تتحمل الحرارة والجفاف.. كيف نجح العراق بزراعة محاصيل هجينة في 7 محافظات؟
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - بغداد
يواجه العراق ظروف خطيرة في مجال المياه بسبب سياسات دول المنبع منذ سنوات عدة، مما اضطر الجهات المعنية إلى البحث عن بدائل لتدعيم الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لذا جرى التوجه نحو زراعة مجموعة من المحاصيل الهجينة التي تتحمل التغيرات البيئية والمناخية في مختلف المواسم الزراعية، وهو ما يؤكد المختصون أنه البديل الناجع في المرحلة الحالية.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، إن “دائرة البستنة التابعة للوزارة نجحت فعليا ومنذ فترة في تحقيق نتائج إيجابية جدا ضمن البرنامج الوطني لإكثار السلالات الهجينة من محاصيل الخضار المحلية، مثل الطماطم والخيار والباذنجان والباميا التي حققت نجاحا واضحا في الآونة الأخيرة”.
ويضيف أن “المحاصيل موزعة بين عدة مزارع إرشادية تابعة للدائرة وأجريت التجارب عليها لفترات معينة من أجل ضمان نجاحها بشكل كلي، وهذه التجارب أدت إلى الحصول على نوعيات ممتازة من المحاصيل ستعمم تجربتها وبشكل أفضل من الهجين المستورد”.
ويشير إلى أن “البذور التي يتم استخدامها في زراعة المحصول الهجين تنطبق عليها المحددات والمواصفات العالمية وفقا للاتفاقيات الموقع عليها من حيث الملائمة لتحملها الجفاف ودرجات الحرارة، ومن ضمن المحددات الأساسية ضرورة عدم خضوعها للتعديلات الجينية الوراثية وسلامتها منه”.
ويؤكد الخزاعي أن “هذه المحاصيل الهجينة ستعزز من سلة العراق الغذائية والزراعية وتدعمها لضمان الاكتفاء الذاتي سنويا، والتجارب مستمرة لاستحداث محاصيل أخرى بذات الطريقة”.
ويأتي ذلك بالتزامن مع مرور العراق بأزمة حادة نتيجة شح مناسيب المياه بسبب الخلافات المائية مع دول المنبع المتمثلة بتركيا وإيران وسوريا، إذ ما تزال المفاوضات جارية حول تقاسم الضرر مع بلد المصب الذي لا يحصل على ما يكفي حاجاته المتعددة.
ويجري التعويل حاليا على كميات مياه الأمطار مع انتهاء فصل الشتاء، إذ قال وزير الموارد المائية عون عبد ذياب في تصريح مطلع شهر آذار مارس الجاري، إن السنوات الأربع الماضية كانت سنوات جفاف حادة، إلا أن هذه السنة هناك تغير نوعي بكميات المياه نتيجة الأمطار الهاطلة، والثلوج المتساقطة في أعالي نهري دجلة والفرات، وهذه تعطينا اطمئنانا في تأمين مياه أكثر خلال الصيف المقبل.
من جانبه، يوضح معاون المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لإكثار السلالات الهجينة، نوار ياسين، أن “المحاصيل الهجينة تجربة جديدة وفريدة من نوعها في العراق، وأحد هذه المحاصيل هو باذنجان نصر الذي تزرع بذوره في البيوت والأنفاق البلاستيكية”.
ويتابع “باذنجان نصر الهجين ينتج ويباع حاليا على نطاق تجاري بسعر 30 ألف دينار للمغلف الواحد، وهذه الأسعار تعتبر مخفضة ومدعومة فيما لو تمت مقارنتها بالمستورد الأجنبي الذي يصل إلى 150 الف دينار للمغلف الواحد”.
ويلفت إلى أن “هذا المحصول الهجين يمثل فرصة كبيرة للعراق من أجل منافسة الهجين الأجنبي من نواحي الإنتاج والنوع شكلا ولونا وطعما، حيث أن البذور الهجينة فيها مشاكل عدم تحملها لارتفاع درجات الحرارة في البيوت البلاستيكية ما يجعلها تتحول إلى اللون الاحمر أو يتغير طعمها”.
ويبين ياسين “أما باذنجان نصر وغيره من هجين الطماطم والخيار والباميا من البذور المحلية فهي تتلائم مع أوضاع البيئة العراقية، والإنتاج مستمر دون أي تغيرات في الطعم واللون خاصة في مزرعة بلد الإرشادية في محافظة صلاح الدين”.
ويشرح أن “بذور المحاصيل الهجينة في العراق لغاية الآن هي هجين الباذنجان الذي نجح في محافظات واسط والديوانية وصلاح الدين وبابل، فضلا عن هجين الخيار والباميا في مزارع أبو غريب ببغداد وغيره من المحافظات، وكذلك بذور هجين الطماطم حيث تزرع في محافظات ذي قار والبصرة والأنبار وديالى”.
ويشدد على أن “بذور المحاصيل الهجينة لاقت ارتياحا وإقبالا من المزارعين بسبب جودتها وأسعارها ووفرتها أيضا في الأسواق وبكل الأوقات، كما أن وزارة الزراعة مستمرة بدعم برنامج إكثار السلالات الهجينة لما فيه أهمية كبيرة للقطاع”.
ويختم ياسين حديثه بأن “البرنامج مستمر في تطوير زراعة هجين العديد من المحاصيل التي ستظهر نتائجها قريبا وهي القرع (الشجر) والفلفل للزراعة المحمية والمكشوفة، وبطيخ حافظ نفسه، والخس، وقرع عناكي، والرقي”.
وفي ظل هذا، تتوقع وزارة الزراعة، خطة زراعية في 2024 تكون أفضل من العام السابق، لكن الوزارة لم تعلن تفاصيل خطتها لأنها بانتظار “التشاور مع وزارة الموارد وإقرارها اعتمادا على الخزين المائي للبلاد”، وهو ما يؤشر حاجة العراق فعليا لاستمرار النجاح في عمليات زراعة المحاصيل الهجينة لما فيها من إيجابيات تغني المزارع عن كميات كبيرة من المياه قد لا يتم توفيرها أو شمول مساحات كبيرة من الأراضي بها كما حصل في أعوام سابقة.
يذكر أن العراق فقد نصف مساحته المزروعة في العام 2023، لم يتمكن من زراعة سوى 8 ملايين دونم فقط، ضمن الخطة الزراعية الشتوية من مجموع نحو 27 مليون دونم صالحة للزراعة كأبرز نتائج استمرار ملف المياه بلا حلول جذرية تفضي لنهاية عادلة بعد سنوات من الجفاف والأضرار والخسائر الكبيرة.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار
إقرأ أيضاً:
السودان- مختبر الهجينة السلطوية والتقشف النيوليبرالي وصراع الروايات
zuhair.osman@aol.com
في أعقاب الحروب والانهيارات المتتالية التي ضربت الدولة السودانية، لم يعد بالإمكان تحليل الوضع السياسي بمعزل عن تشابك العوامل البنيوية التي تشكل ملامح السلطة، الاقتصاد، والمجتمع. السودان، في واقعه المعقّد
بات يمثّل مختبرًا حيًا لما تُسميه الأدبيات السياسية بـ"الهجينة السلطوية"، وما تسميه الدراسات الاقتصادية بـ"رأسمالية الكوارث"، بينما يتجلى على المستوى الشعبي كأرض معركة مفتوحة بين رواية النخبة ورواية الشارع.
الهجينة السلطوية وترتيبات الحكم الهش
تعرف النظم الهجينة بأنها كيانات سياسية تجمع بين مظاهر ديمقراطية شكلية وآليات سلطوية فعلية. في السياق السوداني، تتجلى هذه الهجينة من خلال:
تحالف عسكري-مدني غير متوازن، حيث تحتفظ المؤسسة العسكرية بمفاصل الأمن والاقتصاد، وتُمنح القوى المدنية أدوارًا رمزية لإضفاء الشرعية الدولية.
توظيف الأزمات كآلية شرعنة، تُقدَّم خلالها المؤسسة العسكرية كحامية للاستقرار، تمامًا كما حدث في مصر بعد 2013.
إشكالية التمثيل السياسي، حيث يُنتج النظام "ديمقراطية بدون ديمقراطيين" — عملية سياسية تُدار من قبل نخب ترفض مبدأ التوزيع العادل للسلطة والثروة، وفق توصيف "غييرمو أودونيل".
اقتصاد التقشف و"رأسمالية الكوارث"
وفقًا لطرح "نعومي كلاين"، تُستغل الأزمات الكبرى لفرض سياسات نيوليبرالية قاسية — وهو ما يبدو جليًا في السودان عبر:
خصخصة النهب: تحت ستار "الإصلاح الاقتصادي"، تُحول أصول الدولة إلى تحالف رجال أعمال وعسكريين، في عملية تُعمق من طبيعة الاقتصاد الريعي.
تفتيت الغضب الشعبي: يُلغي الدعم وتُفكك شبكات التضامن الاجتماعي، فيتحول الغضب من النظام إلى صراعات أفقية بين الفقراء على الموارد الشحيحة.
ظهور مقاومات جديدة: تستلهم "لجان المقاومة" تقاليد "الإضراب السياسي العام"، على غرار النموذج التشيلي 2019، لتبني تنظيمات نقابية جديدة ومناهضة للهيمنة.
الإسلاميون وتحولات البراغماتية
تحاول الحركات الإسلامية السودانية تجاوز فشل مشروع "التمكين" بالتحول إلى خطاب "ما بعد الإسلاموية"، الذي تحدث عنه "أصف بيات"، وذلك عبر:
إعادة التموقع السياسي من فرض الهوية إلى المشاركة في اللعبة الديمقراطية.
الاعتماد على تحالفات إقليمية مع دول مثل تركيا وقطر، مقابل اعتدال الخطاب السياسي.
خطر التهميش، إذ قد يؤدي استمرار الإقصاء إلى نزوع بعض الفصائل نحو الراديكالية أو التحالف مع ميليشيات مسلحة، ضمن آليات "العنف التفاوضي".
تفكيك مركزية الدولة: الأطراف تعيد رسم المشهد
تنتقل الجغرافيا السياسية للاحتجاج من الخرطوم إلى الهامش — حيث تُعيد مناطق مثل دارفور والنيل الأزرق إنتاج نفسها كفاعلين مستقلين:
أرخبيل السلطات: السودان مهدد بالتحول إلى كيانات متنافرة تُدار عبر تحالفات محلية وعسكرية.
الميليشيات العابرة للحدود: قوات الدعم السريع مثال حي على استثمار الدعم الإقليمي (من روسيا أو غيرها) لبناء إمبراطوريات اقتصادية وأمنية خارج سلطة الدولة المركزية.
المجتمع الدولي و"الاستعمار عبر الحوكمة"
لا تخرج مقاربات المجتمع الدولي عن منطق "الاستعمار الجديد"، عبر أدوات من قبيل:
الانتقال المشروط: فرض إصلاحات شكلية مقابل المساعدات، دون المساس ببنيات الفساد.
تدجين المجتمع المدني: تمويل المنظمات المحلية لتلعب دور الوسيط، في عملية تُعرف بـ"التثوير الملتقط" أو NGO-ization of Resistance.
تحويل الأزمة إلى مأساة إنسانية: كما في اليمن، يُختزل الوضع في السودان إلى "ملف مساعدات"، يُبعد الأنظار عن المطالب السياسية الجوهرية.
سيناريوهات المستقبل: أي طريق أمام السودان؟
السيناريو التونسي: انتقال هش ينتج نظامًا هجينًا جديدًا يحافظ على امتيازات النخب، ويؤجل الانفجار الاجتماعي.
السيناريو الليبي: فشل تام للدولة، مع اندلاع صراع إقليمي بين قوى خارجية عبر وكلاء محليين.
السيناريو السوداني الفريد: ظهور نموذج "اللامركزية الثورية" — مجالس محلية مستقلة تُعيد توزيع السلطة من القاعدة، مستفيدة من تجربة لجان المقاومة.
الصراع على الرواية
يُختزل جوهر المعركة السودانية في صراع سرديتين:
سردية النخبة: تسعى لاستعادة الاستقرار عبر إعادة إنتاج النظام القديم بوجه مدني، يُعطي الأولوية لشرعية المؤسسات الدولية والنظام الاقتصادي العالمي.
سردية الشارع: تؤمن بأن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بقلب البنيات العرقية والطبقية والجندرية التي أنتجت دولة القهر والاستثناء.
السودان، بهذا المعنى، ليس مجرد دولة تعاني أزمة انتقال. إنه ساحة اختبار قصوى للنماذج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تبلورت بعد الربيع العربي — نموذج يَختبر حدود الصبر الشعبي، ومآلات "الإصلاح من فوق"، وجدوى مقاومات القاعدة.
ومن هنا، فإن فهم السودان اليوم هو فهم لحدود النموذج العربي والإفريقي في عصر ما بعد الثورة وما بعد الدولة.