لجريدة عمان:
2025-05-26@03:39:35 GMT

الاستظلال بالسَبْعِ الطِباق

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT

الاستظلال بالسَبْعِ الطِباق

كان منظرُ تلك النبتة الملتصقة بحواف الجبل مُلفِتًا، تداعبها النسمات الباردة فتحرك أغصانها الصغيرة، وعلى مرأى الشمس الباسمة كان المسير نحوها بخطواتٍ متحفزة تنفض ما علق بالجسد من تَمطٍّ وتثاؤب، وعلى خلاف قريناتها فإن شيئًا يجذبنا نحوها، على الرغم من صغر حجمها وانغراسها وسط تشققات الصخور، وكأنها تلوذ بها من عبث العابثين وأفواه الماشية وهيجان الطبيعة.

ما إن أمسك فؤاد العلوي ببعض أوراقها حتى ضجّ المكان بروائح عطرية آسرة، لوّح بيده لي من بعيد وهو يكرر «ألم أقل لك إن الحياة الحقيقية وسط السهول والبراري لا الأبنية الأسمنتية والأسواق المكتظة»، ظلّت رائحتها تعبق في الفؤاد طويلًا، لم نستطع تبيّن كنهها أو معرفة نوع النبتة، واستمر الرحالة الكويتي يكرر عبارته الشهيرة «الجبل الأخضر أحد بدائع الأرض وعجائب الطبيعة، لكن الناس لا يعلمون».

لم أسر في حياتي في مسيرٍ جبلي «رياضة الهايكنج» إلا في ذلك اليوم الذي ألحَّ عليّ فيه فؤاد كثيرًا، ففكرة قضاء يوم في أحضان الطبيعة لم يبد مألوفًا لي من قبل، ومجرد أن افترشنا الأرض في تلك الليلة، وخلا كلٌ منا إلى خيمته الصغيرة التي لا تتسع إلا لشخصٍ واحد، حتى بدأت رحلة أخرى مدهشة بتفاصيل مدغدغة للمشاعر. الخيم كانت على مقربةٍ من جرفٍ هارٍ على أحد سفوح الجبل الأخضر، عتمة المكان وهدوء الطبيعة وتوقف كل شيء عن الحركة إلا ارتعاشة الأغصان التي تحركها النسمات بين الحين والآخر؛ خلوة لا مثيل لها إلا في أحلام العارفين ومندوحة العاشقين، إضاءة السماء وامتداد النجوم في تشكيلاتها الواسعة فرصة لأن يعيد الإنسان خلق أفكاره وإثارة شجونه وافتعال كل المساحات المتفجرة في الركن القصي للنفس للتساؤل والتصافي ومحاورة الضمير وتوليد الخيال وتغذية مشاعر الأمل والفرح واسترجاع بواقي الذكريات ومحاسبة المواقف، بيدَ أنها حضرة روحية يقطع متعتها انطفاءة العين بسباتٍ وادع، فالنوم سلطان لا تقهره الطبيعة ولا تنتصر عليه الملذات.

الرائحة الزكية التي التصقت بنا من مصافحة تلك النبتة استمرت في العبق، الأنف مُزكم واليد عطرة والقلب مبتسم والصدر ممتلئ والفِكرة جذلى، إذ يكرر فؤاد أن كل شيءٍ في الحياة هو فكرة، وجود تلك النبتة العطرية بمرتفعات الجبل الأخضر فِكرة، وارتباطنا معها فكرة، واعتلاؤها الصخور الصلدة وتسربها بين الشقوق فكرة، تلك الأفكار عندما تتعاظم تتجلى قدرة الخالق في إثارة التناسق المثير للدهشة في عناق الطبيعة لبعضها، ولئن أخذت المادّية اليوم مَأخذها من مزاج الإنسان وسلبته حقه الروحي بمنغصات متطلبات المدنية المرهقة، فإن التجول بين أفياء الجبل الأخضر يعيد للإنسان روحه التي اغتصبتها الحداثة، فمن غير الممكن أن يقول قائل إن روحًا لم تتماهَ بين النبتة والصخور، أو أن تلك الرائحة المتدفقة ليست رسالة سلامٍ منها لكل العابرين، فالطبيعة أم، والأم كما يقال بالدارج الشعبي العربي «تلم» أي تجمع كل مفردات الطبيعة ومكونات الحياة مع بعضها لتجربة لحظاتٍ من الأنس. عندما يفيق المرء من نومه العميق، باستقبال أشعة الشمس التي تبدو هي الأخرى كسلى في يومٍ بارد بمرتفعٍ عالٍ وهي تلقي التحية على المتوجهين بأبصارهم نحوها، وقد قضى ليله كله يراقب حركة الأفلاك تحت سبع سماواتٍ طباق، لترتد إليه بصيرته التي غفت هي الأخرى عن التأمل في الكون، فحرمان النفس من حقها في الاسترخاء التأملي هو جريمة وأي جريمة!

الناس في ممارسة رياضة المسير الجبلي مختلفون، فبعضهم يعتبرها سانحة رياضية، فلا يلتفت لما حوله من مترادفات، فغايته تحقيق هدف الرياضة الأسمى بمقاتلة الشحوم المترهلة والدهون المتراكبة، فلا يأنس بحفيف شجر أو رفرفة طائر أو لذعة نسمة باردة، في حين يعتبر البعض ذلك المسير فرصة للتناغم الروحي واستنطاق الكون والاطمئنان على عاطفته إن كانت على قيد الحياة أو في عِداد الأموات.

في الجبل الأخضر كل شيءٍ يتحرك، حتى الجبال الراسية يخيّل إليك أنها تناجي الله، وتشكو إليه طمع الإنسان، وجشعه باستغلال كل شيء، دون أن تكون له بصمةً فيها، عدا أولئك الفلاحين الذين يحرثون الأرض، وينحتون الجبال، ويشقون الأفلاج لكي تبقى رقعة تلك الأرض خضراء حقًا، فالجبين المتورد بعد جهدٍ عالٍ ليس مجرد عَرقٍ يشي بما بذله من كدحٍ ومشقة، بل هي عزيمةٍ يأبى إلا أن يطاول الجبال شموخًا وكبرياء.

من أراد أن يعيش تجربة مختلفة في استنطاق الطبيعة عليه أن يرافق الرحالة الكويتي فؤاد العلوي في جولاته، إنه يتحدث مع الورد الجبلي تحدث المفتون المأسور، ولكأنه يهمس في أذن الكون أن ثمة حياة فريدة لا وجود لها إلا في الجبل الأخضر، فبرغم براعته في التصوير الفوتوغرافي فهو يقضي وقته في التأمل والاستمتاع، ويندر أن يلتقط إلا صورة واحدة أو اثنتين ليومه كله، ذلك أنه يؤمن أن لسان الطبيعة حريٌ بالإنصات له وعدم الانشغال بالكاميرا، فذاكرة الخيال هي الأكثر تأثيرًا على الفؤاد، ويسهل استحضارها في البال، وما ذاكرة الكاميرا إلا ضيقة وغير مأمونة، ولا تبلغ مبلغها في إذكاء الجمال وصناعة الحبكة الممتعة، فمن فاتته لذة التأمل لن تغنيه صورٌ لا يعود الإنسان إليها إلا فيما ندر، ويندر أن تفارق لحظات التأمل الحقيقية خيال الإنسان أو تغادر فؤاده.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجبل الأخضر کل شیء إلا فی

إقرأ أيضاً:

الرئيسي لـ"الرؤية": مشروع "الجبل العالي" نقلة نوعية في تاريخ الاستثمارات العقارية والسياحية بعُمان

 

 

 

◄ إنجاز المشروع في 12 سنة.. والمرحلة الأولى تمتد لنحو 5 سنوات

◄ 2000 وحدة فندقية متعددة التصنيفات والتجارب السياحية والاستجمامية

◄ إنشاء تلفريك سياحي يربط محافظة جنوب الباطنة مع "الجبل العالي"

◄ استخدام مُتكامل للطاقة المُتجددة بحلول 2040

◄ نُركِّز على الاقتصاد الدائري ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

 

 

الرؤية- سارة العبرية

 

أكد حسن بن علي الرئيسي مدير مشروع الجبل العالي، أن المشروع يمثل نقلة نوعية في قطاع السياحة والاستثمار العقاري بسلطنة عُمان وليس فقط في محافظ الداخلية، مشيرًا إلى الأثر الإيجابي الكبير الذي سيتركه على السوق العقاري والقطاع السياحي، من خلال خلق وجهة عالمية متكاملة تتميز بالمناخ المعتدل والخدمات المتنوعة التي تلبي احتياجات جميع فئات المجتمع.

وقال الرئيسي- في حوار خاص مع "الرؤية"- إن من المتوقع أن يكون لهذا المشروع تأثير إيجابي كبير، خاصةً وأن التملُّك العقاري في ولاية الجبل الأخضر كان محدودًا في السابق، لافتًا إلى أن هذا المشروع يفتح هذه الفرصة أمام الجميع من مواطنين وأجانب، وسيكون لذلك أثر إيجابي على السوق العقاري، لا سيما في تطوير مشاريع سياحية ذات تخطيط متكامل، تشمل كافة الخدمات والمرافق في موقع واحد؛ حيث تكمن فكرة المشروع في خلق وجهة عالمية وسياحية على أرض عُمان.

 

مقومات المشروع

وأضاف أن ما يُميِّز موقع المشروع اعتدال المناخ على مدار العام، إضافة إلى الهدوء والسكينة، إلى جانب التجارب التراثية والزراعية التي تُعزِّز مقومات المشروع، مشيرًا إلى أن الشركة تسعى لاستغلال التضاريس والأنشطة الرياضية المتنوعة التي يمكن تنفيذها من خلال هذه المشاريع.

وحول خطة تنفيذ مشروع الجبل العالي، كشف الرئيسي أنه من المقرر البدء في تنفيذه مطلع عام 2026؛ حيث تستغرق المرحلة الأولى حوالي 5 سنوات، تليها المرحلتان الثانية والثالثة لمدة 7 سنوات إضافية، وبذلك سيتم الانتهاء من المشروع كاملًا خلال 12 سنة، بما يتوافق مع مستهدفات وزارة الإسكان والتخطيط العمراني المتعلقة بالبيئة والاستدامة بحلول عام 2030.

وأوضح الرئيسي أن مشروع الجبل العالي سيضم نحو 2000 وحدة فندقية تتنوع بين 5 و4 و3 نجوم؛ حيث يركز كل فندق على تجربة مختلفة، ومن فنادق 5 نجوم على سبيل المثال فندق "ذا هايڤ" سيركز على الفعاليات العالمية والمؤتمرات وزيارات رؤساء الدول، وفندق آخر يختص بالصحة والاستجمام، إضافة إلى فندق على حافة الجبل للعائلات مع خيارات متنوعة من الغرف، كما يشمل المشروع فنادق بيئية ومناطق تخييم، مع الحرص على توفير وحدات تناسب جميع فئات المجتمع.

تلفريك سياحي

وفيما يخص العوامل التي جعلت محافظة جنوب الباطنة الخيار المثالي لربطها بتلفريك سياحي مع المشروع، أوضح الرئيسي أن المشروع يمتد بين جنوب الباطنة ومحافظة الداخلية؛ حيث يقع جزء منه في جنوب الباطنة والجزء الأكبر في ولاية الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، وهو ما يُشكِّل رابطًا اجتماعيًا وتاريخيًا بين سكان القرى ووادي بني خروص والجبل الأخضر. وأكد أن هذا المشروع يُعزِّز الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ويجذب الزوار من شمال وجنوب الباطنة، ويُقرِّبَهم من الموقع، مع إمكانية نمو اقتصادي للمحافظتين وفرص عمل جديدة؛ إذ لم يكن هناك اتصال مباشر سابقًا بين ولايات الجبل الأخضر والرستاق والعوابي، لافتًا إلى أنه مع تنفيذ المشروع ستكون هناك إمكانية للوصول إلى الجبل العالي "خلال 8 دقائق".

وتحدث الرئيسي عن الاستدامة، وقال: "نسعى بحلول عام 2040 إلى استخدام متكامل للطاقة المتجددة، مع الاستفادة من هذه الطاقة في مشاريع أخرى ضمن متطلبات المشروع، كما نُركِّز على الاقتصاد الدائري من خلال استخدام المنتجات المحلية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المواد الغذائية كالخضراوات والفواكه المزروعة في الموقع؛ لاستخدامها في الفنادق والمناطق السكنية.

وأضاف مدير مشروع الجبل العالي أن المشروع يشتمل على حلول لإعادة استخدام المخلفات العضوية كمصدر للأسمدة والطاقة، وتدوير المياه لاستخدامها في الزراعة والخدمات الأخرى، مؤكدًا أن المشروع يهدف إلى بناء نظام متكامل للاقتصاد الدائري وتحقيق الاستدامة في الطاقة ومواد البناء، مع مراعاة طرق البناء وإعادة البناء مستقبلًا. وقال: "أخذنا هذه الجوانب بعين الاعتبار في التصميم والتنفيذ والإدارة".

خارطة السياحة العالمية

ومع تزايد الاهتمام بالمناطق الجبلية كوجهات سياحية ودور مشروع "الجبل العالي" في تعزيز مكانة السلطنة على خارطة السياحة العالمية، قال الرئيسي: "الوجهات السياحية الجبلية في الشرق الأوسط لم تُستغل بالشكل الأمثل، وهناك العديد من المناطق التي يُمكن تطويرها لتعزيز السياحة المحلية والدولية، ولكن لأهمية الجبل الأخضر للسلطنة وللعُمانيين وللخليجيين، نعتقد أن هذا المشروع سيحقق نجاحًا كبيرًا؛ حيث إن اعتدال المناخ والسكون يميّزان المنطقة؛ مما يجعله خيارًا فريدًا مقارنة بالمدن الكبيرة، ونطمح أن يصبح المشروع وجهة عالمية، ونموذج لوجهات أخرى مستقلة وتنفيذ مشاريع مماثلة في جبال ظفار، وأن يكون الإقبال محليًا وعالميًا كبيرًا".

وأبرز الرئيسي التحديات التي واجهها الفريق أثناء التخطيط وكيفية التغلب عليها، وقال إن أحد التحديات تمثّل في أن يكون المشروع متاحًا لكافة فئات المجتمع والأعمار، خاصةً الأطفال وكبار السن؛ لذا صُمِّمَ وفق بيئة ملائمة للجميع، مع تجنُّب المناطق المنحدرة التي قد تسبب صعوبة في الحركة أو تعبًا زائدًا؛ لضمان سهولة الوصول إلى جميع مرافق المشروع.

وفميا يتعلق بالتحديات اللوجستية، قال إن إدارة المشروع عكفت على البحث في كيفية نقل مواد البناء وغيرها، وقدمت مقترحات مناسبة ستساعد في مراحل التنفيذ المُقبلة، من أجل تسهيل العمل وتقليل التكاليف، خاصةً وأن تكلفة نقل المواد إلى الجبل مرتفعة حاليًا.

مقالات مشابهة

  • اسباقة: يجب إنشاء مطار متخصص لمكافحة الحرائق في نطاق مدن الجبل الأخضر
  • حرائق واسعة تجتاح الجبل الأخضر بليبيا وتقترب من المناطق السكنية .. فيديو
  • تأمين وصول الفوج السادس عشر من حجاج الجبل الأخضر إلى مكة المكرمة
  • حرائق ضخمة في الجبل الأخضر، وشكوك محلية بشأن افتعالها
  • حرائق في الجبل الأخضر بليبيا ومخاوف من اتساعها
  • وسط مخاوف من وصولها للمناطق المأهولة.. حرائق هائلة تجتاح غابات الجبل الأخضر
  • حرائق ضخمة تلتهم الغابات والمزارع في الجبل الأخضر شرقي ليبيا
  • وسط رياح عاتية.. حرائق واسعة تلتهم مناطق الجبل الأخضر شرقي ليبيا
  • “رؤية” تحذر من اتساع رقعة حرائق غابات الجبل الأخضر
  • الرئيسي لـ"الرؤية": مشروع "الجبل العالي" نقلة نوعية في تاريخ الاستثمارات العقارية والسياحية بعُمان