الزيادة في سعر البوطا.. هل هي مجرد كذبة أبريل؟!
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
بقلم: إسماعيل الحلوتي
في خضم مسلسل ارتفاع الأسعار المتواصلة حلقاته منذ شهور، والذي انعكست آثاره سلبا على غالبية المواطنات والموطنين، سواء منهم المنتمون للطبقات الفقيرة وذوو الدخل المحدود أو للطبقات المتوسطة، ولاسيما في هذا الشهر الفضيل رمضان حيث تتضاعف المصاريف اليومية. وفي الوقت الذي مازالت آلاف الأسر المغربية الفقيرة تنتظر حدوث "معجزة" للاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر، وإن كانت تعلم مسبقا أنه حتى في حالة ما إذا تحقق حلمها وحصلت على تلك ال"500" درهم في الشهر، فإنها لن تكون كافية للتخفيف عنها من أعباء الحياة وتكاليفها.
أبت بعض الجهات إلا أن تروج أخبارا زائفة عن استعداد حكومة عزيز أخنوش للزيادة في سعر "البوطاغاز" بما قدره 10 دراهم دفعة واحدة ابتداء من فاتح أبريل 2024 ليقفز بذلك ثمن القنينة من فئة 12 كيلو غراما إلى 50 درهما عوض أربعين فقط.
ذلك أنه بينما كان الحديث يدور بحنق ومرارة حول إقدام السلطات على توقيف "الدعم المباشر" لعدد من الأسر المغربية الفقيرة، ويتساءل الكثيرون منهم عن المعايير المعتمدة في انتقاء الفئات المستهدفة، خاصة منهم أولئك الذين فوجئوا بإشعارات على المنصة الخاصة بالدعم، تخبرهم من خلالها برفض طلباتهم واستبعادهم من قائمة المستفيدين، تحت ذريعة عدم توفرهم على شروط الاستفادة وفق معايير جديدة بما في ذلك امتلاكهم لقنينة غاز ذات الحجم الكبير وهاتف نقال، بعد أن كانوا يستفيدون منذ نهاية شهر دجنبر 2023، مما أثار حالة من السخط وموجة عارمة من الغضب، فإذا بمعظم المغاربة يتفاجؤون بعزم الحكومة تنفيذ وعدها في رفع الدعم تدريجيا عن غاز البوتان، عبر تفعيل قرار الزيادة في سعر "قنينة الغاز"، ليصبح ثمن "البوطاغاز" من فئة 12 كيلوغراما هو 50 درهما، وهو ما اعتبره البعض هدية مسمومة في هذه العشر الأواخر من شهر الغفران رمضان، خاصة أنه سبق للحكومة أن أعلنت عن هذا القرار ضمن إجراءات التقليص التدريجي لنفقات دعم الدولة.
بيد أنه لم يلبث أن اكتشف المواطنون بأن الأمر لا يعدو أن يكون "كذبة أبريل"، بعد أن مر اليوم الأول من شهر أبريل بسلام، وبقيت "البوطاغاز" في مكانها دون أن يصيبها ما يجعلها تحلق بهم بعيدا في الهواء.
وهنا كان لا بد من التساؤل حول ما إذا كان أمر الزيادة في "البوطاغاز" مجرد "كذبة أبريل"؟ يبدو أنه ليس كذلك، وإنما يرجح أن يكون "بالون اختبار" مادامت الحكومة أعلنت في وقت سابق عن نيتها في إنهاء مرحلة استفادة الجميع من دعم "البوطاغاز"، رافضة أن يستمر الأغنياء في شراء قنينات الغاز بنفس الثمن المخصص للفقراء، وهو ما أكده رئيسها عزيز أخنوش عندما كشف في أواخر شهر أكتوبر 2023 إبان مداخلة له أمام أعضاء البرلمان في جلسة عمومية مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، عن عزم حكومته إقرار العمل بالسجل الاجتماعي الموحد وصرف الدعم المباشر للأسر المستحقة، موازاة مع الشروع في الإلغاء التدريجي للدعم المخصص لقنينات الغاز مع مطلع شهر أبريل 2024، وأضاف قائلا بأن "البوطا" التي تباع للمستهلك ب"40" درهما حاليا، يصل سعرها الحقيقي إلى 130 و140 درهما، وهو ما تضطر معه الدولة إلى أداء الباقي من الميزانية العامة.
وبالرغم من كون الزيادة في أسعار قنينات الغاز لم تدخل حيز التنفيذ صباح يوم الاثنين فاتح أبريل 2024 كما كان مبرمجا لها بعد المصادقة على قانون المالية برسم سنة 2024، ومن أن حالة من القلق والتوجس استبدت كثيرا بالمواطنات والمواطنين، فإن هذا لا يعني أن الحكومة ستتراجع عن قرار الرفع التدريجي لدعم غاز البوتان ومن ثم الزيادة في سعر "البوطاغاز"، وإنما أرادت فقط تأجيل ذلك إلى حين نهاية شهر رمضان وصدور قرار حكومي رسمي، تفاديا لكل ما من شأنه أن يتسبب في إثارة المزيد من الاحتقان وتهديد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
إننا لا نعترض عن الزيادة في سعر "البوطاغاز" بشكل تدريجي إلى أن يصل 70 درهما سنة 2026، مادام الهدف هو إلغاء صندوق المقاصة وقطع الطريق أمام كبار الفلاحين والأثرياء الذين يقدمون على شراء أعداد كبيرة منها بنفس ثمن الفقراء، بيد أننا نرفض بشدة حرمان آلاف الأسر الفقيرة من الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر بدعوى ارتفاع "المؤشر"، ونطالب بإعادة النظر فيه حتى تعم الفائدة على قدم المساواة بين كافة المستحقين، والزيادة العامة في أجور الموظفين والعمال ومعاشات المتقاعدين، الذين لا نعلم الجهة التي تصر على إقصائهم عند إقرار أي زيادة مهما كانت جد هزيلة.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الزیادة فی سعر
إقرأ أيضاً:
أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
أحمد زيور باشا، هذا الاسم الذي يلمع في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد شخصية سياسية عابرة، بل هو رمز للإصرار والعطاء والتفاني في خدمة وطنه.
ولد زيور باشا في الإسكندرية عام 1864 في أسرة شركسية تركية الأصل، كانت قد هاجرت من اليونان، لكنه بالرغم من جذوره الأجنبية، حمل قلبه وروحه على مصر، وجعل منها مسرحا لحياته المليئة بالعطاء والمسؤولية.
منذ نعومة أظافره، أظهر أحمد زيور براعة وحسا عميقا بالواجب؛ فقد التحق بمدرسة العازاريين، ثم واصل دراسته في كلية الجزويت ببيروت، قبل أن يتخرج من كلية الحقوق في فرنسا، حاملا معه العلم والخبرة ليخدم وطنه الغالي.
طفولته لم تكن سهلة، فقد كان صبيا بدينا يواجه العقوبات بحساسية شديدة، وكان العقاب الأصعب بالنسبة له مجرد “العيش الحاف”، لكنه تعلم من هذه التجارب الأولى معنى الصبر والمثابرة، وكان لذلك أثر واضح على شخصيته فيما بعد، إذ شكلت بداياته الصعبة حجر أساس لصقل إرادته القوية وعزيمته التي لا تلين.
عندما عاد إلى مصر بعد دراسته، بدأ أحمد زيور مسيرته في القضاء، ثم تقلد مناصب إدارية هامة حتى وصل إلى منصب محافظ الإسكندرية، وبدأت خطواته السياسية تتصاعد بسرعة.
لم يكن الرجل مجرد سياسي يحكم، بل كان عقلا مفكرا يقرأ الواقع ويفكر في مصلحة الوطن قبل أي اعتبار شخصي، تولى عدة حقائب وزارية هامة، منها الأوقاف والمعارف العمومية والمواصلات، وكان يتنقل بين الوزارات بخبرة وإخلاص، ما جعله شخصية محورية في إدارة شؤون الدولة، وخصوصا خلال الفترة الحرجة بعد الثورة المصرية عام 1919.
لكن ما يميز أحمد زيور باشا ليس فقط المناصب التي شغلها، بل شخصيته الإنسانية التي امتزجت بالحكمة والكرم وحب الدعابة، إلى جانب ثقافته الواسعة التي جعلته يجيد العربية والتركية والفرنسية، ويفهم الإنجليزية والإيطالية.
كان الرجل يفتح صدره للآخرين، ويمتلك القدرة على إدارة الصراعات السياسية بحنكة وهدوء، وهو ما جعله محل احترام الجميع، سواء من زملائه السياسيين أو من عامة الشعب.
عين رئيسا لمجلس الشيوخ المصري، ثم شكل وزارته الأولى في نوفمبر 1924، حيث جمع بين منصب رئاسة الوزراء ووزارتي الداخلية والخارجية، مؤكدا قدرته على إدارة الأمور بيد حازمة وعقل متفتح.
واستمر في خدمة وطنه من خلال تشكيل وزارته الثانية، حتى يونيو 1926، حريصا على استقرار الدولة وإدارة شؤونها بحنكة، بعيدا عن أي مصالح شخصية أو ضغوط خارجية.
زيور باشا لم يكن مجرد سياسي تقليدي، بل كان رمزا للفكر المصري العصري الذي يحترم القانون ويؤمن بالعلم والثقافة، ويجمع بين الوطنية العميقة والتواضع الجم.
محبا لوالديه، كريم النفس، لطيف الخلق، جسوره ضخم وقلوبه أوسع، كان يمزج بين السلطة والرقة، بين الحزم والمرونة، وبين العمل الجاد وروح الدعابة.
هذا المزيج الفريد جعله نموذجا للقيادة الرشيدة في وقت كان فيه الوطن بحاجة لمثل هذه الشخصيات التي تجمع بين القوة والإنسانية في آن واحد.
توفي أحمد زيور باشا في مسقط رأسه بالإسكندرية عام 1945، لكنه ترك إرثا خالدا من الخدمة الوطنية والقيادة الحكيمة، وأصبح اسمه محفورا في وجدان المصريين، ليس فقط كوزير أو رئيس وزراء، بل كرجل حمل قلبه على وطنه، وبذل كل ما في وسعه ليبني مصر الحديثة ويؤسس لمستقبل أفضل.
إن تاريخ زيور باشا يعلمنا درسا خالدا، أن القيادة الحقيقية ليست في المناصب ولا في السلطة، بل في حب الوطن، والعمل الدؤوب، والوفاء للعهود التي قطعناها على أنفسنا تجاه بلدنا وشعبنا.
أحمد زيور باشا كان نموذجا مصريا أصيلا، يحكي عن قدرة الإنسان على التميز رغم الصعاب، ويذكرنا جميعا بأن مصر تحتاج دائما لأمثاله، رجالا يحملون العلم والقلب معا، ويعملون بلا كلل من أجل رفعة وطنهم وشموخه.
ومن يقرأ سيرته، يدرك أن الوطنية ليست شعارات ترفع، بل أفعال تصنع التاريخ، وأن من يحب وطنه حقا، يظل اسمه حيا في ذاكرة شعبه، مهما رحل عن الدنيا، ومهما تبدلت الظروف.