دروس مستخلصة من عيد الأضحى "الغائب الحاضر"
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
في عام غاب فيه طقس الأضحية عن البيوت المغربية، حضرت أسئلة أعمق عن علاقتنا الجماعية بهذه الشعيرة: بين الحكمة في الحفاظ على القطيع، وتحدّي إصلاح سلوكيات رسّختها العادة. ما الذي ربحناه؟ وما الذي وجب أن نُغيّره؟
في خطوة استثنائية فرضتها ظرفية مناخية واقتصادية دقيقة، جاء القرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة ذبح الأضاحي لهذه السنة كإجراء حكيم يستهدف بالدرجة الأولى الحفاظ على القطيع الوطني الذي تضرّر بفعل توالي سنوات الجفاف.
بحسب الأرقام الرسمية، شهد القطيع الوطني للأغنام خلال السنوات الأخيرة تراجعًا مقلقًا في أعداده، مقابل ارتفاع غير مسبوق في كلفة الأعلاف التي سجّلت زيادة بين ٪40 إلى ٪60.
في هذا السياق، كان استمرار الذبح الجماعي لملايين رؤوس الأغنام كفيلًا بتعميق الأزمة وضرب استدامة القطاع.
جاء القرار إذن ليُمكّن المربّين والفلاحين من الحفاظ على 5.5 إلى 6 ملايين رأس كانت ستُستهلك خلال العيد، بما يتيح إعادة التوازن لهذا القطاع الحيوي.
قرار الإلغاء أتاح كذلك مناسبة لإعادة التفكير في مظاهر سلبية باتت تشوّه صورة العيد: الذبح العشوائي في الأزقة والساحات، في غياب الشروط الصحية؛ تقطيع اللحوم في ظروف غير ملائمة وخارج المراقبة الرسمية؛ شيّ الرؤوس والأرجل باستخدام مواد غير صالحة أو بقايا إطارات السيارات المحروقة، بما يخلف من أضرار بيئية وصحية؛ انتشار أسواق الأعلاف العشوائية في الشوارع؛ تكدّس النفايات في الأحياء السكنية وما ينتج عنه من ضغط على خدمات النظافة؛ إضافة إلى الضغط المتكرر على قنوات الصرف الصحي في العمارات
طالما شكّل عيد الأضحى مناسبة ذات وقع اقتصادي مزدوج: ففي حين يُنعش أنشطة تجارية واسعة ويرفع من دخل الفلاحين والكسابة، فإنه في المقابل يُثقل كاهل الأسر وينتج عنه ضغط كبير على المرافق العمومية.
فيما يلي نضع بين أيديكم بعض الأرقام الاقتصادية الدالة المرتبطة بهاته المناسبة:
الأسر المغربية تنفق ما بين 30 إلى 36 مليار درهم على العيد، بين كلفة الأضحية (أزيد من 24 مليار درهم) ومصاريف إضافية (ملابس، أعلاف، نقل…).
العيد كان يدر على الفلاحين رقم معاملات يناهز 4 إلى 5 مليارات درهم، مع ارتفاع ملحوظ في أسعار الأضاحي.
قطاعات النقل، والمواد الاستهلاكية، والتوزيع تعرف رواجا استثنائيا ضمن دينامية تجارية جد واضحة.
الدولة تتحمل كلفة اجتماعية وبيئية مرتفعة: نفقات ضخمة في النظافة (250-300 مليون درهم)، عبء إضافي على قطاع الصحة بسبب الحوادث والتسممات،
استهلاك مفرط للماء والكهرباء (+15% إلى 20%).
خسارة الدولة لرقم معاملات مرتبط لTVA يقدر بين 700 و900 مليون درهم.
هذا الواقع يعيد إلى الواجهة النقاش حول التوازن بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للعيد. صحيح أن قرار الإلغاء خفّف، فعليًا، العبء المالي عن الأسر في سياق ارتفاع الأسعار، لكنه بالمقابل كشف نوعًا من اللهفة الاستهلاكية على اللحوم الحمراء، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وهو مؤشر على الحاجة إلى إصلاح ثقافة الاستهلاك المرتبطة بهذه المناسبة.
وجبت الإشارة إلى أن الامتثال للقرار الملكي جاء نتيجة تفهم عميق للظرفية والسياق الذي صدر فيه الخطاب، مدعومًا بقدر كبير من الوعي والمسؤولية التي أبان عنها المواطنون. غير أن هذا الامتثال لم يُبنَ على القناعة الذاتية وحدها؛ فقد ساهمت فيه أيضًا منظومة رقابة متكاملة:
أجهزة الرقابة الرسمية عزّزت حضورها الميداني.
التكنولوجيا الحديثة (كاميرات المراقبة، شبكات التواصل الاجتماعي) جعلت السلوكيات المخالفة مرئية للجميع.
الرقابة المجتمعية لعبت دورًا بارزًا، حيث وثّق المواطنون بعضهم بعضًا، مما عزّز الانضباط العام.
هذا التحوّل يُبرز أن بناء الوعي الجماعي لا يتم فقط عبر الخطاب الرسمي، بل عبر بيئة شفافة تُحفّز السلوك المسؤول.
بالنهاية، أثبتت تجربة هذا العام أن عيد الأضحى ليس مجرد شعيرة دينية، بل هو مرآة لسلوكنا المجتمعي. الفرصة اليوم متاحة أمام الجميع دولة، مجتمع مدني، فاعلين اقتصاديين، مواطنين لإرساء قواعد جديدة لاحتفال حضاري بالعيد. تنظيم أسواق الأعلاف، توسيع شبكة المذابح المرخصة، حظر صارم للممارسات الضارة كشيّ الرؤوس بإطارات السيارات، وتعزيز التربية البيئية والصحية عبر الإعلام والمدرسة… كلها خطوات ضرورية في هذا المسار.
لا يجب أن ينسينا الانغماس اليومي، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، بأن العيد في جوهره هو قبل كل شيء، هو شعيرة دينية سامية، تُحيي معاني الإيمان والتضحية والتقرب إلى الله، وأن الحفاظ على هذا البُعد الروحي هو ما يمنح العيد قيمته ومعناه العميق وسط كل التحولات.
فالهدف ليس أن يبقى العيد « غائبًا »، بل أن يعود حاضرًا بروح متجددة، نظيفًا، راقيًا، ومنسجمًا مع متطلبات مغرب حديث.
« ليست قوة القوانين وحدها ما يُنظّم المجتمع، بل وعي أفراده بأن القيم الراسخة هي ما يمنح للأعياد معناها الحقيقي.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الحفاظ على
إقرأ أيضاً:
157 مليار درهم حجم سوق البناء في الإمارات خلال 2025
يوسف العربي (أبوظبي)
يبلغ حجم سوق البناء في دولة الإمارات 156.89 مليار درهم «42.75 مليار دولار» في عام 2025، بحسب دراسة حديثة لشركة «موردور إنتليجنس» للأبحاث.
وتوقّعت الدراسة التي اطّلعت عليها «الاتحاد»، توسّع السوق إلى 193.26 مليار درهم «52.66 مليار دولار» بحلول عام 2030، مما يعكس معدل نمو سنوياً مركّباً بنسبة %4.2 خلال الفترة (2025 - 2030). وأكدت الدراسة أن نمو السوق يعكس زخم الاستثمارات مجالات النقل، ومشاريع الإسكان، والمناطق الصناعية، بما يتماشى مع أجندة التنويع الاقتصادي في الدولة، مشيرة إلى أنه تم تعزيز مرونة السوق بشكل أكبر من خلال قوانين البناء الأخضر الإلزامية التي ترفع مواصفات المشاريع والاهتمام المتزايد بسرعة البناء.
التجارة الحرة
وأكدت الدراسة أن سياسات التجارة الحرة في الإمارات، تجتذب المستثمرين الأجانب وتعزّز نمو الاقتصاد، لا سيما في قطاع البناء والتشييد الذي يسهم بدور حيوي في النهضة الاقتصادية والتنمية. ولفتت إلى زخم المدن الذكية في الإمارات وتسارع اعتماد تكنولوجيا جديدة والبحث عن بدائل أكثر استدامة ومؤتمتة، والتي تضمن تطوير بنية تحتية أكثر صداقة للبيئة وفعالية، لتوفير حياة أفضل للسكان.
ونوّهت الدراسة إلى استثمارات الدولة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، بما في ذلك المرافق والنقل وإزالة الكربون وتوليد الطاقة المتجددة.
القطاع السكني
ووفق القطاعات، تصدَّر قطاع البناء السكني حصة إيرادات القطاع، مستحوذاً على نسبته 38.76% من حجم السوق في عام 2024، ومن المتوقّع أن ترتفع البنية التحتية للنقل بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 5.98% حتى عام 2030.
وحسب نوع البناء، استحوذت مشاريع البناء الجديدة على 66.5% من حصة سوق البناء في الإمارات في عام 2024، بينما من المتوقّع أن تتوسّع أعمال التجديد بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 6.65% حتى عام 2030.
ووفق طريقة البناء، سيطرت الأساليب التقليدية في الموقع على 90.5% من حجم سوق البناء في الإمارات في عام 2024، فيما تتقدم تقنيات البناء الجاهزة بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 6.87% حتى عام 2030. وأوضحت الدراسة أن المطورين العقاريين استفادوا من برنامج التأشيرة الذهبية، فأطلقوا مجمّعات سكنية متوسطة الدخل بالقرب من وسائل النقل ومحطات المترو لاستقطاب طلب المستخدمين النهائيين الساعين للتحول من الاستئجار إلى التملك. ونوّهت إلى أنه تم تخفيف القيود على الرهن العقاري، كما شجّعت حماية حسابات الضمان الخاصة بالتسليم على البيع على الخريطة، مما أدى إلى استدامة الطلب على تنفيذ المشاريع وخدمات المقاولات.
ولفتت الدراسة إلى زيادة الإقبال على تنفيذ الأبراج الشاهقة، كما يؤدي اعتماد «التوأم الرقمي» في المجمعات السكنية الجديدة إلى تقصير دورات التصميم، ودعم ضمانات أداء الطاقة، بما يتماشى مع متطلبات المباني الخضراء.
استحواذ
كشفت دراسة «موردور إنتليجنس» عن تزايد اتجاه شركات المقاولات الأوروبية الرائدة للاستحواذ على شركات محلية قائمة، مما يسهم بدوره في دمج القدرات ويُعزّز القدرة على تصميم وبناء المشاريع العملاقة. واستكملت: يتزامن هذا الاتجاه مع سعي شركات المقاولات العالمية إلى التنويع بعيداً عن الأسواق الغربية الناضجة، مما يجعل سوق البناء في الإمارات منفذاً جذاباً للنمو وعلى المدى الطويل، متوقِّعة أن تُسهم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في رفع معايير التنافسية وتسريع انتشار التكنولوجيا.