«ما رأيته يشبه فيلما عن الحرب العالمية الثانية»: القتال في السودان بعيون المصور علاء خير
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
علاء خير، مصور صحفي سوداني من مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور. بدأ التصوير كهواية، ولكن سرعان ما تحولت هذه الهواية إلى “إدمان” مثلما يقول. ظل ينقل للعالم، عبر عدسته، تفاصيل الأحداث التي تجري في بلده السودان. وعند اندلاع الحرب في أبريل 2023 وجد نفسه محاصرا في الخرطوم، مثل الكثيرين.
رغم المخاطر قرر أن يحمل كاميرته ويتجول في أنحاء السودان لينقل لنا الصورة كاملة عن حرب وصفها بأنها غريبة الأطوار.
حرب، مثلما يقول علاء، حولت العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح، فبدت كما لو أنها مشهد من فيلم سينمائي وليست المدينة الجميلة المفعمة بالحياة والحركة التي عرفها من قبل.
مع مرور سنة على الحرب في السودان، أجرت (أخبار الأمم المتحدة) حوارا مع علاء خير لينقل ما رآه خلال تجواله في مدن السودان المختلفة.
التغيير: وكالات
اسمي علاء الدين عبد الله، لكني معروف بـ علاء خير. أنا مصور وثائقي أكثر من كوني مصورا صحفيا. تتمحور تجربتي في التصوير حول توثيق الحياة من حولي. مع أنني لم أدرس التصوير كتخصص، لكن التصوير بدأ عندي كهواية ثم تحول إلى إدمان. كنت أصور أشياء مختلفة جدا قبل فترة الثورة السودانية، لكن أعتقد أن وجودي في السودان – في فترات مهمة تاريخيا مثل الثورة وتغيير الحكومة ثم بعد ذلك الحرب – جعلني أنظر إلى الأشياء بشكل مختلف تماما، وجعلني أركز على الحديث عن السودان بشكل شخصي، من منظور رؤيتي للأمور هناك.
أين كنت عندما اندلعت هذه الأحداث؟
كنت قد سافرت إلى مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر منذ بداية رمضان (2023) في رحلة للاستجمام والراحة قبل انطلاق السنة الجديدة. عدت من بورتسودان إلى الخرطوم يوم جمعة- أي قبل يوم من انطلاق شرارة الحرب، ثم فاجأتنا هذه الحرب الغريبة. عندما بدأ إطلاق النار لم نكن نتخيل أنه يمكن أن يتطور إلى حرب بهذا الحجم. اعتقدنا أنه سيكون مثل أحداث عديدة حدثت خلال السنين الفائتة، مثل انقلاب خفيف أو مناوشات بين مجموعات مختلفة. لأن كل هذه الأمور حدثت خلال السنين الفائتة. طوال الأيام الأولى من الحرب كنت أحس أنها مسألة ستنتهي في غضون ساعات. ثم تحولت الساعات إلى أيام ثم أسابيع. طوال هذه الفترة كنت أقيم في شقتي في حي الرياض في العاصمة الخرطوم والذي كان في قلب الاشتباكات خلال الأيام الأولى من الحرب.
حدثنا عن عملك مع الأمم المتحدة؟
واحدة من الأمور المهمة التي يحتاجها المصور هي القدرة على الحركة وزيارة أماكن مختلفة بهدف تغطية مواضيع مختلفة. وقد كانت الأمم المتحدة واحدة من هذه الجهات التي مكنتني من زيارة أماكن والوصول إلى مواضيع أريد التحدث عنها.
عملت خلال السنوات الفائتة كمتعاقد مع عدد من الوكالات الأممية منها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأغذية العالمي ومفوضية شؤون اللاجئين. كانت الأمم المتحدة بمثابة مدخل لي للوصول إلى عدد من الأماكن التي لم يكن بوسعي الوصول إليها بدون التعاون معها.
تميزت هذه الحرب بمستوى عالٍ من الدمار- دمار البنية التحتية والمؤسسات. أنت كمصور صحفي وثائقي ما هو شعورك عندما ترى كل هذا الدمار وتصوره وتنقله للعالم بعدستك؟
عند خروجي من الخرطوم إلى أم درمان بعد اندلاع الحرب، انتابني إحساس غريب للغاية: أن تتحول مدينة الخرطوم، تلكم المدينة الحية، المزدحمة والمليئة بالحياة فجأة إلى مدينة أشباح، خاوية تماما والشوارع مليئة بالجثث. طوال حياتي رأيت نزوحا وحروبا كثيرة عندما كنت أوثق الحرب في دارفور، لكن ما رأيته في الخرطوم، في أول أيام الحرب، كان من الصعب على الفرد أن ينساه أو يتخطاه. إنه أمر محزن جدا، بدا وكأني أشاهد فيلما عن الحرب العالمية الثانية، ولكن الفرق الوحيد أنه مشهد حي وأنني كنت جزءا منه.
ماهو أكثر شيء لفت انتباهك أثناء تجوالك داخل السودان خلال أيام الحرب هذه؟
عند خروجي من الخرطوم اتجهت مباشرة إلى مدينة ود مدني لأن مدني كانت تضم أكبر عدد من النازحين من الخرطوم. غادر عدد كبير من الناس إلى مدن أخرى وإلى خارج السودان لكن الغالبية العظمى منهم توجهوا إلى مدني. وكانت هي محطتي الأولى، وأثناء وجودي فيها رأيت انهزاما في وجوه الناس. اكتشف الناس فجأة أن حياتهم قد تدمرت وأن عليهم البدء من جديد، ولكن للأسف حتى فرصة البدء من جديد هذه غير متاحة لأن الوضع معلق. تحول الناس من أناس عاديين يعيشون حياتهم بصورة طبيعية في الخرطوم إلى نازحين يعيشون في المدارس أو مزارع الدواجن المهجورة، وقد رأيت الأمر نفسه في باقي الولايات. كل ولاية أزورها أجد أن الناس يسكنون في أماكن غريبة جدا. وكان الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لي عندما أقابل أشخاصا أعرفهم لأنه ليس باستطاعتي فعل أي شيء لمساعدتهم. صحيح أن الحرب بدأت أولا في الخرطوم لكن تأثيرها – الأثر النفسي وأثر النزوح- امتد بسرعة إلى الولايات. لقد غيرت الحرب – ومن أول أيامها – الوضع في البلاد بشكل غير طبيعي.
أنت صورت ونقلت لنا المعاناة عبر وجوه العشرات من الأشخاص المتأثرين من هذه الحرب داخل السودان. ذكرت أنك رأيت الانهزام في وجوه الناس. ماذا يقول لك هؤلاء الناس عندما تطلب أن تلتقط صورا لهم؟
كنت دائما أحاول التعرف على قصص الأشخاص وأحاسيسهم قبل تصويرهم، وهذا يساعدني في تكوين الصورة المناسبة. في مرات كثيرة يكون من الصعب (نفسيا) سماع المعاناة التي مر بها الناس، وخاصة السيدات والفتيات اللواتي عانين كثيرا وتعرضن للتحرش وعانين من الخوف- والخوف الذي تمر به السيدة مختلف عن الخوف الذي يمر به الرجل. أكتب بعض القصص التي أسمعها وأصور بعضها الآخر، لكن عموما ليس من السهل الاستماع إلى شخص يحكي عن معاناته، وليس من السهل على كل فرد الحديث عن المعاناة التي مر بها. أحاول من خلال الصور عكس الحوارات التي دارت بيني وبين هؤلاء الأشخاص. لكن هذا جزء بسيط من عدد الناس الذين تحدثت إليهم. استعطت تكوين فكرة عن المعاناة التي يمر به هؤلاء الأشخاص والتحديات التي تواجههم واستخدمت الصورة لعكس معاناتهم إلى العالم.
تعرض الكثير من الصحفيين في السودان للاستهداف من قبل أطراف الصراع، كيف استطعت التنقل في مناطق واسعة من السودان دون أن يتعرض لك أحد؟ هل كنت خائفا عند تنقلك داخل السودان؟
منذ لحظة خروجي الأولى من منزلي في الخرطوم إلى أم درمان كانت واحدة من أصعب الأمور أن تحمل معك كاميرا. هناك استهداف كبير جدا للمصورين خاصة والصحفيين عموما. يتحول هذا الاستهداف إلى أن يتهمك أحد الأطراف بأنك جاسوس للطرف الآخر. إنه أمر مخيف للغاية. لم يكن بوسعي أن أعرض نفسي للخطر لأن هناك الكثير من الناس الذين يعتمدون على وخاصة والدي ووالدتي. وبالتالي كان لابد لي أن أكون حذرا. طوال فترتي داخل السودان كنت أحمل أقل ما يمكن من المعدات. مثلا عن سفري بين الخرطوم ومدني كنت دائما أخبئ كاميرتي داخل حقيبة وأخبؤها مع معدات سيارتي، ولكن مع ذلك كان ينتابني خوف كبير جدا، لأنه في بعض المرات أثناء التفتيش من قبل الجيش أو الدعم السريع عندما يجدون بحوزتك كاميرا أو حتى صور في هاتفك المحمول فإنهم يستهدفونك ويسيئون إليك ويخيفونك ويتهمونك بالتجسس لمصلحة الطرف الآخر. وهذا أمر خطير للغاية. إنها تجربة صعبة للغاية أن تعبر نقطة تفتيش وبحوزتك كاميرا.
أين تعيش أسرتك حاليا؟
توزعت أسرتي بين مصر والسودان وليبيا. نحن نمر بمرحلة لا يمكننا فيها التخطيط للمستقبل لأن هناك الكثير من المعطيات التي لا يمكننا التحكم فيها. أسرتي- مثل معظم الأسر السودانية- في مرحلة من الشتات وما يحدث في المرحلة القادمة يعتمد اعتمادا كبيرا على ما سيحدث في السودان خلال الفترة المقبلة.
أخيرا، هل لديك رسالة؟
أعتقد أن حجم الكارثة التي يمر بها السودانيون أكبر بكثير مما تنقله وسائل الإعلام. نحن في حرب غريبة للغاية من نوعها. حرب يحاول كل طرف فيها أن يقضي على الآخر، وبينهما يدفع المواطن الثمن باهظا. المواطن هو الذي يدفع ثمن الدمار والخسران الكبيرين.
العدد الأكبر من القتلى هم من المواطنين، إضافة إلى الأضرار الأخرى – النفسية والجسدية – التي مرت بها الأسر، هذا بخلاف حقيقة أن عددا كبيرا من السودانيين خسروا كل شيء. والآن قد مرت سنة دون أن تلوح أي بادرة حل في الأفق. من المهم جدا أن يلتفت العالم لما يحدث في السودان. نحن نتحدث عن 8 ملايين شخص تأثروا، بصورة مباشرة، بهذه الحرب وأصبحوا نازحين ولاجئين.
ظلت المدارس مغلقة منذ سنة كاملة ولا يحصل الأطفال على التعليم ولا تتوفر مقومات الحياة الأساسية للسودانيين- سواء داخل السودان أو في مخيمات اللجوء في جنوب السودان أو تشاد. السودان بحاجة إلى وقفة كبيرة جدا من العالم.
الوسومآثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع الأمم المتحدة داخل السودان الخرطوم إلى فی السودان فی الخرطوم إلى مدینة هذه الحرب الحرب فی
إقرأ أيضاً:
الخرطوم تطرق أبواب الاتحاد الأفريقي مجددًا.. دعم إقليمي مشروط بعودة الحكم المدني
رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على قرار الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية السودان عقب الإجراءات التي أعلنها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، تعكف السلطات السودانية حاليًا على اتخاذ خطوات عملية لإعادة الاندماج في المنظومة الأفريقية، وسط شروط واضحة يفرضها الاتحاد ودعم إقليمي متزايد.
كان الاتحاد الأفريقي قد جمّد عضوية السودان في 27 أكتوبر 2021، عقب إعلان الجيش السوداني حالة الطوارئ وحلّ الحكومة الانتقالية. واعتبر الاتحاد هذه الإجراءات "انقلابًا غير دستوري"، متعهدًا بعدم التسامح مع أي خروقات للمبادئ الديمقراطية المتفق عليها في ميثاقه التأسيسي.
تحركات دبلوماسية سودانية باتجاه العودةفي فبراير 2025، أرسل وزير الخارجية السوداني علي يوسف مذكرة رسمية إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي، طالب فيها بإعادة النظر في تعليق عضوية السودان، مشيرًا إلى "وضع البلاد خارطة طريق واضحة لنقل السلطة إلى المدنيين".
وفي مارس من نفس العام، زار نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار مقر الاتحاد الأفريقي في جيبوتي، حيث التقى برئيس مفوضية الاتحاد، محمود علي يوسف، وبحث معه سبل تفعيل آليات عودة السودان إلى الاتحاد، في إطار المسار السياسي الجديد.
شروط الاتحاد واضحة وصارمة
يشترط الاتحاد الأفريقي لرفع التجميد ما يلي:
عودة ملموسة للسلطة المدنية.
إنهاء الانقلابات والسيطرة العسكرية.
تنفيذ خارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية.
وأكد مفوض الشؤون السياسية والأمن في الاتحاد، بانكول أديوا، أن "لا عودة لعضوية السودان قبل استعادة الحكم المدني الكامل"، مشددًا على التزام الاتحاد بمبادئه ضد الانقلابات العسكرية.
من جهتها، أعلنت السلطات السودانية جدولًا زمنيًا يفضي إلى تعيين رئيس وزراء مدني بحلول فبراير 2025، في خطوة تُعد اختبارًا حاسمًا أمام مجلس السلم والأمن، الذي يُتوقع أن يعيد تقييم قرار التعليق بناءً على مدى الالتزام الفعلي بهذه التعهدات.
وفي إطار تعزيز الحضور الإقليمي، حصل السودان على دعم سياسي من عدة دول، من بينها مصر، غامبيا، وسوريا، ما يُضيف زخمًا للمطالبات بإعادة النظر في قرار التجميد.
دعم رمزي وتحرك مؤسساتيكشفت وكالة وادي النيل عن مؤشرات جديدة على تنامي الدعم الأفريقي للسلطات السودانية:
بعث رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، رسالة تهنئة إلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمناسبة عيد الأضحى، مؤكّدًا حرص الاتحاد على "تعزيز التعاون وتقوية أواصر الأخوة مع السودان".
قدّمت 12 دولة أفريقية داخل الاتحاد مقترحًا لإدانة تمرد قوات الدعم السريع، مشددة على دعمها للحكومة الشرعية والخارطة الانتقالية.
مؤشرات إيجابية.. والقرار النهائي رهن التنفيذ
تشير كل هذه التحركات إلى تقارب تدريجي بين السودان والاتحاد الأفريقي، لكن القرار النهائي ما زال مشروطًا بالتنفيذ الفعلي لخطة الانتقال السياسي، خاصة تشكيل حكومة مدنية حقيقية، وضبط العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسية.
خلاصة الموقفحتى اللحظة، لم يُرفع تعليق عضوية السودان. إلا أن الطريق بات واضحًا: إذا التزمت الحكومة السودانية بخارطة الطريق وأقدمت على خطوات جادة لتسليم السلطة إلى المدنيين، فإن الاتحاد الأفريقي قد يُصدر قرارًا خلال الأشهر المقبلة يسمح بعودة السودان إلى حضنه القاري.