الأقصى، وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية وقتل إمكانية إقامة أي دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة، ومحاولات تهجير الفلسطينيين، وهي الأسباب الرئيسية للاحتجاجات الشعبية العارمة التي تجتاح المدن الأردنية كافة.
وفيما يلي نص التقرير:
يعتبر الأردن، الذي يتمتع بعلاقات عميقة مع الولايات المتحدة منذ أكثر من سبعين عاماً ويستضيف ما يقرب من 3000 جندي أمريكي ، شريكاً حيوياً في الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. وبعد أن تلقت أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات الأمريكية منذ عام 1951، عملت عمان كشريك قيم لعمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية، خاصة في العراق وسوريا، ووسيط بين "إسرائيل" وفلسطين. وفي كانون الثاني/ يناير 2023، اتفقت عمان وواشنطن على صفقة بقيمة 4.2 مليار دولار تزود الحكومة الأردنية بطائرات مقاتلة متقدمة من طراز "بلوك 70 إف-16" كجزء من توسيع مذكرة التفاهم التي مدتها سبع سنوات الموقعة في عام 2022.
ومع ذلك، فإن الاحتجاجات واسعة النطاق الأخيرة في جميع أنحاء البلاد وضعت مكانة الأردن كمعقل للأمن والاستقرار في المنطقة موضع شك.
منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وما نتج عنه من غزو إسرائيلي لغزة، خرج آلاف المتظاهرين الأردنيين إلى الشوارع لانتقاد سياسات الحكومة تجاه "إسرائيل" بما في ذلك السماح للإسرائيليين باستخدام الأراضي الأردنية كجزء من ممر بري لنقل البضائع وسط انعدام الأمن بسبب هجمات الحوثيين على البحر الأحمر.
وفي منتصف شباط/ فبراير، هتف المتظاهرون الأردنيون "الجسر البري خيانة"، بل وشكلوا سلسلة بشرية لمنع الشاحنات التي تحمل البضائع من عبور الحدود الأردنية الإسرائيلية. وهذا التطور ليس مفاجئاً نظراً لأن أكثر من نصف سكان الأردن هم من الفلسطينيين، بما في ذلك مليوني لاجئ فلسطيني مسجل. وفي حين يحمل العديد منهم الآن الجنسية الأردنية، يعيش ما يقدر بثمانية عشر بالمائة من اللاجئين في ثلاثة عشر مخيمًا رسميًا وغير رسمي للاجئين في جميع أنحاء البلاد.
إدراكاً منها لبرميل البارود الذي تجلس عليه، قامت الحكومة الأردنية بشن حملة قمع واسعة النطاق شملت حظر المظاهرات والتجمعات في وادي الأردن وعلى طول حدوده، وإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام السفارة الإسرائيلية، وإغلاق الطرق والوصول إلى السفارة الإسرائيلية والأمريكية والسفارات الأوروبية، واعتقلت ما لا يقل عن 1000 شخص بين تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر فقط.
واعتمدت الحكومة أيضًا على قوانين الأمن السيبراني التقييدية لاعتقال الأشخاص بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين تنتقد علاقة عمّان بالحكومة الإسرائيلية أو تحرض على الإضرابات والاحتجاجات العامة.
في حين أن النظام الملكي الأردني نجا من العديد من الحركات الاحتجاجية منذ تأسيسه، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الدعم الأمريكي، فإن الاحتجاجات الحالية تهدد الاستقرار الإقليمي ولا ينبغي التغاضي عنها.
وفي نهاية المطاف، فإن هذه المظاهرات الأخيرة ليست سوى عرض من أعراض القضايا الأوسع التي تواجه المملكة الهاشمية.
في السنوات الأخيرة، تحدى الشعب الأردني حكومته بشأن علاقتها مع "إسرائيل" والعديد من السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي لا تحظى بشعبية ، بما في ذلك زيادة أسعار المحروقات، مما أثر على أولئك الذين يعانون بالفعل من الظروف الاقتصادية السيئة وارتفاع الأسعار البطالة.
وتدرك عمّان أن عدم ثقة الجمهور بالحكومة جعل الملك عرضة للخطر. ولا يزال ولي العهد السابق حمزة بن الحسين – الذي يتمتع بشعبية واسعة، وخاصة في أوساط المؤسسة القبلية – تحت الإقامة الجبرية بعد حوالي ثلاث سنوات من الاشتباه في تورطه في مؤامرة للإطاحة بأخيه غير الشقيق، الملك.
إذا انتشرت الاضطرابات وزعزعت استقرار الحكومة في عمّان، فإن ذلك يعني أكثر من مجرد فقدان حليف موثوق للولايات المتحدة في المنطقة. ومن الممكن أن يصبح الأردن، بسكانه الساخطين على حالة الاقتصاد والوجود الكبير للاجئين المعرضين للتطرف، ساحة جديدة لتنظيم الدولة (داعش) والنشاط الإيراني الخبيث.
وفي حين تجنبت عمّان حتى الآن تمرد "داعش" على نطاق واسع ، على الرغم من تقاسم الحدود مع كلا البلدين اللذين استضافا الخلافة الإقليمية قصيرة العمر للجماعة، إلا أن الأردن كان منذ فترة طويلة هدفا مرغوبا فيه؛ ويعتبر تنظيم "داعش" حكام الأردن خونة للدين لتعاونهم مع "إسرائيل" والولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أن المجموعة ستغتنم الفرصة للتجنيد والعمل داخل البلاد، مما يعرض للخطر موطئ قدم أمريكي مهم في المنطقة لعمليات مكافحة الإرهاب.
ويتفاقم هذا القلق فقط من خلال التحذيرات من أن الحرب بين "إسرائيل" وحماس قد تكون بمثابة أداة دعائية قيمة لتنظيم الدولة، الذي أعلن عن حملة جديدة اسمياً لدعم فلسطين، تهدف إلى زيادة التعاطف مع جهود التجنيد وجمع الأموال.
وتأكيداً على ضعف الأردن أمام مثل هذه المساعي، دعت منظمة من علماء المسلمين الفلسطينيين الشباب الأردني على وجه التحديد، الذين يشكلون أكثر من ستين بالمائة من السكان، إلى "استخدام كافة وسائل الجهاد" وفتح جبهات جديدة في القتال ضد "إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، هناك مخاوف متزايدة بشأن تصاعد التهديدات المدعومة من إيران والنابعة من حدود الأردن مع العراق وسوريا.
وتفاقمت هذه المخاوف بعد الهجوم الذي وقع في 28 كانون الثاني/ يناير على قاعدة "البرج 22" في الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين ونُسب على نطاق واسع إلى ميليشيا كتائب حزب الله التي ترعاها إيران.
وبالإضافة إلى التهديدات، حدثت زيادة في تهريب المخدرات والأسلحة والمتفجرات إلى الأردن من قبل أولئك الذين يُعتقد أنهم تجار مرتبطون بإيران، مما يشير إلى أن طهران تأمل في جعل الأردن نقطة عبور لتهريب الأسلحة والمخدرات، وفي المستقبل، يمكنهم حتى استخدام البلاد كنقطة انطلاق لشن هجمات ضد "إسرائيل".
وتثير هذه الاحتمالات تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في السماح للحكومة الأردنية بالانزلاق إلى هذا المستوى من الاضطرابات.
وإدراكاً منها بأن حملة حماس التي ترعاها إيران هي الشرارة التي أشعلت الاضطرابات الحالية في الأردن، تحتاج واشنطن إلى خطة شاملة طويلة الأمد لمنع طهران من بذل جهود مستقبلية لزعزعة استقرار المنطقة.
وفي هذه الأثناء، ينبغي على الولايات المتحدة -وشركائها الخليجيين- مواصلة دعم الأردن بالمساعدات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تهدئ الاضطرابات، وتشجع الاستثمارات الجديدة، وتضمن مستقبلاً أكثر استقراراً.
على سبيل المثال، يجب على واشنطن تعزيز برامج خلق فرص العمل وإجراء الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في قطاعي الكهرباء والمياه في البلاد. وبدون هذه الأنواع من الإصلاحات، فإن الأردن لديه القدرة على التحول من أصل أمني أمريكي في المنطقة إلى عبئ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة داعش الإيراني إيران الاردن غزة داعش صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة أکثر من
إقرأ أيضاً:
في الأردن: تشغيل ٨٠٪ من البطالة ورفع الرواتب للنصف… هل يمكن وكيف؟
صراحة نيوز- كتب أ.د. محمد الفرجات
تم تلقيم الذكاء الاصطناعي المدخلات وبعض الفرضيات، وحصلنا على ما يلي ضمن العنوان أعلاه، وتم ضبط المخرجات منعا للمغالطات.
تشهد المملكة الأردنية في السنوات الأخيرة وضعاً اقتصادياً وتنموياً صعباً — تزايد مديونية الدولة، ضعف إيجاد فرص عمل كافية، ارتفاع البطالة بين الشباب والخريجين، وأجور ومتوسط معاشات لا ترتقي إلى مستوى كلفة حياة معقولة. في ضوء هذه المعطيات، نقيم هنا بشكل موضوعي ما قد يعنيه طلب تشغيل ٨٠٪ من العاطلين واستيعاب ٨٠٪ من الخريجين الجدد خلال 5 سنوات مع رفع الأجور والتقاعد بنسبة 50٪ — هل هو طموح واقعي؟ وما كلفته المحتملة؟ وما الثمن المالي والاجتماعي؟
نبدأ أولاً برسم صورة للواقع الحالي، ثم نبني على فرضيات معقولة لحساب الكلفة، وأخيراً نناقش مدى جدوى هذا الطرح، وما البدائل الممكنة.
واقع الأردن من أرقام: بطالة، مديونية، أجور ومعاشات:
وفق دائرة الإحصاءات العامة، بلغ معدل البطالة في 2024 نحو 21.4%. بين الذكور كان نحو 18.2%، وبين الإناث نحو 32.9% لنفس العام.
البطالة بين حاملي الشهادات الجامعية (أو أعلى) أكبر نسبياً: لدى الخريجين مثلاً كانت نسبة البطالة نحو 25.8% في 2024.
من جهة الاقتصاد الكلي، يشير تصنيف اقتصادي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للأردن — بحسب بعض البيانات — يقدَّر بـ ≈ 53.4 مليار دولار (ما يعادل تقريباً 37–38 مليار دينار أردني على أساس سعر صرف ثابت).
في المقابل، تشير بعض التقديرات إلى أن الدين العام للحكومة — بالقياس إلى الناتج — مرتفع مما يضع ضغوطاً على المالية العامة.
سوق الأجور والمتقاعدين أيضاً ضمن دائرة الضغوط: مع متوسط أجر (بين العاملين) ليس مرتفعاً جداً، ومع عدد متقاعدين يتقاضون معاشات بحيث أي زيادة كبيرة في المعاشات أو الأجور تُشكل عبئاً على الموازنة أو على صندوق الضمان الاجتماعي.
هذا المزيج — بطالة مرتفعة، عجز في توفير فرص عمل كافية، مديونية عالية، وضغوط على الأجور والمعاشات — يُمثل تحدياً كبيراً لأي سياسة اجتماعية واسعة النطاق.
ماذا يعني تشغيل ٨٠٪ من العاطلين واستيعاب ٨٠٪ من خريجي الجامعات خلال 5 سنوات؟
لنفترض — كما طلبنا — خطة طموحة نريد أن تُنفَّذ على مدى خمس سنوات، وتستهدف:
تشغيل ٨٠٪ من العاطلين اليوم
استيعاب ٨٠٪ من الخريجين الجدد كل سنة
رفع الأجور (في بعض الفئات/القطاع) والتقاعد بنسبة 50٪
أولاً نحتاج إلى تبنّي بعض افتراضات رقمية معقولة لتقدير الأثر:
نفترض أن عدد العاطلين الفعليين اليوم (الذين يبحثون عن عمل) يُقارب 550 ألف (إسقاط رقمي لمعدل البطالة 21.4% على قوة العمل — مع تقدير قوة العمل عند نحو 2.58 مليون شخص). هذا تقدير أولي على فرضية مشاركة اقتصادية مستقرة.
٨٠٪ منهم => نحو 440,000 شخص يحتاجون إلى وظيفة.
نفرض أن عدد الخريجين الجدد سنوياً يُقارب 70,000 خريج (تقدير محافظ بناءً على بيانات سنوية للتعليم العالي). إذا استُوعب 80٪ منهم كل سنة => نحو 56,000 وظيفة/سنة. على مدى 5 سنوات => ≈ 280,000 خريج.
بالتالي: خلال 5 سنوات نحتاج أن يتوفر ≈ 720,000 وظيفة جديدة (440 ألف+280 ألف).
إذا قُدمت هذه الوظائف عبر برنامج توظيف/دعم حكومي أو مشروعات مدعومة، وافترضنا أجر شهري لـمتوسط وظيفة معقول (مثلاً 350 دينار أردني/شهر) — بين الحد الأدنى والأجر المتوسط — فإن الأجر السنوي = 4,200 دينار. مع اشتراكات صاحب العمل / تكاليف إضافية (ضمان اجتماعي، مخصصات، إلخ) ربما نصعد إلى ~5,100 دينار/سنة لكل موظف.
بالإضافة إلى تكلفة تدريب/تهيئة/بنية تحتية أولية للدخول في سوق العمل، نضيف دفعة أولية متوسطة ربما ~1,000 دينار لكل مستفيد.
بالتالي، كلفة توظيف + تشغيل + اشتراكات + تدريب لـ720,000 موظف على مدى 5 سنوات (لكامل وظائفهم للسنة الأولى على الأقل) — بشكل تقريبي — قد تصل إلى نحو 4.4 مليار دينار أردني. هذا في أفضل الحالات الافتراضية.
إذا الهدف كان ليس فقط تشغيل مؤقت، بل وظائف دائمة تستمر السنوات الخمس وما بعدها، فإن الكلفة التراكمية — بسبب استمرار الأجور + اشتراكات سنوية — سترتفع بكثير (إلى عدة مليارات إضافية سنوياً بعد السنة الأولى).
ماذا لو أضفنا زيادة 50٪ على الرواتب والمعاشات؟
زيادة 50٪ على معاشات المتقاعدين (إذا شملت كل المتقاعدين) ستكون مكلفة جداً — لأن عدد المتقاعدين غالباً كبير، ومعاشاتهم حالياً متواضعة. فرضياً: إذا هناك 250,000 متقاعد يتقاضون معاشاً، وزيد معاشهم 50٪، التكلفة السنوية للزيادة تصبح عالية جداً (مئات ملايين الدنانير سنوياً).
إذا رفعنا أجر موظفي القطاع العام 50٪ — حتى لو فقط للقطاع العام وليس الخاص — فإن ذلك أيضاً سيشكل عبئاً كبيراً على الموازنة، خاصة إذا لا ترافقه زيادة في إيرادات الدولة أو خفض إنفاق في مكان آخر.
هل هذا الطموح واقعي؟ — قراءة تحليلية للجدوى:
من جهة: نعم، كهدف اجتماعي — تشغيل بطالة الشباب والخريجين وتحسين معاشات المتقاعدين — هو هدف نبيل ويعكس رغبة في عدالة اجتماعية.
لكن من جهة التمويل والاقتصاد الكلي: الأرقام تظهر أن الكلفة هائلة مقارنة بحجم الاقتصاد والإيرادات، خاصة مع مديونية مرتفعة وناتج محلي محدود.
وتنفيذ مثل هذه الحزمة — توظيف جماعي + رفع أجور/معاشات — يعني ضغط كبير على المالية العامة، قد يدفع لزيادة الضرائب، زيادات في أسعار الخدمات أو خفض الإنفاق في قطاعات أخرى، أو اقتراض جديد خارجي — مع مخاطر متعلقة بخدمة الدين وثبات الدين العام.
إذا نفذت كهكذا خطة دون إصلاحات هيكلية، مثل: تحسين بيئة الأعمال، جذب استثمارات، رفع الإنتاجية، تنمية قطاعات جديدة، إعادة تأهيل القوى العاملة، وتحفيز القطاع الخاص — فستكون النتيجة توظيف مؤقت أو دعم مؤقت فقط.
بدائل أكثر واقعية لتحقيق أثر اجتماعي إيجابي بعبء مالي أقل:
قد يكون من الحكمة تبنّي نهج مُركّز ومستهدف بدلاً من نهج شامل:
توجيه برامج التوظيف والدعم إلى الفئات الأشد هشاشة: خريجون جدد من تخصصات مطلوبة، سكان محافظات ذات بطالة عالية، مهارات يدوية/تقنية مطلوبة في سوق العمل.
تشجيع القطاع الخاص على توفير وظائف مستدامة من خلال حوافز استثمارية، دعم مشاريع صادراتية، أو مشروعات بنية تحتية مدرة للقيمة.
تقديم دعم تدريجي للمعاشات، عبر رفع مستهدف (لمن معاشه ضمن شريحة منخفضة) وليس رفع شامل لكل المتقاعدين.
تنمية مهارات، تدريب مهني وتقني، وتعليم موجه نحو حاجة السوق، لتقليل الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز النمو الاقتصادي لزيادة الناتج المحلي وتوسيع القاعدة الضريبية، ما يجعل برامج الدعم والتوظيف أكثر استدامة.
بين الطموح والواقعية — دعوة لسياسة رشيدة:
منح الشباب الأردني فرصة عمل كريمة، ودعم المتقاعدين وزيادة الأجور — كلها أهداف مشروعة ومهمة لعدالة اجتماعية واستقرار — لكن تنفيذها جماعياً وبسرعة كما طلب في الفرضية (تشغيل ٨٠٪ من العاطلين + استيعاب خريجين + زيادة 50٪ في أجور ومعاشات) يتطلب موارد ضخمة للغاية.
وبناء على الحسابات التقريبية أعلاه، فإن كلفة مثل هذه الحزمة على مدى 5 سنوات قد تتجاوز مليارات الدنانير — وهو عبء ثقيل جداً على موازنة دولة تواجه مديونية وضغوط على الإيرادات.
إذا أردنا أن يكون الطموح واقعيًا ومستدامًا، يجب أن يُصاحب بخطة وطنية شاملة: إصلاح اقتصادي، تنمية إنتاجية، تحفيز استثمار، تحسين مهارات القوى العاملة، وتركيز الدعم على الفئات الأكثر حاجة. هكذا يكون الممكن — أقل مما نطلب اليوم ربما — لكن بعبء مالي أقل وبأثر اجتماعي أكثر استدامة…